لا يمكنك رفض قيام دولة فلسطينية.. هل يستطيع أو يريد نتانياهو ذلك؟
تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT
بعد النداء الذي أطلقه الرئيس الأميركي، جو بايدن بأن إسرائيل بدأت تفقد الدعم الدولي بقصفها العشوائي على غزة وأن "بيبي" يحتاج إلى تغيير حكومته المتشددة، تثار تساؤلات حول موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وما إذا كان قادرا أو لديه نوايا للقبول بمثل هذه الفكرة أو تطبيقها.
وقال بايدن "يتعين على (نتانياهو) تغيير هذه الحكومة.
وذكر بايدن "لدينا فرصة للبدء في توحيد المنطقة... وهم لا يزالون يرغبون في ذلك. لكن علينا أن نتأكد من أن بيبي (نتانياهو) مدرك أنه يجب أن يتخذ بعض الإجراءات من أجل تعزيز ذلك... لا يمكنك أن ترفض قيام دولة فلسطينية... وهنا يكمن الجزء الصعب".
ومن وجهة نظر الرئيس الأميركي بات على نتانياهو تقوية وتغيير الحكومة الإسرائيلية، لإيجاد حل طول الأمد للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، مشيرا قبل يومين إلى "بن غفير ورفاقه والأشخاص الجدد"، بقوله: "هؤلاء لا يريدون أي شيء يقترب ولو من بعيد من حل الدولتين".
يشغل إيتمار بن غفير منصب وزير الأمن القومي الإسرائيلي وكان اسمه قد تردد كثيرا منذ بدء الحرب في غزة إلى جانب وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، على خلفية المواقف المتطرفة التي كانوا يعلنون عنها ويدعون إليها بشأن الحرب المتواصلة منذ أكثر من 60 يوما في غزة.
والاثنان هما من اليمين المتطرف وشركاء نتانياهو في الائتلاف الحاكم، وعلى الرغم من النداء الذي وجهه الرئيس الأميركي كان للأخير رد غير إيجابي على الدعوة المتعلقة بتغيير "الحكومة المتشددة".
على العكس، تحدث نتانياهو عن "خلافات ترتبط باليوم التالي لحماس"، مغلقا الأبواب بقوله إنه لن يسمح "بتكرار أخطاء أوسلو"، في إشارة إلى اتفاقية أوسلو التي وقعت عام 1993 برعاية أميركية، وسمحت بإنشاء السلطة الفلسطينية.
وأضاف أنه "لا يمكن بعد التضحيات الهائلة التي قدمها مواطنونا ومقاتلونا أن نسمح بدخول غزة لأولئك الذين يعلمون للإرهاب، ويدعمون الإرهاب، ويمولون الإرهاب"، في إشارة إلى السلطة الفلسطينية، متابعا: "غزة لن تكون حماسستان.. ولا فتحستان".
ولا توجد حتى الآن أي مؤشرات على قبول نتانياهو بفكرة تغيير الحكومة، ويرى خبراء ومراقبون في حديث لموقع "الحرة" أن هذه القضية تحكمها "معادلة" تفتقد لأي خيارات.
ما احتمالات التغيير؟وتشير صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن أنصار نتانياهو رحبوا بخلافه مع واشنطن وبشأن "اليوم التالي في غزة"، وقد أيد بعضهم بما في ذلك إيتمار بن غفير دعوات هامشية تطالب إسرائيل بإعادة توطين سكان غزة في منطقة ثالثة وإلى الأبد.
وعلى الرغم من استبعاد بن غفير وشريكه السياسي وزميله زعيم المستوطنين بتسلئيل سموتريش من حكومة الطوارئ الحربية التي تتخذ القرارات الأمنية فإنهما واصلا الضغط على نتانياهو للانصياع لليمين، وفق الصحيفة الأميركية.
وتوضح أنهما قادا جهودا هذا الأسبوع للتصويت ضد خطوات للسماح لعمال المزارع والبناء من الضفة الغربية بدخول إسرائيل للمرة الأولى منذ 7 أكتوبر، وسبق وأن كان لهما مواقف وقرارات متطرفة أخرى فتحت طرقا جديدا للتوسع ببناء المستوطنات.
