من شجاع الدين حتى أبو حسين.. الشجاعية عقدة عصية على المحتلين
تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT
مثل حي الشجاعية عقدة أزلية لجيش الاحتلال في غزة، في كل محطات الصراع، إذ شكل قلعة حصينة للمقاومة، تتمركز فيه نواتها الصلبة حتى بدا ذكر الحي كابوسا على جيش الاحتلال ونخبته، وتحديدا لواء جولاني.
فقد هذا اللواء الذي يعتبر من النخبة، 10 من ضباطه بينهم قادة كتائب في كمين محكم للقسام، التي أجهزت على الضباط بعد أن فجرت بالقوة المهاجمة عدة عبوات ناسفة.
هذه الشجاعية وهذا صنيعها ❤️
pic.twitter.com/PwGOSg95Hb — كامل???? (@kamelshiakh22) December 6, 2023
الشجاعية .. حاضر وتاريخ
يتوسط الحي النصف الشمالي الشرقي من مدينة غزة، ويعد أكبر أحياء القطاع، ويضم العديد من المساجد والمقابر والهياكل القديمة، ويمتلك تلا مرتفعا يطل على باقي الأحياء يعرف "تلة المنطار" التي اكسبته أهمية استراتيجية.
بني الحي في زمن الأيوبيين، وأخذ اسمه من الجندي "شجاع الدين عثمان الكردي" في جيش صلاح الدين الأيوبي، والذي استشهد في إحدى المعارك التي أعقبت معركة حطين الشهيرة عام 1239م.
تمتد الشجاعية على مساحة 14 كيلو متر، وينقسم الحي لقسمين جنوبي يطلق عليه حي التركمان، وشمالي يطلق عليه حي الأكراد، ويعيش هناك نحو 150 ألف نسمة.
بؤرة المقاومة
كان حي الشجاعية صاحب شرارة في انتفاضة عام 1987، حيث دارت رحى معركة شرسة بين الاحتلال والمقاومة، أسفرت عن مقتل ضباط وجنود من جيش الاحتلال،
حتى خلدها سكان الحي باسم "معركة الشجاعية".
وخلال الانتفاضة الثانية عام 2000، شهد حي الشجاعية معارك ضارية مع جيش الاحتلال الإسرائيلي عقب اقتحامه أحياء ومخيمات القطاع.
وتحاكي معارك الشجاعية الآن، مشاهد معركة دامية دارت في تموز/يونيو 2014، عندما وقعت قوة من لواء جولاني في كمين محكم للقسام قتل خلاله 16 جنديا وإصابة آخرين بينهم قائد اللواء غسان عليان، فضلا عن أسر الجندي شاؤول آرون.
وانطلاقا من الشجاعية هاجمت كتائب القسام موقع ناحل عوز العسكري في غلاف غزة عبر أحد الأنفاق لتجهز على 10 جنود من جيش الاحتلال خلال عملية العصف المأكول.
وعادت قوات الاحتلال بعد تسعة سنين من عملية "العصف المأكول". وتحمل ثأرا الماضي، وطموحة لحل عقدة الحي، حتى قال وزير حرب الاحتلال يوآف غالانت مطلع الشهر الجاري، لعناصر لواء جولاني بأن عليهم الاستعداد لمعركة شرسة في الشجاعية قائلا، "ها أنتم تعودون للشجاعية لإغلاق الدائرة".
لكن أماني غالانت اصطدمت بصخرة القسام في الحي، حيث عجزت قوات الاحتلال عن التقدم فيه كما تكبدت خسائر فادحة كانت دفعة قتلى يوم الثلاثاء آخرها.
"عندما تنتهي من الشجاعية ستعود إلى بيتك وتعانق طفلتك"
دخل الشجاعية وطلع منها جـــثة وبنته تيـتمـت للأبـــد ????????pic.twitter.com/mARUaNHkO2 — MO (@Abu_Salah9) December 14, 2023
ووصف موقع "واللا" العبري، ما حدث بالشجاعية بـ"المعركة الصعبة" إذ تعرضت قوات الاحتلال فيه لكمين مركب، أودى بحياة القوة المهاجمة والقوة التي قدمت للمساعدة والإنقاذ.
نواة المقاومة الصلبة
أخرجت الشجاعية أبرز قادة المقاومة الفلسطينية وعلى رأسهم، الشهيد المهندس يحيى عياش، والشهيد أحمد الجعبري، نائب القائد العام لكتائب عز الدين القسام الذي اغتيل بقصف عام 2012.
وكان أحد أبناء الحي، قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا الذي استشهد مع زوجته أواخر 2019.
وبرز الاسم الأشهر في الشجاعية خلال الأيام الماضية للقائد القسامي أبو حسين فرحات، الذي أعلن الاحتلال اغتياله، كما أهدى أحد المقاومين عملية إحراق دبابة للاحتلال للرجل الذي يعد قائد كتيبة الشجاعية في كتائب عز الدين القسام.
هذي لعيون ابو حسين فرحات ???? pic.twitter.com/RQkhj4yluh — Ahmad Mas (@a7maad_mas) December 6, 2023
كما يعد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي السابق رمضان شلح من أبناء حي الشجاعية، بالإضافة لأسماء أخرى أرقت الاحتلال طويلا.
شاهد على الجرائم
وشهد حي الشجاعية مجازر مروعة ارتكبها الاحتلال في حق المدنيين، لعل أكثرها فداحة سلسلة غارات على الحي مطلع الشهر الجاري، دمرت أكثر من 50 مبنى سكنيا وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وفي عام 2014، شهدت الشجاعية جريمة أودت بحياة 75 شهيداً فلسطينيا، ومئات المصابين جلهم من النساء والأطفال، إثر قصف عشوائي للاحتلال بأكثر من 100 قذيفة استهدف الحي.
وارتكب الاحتلال مجزرة ضد سكان الحي في شباط/فبراير 2004، خلّفت 15 شهيداً و44 مصاباً، من بينهم 20 طفلا.
وظل الحي هدفا للغارات الجوية المتكررة ومنطقة معارك عنيفة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال خلال الاجتياح البري، في عدوان الاحتلال على القطاع عامي 2008 و2009، وحرب 2014.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الشجاعية الاحتلال غزة المقاومة القسام غزة الاحتلال الشجاعية المقاومة القسام سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جیش الاحتلال حی الشجاعیة
إقرأ أيضاً:
الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.
اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.
مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.
مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.
مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.
الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.
فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.
مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.
فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.
فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.
سماء عيسى شاعر عُماني