البوابة نيوز:
2025-01-18@19:22:52 GMT

محمد العشى.. بسالة الحلم والتحدى المشروع!

تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT

 

 فى البداية تعرفت عليه على أنه أحد الفنانين الهواة، الذين لا يملكون إلا الموهبة فقط، مع إجادتهم لإستخدام الوسائل التكنولوجية التى تيسر الكثير من العمليات المعقدة فى التأليف والتوزيع الموسيقى، ثم يستعينون بمتخصصين كى يكملون لهم الجانب المنقوص، فيكتبون ويصيغون لهم ألحانهم، كى يتم تقديمها بشكل محترف!..

ولكن فوجئت حين وجدته فنانا محترفا، يحرز أهدافا فى ملعب الكبار، وهو خريج كلية التجارة، ولم ينتم فى يوم من الأيام لأى مؤسسة تعليم موسيقى!.. فيتم تكليفه من كبار المتخصصين وأمهرهم بالتوزيع الأوركسترالى، فى مناسبات هامة يمثلون فيها إسم مصر!.. وتعجبت حين تناقشت معه ووجدته مدركا لأدق التفاصيل الفنية، والتى قد تغيب عن الدارسين، بسبب الإستسهال!.. ولأننى أدرك حتمية الدراسة فى هذه المجالات، وأن الموهبة وحدها لا تكف، كنت على يقين بأنه درس وتعلم، ولكن لم أتخيل أن يكون قد حصل هذا العلم بالجهد الذاتى!..وأنه لم يملك سوى الشغف والدأب، دون أن تتوفر له أى إمكانيات!..ورغم أنه لا يزال فى أوج عطائه الفنى والمهنى، إلا أن رحلة كفاحه ونجاحه أبهرتنى، ووجدتها قصة ملهمة، وخاصة فى زمننا الذى أصبح فيه الأغلبية يبحثون عن النجاح السريع، ويتعجلون النتائج دون أن يأتون بكل الأسباب!..ولد محمد العشى فى مدينة السويس الباسلة فى عام١٩٧٧، فى أسرة مثقفة، ولكن ليس لديها إهتمامات موسيقية.. فوالده هو الكاتب الصحفى حسين العشى الذى لقب بمؤرخ المقاومة الشعبية بالسويس، والذى أسس جريدة (الوعى)عام١٩٦٦، وقام بتأليف العديد من الكتب الهامة، وعمل أيضا رسام كاريكاتير، وكان له كتابات شعرية بالعامية، وعدة أغاني في الإذاعة المصرية.. وفى نفس الوقت عمل مديرًا عامًا لشركة بتروجاس بالسويس، ثم مساعدا لرئيس الشركة القابضة للغازات)..وكان نائبا بمجلس الشورى، ورئيسا لمجلس إدارة نادي منتخب السويس..أنجب حسين العشى محمد ووفاء، ونشأ الطفلان على الثقافة والأدب وفن الكاريكاتير، وسماع عبد الوهاب وأم كلثوم وغيرهما من أساطين الغناء.. ولكن لم يزد إهتمام الأسرة الموسيقى عن المتبع فى أغلب البيوت المصرية التقليدية، فلم تتفتح عين الأبناء على آلات موسيقية من حولهما مثلا، أو يجدوا إهتماما بإقتناء إسطوانات للموسيقى العالمية..ولكن لحسن الحظ إلتحق محمد بمدرسة، كانت هى الوحيدة بالسويس التى تملك غرفة مخصصة للموسيقى، وبمجرد دخوله لغرفة الموسيقى لأول مرة، شعر بإنجذاب جارف للبيانو، وأصبح يقتنص الثوانى والدقائق، كى يداعب البيانو بأصابعه ويسمع نغماته، وتطور حبه للموسيقى وأصبح يقضى ساعات فى محاولة عزف بعض الألحان التى يحبها، وكانت المفاجأة حين أهداه والده أورج صغير بعد عودته من الحج..ولكن رغم ثقافة الأب ووعيه وسعة أفقه، إلا أنه بمجرد أن شعر بتعلق إبنه البكرى بالموسيقى وميله الكبير لها، رفض ذلك وحارب موهبته بكل قوة، وكان دائم الخلاف معه، وخاصة لصرامته الشديدة معه، كما هو متبع من الكثير من الآباء، والذين يظنون أن ذلك هو الطريق كى يرث أبناؤهم منهم القوة والصلابة.. ولم يجد الإبن سوى حضن جدته لأمه، والتى كانت تشجعه وتدعمه بقوة وتحميه، فكان بيتها هو ملاذه الآمن، وقضى فى غرفته فى منزلها -والتى ولد بها أيضا- أجمل سنوات عمره..