خالد صادق لا زالت جنين تنفض غبار المعركة عن ثوبها الناصع، وتمسح العرق عن جبين أبنائها المقاتلين، وتودع شهداءها الميامين، وتقيم بين ازقتها وحواريها بيوت العزاء لاستقبال المهنئين، لا زالت جنين تعالج جراحها، وتنهض من بين الركام, لتعلي هاماتها مفاخرة بأبنائها الشرفاء, الذين دافعوا عنها حتى اخر قطرة من دمائهم الطاهرة, ولا زالت جنين تجفف الدمع الذي سال من عيون الأمهات اللواتي ودعن ابناءهن بالزغاريد والفرح وبهجة الانتصار, جنين التي تلف على خاصرتها ازار العز والفخار, وتتوج رأسها أكاليل أكاليل الورود واطواق الزهر والياسمين, وهى تتوشح ثوب الحداد على ما فقدت من خيرة أبنائها واطفالها وشيوخها, وكأن جنين دائما على موعد مع المجد المصنوع بأيدي أبنائها الشرفاء, جنين كانت بالأمس تستقبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس, الذين جاءها بهوية لا تناسبها ولا تعبر عن شخصيتها ولا تنتمي اليها, هوية لا تتناسب مطلقا مع عطائها وتضحياتها وايمانها بمقاومتها, ذاك الايمان الذي لا يتزعزع, ولا يمكن المساومة عليه, ولا يمكن تبديله او تأويله او الالتفاف عليه, هوية التسوية التي تتناقض مع قناعة وعطاء وتضحيات ومجد وتاريخ مخيم جنين.

آخر مرة حل فيها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في جنين قبل احد عشر عاما عندما زار منزل محافظ اجنين الأسبق قدورة موسى لتقديم واجب العزاء بوفاته, رئيس السلطة محمود عباس أراد من خلال زيارته لجنين ان يثبت لإسرائيل ان جنين لم تخرج عن طاعته, وانها لا زالت تحت وصايته, ولم يفقد السيطرة عليها, لذلك كان المطلوب اظهار الصورة والحشد, حتى وان كان معظم الحاضرين لكلمة محمود عباس في جنين من أبناء الأجهزة الأمنية ولكن بلباس مدني, وتم حشد الجماهير لإظهار الصورة, فالزيارة ليست لجنين لدعم مقاومتها, وتصليب جبهتها الداخلية, وتثبيت قواعد الاشتباك مع الاحتلال الصهيوني, الزيارة تأتي فقط لاستعادة السلطة للثقة المفقودة والاثبات للإدارة الامريكية والاحتلال الصهيوني ان العقد لم ينفرط من يديها, وانها لا زالت حاضرة في الميدان, وقادرة على إدارة الأوضاع, الرئيس محمود عباس لم يجد ما يخاطب به أهالي جنين الا بوعدهم بإعادة بناء وتعمير المخيم, وليس هذا ما أرادوا ان يسمعوه, لماذا لم يحيي المقاومة ويتحدث عن الشهداء ويعطي أهلهم حقوقهم؟ لماذا لم يجير أجهزة امنه للدفاع عنهم, لماذا لم يدعم كتائب الأقصى ويشرعها؟ جنين لا تشبه رئيس السلطة محمود عباس، ولا تشبه المتنفذين الذين كانوا يحيطون به, ولا تشبه الالاف من عناصر الامن التي كانت منتشرة في ارجاء جنين لتحميه من أهالي مخيم ومحافظة جنين, هل يحتاج المشهد لكل هذا الحشد الأمني؟ هل يحتاج الى كل هذا الارباك والحديث عن الغاء الزيارة لجنين, وعدم الالتقاء باسر الشهداء, وتجنب الحديث عنهم وكأن الشهادة في عرف السلطة أصبحت «عاراً»؟ هل تعكس الصورة التي سعى رئيس السلطة اليها مدى تأييده في الشارع الفلسطيني, والموافقة على سياسته التي لا تخرج عن دائرة التسوية مع الاحتلال الذي تجرد من أي مسؤولية تجاه ما تسمى بمسيرة السلام؟ هل يمكن للصورة التي أرادها محمود عباس في جنين ان تشفع له لدى إسرائيل والإدارة الامريكية اللتين اتهمتاه بالضعف وعدم السيطرة على الأوضاع في الضفة الغربية؟ وهل يكفي هذا المشهد لان يستعيد محمود عباس الثقة المفقودة في الشارع الضفي, والتي اظهرتها استطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز بحثية مستقلة, واظهرت نتائجها تدني شعبية السلطة ورئيسها الى حد كبير, وعدم رضا مطلقا عن سياسة السلطة, وفقدان الثقة تماما في أدائها, والفساد الذي يلاحقها دائما؟ رئيس السلطة محمود عباس يأتي لجنين «عنوة» وهو يعتقل قيادات من المقاومة الفلسطينية, ويواصل التنسيق الأمني مع الاحتلال, ويدين خيار المقاومة الذي ترفع شعاره جنين, ويرفض تعدد خياراته في مواجهة الاحتلال, فهل ينتظر ان يصدق احد ان أهالي جنين استقبلوه بالترحاب, وانه يلقى تأييداً لسياساته الاستسلامية؟ كيف يمكن ان يحدث ذلك, وجنين بيت المقاومة وحديقة الضفة التي توزع رحيقها على كل المدن والبلدات والمخيمات؟ لا تخدعوا أنفسكم لان سياسة خداع النفس تؤدي دائما الى انتكاسات, فلطالما خدعتم أنفسكم من قبل بصوابيه مسار السلام, لكنكم اصطدمتم في النهاية بالحقيقة المرة, انكم كنتم تراهنون على السراب, وان السلام انتهى بكم الى الهزيمة والاستسلام, واليوم وانتم تراهنون على ترويض جنين ومقاومتها, ستفاجؤون أيضا بان جنين عصية عليكم, وهى اقوى مما تتخيلون, ولا يمكن خداع أهلها واقناعهم بأن السلطة بمواقفها الثابته سياسيا تعبر عنهم وتتحدث بلسانهم, وان الهم الأكبر لديها اليوم, هو السعي الحثيث لتحسين حياتهم المعيشية واوضاعهم الاقتصادية, فجنين لا تطيب لها الحياة في ظل الاحتلال, ولا يمكن ان تقبل العيش بمهانة تحت بطشه وجبروته. السلطة ارادت ان تستثمر انتصار جنين لخدمة مسار التسوية، وهى تهوي وتتدحرج شيئا فشيئا وصولا الى قاع السلام, ومعركتها الحقيقية ليست مع «إسرائيل» انما معركتها تتمثل في اقناع الفلسطينيين بصوابية خيار التسوية, وهذه معركة خاسرة فمن يقودونها مهزومون, لا يؤمنون بقوة الشعب وقدراته الهائلة, لذلك سيبقون يدورون في دائرة مفرغة دون حصاد, ولن يجنوا الا المزيد من الخسائر, فميدان جنين المقاومة اكبر منهم جميعا. كاتب فلسطيني

