لا يمكنك رفض قيام دولة فلسطينية.. هل يستطيع أو يريد نتانياهو ذلك؟
تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT
بعد النداء الذي أطلقه الرئيس الأميركي، جو بايدن بأن إسرائيل بدأت تفقد الدعم الدولي بقصفها العشوائي على غزة وأن "بيبي" يحتاج إلى تغيير حكومته المتشددة، تثار تساؤلات حول موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وما إذا كان قادرا أو لديه نوايا للقبول بمثل هذه الفكرة أو تطبيقها.
وقال بايدن "يتعين على (نتانياهو) تغيير هذه الحكومة.
وذكر بايدن "لدينا فرصة للبدء في توحيد المنطقة... وهم لا يزالون يرغبون في ذلك. لكن علينا أن نتأكد من أن بيبي (نتانياهو) مدرك أنه يجب أن يتخذ بعض الإجراءات من أجل تعزيز ذلك... لا يمكنك أن ترفض قيام دولة فلسطينية... وهنا يكمن الجزء الصعب".
ومن وجهة نظر الرئيس الأميركي بات على نتانياهو تقوية وتغيير الحكومة الإسرائيلية، لإيجاد حل طول الأمد للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، مشيرا قبل يومين إلى "بن غفير ورفاقه والأشخاص الجدد"، بقوله: "هؤلاء لا يريدون أي شيء يقترب ولو من بعيد من حل الدولتين".
يشغل إيتمار بن غفير منصب وزير الأمن القومي الإسرائيلي وكان اسمه قد تردد كثيرا منذ بدء الحرب في غزة إلى جانب وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، على خلفية المواقف المتطرفة التي كانوا يعلنون عنها ويدعون إليها بشأن الحرب المتواصلة منذ أكثر من 60 يوما في غزة.
والاثنان هما من اليمين المتطرف وشركاء نتانياهو في الائتلاف الحاكم، وعلى الرغم من النداء الذي وجهه الرئيس الأميركي كان للأخير رد غير إيجابي على الدعوة المتعلقة بتغيير "الحكومة المتشددة".
على العكس، تحدث نتانياهو عن "خلافات ترتبط باليوم التالي لحماس"، مغلقا الأبواب بقوله إنه لن يسمح "بتكرار أخطاء أوسلو"، في إشارة إلى اتفاقية أوسلو التي وقعت عام 1993 برعاية أميركية، وسمحت بإنشاء السلطة الفلسطينية.
وأضاف أنه "لا يمكن بعد التضحيات الهائلة التي قدمها مواطنونا ومقاتلونا أن نسمح بدخول غزة لأولئك الذين يعلمون للإرهاب، ويدعمون الإرهاب، ويمولون الإرهاب"، في إشارة إلى السلطة الفلسطينية، متابعا: "غزة لن تكون حماسستان.. ولا فتحستان".
ولا توجد حتى الآن أي مؤشرات على قبول نتانياهو بفكرة تغيير الحكومة، ويرى خبراء ومراقبون في حديث لموقع "الحرة" أن هذه القضية تحكمها "معادلة" تفتقد لأي خيارات.
ما احتمالات التغيير؟وتشير صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن أنصار نتانياهو رحبوا بخلافه مع واشنطن وبشأن "اليوم التالي في غزة"، وقد أيد بعضهم بما في ذلك إيتمار بن غفير دعوات هامشية تطالب إسرائيل بإعادة توطين سكان غزة في منطقة ثالثة وإلى الأبد.
وعلى الرغم من استبعاد بن غفير وشريكه السياسي وزميله زعيم المستوطنين بتسلئيل سموتريش من حكومة الطوارئ الحربية التي تتخذ القرارات الأمنية فإنهما واصلا الضغط على نتانياهو للانصياع لليمين، وفق الصحيفة الأميركية.