كان حزنه شديدا عندما فقد الأورج الذى يقتنيه، ولم يستطع شراء غيره، ولم يجد أمامه سوى رسم مفاتيح الأورج على المكتب، وكان يقضى الساعات وهو يقوم بتدريب أصابعه على المكتب وكأنه بيانو!..كان محمد شغوفا بالموسيقى، محبا لكل ما يتعلق بها، فأخذ المناهج الموسيقية المقررة فى التعليم الأساسي على محمل الجد، وبدأ يتعلم قراءة النغمات والإيقاعات، ويحاول تطبيق ما يتعلمه على الأغانى التى يعرفها..وفجأة قرر أن يدخل مسابقة تابعة لوزارة التربية والتعليم عن المحافظة، فحقق المركز الثانى وهو فى الصف الأول الإعدادى، ثم المركز الأول فى السنتين التاليتين، وعلم نفسه عزف الماندولين، والجيتار، وحاول أيضا تعلم الفيولينة.. وحين أصبح فى الصف الأول الثانوى أصبحت وزارة التربية والتعليم تستعين به لتدريب الطلاب فى مدارس أخرى بالسويس، وكان يتقاضى ثلاث جنيهات عن الحصة!..ولشدة شغفه بالموسيقى وتعلمها، كان يدخر مصروفه، كى يأتى إلى القاهرة يوم الجمعة بسيارة أجرة، كل أسبوعين أو ثلاثة تقريبا، ويذهب من الموقف إلى محل بابازيان فى عماد الدين على قدمه، وفقا لوصف بعض أصدقائه الأكبر سنا، ولم يكن يشعر بأى تعب، وإستمرت تلك الرحلة لثلاث سنوات تقريبا، كى يشترى بعض النوت الموسيقية العالمية والكتب التعليمية..وكان يذهب من وراء والديه، ولكن بعلم جدته ومعونتها..أدرك محمد مبكرا أن الله قد منحه موهبة، وأراد أن يثقلها، فلم يكتف بتعلم النوتة الموسيقية، بل حاول تعليم الهارمونى لنفسه، وكان يقضى ساعات محاولا تحليل ما يقتنيه من مقطوعات عالمية، كى يفهم طريقة البناء الهارمونى، وطرق التعبير دراميا بالموسيقى..وشارك فى تكوين فرق موسيقية فى السويس مع زملائه الهواة، وكان الصدام شديدا مع والده السياسي البارز فى السويس، حين يذهب إلى إحدى الحفلات أو الأفراح ويجد إبنه فى الفرقة الموسيقية!.. ورفض الأب بشكل قاطع أن يلتحق إبنه بكلية موسيقية بعد الثانوية العامة، فإلتحق بكلية التجارة، لكنه لم يستسلم، وأصر على حلمه، فكان يذهب إلى كلية التربية النوعية بجامعة قناة السويس، ليتعلم من المعيدين والاساتذة قدر إستطاعته..وكانت المرة الأولى التى يفتخر والده بموهبته، حين أُعلن فى التليفزيون فوزه بالجائزة الأولى لقصور الثقافة على مستوى الجمهوية!..فأهداه والده أورج جديد بعد كل تلك السنوات!..لم يترك محمد أى فرصة تجمعه بالموسيقى، فشارك مبكرا فى أنشطة قصور الثقافة، ووضع موسيقى لبعض المسرحيات، وشارك فى فرق الجامعة، وكان يقوم بتدريب الكورال والفرق..وحرص دائما على التعلم وإكتساب مهارات جديدة فى التأليف والتوزيع الأوركسترالى، رغم الفرص التى أتته مبكرا بالتوزيع لكبار المطربين، ووضع الموسيقى التصويرية للعديد من الأعمال الدرامية..وكان من الممكن أن تفقده شغف الإستزادة من العلم..لكنه لم يكتف بالتعلم الذاتى للعلوم الموسيقية نظريا وتطبيقيا..وإشترى المناهج الكاملة لكليات(تيرينتى وبيركلى)الموسيقية، ووجد أن تلك المناهج كان قد تعلمها بالفعل أثناء رحلته الدوؤبة!..لذلك لم يكن غريبا بعد هذه الرحلة شديدة الصعوبة، والتى بدأت بشغف العلم لتحقيق الحلم، أن نراه أحد الأسماء الهامة فى المجال الموسيقى، ونجد إسمه بارزا فى المحافل الدولية، بما إمتلكه من شغف وإصرار وإخلاص وجدية، رغم ضعف الإمكانات!