داليا شيندلين، وهي خبيرة استطلاعات رأي ومحللة سياسية إسرائيلية ترى أن نتانياهو لا يريد إجراء أي تغييرات في الحكومة بناء على رؤية واشنطن، وتقول لموقع "الحرة" إنه "سيفعل كل ما في وسعه لتأخير وتعطيل وتقويض وتقليص هذه التغييرات".
وفي المقابل سيحاول "إقناع واشنطن بأن الضغط على إسرائيل في هذه الأمور هو منظور معادٍ لها"، وفق المحللة.
ولا تستبعد في حديث لموقع "الحرة" أن يلجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي في مرحلة ما إلى "تهديد بايدن من خلال رسائل متنوعة، بأنه سيحشد القوى اليمينية في الولايات المتحدة ضده في عام انتخابي".
والموقف الذي تراه المحللة مرتبطا بنتانياهو لا ينبع من منظور شخصي بقدر ما يتعلق بالصورة الأوسع للائتلاف الحكومي الحاكم في إسرائيل، وهو ما يشير إليه المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان.
ويوضح لموقع "الحرة" أن "نتانياهو يعمل عل حشد اليمين في إسرائيل في الوقت الحالي. لديه 32 مقعدا وحسب استطلاعات الرأي انخفض الرقم إلى 18 مقعدا. هذا ما يجعله بعيدا عن القبول بمقترح بايدن".
ويقول نيسان إن "تغيير الحكومة يعني تفككها"، وإن تم ذلك سيكون هناك خيارا واحدا بأن يتم الإعلان عن انتخابات قريبة من أحد أعضاء "الكنيست".
وعندما يأخذ أحد الأعضاء زمام الأمور يقول "لدينا إمكانية أن نشكل حكومة برئاسة أحد الأعضاء بدلا من توجه الشعب للانتخابات".
ومع ذلك لا يرى المحلل السياسي الخيار المذكور سهل التطبيق، ويضيف أن "نتانياهو يعمل على حشد اليمين في هذه الظروف ولن يتخلى عنهم"، وأن "ما يؤكد ذلك إعلانه: (لا لدولة فلسطينية ولا لاتفاق أوسلو ولا لسلطة تعمل في غزة)".
ويتابع نيسان: "هو يريد أن يميز من خلال الإعلان بينه وبين بايدن، وبينه وبين رؤساء المعارضة وغانتس ولابيد بالتحديد".
"يميني لا يشبه أحدا"وتوصف الحكومة الإسرائيلية الحالية بأنها الأكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية، وكانت قد أدت اليمين الدستورية أواخر العام الماضي.
ويعتبر نتانياهو، وفق "واشنطن بوست"، أنه "قد لا يكون هناك أي عواقب داخلية في تجاهل القيادة الفلسطينية أو أي فكرة بأن دولة فلسطينية مستقلة ممكنة على الإطلاق."
وتقول الصحيفة إنه "عمل على تهميش هذا الاحتمال لسنوات متبعا سياسات قسمت الفلسطينيين بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في غزة"، وفي غضون ذلك كان حلفاؤه الأكثر تطرفا "أكثر صخبا"، وبأهداف متزامنة إلى حد كبير.
يعتبر الباحث السوري في الشؤون الإسرائيلية، خالد خليل، أن "نتانياهو أقل يمينية من شركائه رغم أنه يميني متطرف".
خليل يشير إلى أنه "صاحب أطول فترة حكم في تاريخ إسرائيل (16 عاما) متجاوزا السنوات التي حققها مؤسس إسرائيل ديفيد بن غوريون بعدما حكم 13 سنة".
ويوضح لموقع "الحرة" أن نتانياهو ورغم أنه يحسب على اليمين المتطرف فإنه "يميني قومي أكثر مما هو ديني"، على خلاف شركائه في الحكم بن غفير وسموتريش وهم من "الصهيونية الدينية" التي تجمع ما بين القومية والدينية.
ويرى الباحث جانبا شخصيا في نتانياهو بأنه "لا يشبه أحدا ومعروف بشخصيته المرواغة".
"يوصف داخل إسرائيل بأنه مدرسة في التسويق السياسي، ويطلق عليه أنصاره لقب الملك بيبي ويعطونه رمزية توراتية بأنه حامي إسرائيل"، كما يقول خليل.
