الدكتور جيلبير المجبِّرْ من الأهم في الدول المتحضِّرة أنّ القضاء هو أحــد أهــم أركــان الدول التي تحترم القوانين بحيث يشترط الأمر وجود قضاء نزيه شفّاف مستقل ، وعندما يكون القضاء جزء من تركيبة الدولة والنظام فبالتالي يُعد الوطن لبنان في أسوأ حالاته على صعيد تسييسه وفقًا لأغراض وطموحات شخصية يُمارسها من بيدهم السلطة وغالبًا ما يُمسِكْ هؤلاء بالسلطة بطريقة تتناقض والنظام الديمقراطي .

وصل إليّ بالأمس وعن طريق مكتب المحاماة خاصتي المُكلّف متابعة أوضاعي الشخصية وأوضاع مؤسستي في لبنان خبرًا مفاده أنّ الإعلامية ديما صادق تلقّتْ خلاصة حكم من المُدعي جبران باسيل بجرم القدح والذم وتعكير السلم الأهلي ، وعند مراجعتي حيثيات الحكم وإستنادًا لمطالعة محامي الخاص ” هذا الحكم مُسيّسْ ، ويأخذ طابع كيدي على خلفيات سياسية…” لبنان جمهورية فاقدة للهيبة وللسيادة ولا يوجد فيه وللأسف الحكم الصالح ، بل عصابات تُديره وفقًا لمصالحها وبالتالي هناك عملية مدروسة وممنهجة لتطبيق شريعة الغاب . القضاء اللبناني يمُّرْ بإنتكاسات وقرارات قضائية إعتباطية وهذا ما يؤدّي إلى ضعف ثقة المجتمع الدولي بالأحكام التي تصدر عن محاكمه لأنّ الإلتباس في هذه الأحكام هو سيّد الموقف ، وهذا القضاء يشكو كما غيره من التدخلات السياسية على مصراعيها حيث لا تعيين لقاضٍ على قوس محكمة إلاّ إذا كان مواليًا لزعيم من زعماء لبنان الوافدين إلى العمل السياسي خلافًا للقانون وأكثر من ذلك ما من دعوى تُقام أمام مطلق هيئة محكمة إلاّ ويكون هناك سياسي يُملي على القاضي ومستشاريه آلية معينة لإصدار حكم ما في قضية معينة .لا حاجة لتذكير المواطن اللبناني عن عملية سطو نظّمها أحد الحزبيين على العدلية في موضوع حسّاس ممّا لزمَ الأمر إلى تمييع التحقيقات … تعمدتُ مساء أمس زيارة أحد المُلحقين القانونيين في سفارة دولة أوروبية في العاصمة الفرنسية مستطلعًا منه أولاً خلفيات تسييس القضاء اللبناني وثانيًا سؤاله إذا كان من المتابعين للحكم الذي صدر بحق الإعلامية ديما صادق ، علمًا أنّ هذه المرجعية مهتمّة بموضوع قانوني يشغل بالها منذ فترة ليستْ ببعيدة إذ يحمل نفس الجنسية للجندي الذي إغتيل في لبنان العامل في قوّات الطوارىء الدولية وبعد نقاش مستفيض أورد الملاحظة التالية ” أيُهّا الصديق العزيز يؤدي سوء السلوك القضائي عندكم في لبنان إلى تحطيم ما هو ضروري لجعل الجهاز القضائي قادر على العمل ، أي أنّ مواطنيكم الذين يعتقدون أنّ قضائهم عادل ونزيه ولا يمكن يا عزيزي أن يوجد القضاء بدون ثقة وطمأنينة من الشعب ، لذلك يجب أن يخضع قضاتكم للمساءلة عن المعايير الأخلاقية والقانونية ، وعندما تراجعونهم عن سلوكهم لا بد من مراجعة السلوك القضائي دون الإعتداء على إستقلال عملية إتخاذ القرارات القضائية ، وهذه مهمّة شاقة … أما بالإشارة إلى الحكم الصادر بحق إعلامية لبنانية فهو بلا شك حكم غير مستند إلى واقع قانوني بل إلى كيدية سياسية يصعب الخروج منها في الوقت الحالي “. هل يعلم المسؤول المدّعي ومحاميه أنّ القانون الدولي لحقوق الإنسان تضمّن مجموعة من القوانين تضمن الحماية الكافية للصحفيين من التعرُّض للأذى أو الأحكام الإعتباطية ، وتمّ النص على ذلك في مختلف المواثيق العالمية والدولية والإقليمية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 19 ، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، كما يكفل القانون الدولي الإنساني كونه جزءًا من القانون الدولي لحقوق الإنسان ضمن حماية الصحافيين . لذا حريُّ بالأمر التنّبُه بمن أخذ صفة الإدعاء الشخصي إلى ممارسته السياسية التي أوصلتْ البلاد إلى هذا الدرك على كافة المستويات . هل يعلم المسؤول المُدّعي عن ” حرية الإعلام والتعبير في القانون الدولي Liberté D’expression Déclaration “Universelle Des Droits ، إنّ حرية التعبير عنصر مهم في المنظومة القانونية الدولية حيث لا يمكن لأي دولة تنشد الديمقراطية أن تقمع الحريات  خاصة حرية التعبير نتيجة لحرية الإعتقاد بإعتبارها أولى الحريات لأنها تحدد جميع الحريات الأخرى … لهذا يجب حماية حرية التعبير من جميع الأخطار التي يمكن أن تهددها وتحول دون ممارسة الفرد لحقوقه المشروعة في إبدأ الرأي والتعبير عن أفكاره . تسييس القضاء وحرية الصحافة آمران  حذار التعرض لهما . فرنسا