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: عباس فی جنین رئیس السلطة محمود عباس ولا یمکن

إقرأ أيضاً:

مواجهات وتطورات خطيرة في مخيم جنين بالضفة الغربية

تذكر هذه الأحداث بفترة الاقتتال الداخلي في قطاع غزة التي أزهقت أرواح المئات من الفلسطينيين برصاص أشقائهم.

فقد لقي مساعد أول ساهر فاروق جمعة أرحيل، أحد أفراد الحرس الرئاسي، مصرعه يوم الأحد خلال تبادل إطلاق نار عنيف، فيما أصيب شخصان آخران.

تتصاعد حدة المواجهات بشكل يومي مع تعزيز السلطة لوجودها داخل المخيم الذي أصبح منذ سنوات الانتفاضة الثانية مركزًا للنشاط المسلح ورمزًا للمقاومة.

تستعين السلطة الفلسطينية بقوات مدربة جيدًا ومعدات متطورة، بما في ذلك آليات مدرعة مجهزة بأسلحة حديثة وكلاب بوليسية للكشف عن المتفجرات.

في المقابل، يستخدم المسلحون أسلحة رشاشة وعبوات ناسفة، مما يخلق مشهدًا يبعث على القلق بين أوساط الفلسطينيين ويزيد من الشعور بالتوتر والاستياء.

مقالات مشابهة

  • كاريكاتير محمود عباس
  • وزير الشئون النيابية يلتقي رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
  • قيادي بكتيبة جنين للجزيرة: سلاحنا موجه للاحتلال ولن نسمح بنزعه
  • قائد كتيبة جنين للسلطة: سلاحنا موجه للاحتلال وسنستمر في ذلك
  • 3 شهداء في جنين وقتيلان من أمن السلطة خلال العمليات ضد المقاومة في المخيم (شاهد)
  • مواجهات وتطورات خطيرة في مخيم جنين بالضفة الغربية
  • حركة الجهاد: اجهزة السلطة قتلت 14 فلسطينيا في جنين
  • المقاومة تحمل السلطة الفلسطينية المسؤولية عن محاصرة مخيم جنين
  • قادة المقاومة في مخيم جنين يطالبون أهل الضفة بكسر حصار السلطة للمخيم
  • معركة السلطة في جنين بين دعم أميركا ورضا إسرائيل