وتوضح أنهما قادا جهودا هذا الأسبوع للتصويت ضد خطوات للسماح لعمال المزارع والبناء من الضفة الغربية بدخول إسرائيل للمرة الأولى منذ 7 أكتوبر، وسبق وأن كان لهما مواقف وقرارات متطرفة أخرى فتحت طرقا جديدا للتوسع ببناء المستوطنات.
داليا شيندلين، وهي خبيرة استطلاعات رأي ومحللة سياسية إسرائيلية ترى أن نتانياهو لا يريد إجراء أي تغييرات في الحكومة بناء على رؤية واشنطن، وتقول لموقع "الحرة" إنه "سيفعل كل ما في وسعه لتأخير وتعطيل وتقويض وتقليص هذه التغييرات".
وفي المقابل سيحاول "إقناع واشنطن بأن الضغط على إسرائيل في هذه الأمور هو منظور معادٍ لها"، وفق المحللة.
ولا تستبعد في حديث لموقع "الحرة" أن يلجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي في مرحلة ما إلى "تهديد بايدن من خلال رسائل متنوعة، بأنه سيحشد القوى اليمينية في الولايات المتحدة ضده في عام انتخابي".
والموقف الذي تراه المحللة مرتبطا بنتانياهو لا ينبع من منظور شخصي بقدر ما يتعلق بالصورة الأوسع للائتلاف الحكومي الحاكم في إسرائيل، وهو ما يشير إليه المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان.
ويوضح لموقع "الحرة" أن "نتانياهو يعمل عل حشد اليمين في إسرائيل في الوقت الحالي. لديه 32 مقعدا وحسب استطلاعات الرأي انخفض الرقم إلى 18 مقعدا. هذا ما يجعله بعيدا عن القبول بمقترح بايدن".
ويقول نيسان إن "تغيير الحكومة يعني تفككها"، وإن تم ذلك سيكون هناك خيارا واحدا بأن يتم الإعلان عن انتخابات قريبة من أحد أعضاء "الكنيست".
وعندما يأخذ أحد الأعضاء زمام الأمور يقول "لدينا إمكانية أن نشكل حكومة برئاسة أحد الأعضاء بدلا من توجه الشعب للانتخابات".
ومع ذلك لا يرى المحلل السياسي الخيار المذكور سهل التطبيق، ويضيف أن "نتانياهو يعمل على حشد اليمين في هذه الظروف ولن يتخلى عنهم"، وأن "ما يؤكد ذلك إعلانه: (لا لدولة فلسطينية ولا لاتفاق أوسلو ولا لسلطة تعمل في غزة)".
ويتابع نيسان: "هو يريد أن يميز من خلال الإعلان بينه وبين بايدن، وبينه وبين رؤساء المعارضة وغانتس ولابيد بالتحديد".
"يميني لا يشبه أحدا"وتوصف الحكومة الإسرائيلية الحالية بأنها الأكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية، وكانت قد أدت اليمين الدستورية أواخر العام الماضي.
ويعتبر نتانياهو، وفق "واشنطن بوست"، أنه "قد لا يكون هناك أي عواقب داخلية في تجاهل القيادة الفلسطينية أو أي فكرة بأن دولة فلسطينية مستقلة ممكنة على الإطلاق."
وتقول الصحيفة إنه "عمل على تهميش هذا الاحتمال لسنوات متبعا سياسات قسمت الفلسطينيين بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في غزة"، وفي غضون ذلك كان حلفاؤه الأكثر تطرفا "أكثر صخبا"، وبأهداف متزامنة إلى حد كبير.
يعتبر الباحث السوري في الشؤون الإسرائيلية، خالد خليل، أن "نتانياهو أقل يمينية من شركائه رغم أنه يميني متطرف".
خليل يشير إلى أنه "صاحب أطول فترة حكم في تاريخ إسرائيل (16 عاما) متجاوزا السنوات التي حققها مؤسس إسرائيل ديفيد بن غوريون بعدما حكم 13 سنة".