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

مأساة الكلمات الكبيرة: وحدة، حرية، اشتراكية!

من وحي الكلمات الثلاث (وحدة، حرية، اشتراكية) ومقولة «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» صعد الخطاب البعثي تدريجيًا أواخر أربعينيات القرن الماضي، بعد عام تقريبًا من الاستقلال الرسمي لسوريا عن الانتداب الفرنسي عام 1946. كانت النواة الفكرية الأولى لحزب البعث قد بدأت مع طالبين سوريين التقيا في جامعة السوربون الفرنسية، وهما ميشيل عفلق، المسيحي الأرثوذكسي، ورفيقه صلاح الدين البيطار، المسلم السني، قبل أن ينضم لهما شاب آخر من أصول علوية هو زكي الأرسوزي، العائد هو الآخر من دراسة الفلسفة في الجامعة الفرنسية نفسها. وبعد فترة قصيرة، عام 1954، سيندمج حزب البعث العربي مع الحزب العربي الاشتراكي بزعامة أكرم الحوراني، الاندماج الذي أفضى إلى الصيغة اللغوية النهائية التي سيواصل بها البعث تبشيره الأيديولوجي باسم «حزب البعث العربي الاشتراكي».

بلوّر منظرو الحزب لغةً جديدةً كانت مزيجًا من القومية والاشتراكية والوحدة العربية ومعاداة الاستعمار، رغم أن الكثير من ذلك «التنظير» سيبدو بعد الفحص المتأني أقرب إلى لغة الأدب والشعارات التعبوية من الكلام في الفلسفة والسياسة والتاريخ. تلفتني مثلًا سطور بعينها من كتابه «في سبيل البعث» والذي عبَّر فيه ميشيل عفلق عن خلاصة أفكاره على مدى أربعة عقود حول ماهية القومية والاشتراكية العربية المنشودة إلى جانب آرائه في قضايا أخرى كالموقف من التراث والدين ومعنى الأمة. وضع عفلق أول نصوص مؤلَّفه خلال سنوات الغليان الحزبي منتصف الثلاثينيات واستمر بتأليف فصوله إلى نهاية حياته، حتى طُبع الكتاب في خمسة أجزاء بعد وفاته عام 1989، ليكون أهم وثيقة مرجعية لتتبع أصول حزب البعث وأدبياته. هذه السطور التي أتناولها -على سبيل المثال لا أكثر- تمهد للتصور البعثي عن مفهوم القومية، وفيها يحاول الأستاذ الإجابة عن تساؤل طلابه المستمر حول تعريف القومية التي ينادي بها، فيقول: «هي حب قبل كل شيء. هي العاطفة نفسها التي تربط الفرد بأهل بيته، لأن الوطن بيت كبير والأمة أسرة واسعة. والقومية ككل حب، تُفعم القلب فرحًا وتشيع الأمل في جوانب النفس، ويود من يشعر بها لو أن الناس يشاركونه في الغبطة التي تسمو فوق أنانيته الضيقة وتقربه من أفق الخير والكمال، وهي لذلك غريبة عن إرادة الشر وأبعد ما تكون عن البغضاء. إذ أن الذي يشعر بقدسيتها ينقاد في الوقت نفسه إلى تقديسها عند سائر الشعوب فتكون هكذا خير طريق إلى الإنسانية الصحيحة». (الجزء الخامس، ص 133: القومية حب قبل كل شيء).