*أستاذة بأكاديمية الفنون

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الوسائل التكنولوجية

إقرأ أيضاً:

الدولة القادمة الحلم الواعد

د. ليلى الضو أبو شمال

في كل دول العالم يُنظر للشباب على أنهم ثروة قومية لا تقدر بثمن ومورد من موارد الدولة المهمة ، والدولة التي تحظى بها تُسمى دولة يافعة ، وأوربا التي يُطلق عليها لقب القارة العجوز ويرجع سبب التسمية لعدة أسباب واحدة منها أنها تفتقد هذا المورد المهم ، حيث أن الغالبية العظمى من سكانها هم الفئة التي تجاوزت سن الشباب وتلك القارة التي بلغ سكانها أكثر من 740 مليون نسمة تمثل فيها نسبة شريحة الشباب أقل من 50% ، وبالتالي تُؤثر تلك النسبة على تنمية الدول في حاضرها وعلى مستقبلها ، لذلك لجأت إلى السماح للشباب من قارات أخرى بالوفود إليها تارة بالطرق القانونية المتاحة وتارة أخرى بالطرق غير القانونية ( ما يسمى بالهجرة غير الشرعية) إن كانت من الدولة الوافد منها المهاجر أو التي يود الهجرة إليها وهم غالبا أكثر بكثير من الذين يدخلون بالطرق الرسمية ، ومعظم دول تلك القارة لا تمانع حيث أنها تستفيد منهم في رحلة الإنتاج والعطاء ، ومن المزايا لذلك أنهم يعملون شتى أنواع العمل كالذي يُطلق عليه أعمال هامشية ، كثيرا ما نسمع عن طبيب أومهندس بدأ حياته بالعمل في المطاعم وغسيل الأطباق ، وأعمال النظافة أو صالونات الحلاقة أو غيرها ، والمدهش في ذلك أن الواحد منهم لا يستحي من هذا العمل وأنا أيضا لا أرى في ذلك مدعاة للحياء والموارة ، ولكن استعجب في أنه يستحي أن يفعل ذلك في بلده وسط أهله وأقرانه ، ويرى في ذلك ما يقلل من شأنه ويضعف من مكانته الإجتماعية ، ويستوقفني دوما مثل تلك العقليات التي تعيش بيننا والتي تندرج تحت مفهوم ( انفصام اجتماعي) بلاشك ، الزعزعة النفسية التي تنطوي في دواخلنا واحدة من أسباب انهزاميتنا وتعطيل تقدمنا في دولة كالسودان تمتلك أراضي زراعية بحجم هذه المساحات وتمتلك موارد مائية تفتقدها كثير من الدول الأخرى ، وشباب يفوق عددهم أكثر من نصف سكان الدولة ، وأرض ظلت على مر التاريخ تٌسمى سلة غذاء العالم ، لماذا نستحي أن نكون جميعنا مزارعين ورعاة ونحقق هذا الوعد الذي أُطلق قبل سنوات طوال وتستدعيه بشدة كل السنوات القادمات ، ولماذا نستورد البرتقال والفراولة وغيرها من محاصيل من الجارة ( مصر ) مثلا ولماذا شبابنا بهذا الإحباط كله والإحساس بعدم الأمان في دولتهم والعجز أن يكونوا ناجحين وقادرين على الإنجاز والإبداع ، في تقديري أن أسباب ذلك كثيرة أولها تقصير في التربية حيث لم تُوفق كثير من الأسر دون قصد أن تبني أجيال للمستقبل ، كثيرا ما يربى الوالد أو الوالدة ابنه أو ابنته على منهج ما تربى هو عليه إن كان هذا المنهج خطأ أو صواب ، كثيرا ما يسيطر عليه ذلك الاستبداد الذي مُورس عليه وتسبب