ويوضح لموقع "الحرة" أن نتانياهو ورغم أنه يحسب على اليمين المتطرف فإنه "يميني قومي أكثر مما هو ديني"، على خلاف شركائه في الحكم بن غفير وسموتريش وهم من "الصهيونية الدينية" التي تجمع ما بين القومية والدينية.
ويرى الباحث جانبا شخصيا في نتانياهو بأنه "لا يشبه أحدا ومعروف بشخصيته المرواغة".
"يوصف داخل إسرائيل بأنه مدرسة في التسويق السياسي، ويطلق عليه أنصاره لقب الملك بيبي ويعطونه رمزية توراتية بأنه حامي إسرائيل"، كما يقول خليل.
ويوضح أنه "غير قادر على إغضاب اليمين المتطرف، وفي حال اتخذ هذا قرار التغيير سيفقد الأغلبية البرلمانية في الكنيست، فيما ستنهار الحكومة وتذهب إسرائيل إلى انتخابات مبكرة".
ومن حيث المواقف تجاه الفلسطينيين، ومستقبل الشعب الفلسطيني، ومستقبل إسرائيل وعندما يتعلق الأمر بالأراضي المحتلة "يوجد فرق ضئيل جدا بين الليكود تحت قيادة نتانياهو والأحزاب اليمينية الأخرى"، كما تقول المحللة شيندلين.
ومع ذلك تضيف أن "الفرق الرئيسي الوحيد هو دوافعهم وراء السياسات المفضلة لديهم. الأحزاب الدينية لديها دوافع دينية، بينما لدى نتانياهو دوافع أقل دينية أو علمانية".
ولكن في معظم الأحيان، "يرغب كلاهما في السيطرة الإسرائيلية الدائمة على الأراضي المحتلة، وكلاهما يريد إيقاف تقرير المصير الفلسطيني بأي ثمن"، وفق شيندلين.
"التغيير ممكن"
رغم غياب النية من جانب نتانياهو بشأن إحداث تغيير في الحكومة لا تعتبر هذه الخطوة مستحيلة، كما توضح المحللة المحللة السياسية وخبيرة استطلاعات الرأي داليا شيندلين.
شيندلين تقول إن "الأحزاب القومية المتطرفة لهم في حكومة نتانياهو 14 مقعدا، ويمكنه استبدالهم بالأحزاب التي أضافها إلى مجلس الوزراء الحربي، مما سيسمح له أيضا بإضافة أحزاب يمينية علمانية أخرى مثل حزب إسرائيل بيتنا للسيد أفيغدور ليبرمان".
"إذا فعل ذلك، لا أعرف إذا كان حزب يش عتيد سينضم"، وتتابع المحللة: "لكنه بالتأكيد سيكون لديه (نتانياهو) ما يكفي بين حزب الوحدة الوطنية لبيني غانتس وليبرمان ليكون لديه ائتلاف مستقر تماما".
ولم تبد أي من الأحزاب المذكورة بوادر إيجابية أو استعدادات للسير بمثل هذا الطريق، ومن غير المؤكد ما إذا كانوا سيفعلون ذلك بطريقة تتجاوز الحرب، "لأنه ولنفس الأسباب لم يدخلوا في ائتلاف مع نتانياهو من قبل بسبب قضايا فساده"، وفق المحللة.
لكنها ترى أنه رئيس الوزراء يمكنه القيام بذلك خلال الحرب، وقد توافق الأحزاب العلمانية اليمينة الدخول معه "إذا تخلص من تلك الأحزاب الأخرى". وتؤكد: "ليس من الصعب عليه أن يفعل ذلك سياسيا".
ويعتبر الباحث في الشؤون الإسرائيلية خليل أن "نتانياهو بات يفقد شعبيته أمام بروز بني غانتس زعيم المعسكر الرسمي والوزير الحالي في حكومة الحرب، والذي يوصف بأنه يمتلك الحماسة السياسية".
