الوقت قيمة هامة غالية ثمينة نفيسة لا يدرك قدرها كثير من الناس , يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» , ويقول (صلى الله عليه وسلم): «لَا تَزُولُ قَدمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟» , فما من يوم إلا وينادى: يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمنى فإن غابت شمسى لن تدركنى إلى يوم القيامة.
ولأهمية الزمن أقسم به الحق سبحانه وتعالى فى مواضع عديدة، وأشار إليه فى مواضع أخرى من كتابه العزيز , حيث يقسم سبحانه وتعالى بالفجر الذى أفرد له الحق سبحانه وتعالى سورة سماها باسمه, فقال: «وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ», ويقسم بالضحى ويفرد له أيضا سورة سماها باسمه فيقول: «وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى», وأقسم سبحانه وتعالى بالعصر وأفرد له سورة باسمه فى كتابه العزيز هى سورة العصر , فقال سبحانه: «وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ», ويقسم سبحانه وتعالى بالصبح فيقول: «وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ», ويقسم بالليل وبالنهار فيقول سبحانه: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى»، فتسمية أربع سور بأسماء أوقات: الفجر, والضحى, والعصر, والليل, لهو أكبر دليل على أهمية الزمن.
إضافة إلى إشارات متعددة تربط بعض الأحداث أو الأعمال بالزمن كقوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا», وقوله تعالى فى شأن أصحاب الكهف: «وَلَبِثُوا فِى كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا», وقوله تعالى: « شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ», وقوله تعالى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ», وقوله سبحانه: «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا», وقوله سبحانه: «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ», وقوله سبحانه: «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ».
على أن الناس فى تعاملهم مع الوقت فريقان: الأول: يسرقه الوقت فإن لم يسرقه الوقت حاول هو قتل الوقت لأنه فى فراغ قاتل ممل، لا هو فى أمر دينه ولا فى أمر دنياه، حيث يقول ابن مسعود (رضى الله عنه): إنى لأكره أن أرى الرجل فارغًا، لا فى عمل الدنيا، ولا فى عمل الآخرة.
أما الفريق الآخر: فليس لديه فاقد من الوقت ولا فائض، لأنه منظم يحسن استغلال وقته والاستفادة بكل جزء فيه، لا يدرك قيمة ثوانيه فحسب، إنما يدرك قيمة ما يعرف بالفيمتو ثانية، ويعمل على استغلال كل لحظة من الزمن، مدركًا أن النشاط يُولِد النشاط، والكسل يُولِد الكسل، وأن القليل إلى القليل كثير، وأن حياة الإنسان إنما هى عبارة عن مجموعة من الوحدات الزمنية التى تشكل فى مجملها وتراكيبها حياته كلها.
على أن عمر الإنسان هو ما ينتجه أو يخلفه من تراث معرفي، أو فكري، أو إنتاج علمي، نظرى أو تطبيقي، وكل ما يقدمه لخدمة البشرية, بغض النظر عن مدى الزمن الذى يعيشه.
كما أن البركة فى العمر لا تكون بطول العمر فحسب، إنما هى مقدار ما ينتجه أو يقدمه المرء فى هذا العمر لخدمة دينه أو دنياه أو دنيا الناس، فخير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله , وخير الناس أنفعهم للناس.
وزير الأوقاف
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: قيمة الوقت أ د محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الوقت قيمة صلى الله عليه وسلم سبحانه وتعالى
إقرأ أيضاً:
حكم قراءة سورة الفاتحة وأول سورة البقرة بعد ختم القرآن
قالت دار الإفتاء المصرية، إنه ورد عن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ قراءة سورة الفاتحة وأول سورة البقرة بعد ختم القرآن الكريم من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى؛ قال الحافظ جلال الدين السيوطي في "الإتقان" (2/ 714-715، ط. مجمع الملك فهد): [يُسَنُّ إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقب الختم؛ لحديث الترمذي وغيره: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؛ الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ».
وأخرج الدانيُّ بسند حسن عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قرأ: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ افتتح من الحمد، ثم قرأ من البقرة إلى: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، ثم دعا بدعاء الختمة، ثم قام] اهـ.
وقد جرى على ذلك عمل الناس، وصح ذلك من قراءة ابن كثير رحمه الله تعالى:
قال الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 30، ط. دار عالم الكتب): [ومن حرمته: أن يفتتحه كلما ختمه؛ حتى لا يكون كهيئة المهجور، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ختم يقرأ من أول القرآن قدر خمس آيات؛ لئلا يكون في هيئة المهجور، وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِالْحَالِّ الْمُرْتَحِلِ، قَالَ: وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ: صَاحِبُ الْقُرْآنِ؛ يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَهُ، ثُمَّ يَضْرِبُ فِي أَوَّلِهِ؛ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ»] اهـ.
وقال الإمام ابن الجزري في "النشر في القراءات العشر" (2/ 411، ط. المطبعة التجارية الكبرى): [قال الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه "جامع البيان": كان ابن كثير من طيق القواس والبزي وغيرهما يكبر في الصلاة والعرض من آخر سورة ﴿وَالضُّحَى﴾ مع فراغه من كل سورة إلى آخر ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾، فإذا كبر في (الناس) قرأ فاتحة الكتاب وخمس آيات من أول سورة البقرة على عدد الكوفيين إلى قوله: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، ثم دعا بدعاء الختمة، قال: وهذا يُسَمَّى (الحال المرتحل)، وله في فعله هذا دلائل مستفيضة؛ جاءت من آثار مروية ورد التوقيف بها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبار مشهورة مستفيضة جاءت عن الصحابة والتابعين والخالفين] اهـ.
ثم قال ابن الجزري (2/ 444): [وصار العمل على هذا في أمصار المسلمين؛ في قراءة ابن كثير وغيرها، وقراءة العرض وغيرها، حتى لا يكاد أحد يختم إلا ويشرع في الأخرى؛ سواء ختم ما شرع فيه أو لم يختمه، نوى ختمها أو لم ينوه، بل جعل ذلك عندهم من سنة الختم، ويسمون مَن يفعل هذا (الحال المرتحل)؛ أي الذي حلّ في قراءته آخر الختمة وارتحل إلى ختمة أخرى] اهـ.