الإنشائية الفاقعة في هذا النموذج، والرومانسية المفرطة في وصف القومية بأنها «حب قبل كل شيء»، كلها قرائن لا تفتأ تذكرنا بأن «فيلسوف» البعث كان قد بدأ علاقته مع الكتابة بمحاولات شعرية متعثرة تتوسل كتابة قصائد رومنطيقية، كما يشير إلى ذلك حازم صاغية في كتابه «البعث السوري.. تاريخ موجز» مستشهدًا بمقولة تنسب لزكي الأرسوزي عن رفيقه، عفلق، الذي لم تكن العلاقة معه وديةً في معظم الأحيان: «خسره الأدب فيما ابتُليت به السياسة».

كلمة «البعث» نفسها تنم عن فكر مسكون بالنظريات القيامية الحالمة، ولكن في سياق تبشيري على منوال كلمات مثل «الإحياء» و«النهضة» التي استنفدت معانيها النخب السياسية في مرحلة ما قبل الاستقلال خلال القرن التاسع عشر. ثمة هوس واضح بالكلمات الكبيرة عند البعثيين عمومًا، وتعميم هذه الملاحظة على سائر البعثيين لا يشوبه ظلم في نظري، بل يبدو منصفًا إلى حد بعيد. غير أن الممارسة السياسية، عبر السلطة ومن أجلها وخلالها، سرعان ما حولت هذه اللغة الجديدة إلى ألفاظ جوفاء. الكلمات الكبيرة تفسّخت على ألسنة خطباء البعث حتى صارت شعارات للتعبئة ومطايا للضبّاط الواثبين إلى السلطة في بغداد والشام.

في فبراير من عام 1958 نجح بعض الضباط البعثيين المتحمسين في الدفع بمشروع الوحدة مع مصر الناصرية. وكانت «الوحدة» هي الكلمة السحرية التي اعتبرها البعثيون مقدمةً لتوابعها: الحرية ثم الاشتراكية وصولًا إلى الحُلم .. وهو «البعث» وفقًا لعفلق ورفاقه. لكن الخلاف كان حول صيغة الوحدة مع مصر؛ أرادها بعض العقلانيين أو المترددين اتحادًا، بينما أصر الآخرون على وحدة فورية اندماجية رغم اقتراح المصريين تأجيلها لخمس سنوات. يُذكر أن المقدم البعثي أمين الحافظ وقف يومها أمام جمال عبدالناصر وخاطبه قائلًا: «بيننا وبينكم حائط يجب أن نهدمه الساعة. لماذا الاتحاد؟! لتكن وحدة». وكما هو معلوم، لم يدم حلم الوحدة البعثي الناصري طويلًا، إذ سرعان ما أطيح به في دمشق بانقلاب عسكري في 28 سبتمبر 1961. ولم يبق للمصريين منه سوى اسم «الجمهورية العربية المتحدة» الذي نُعي به جمال عبدالناصر يوم رحيله، قبل أن يعلن السادات لاحقًا عن تغيير الاسم عام 1971.