ويتحدث عن نقطة يعتبرها مهمة، مضيفا أن "انخفاض شعبيته كما تشير إليها أيضا استطلاعات الرأي تأتي في الوقت الذي يزداد ميل وتصلب الشارع باتجاه اليمينية. وهذا ما يؤكد أن الشارع يكرهه لشخصيته".
"اليسار في إسرائيل يضعف وجميعات حقوق الإنسان كذلك وبقايا الليبرالية إلى اندثار بينما اليمين في صعود"، كما يشير خليل، ويعتقد أن "نتنياهو يحاول إطالة أمد الحرب، وفي الوقت الحالي يسعى للإمساك بالعصا من المنتصف"، في إشارة إلى العلاقة مع واشنطن وحلفائه المتشددين.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: دولة فلسطینیة فی إسرائیل بن غفیر فی غزة
إقرأ أيضاً:
إيران: العقبة الأخيرة في خطة إسرائيل للهيمنة على الشرق الأوسط
ملخص
يتناول المقال استراتيجية إسرائيل، منذ نشأتها عام 1948، للهيمنة على الشرق الأوسط، مع التركيز على اعتبار إيران العقبة الأخيرة أمام تحقيق هذا الهدف. يستعرض الكاتب كيف نشأت إسرائيل بإعلان أحادي دون شرعية دولية، وكيف استخدمت اتفاقيات "الأرض مقابل السلام" لتكريس وجودها، ثم تحولت في التسعينيات إلى تبني نهج "السلام بالقوة" بقيادة نتنياهو، مدعومة من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة. ويبين المقال كيف تم استهداف دول تدعم القضية الفلسطينية مثل العراق وسوريا ولبنان وليبيا والسودان، عبر حروب وتدخلات عسكرية تحت ذرائع ملفقة، أبرزها أسلحة الدمار الشامل. ويؤكد أن إيران، رغم العقوبات والحروب بالوكالة، ما تزال هدفًا مركزياً، ويجري التمهيد لضربها عسكرياً. ويخلص المقال إلى أن ضرب إيران سيكون بمثابة الخطوة الأخيرة قبل إعلان "إسرائيل الكبرى"، في إطار مشروع توراتي توسعي يشمل المنطقة من الفرات إلى النيل.
مولد دولة إسرائيل قرار آحادي دون شرعية دولية
لم تكن هناك دولة تُدعى إسرائيل قبل شهر مايو عام 1948. الدولة التي كانت قائمة حتى منتصف شهر مايو 1948 في الأرض التي تعرف اليوم بدولة إسرائيل كان اسمها الرسمي "فلسطين"، وكانت تحت الانتداب البريطاني. كل المداولات التي جرت في أروقة الأمم المتحدة حول هذه الأرض كانت تحت مسمى "المسألة الفلسطينية" وخيار تقسيم "فلسطين" الى دولتين: دولة لليهود المهاجرين الى فلسطين وأخرى للشعب الفلسطيني. وقد رفض الفلسطينيون، باعتبارهم أصحاب الأرض، خيار التقسيم. علما بأن الهجرات اليهودية الى فلسطين بدأت عام 1882، وشملت الموجة الأولى من المهاجرين 25,000 يهوديا من أوروبا الشرقية.