ويوضح أنه "غير قادر على إغضاب اليمين المتطرف، وفي حال اتخذ هذا قرار التغيير سيفقد الأغلبية البرلمانية في الكنيست، فيما ستنهار الحكومة وتذهب إسرائيل إلى انتخابات مبكرة".
ومن حيث المواقف تجاه الفلسطينيين، ومستقبل الشعب الفلسطيني، ومستقبل إسرائيل وعندما يتعلق الأمر بالأراضي المحتلة "يوجد فرق ضئيل جدا بين الليكود تحت قيادة نتانياهو والأحزاب اليمينية الأخرى"، كما تقول المحللة شيندلين.
ومع ذلك تضيف أن "الفرق الرئيسي الوحيد هو دوافعهم وراء السياسات المفضلة لديهم. الأحزاب الدينية لديها دوافع دينية، بينما لدى نتانياهو دوافع أقل دينية أو علمانية".
ولكن في معظم الأحيان، "يرغب كلاهما في السيطرة الإسرائيلية الدائمة على الأراضي المحتلة، وكلاهما يريد إيقاف تقرير المصير الفلسطيني بأي ثمن"، وفق شيندلين.
"التغيير ممكن"
رغم غياب النية من جانب نتانياهو بشأن إحداث تغيير في الحكومة لا تعتبر هذه الخطوة مستحيلة، كما توضح المحللة المحللة السياسية وخبيرة استطلاعات الرأي داليا شيندلين.
شيندلين تقول إن "الأحزاب القومية المتطرفة لهم في حكومة نتانياهو 14 مقعدا، ويمكنه استبدالهم بالأحزاب التي أضافها إلى مجلس الوزراء الحربي، مما سيسمح له أيضا بإضافة أحزاب يمينية علمانية أخرى مثل حزب إسرائيل بيتنا للسيد أفيغدور ليبرمان".
"إذا فعل ذلك، لا أعرف إذا كان حزب يش عتيد سينضم"، وتتابع المحللة: "لكنه بالتأكيد سيكون لديه (نتانياهو) ما يكفي بين حزب الوحدة الوطنية لبيني غانتس وليبرمان ليكون لديه ائتلاف مستقر تماما".
ولم تبد أي من الأحزاب المذكورة بوادر إيجابية أو استعدادات للسير بمثل هذا الطريق، ومن غير المؤكد ما إذا كانوا سيفعلون ذلك بطريقة تتجاوز الحرب، "لأنه ولنفس الأسباب لم يدخلوا في ائتلاف مع نتانياهو من قبل بسبب قضايا فساده"، وفق المحللة.
لكنها ترى أنه رئيس الوزراء يمكنه القيام بذلك خلال الحرب، وقد توافق الأحزاب العلمانية اليمينة الدخول معه "إذا تخلص من تلك الأحزاب الأخرى". وتؤكد: "ليس من الصعب عليه أن يفعل ذلك سياسيا".
ويعتبر الباحث في الشؤون الإسرائيلية خليل أن "نتانياهو بات يفقد شعبيته أمام بروز بني غانتس زعيم المعسكر الرسمي والوزير الحالي في حكومة الحرب، والذي يوصف بأنه يمتلك الحماسة السياسية".
ويتحدث عن نقطة يعتبرها مهمة، مضيفا أن "انخفاض شعبيته كما تشير إليها أيضا استطلاعات الرأي تأتي في الوقت الذي يزداد ميل وتصلب الشارع باتجاه اليمينية. وهذا ما يؤكد أن الشارع يكرهه لشخصيته".
"اليسار في إسرائيل يضعف وجميعات حقوق الإنسان كذلك وبقايا الليبرالية إلى اندثار بينما اليمين في صعود"، كما يشير خليل، ويعتقد أن "نتنياهو يحاول إطالة أمد الحرب، وفي الوقت الحالي يسعى للإمساك بالعصا من المنتصف"، في إشارة إلى العلاقة مع واشنطن وحلفائه المتشددين.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: دولة فلسطینیة فی إسرائیل بن غفیر فی غزة
إقرأ أيضاً:
هل يستطيع الناتو البقاء بدون الولايات المتحدة؟
تواجه أوروبا واقعاً صارخاً جديداً يتمثل في احتمالية أن الولايات المتحدة، التي كانت لعقود العمود الفقري لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، التحالف الذي ضمن أمن القارة لنحو 80 عاماً، لم تعد شريكاً مضموناً في الأمن الأوروبي.
وأظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عداءً علنياً للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كما أبدى ميلاً للتقارب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأثارت تصريحاته الأخيرة التي شككت في التزامه بالدفاع عن حلفاء الناتو "إذا لم يدفعوا"، مخاوف بين القادة الأوروبيين بشأن مدى موثوقية الولايات المتحدة كشريك أمني، في وقت تعاني فيه القارة من أكبر صراع مسلح منذ الأربعينيات، وفقاً لتقرير لشبكة "سي إن إن" الأمريكية.
وأضافت الشبكة الأمريكية، نقلاً عن محللين، أن "حلف الناتو بدون الولايات المتحدة ليس عاجزاً على الإطلاق، مع امتلاكه لأكثر من مليون جندي وأسلحة حديثة من الدول الـ31 الأخرى الأعضاء في الحلف، كما أن الحلف لديه الثروة والمعرفة التكنولوجية اللازمة للدفاع عن نفسه بدون الولايات المتحدة".
Can NATO survive without the United States?https://t.co/unif5NWn2d
— Fernando Munoz (@FerMunozM) March 7, 2025وتعتبر الولايات المتحدة وألمانيا هما أكبر المساهمين في ميزانية الناتو العسكرية وميزانيته المدنية وبرنامج الاستثمار الأمني، بنحو 16% لكل منهما، تليها المملكة المتحدة بنسبة 11% وفرنسا بنسبة 10%، بحسب وثيقة صادرة عن حلف الناتو.
ويقول المحللون، وفق ما نقلته "سي إن إن": إن "تعويض أوروبا عن خسارة مساهمة واشنطن لن يستغرق الكثير من الجهد".
وقال بن شراير، المدير التنفيذي لأوروبا في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، في مكالمة عبر تطبيق زووم مع شبكة "سي إن إن" وصحافيين آخرين في أواخر فبراير (شباط)، إنه إذا اتحدت الدول الأوروبية واشترت المعدات المناسبة، فإن أوروبا "يمكن أن تشكل رادعاً تقليدياً ونووياً خطيراً" لروسيا.
وأضاف شراير: "أوروبا وحدها ما زالت تمتلك القدرة على حشد الموارد التي تحتاجها للدفاع عن نفسها، والسؤال هو فقط ما إذا كانت راغبة في ذلك" .
وبحسب التقرير، هذا هو السؤال الرئيسي. فعلى مدى أكثر من 75 عاماً، وعلى مدار إدارات 14 رئيساً أمريكياً مختلفاً، بما في ذلك إدارة ترامب الأولى، كانت الولايات المتحدة هي العصب الذي حافظ على تماسك الحلف.
خلال الحرب الباردة، كانت القوات الأمريكية في القارة رادعة لأي طموحات سوفييتية لتوسيع حلف وارسو، وفي نهاية المطاف شهدت نهايته عندما سقط جدار برلين في عام 1989. وكانت حملات حلف شمال الأطلسي في البلقان في التسعينيات تُجرى بقوات أمريكية وقوة جوية. وحتى تولي إدارة ترامب الثانية السلطة في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، كانت واشنطن تقود المساعدات لأوكرانيا.
ويقول المحللون إن "عقود التضامن عبر الأطلسي ربما وصلت إلى نهايتها في الأيام الأخيرة".
وقال دان فرايد مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لشؤون أوروبا والباحث بالمجلس الأطلسي إن الخلاف بين ترامب وزيلينسكي في المكتب البيضاوي، الذي أدى إلى توقف المساعدات الأمريكية لكييف، بدا وكأنه "قطيعة أعمق، ليس فقط مع أوكرانيا، ولكن مع استراتيجية الولايات المتحدة (العالم الحر) من ترومان إلى ريغان".
ويرى جون لوف، المسؤول السابق في حلف شمال الأطلسي والذي يعمل الآن زميلًا مشاركاً في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية في لندن، انقساماً أكثر عمقاً في الحلف.
وقال لوف لشبكة "سي إن إن": "يبدو ببساطة أن الولايات المتحدة تنظر إلى أوروبا كمنافس أكثر منها حليفًا"، مضيفاً أنه بسبب ذلك فإن التزام واشنطن بالدفاع عن حلفاء الناتو أصبح موضع شك إلى حد ما.