في تعقيد حياته ، ويقول حينما أكون أبا أو تقول حينما أكون أما لن أفعل ذلك مع أبنائي ( وهنا أتحدث عن جوانب موروثات وليست جوانب أخرى ) ، ولكن لا يستطيع الإفلات من الطبع ، حيث لاشك الطبع يغلب التطبع ، لو سألت كثير من الأمهات أو الأَباء لماذا تريدون لأبناءكم أن يدرسوا طبا أو هندسة لن تجد لديهم إجابات مقنعة ، وهذا كمثال فقط ، لماذا فشل كثير من الأطباء والمهندسين في بلادي ؟؟؟ وحُرموا من ابداع كان يمكن أن يكون ، ولو سألنا أي أب وأم ما جرعات التدين التي غرستموها في أبناءكم وبناتكم ؟ ، ولو سألت أي أب وأي أم ما جرعات الإنتماء وحب الأوطان التي سقيتموها لهم ،، أشك أن نجد إجابة تشفي غليلنا .
لو سألنا الأباء والأمهات متى جلستم للحوار مع أبناءكم وبناتكم ومنحتموهم الثقة ليقولوا كل ما بدواخلهم ؟ حتى لا يذهبوا لأباء وأمهات افتراضيين / لن تصدقوا لو قلت لكم أعرف أبناء وبنات يجعلون من الأباء والأمهات التي تصنعها برامج الذكاء الاصطناعي مكانا للدردشة معهم والتفاعل معهم والاحساس بالأمان لن تصدقوني !!! فقد صُدمت قبلكم بذلك .
والله ما يشغل بالي غير ذلك الجيل الذي يحتاج منا لكثير من الإهتمام وجعله أولوية في التفكير الاستراتيجي لأنهم هم مفتاح الدولة القادمة وقد ولى عهد الشيوخ وان الأوان لنجعل الشباب يستعيد الثقة في نفسه وواجب علينا أن نعمل على ذلك تنظيرا وتطبيقا ، فقد أكد من قبل المؤتمر الأول لوزراء الشباب العرب بأن رعاية الشباب هي توفير كل ما يمكن الشباب من تنمية قدراتهم البدنية والفكرية والنفسية والاجتماعية ليصبحوا مواطنين قادرين على الإسهام بفاعلية في بناء مجتمعاتهم
ويقول سلامة محمد الغباري بأن شعور الشباب بالإغتراب وعدم الإنتماء يؤدي بهم إلى تضخم ما يسمى بأزمة الهوية وهي تنمي فيه الإحساس بالضياع في مجتمع لايساعدهم في فهم أنفسهم ولا في تحديد دورهم في الحياة ولا يوفر لهم فرص تعينهم على الإحساس بقيمتهم الاجتماعية.
*خلاصة القول*
هذه تصبح واحدة من توصياتنا للجادين جدا على بناء الدولة الجديدة أن انتبهوا للشباب

leila.eldoow@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • وزارة الشباب والرياضة تُعلن انطلاق التصفيات النهائية لمسابقة الحلم المصري بالإسكندرية
  • حكم اتخاذ الموسيقى مهنة ومورد رزق
  • ذكرى وفاة مطربة "يا جدع" المنسية على إذاعة القاهرة الكبرى.. غدَا
  • الدولة القادمة الحلم الواعد
  • المطرب أحمد الأسمر: الطبلاوي قرأ القرآن الكريم بالمقامات الموسيقية
  • جامعة قناة السويس تشارك في افتتاح مسجد مصر بالعاصمة الإدارية
  •  محمد مغربي يكتب: ما الفرق بين ChatGPT وDeepseek V3 الصيني؟
  • كيف تؤثر الموسيقى في الدماغ؟
  • الليلة.. محمد ثروت وفرقة الموسيقى العربية للتراث في الأوبرا
  • 6000 مستفيد من «مركز في كل نطاق جغرافي»