في 8 ديسمبر 1947 صوت مجلس العموم البريطاني على إنهاء الانتداب على "فلسطين" اعتبارا من يوم 15 مايو 1948. أعلمت بريطانيا مجلس الأمن الدولي بقرارها وأوصت بتقسيم "فلسطين" لبلدين بعد أسبوعين من تاريخ انهاء الانتداب. وفي إجراء استباقي، وقبل يوم واحد من انتهاء الانتداب البريطاني، قامت منظمة الهاغانا اليهودية المسلحة بتنفيذ عملية كيلشون واحتلت المناطق الإستراتيجية في القدس التي أخلاها الجيش البريطاني، واحتلت الأحياء العربية الموجودة خارج المدينة القديمة، كما نفذت عملية سشفيفون واحتلت مدينة القدس القديمة. وفى الساعة الرابعة من عصر يوم 14 مايو 1948 اُعلن في تل أبيب عن قيام دولة إسرائيل كإجراء أحادي لا تسنده أي شرعية دولية. وكان الرئيس الأمريكي ترومان أول من اعترف بدولة إسرائيل، بناءً على وعد سابق قطعه خلال اجتماع سري عقده في 8 مارس 1948 مع الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان حيث تعهد له بالاعتراف بالدولة اليهودية حال إعلانها.
اتفاقات السلام مقابل الأرض
استمرت الحروب مستعرة بين إسرائيل من جانب والفلسطينيين والدول العربية الداعمة لحقهم الشرعي في أرضهم من جانب آخر حتى عام 1973. وفى عام 1979 وقعت مصر وإسرائيل معاهدة سلام على أساس "الأرض مقابل السلام" عرفت باسم اتفاقية كامب ديفيد. بموجب هذا الاتفاق أعادت إسرائيل لمصر شبه جزيرة سيناء التي احتلتها عام 1967 مقابل اعتراف مصر بدولة إسرائيل وانهاء حالة الحرب بين البلدين. وفى عام 1994 وقعت إسرائيل والأردن معاهدة سلام على الأساس نفسه، حيث اعترفت الأردن بدولة إسرائيل وانهت حالة الحرب بين البلدين وأعادت إسرائيل أراضي اردنية كانت قد احتلتها، كما تضمّن الاتفاق تفاهمات لترسيم الحدود بين البلدين وتقاسم المياه.
في عامي 1993 و 1995 وقّعت إسرائيل اتفاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) عرفت باسم اتفاقيات أوسلو(Oslo Accords) . وقد بُنيت الاتفاقات على مبدأ "الأرض مقابل السلام"، ونصت على اعتراف فتح بحق إسرائيل في الوجود مقابل اعتراف إسرائيل بشرعية فتح في تمثيل الشعب الفلسطيني. ونصت التفاهمات على نبذ فتح للعنف ونقل إسرائيل سلطة إدارة الضفة الغربية وغزة للسلطة الفلسطينية.
القطيعة النظيفة والسلام من خلال القوة
في 1996 أحدثت إسرائيل تحولا جذريا في تعاطيها مع الفلسطينيين والدول المساندة لهم في الشرق الأوسط. فقد تبني الساسة الإسرائيليون وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو التوجهات المتطرفة الواردة في التقرير المُسمّى: "قطيعة نظيفة: استراتيجية جديدة لتأمين المملكة" (A Clean Break: A New Strategy for Securing the Realm, 1996). تنفيذ "القطيعة النظيفة" قضى على كل تفاهمات أوسلو، وتنصلت بسببه إسرائيل من التزاماتها، وضيّقت الخناق على الشعب الفلسطيني مما فجر انتفاضات فلسطينية استخدمتها إسرائيل ذرائع لمزيد من القمع ومصادرة أراضي الفلسطينيين ومنعهم من حرية التنقل والحصول على والماء والطعام والدواء.