ويرى لوف أنه "كسر غير قابل للإصلاح". وقال لوف: "بمجرد أن تبدأ في فقدان جزء من هذا الالتزام، فإنك تفقده كله فعلياً".
وأضاف أن بعض الأشخاص في الدوائر الأوروبية بدأوا يتساءلون عما إذا كان ينبغي وصف واشنطن "بأنها عدو في بعض النواحي".
ولكن بعض المحللين يقولون إن "وجود حلف شمال الأطلسي بدون الولايات المتحدة ليس فكرة سيئة".
وكتب موريتز جرايفراث، محلل الأمن والسياسة الخارجية بمعهد ويليام وماري للأبحاث العالمية، في كتاب "الحرب على الصخور" العام الماضي، أنه "بمجرد أن يقتنع حلفاء الولايات المتحدة بأنهم لم يعد بإمكانهم الثقة في قدرات الولايات المتحدة للدفاع عنهم عندما يحين الوقت المناسب، فسوف يسارعون إلى تعويض النقص والعمل على تنمية قدراتهم الخاصة".
وأضاف "وبهذا الوضع ــ وربما على نحو يخالف التوقعات ــ فإن انسحاب القوات الأمريكية من شأنه أن يخلق أوروبا أقوى، وليس أضعف".
ويعتقد دونالد توسك رئيس وزراء بولندا، العضو في حلف شمال الأطلسي، أن هذه العملية بدأت بالفعل.
وقال قبل قمة الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع: "إن أوروبا ككل قادرة حقا على الفوز في أي مواجهة عسكرية أو مالية أو اقتصادية مع روسيا، نحن ببساطة أقوى". وأضاف: "كان علينا فقط أن نبدأ في الإيمان بذلك. ويبدو أن هذا يحدث اليوم".
ماذا تمتلك أوروبا؟من الناحية النظرية، قد يكون الجيش الأوروبي قوة هائلة.
تمتلك تركيا أكبر قوات مسلحة في حلف شمال الأطلسي بعد الولايات المتحدة، حيث يبلغ تعدادها العسكري 355.200 فرد، وفقاً لتقرير التوازن العسكري لعام 2025 الذي أعده المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. تليها فرنسا (202.200)، وألمانيا (179.850)، وبولندا (164.100)، وإيطاليا (161.850)، والمملكة المتحدة (141.100)، واليونان (132.000)، وإسبانيا (122.200).
كما تمتلك تركيا أكبر عدد من أفراد الجيش، الذين يشكلون غالبية القوات البرية في الخطوط الأمامية، بواقع 260.200، تليها فرنسا (113.800)، وإيطاليا (94.000)، واليونان (93.000)، وبولندا (90.600)، والمملكة المتحدة (78.800)، وإسبانيا (70.200)، وألمانيا (60.650)، بحسب تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
في المقابل، كان هناك حوالي 80 ألف جندي أمريكي مخصصين أو منتشرين في قواعد في دول حلف شمال الأطلسي اعتبارًا من يونيو (حزيران) 2024، وفقاً لتقرير صادر في يوليو (تموز) 2024 عن دائرة أبحاث الكونغرس (CRS)، ومعظم تلك القوات الأمريكية موجودة في ألمانيا (35 ألف جندي)، وإيطاليا (12 ألف جندي)، والمملكة المتحدة (10 آلاف جندي).
كما أن بعض الدول الكبرى في حلف شمال الأطلسي (الناتو) تمتلك أسلحة مساوية أو أفضل بعدة مرات من الأسلحة التي تمتلكها روسيا.
ولنتأمل هنا حاملات الطائرات على سبيل المثال. ففي حين تمتلك روسيا حاملة طائرات قديمة واحدة، تمتلك المملكة المتحدة وحدها حاملتي طائرات حديثتين قادرتين على إطلاق مقاتلات الشبح من طراز F-35B.
ووفقاً لتقرير التوازن العسكري، تمتلك فرنسا وإيطاليا وإسبانيا حاملات طائرات أو سفن برمائية قادرة على إطلاق طائرات مقاتلة.
وبعيداً عن الولايات المتحدة، تحتفظ فرنسا والمملكة المتحدة بقوات نووية، وكلاهما ينشران غواصات مزودة بالصواريخ الباليستية.