مأساة الكلمات الكبيرة، وربما نفاقها، تتجلى أكثر في العلاقة التي توترت حد العداء بين نسختي البعث، العراقية والسورية. نفس الأيديولوجيا، والمعجم اللغوي نفسه تقريبًا، والشعارات والأناشيد الحزبية هي ذاتها التي هتف بها التلاميذ الصغار في المدارس السورية والعراقية على مدى عقود، لكن الصراع بين النظام الأسدي في سوريا والنظام الصدَّامي في العراق بدد أي معنى لكلمة الوحدة، وكانت الفضيحة الكبرى في سجل هذه الأيديولوجيا؛ فقد بلغ الصراع أوجه مع اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية، حينما حالف حافظ الأسد الخميني، عدو صدَّام اللدود، وانقشع الضباب عن زيف الكلام.

للشعارات التي تُقال على المنابر استحقاقاتها الصارمة التي لا بدَّ أن تحين يومًا ما، وللقول كلفته على القائل، والتاريخ هو المختبر الحقيقي لجدارة النظريات والنصوص المزخرفة. عبرتنا من الأنظمة العربية الشمولية التي شهدنا انهيارها المتتابع في تاريخنا السياسي المعاصر، والتي تكشَّفت عن نماذج ممسوخة للفاشيات الأوروبية في القرن العشرين، شكلًا ومضمونًا، أنها اتسمت كلها، دون استثناء، بالمبالغة في الخطاب والفوقية والتشدق بأعدل القضايا، دون أن تتعلم من مصائر بعضها البعض؛ فلم تتورع عن إغواء المبالغات اللغوية ومغبتها، ولم تتقن التواضع في التعامل مع اللغة. فأولئك الرجال الطامحون الذين خرجوا من ثكنات الضباط إلى منابر السياسة، والذين ظلوا يتعثرون في النحو والصرف على الملأ من غير أن يجرؤ أحد على تصحيح لغتهم، لم يتقنوا إلا النفخ في تلك الكلمات الكبيرة حتى استنزفوا معانيها.. ننسى أحيانًا أن «فلسطين» كانت من بين تلك الكلمات التي استهلكوها! لقد قتلهم فقرهم للبلاغة التي تنتج عن مقاربة «معقولة» بين الواقع والخيال، فاستعاضوا عن البلاغة بالمبالغة.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • أكاديمية الشرطة تستضيف دورة عن آليات تطبيق القانون الدولي الإنساني وطنيًا ودوليًا
  • مليشيا الحوثي تبسط نفوذها على السلطة القضائية
  • الموساد وتفجيرات البيجر.. عميلان سابقان يكشفان تفاصيل جديدة عن العملية التي هزت حزب الله
  • الجبهة التركمانية تدعو القضاء إلى تثبيت دعائم القانون في كركوك
  • الوحدة الوطنية وحرية التعبير، بين صلابة الدولة وصوت الشعب
  • وزير خارجية تركيا يكشف الملفات التي ناقشها مع الشرع في سوريا
  • حزب الله يكشف عن المعادلة الوحيدة التي تحمي لبنان
  • وكيل تشريعية الشيوخ: قانون المسئولية الطبية يسمح بالتصالح على الجرائم حتى بعد الحكم
  • تسييس الجيش الإسرائيلي لتعميق هيمنة الفاشية
  • مأساة الكلمات الكبيرة: وحدة، حرية، اشتراكية!