قام بإعداد التقرير المُسمّى "القطيعة النظيفة" ثمانية أشخاص من صُنّاع الرأي والسياسات في الولايات المتحدة الأميركية ينتمون للمحافظين الجدد (The Neoconservatives or Neocon)، اُعدّ التقرير في إطار "استراتيجية إسرائيلية جديدة نحو عام 2000"، وقُدّم لبنيامين نتنياهو عقب انتخابه رئيساً للوزراء عام 1996 بغرض تغيير قواعد التعامل مع الفلسطينيين ودول الشرق الأوسط. ويقصد "بالقطيعة" التنصل من كل التعهدات والالتزامات والسياسات التي وافقت عليها إسرائيل في التعاطي مع الفلسطينيين ودول الشرق الأوسط. أهم موجهات "القطيعة النظيفة" هي وقف التعامل بمبدأ الأرض مقابل السلام واعتماد مبدأ "السلام من خلال القوة"، وقف التعامل مع تفاهمات أوسلو، ضرورة أن تتصرف إسرائيل بشكل آحادي أكثر عدوانية تجاه الفلسطينيين والدول الداعمة لهم، زيادة عدد المستوطنات إجهاض خيار الدولتين، ملاحقة الفلسطينيين الذين يقاومون إسرائيل في أي مكان، تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، ضرب البنية التحتية لسوريا في لبنان وداخل سوريا و مواجهة حزب الله وايران، إزالة صدام حسين من السلطة في العراق كهدف استراتيجي لإسرائيل، وتجاوز الأعداء بدلا عن احتوائهم. وقد نفّذ بنيامين نتنياهو هذه السياسات بحذافيرها خلال فترات توليه لمنصب رئيس الوزراء من 1996 الى 1999 ثم من 2009 والى يومنا هذا. ولم يشذّ من خلفوه على منصب رئاسة الوزراء في إسرائيل بين 1999 و2009 عن هذه الإستراتيجية.
تغيير الحكومات الداعمة للفلسطينيين بالقوة العسكرية
داخل الولايات المتحدة الأمريكية، توسع نفوذ المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي في التسعينيات. وعندما وصل جورج بوش الابن للرئاسة في 2001 كانت لدى ادارته خطة مسبقة، مصدرها المحافظين الجدد، لضرب سبعة دول هي العراق، سوريا، إيران، لبنان، ليبيا، الصومال، والسودان (راجع مقال بروفسور جفري ساكس: كيف دمرت الولايات المتحدة وإسرائيل سوريا وأسموه سلاما، 12 ديسمبر 2024) باعتبار أنها الدول التي تدعم المقاومة الفلسطينية وحزب الله.
وقد اُستخدمت هجمات 11 سبتمبر 2001 كذريعة لغزو العراق. حيث ادعت إدارة بوش كذبا امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل والارتباط بتنظيم القاعدة المسؤول عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر وتم غزو وتدمير العراق بالكامل، رغم أن مذكرات داخلية مثل مذكرة رامسفيلد الى مستشارة الأمن القومي الأمريكي كونداليزا رايس في 27 يوليو (شهرين قبل هجمات سبتمبر) 2001 تشير أن قرار غزو العراق اتخذ سلفا قبل هجمات 11 سبتمبر. (راجع ص 33 من كتاب "الخيانة المميتة: الحقيقة وراء غزو الولايات المتحدة للعراق".
في كتابه الصادر عام 2024 بعنوان "الخيانة المميتة: الحقيقة وراء غزو الولايات المتحدة للعراق"، أكد العسكري الأمريكي دينس فرتز (Dennis Fritz) أن "عصابة" مكونة من رامسفيلد(Rumsfeld) ، ولفوفيتز (Wolfowitz) ريتشارد بيرل (Richard Perle) ، دوق فيث (Doug Feith)، و غينغريتش (Gingrich) وضعوا خطة لضرب حماس وحزب الله من خلال تفكيك الأنظمة التي تدعمهما ماليا وعسكريا، "كان هدفنا تقليل أمل الفلسطينيين في إنشاء دولة خاصة بهم ما لم يصنعوا السلام مع إسرائيل وفق شروط إسرائيل، أو يبقوا تحت الاحتلال وسيطرة إسرائيل ولتحقيق ذلك، كان علينا هزيمة حماس وحزب الله من خلال غزو العراق، الذي كان يمول هاتين الجماعتين" (ص 37 و 38).