ويملك حلفاء الناتو، إلى جانب الولايات المتحدة، نحو 2000 طائرة مقاتلة وطائرة هجومية برية، بما في ذلك العشرات من طائرات الشبح الجديدة من طراز F-35.
وتشمل القوات البرية دبابات حديثة، بما في ذلك دبابات ليوبارد الألمانية ودبابات تشالنجر البريطانية، والتي تخدم وحدات منها الآن في الجيش الأوكراني. ويمكن لدول حلف شمال الأطلسي الأوروبية نشر صواريخ كروز قوية، مثل صاروخ سكالب/ستورم شادو الفرنسي-البريطاني المشترك، والذي أثبت كفاءته أيضاً في ساحة المعركة الأوكرانية.
ويشير تقرير التوازن العسكري 2025 إلى أن أوروبا تتخذ خطوات لتحسين قواتها العسكرية دون مساعدة الولايات المتحدة. ففي عام 2024، اتحدت 6 دول أوروبية في مشروع لتطوير صواريخ كروز تطلق من الأرض، واتخذت خطوات لزيادة القدرة على إنتاج الذخائر وتنويع قاعدة مورديها، متطلعة إلى دول مثل البرازيل وإسرائيل وكوريا الجنوبية كمصدر جديد للمعدات العسكرية.
ويقول المحللون إنه حتى لو انسحبت الولايات المتحدة بشكل كامل من أوروبا، فإنها ستترك وراءها بنية تحتية مهمة.
تملك الولايات المتحدة 31 قاعدة دائمة في أوروبا، وفقاً لدائرة أبحاث الكونغرس، بينها مرافق بحرية وجوية وبرية وقيادة وسيطرة ستكون متاحة للدول التي تقع فيها إذا انسحبت الولايات المتحدة.
ماذا بعد ذلك؟وبحسب تقرير "سي إن أن"، يأمل البعض في أن يكون الحديث عن انسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي مجرد كلام من جانب ترامب يهدف إلى دفع الحلفاء إلى دفع المزيد من الأموال للإنفاق على الدفاع.
ويقولون إن "العالم، وتحالفاً أمريكياً رئيسياً آخر، كانا في الوضع نفسه سابقاً خلال إدارة ترامب الأولى، عندما ورد أنه طلب من البنتاغون النظر في خيارات لسحب القوات الأمريكية المتمركزة في كوريا الجنوبية كحماية ضد كوريا الشمالية المسلحة نووياً".
وجاء ذلك في الوقت الذي كان ترامب يستعد فيه لعقد اجتماعات مع الزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، حيث كان يأمل في إقناع كيم بالالتزام بالتخلي عن ترسانته النووية.
وقال مصدر مقرب من البيت الأبيض لـ "سي إن إن" في ذلك الوقت إن انسحاب القوات الأمريكية يُنظر إليه على أنه أمر يمكن أن يحدث في المستقبل ولكن "ليس قبل فترة طويلة بعد اختفاء الأسلحة النووية (لكوريا الشمالية) بشكل يمكن التحقق منه".
لكن كيم رفض كل التوسلات التي وجهت له للتخلي عن برنامجه للأسلحة النووية.
وقال شراير إن اجتماع ترامب وكيم "تم تسويقه باعتباره نجاحاً كبيراً على الرغم من حقيقة أنه لم يكن كذلك".
وبعد ذلك، عادت الولايات المتحدة إلى "العمل كالمعتاد" في شبه الجزيرة الكورية، كما قال شراير . فقد أبقت الولايات المتحدة، التي لديها عشرات الآلاف من القوات في كوريا الجنوبية، قواتها هناك. واستؤنفت التدريبات الثنائية مع قوات كوريا الجنوبية، وزارت السفن الحربية الأمريكية الموانئ الكورية الجنوبية، وحلقت قاذفات تابعة للقوات الجوية الأمريكية فوق المنطقة.
وقال المحللون إن "الأمر نفسه قد يحدث في أوروبا إذا لم يحصل ترامب على ما يريده من بوتين. وقد يستمر حلف شمال الأطلسي، مع أن التهديدات الأخيرة بالانسحاب ليست سوى عقبة صغيرة في الطريق".
ومن جهته، قال شراير "إذا حاول بوتين... استغلال الرئيس الأمريكي أكثر من اللازم، فحتى دونالد ترامب قد يدرك بذلك".