استند دينس فرتز في كتابه "الخيانة المميتة" على الوثائق الأمريكية الرسمية التي رفعت عنها صفة "السرية" مؤخرا للكشف عن الأسباب الحقيقية لغزو العراق وعن خطط إدارة بوش لغزو سبعة دول داعمة للفلسطينيين في غضون خمسة سنوات. "كانت حرب العراق جزءًا من خطة المحافظين الجدد للهيمنة على الشرق الأوسط دعمًا لإسرائيل... وعلى الرغم من أن العراق كان نقطة البداية، فإن إسرائيل كانت تريد في الأصل أن نغزو سوريا أو إيران أولاً، حيث شعرت إسرائيل أن هذين البلدين كانا أكبر الداعمين لحزب الله وحماس" (ص 57). وأورد دينس فرتز أن الجنرال وسلي كلارك (General Wesly Clark) تسلم مذكرة من مكتب وزير الدفاع (رامسفيلد) تصف خطة غزو سبعة دول في غضون خمسة سنوات، بدءا بالعراق، ثم سوريا ولبنان وانتهاء بإيران (ص 55). "ولو أن غزو العراق قد حدث بسلاسة لتبعه غزو سوريا مباشرة" (ص 58 - 59).
ولا شك أن بنيامين نتنياهو هو مصدر فكرة تفكيك الحكومات الداعمة لحماس وحزب الله. فقد جاء في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي يوم 20 سبتمبر 2001 (بُعيد هجمات 11 سبتمبر) “أنه لا يوجد إرهاب دولي دون دعم من دول ذات سيادة ... انزع كل هذا الدعم الذي توفره الدول، وسينهار بالكامل الهيكل الداعم للإرهاب الدولي ويتحول إلى غبار. يعتمد الإرهابيون الدوليون على أنظمة معينة: إيران، العراق، سوريا، أفغانستان في ظل حكم طالبان، السلطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، وعدة أنظمة عربية أخرى، مثل السودان. هذه الأنظمة هي التي تؤوي الجماعات الإرهابية: أسامة بن لادن في أفغانستان، وحزب الله وآخرين في لبنان الخاضع للسيطرة السورية؛ وحماس، والجهاد الإسلامي، والفصائل التي تمت تعبئتها مؤخرًا من فتح وتنظيم في الأراضي الفلسطينية؛ وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من عواصم مثل دمشق، وبغداد، والخرطوم مقرات لها." (ص xiii – xiv: كتاب "محاربة الإرهاب: كيف تهزم الديمقراطيات شبكات الإرهاب الدولي" لبنيامين نتنياهو، الطبعة الثانية 2001). (ملاحظة: صدرت الطبعة الأولى لكتاب بنيامين نتنياهو "محاربة الإرهاب" عام 1995).
التضليل الإعلامي الممنهج
نجح الإسرائيليون، بقيادة بنيامين نتنياهو وبدعم من المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة وأوروبا، في الترويج لفكرة ارتباط الفلسطينيين وحزب الله بتنظيم القاعدة المسؤول عن هجمات 11 سبتمبر، بهدف وصمهم بالإرهاب. وقد ساعدهم ذلك في تشويه صورة الفلسطينيين الذين يناضلون من أجل حقهم في الحياة والتمسّك بأرضهم، كما سعوا إلى شيطنة كل من يدعم القضية الفلسطينية. وقد استخدمت إسرائيل أدوات فعالة للتأثير على الرأي العام الأمريكي وخلق صورة نمطية سلبية عن الإسلام والفلسطينيين ومؤيديهم، من أبرزها الوسائل الإعلامية المنظمة مثل "المشروع الإسرائيلي" (The Israel Project – TIP)، (انظر ويكيبيديا لمزيد من التفاصيل). الغاية الحقيقية من وراء هذه السياسات هي بسط الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط. فالسيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية ليست سوى خطوة أولى في سبيل تحقيق الحلم التوراتي المتمثل في إقامة "إسرائيل الكبرى" (Greater Israel)، التي تمتد حدودها – بحسب بعض التأويلات – من نهر الفرات إلى نهر النيل، لتشمل مصر والأردن ولبنان وسوريا والعراق وأجزاء من السعودية.
وحسب ما أورد دينس فرتز فإن المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (JINSA) هو من وقف وراء السياسة الأمريكية الرافضة لقيام دولة فلسطينية وهو من رّوج لتغيير حكومات كل من العراق وإيران وسوريا تحت شعار ضمان أمن إسرائيل أيًا كان الثمن (ص 40). أيضا أشار دينس فرتز الى جهود بعض المُشّرعين الأمريكان لعرقلة "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA) التي قدمتها عام 2015 لمجلس الأمن كل من الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا وأمريكا من أجل التوصل لاتفاق مع إيران لضمان عدم تطويريها لأسلحة نووية مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها من قبل أمريكا والأمم المتحدة. كم طُرح في مجلس الشيوخ مشروع قانون يلزم الولايات المتحدة الأمريكية تقديم الدعم الاقتصادي والعسكري لإسرائيل في حال أنها شنت هجوما على إيران بغرض الدفاع عن النفس ضد برنامج إيران النووي. ومن الواضح أن هدف إسرائيل وحلفائها من المحافظين الجدد ليس ضمان عدم امتلاك إيران لسلاح نووي وإنما استخدام دعوى أن إيران تطور أسلحة نووية كذريعة لتوجيه ضربة عسكرية قاضية على إيران تماما مثل ما استخدمت اُكذوبة أسلحة الدمار الشامل لغزو وتدمير العراق. لهذا السبب نسمع هذه الأيام ادعاءات مضللة لا يسندها أي دليل لامتلاك إيران أسلحة نووية كإعداد للرأي العام لقبول توجيه ضربة عسكرية ضدها.
استخدمت إسرائيل وحلفائها داخل أمريكا نفس الحجج لتغيير نظام الحكم في سوريا، ونجحت في تدميرها وتحويلها لدولة فاشلة، وتعمل حاليا على خلق المزيد من الدمار والفرقة داخل سوريا والاستيلاء على أراض سورية بحجة ضمان أمن إسرائيل، وربما استفزاز تركيا بضرب مصالحها في سوريا وجرها لمواجهة مع إسرائيل.
لقد نجحت إسرائيل وحلفائها داخل وخارج أمريكا في شن الحروب وتدمير كل من ليبيا والعراق وسوريا ولبنان والسودان وغزة والضفة الغربية، وضُمَّت اليمن مؤخرا الى القائمة التي أُعدت منذ أكثر من ربع قرن مضى والخاصة بالدول المقصود تدميرها ولم يتبقَّ إلاّ توجيه الضربة القاضية لإيران التي كبلتها العقوبات. ورغم نجاح إيران في تأخير هذه الضربة عبر دعم الحروب بالوكالة، آخرها جر الحوثيين في اليمن للحرب ضد إسرائيل وحلفائها، إلاّ أن هذه الضربة تبدو قريبة جدا حتى ولو رضخت إيران لشروط مجحفة من إسرائيل وحليفتها أمريكا. فقد جرّب صدام حسين من قبل الركوع لأمريكا، ولكن لم يجده نفعا (راجع ص 70 من كتاب "الخيانة المميتة").
هل حان أوان إعلان دولة إسرائيل الكبرى؟
السؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي سيحدث بعد ضرب إيران وتحويلها لدولة فاشلة مثل العراق ولبنان وسوريا وليبيا والسودان؟ الإجابة في تقديري: تحويل بوصلة العداء الإسرائيلي-الأمريكي والضربات العسكرية والفوضى إلى مصر ثم السعودية وتتويج ذلك بإعلان "دولة إسرائيل الكبرى" تماما كما اُعلن عن قيام دولة إسرائيل في 14 مايو 1948.
msafieldin@yahoo.com
msafieldin@gmail.com