ونختتم الحكاية, رد «نوبار» على رئيس وزراء تركيا قائلا: «ولكن» «حق الانتفاع» سيُصبح «سرابًا» إذا لم يكن لدينا سلطة تهذب الشجرة كما ينبغي, وتقلب الأرض حول جذورها, ويسمح لمصر أنْ تصنع تطورها بنفسها بحرية, فهى لا تطلب أكثر من ذلك: الفصل التام بين إدارتنا وإدارة الإمبراطورية, والهدف الحفاظ على الشجرة وصيانتها لكم ولنا.
وأخيرًا وافقتْ «الأستانة» على منح مصر حق إدارة شئونها ورفض حقها فى وضع ترتيبات جمركية مع الدول الأخرى, فقال نوبار للوزير التركى «كيف تكون إدارة بدون جمارك؟ ما فائدة الإدارة بغيرها؟, إنكَ تعطينى بيد ما تأخذه باليد الأخرى», وبعد جدال طويل وافقتْ الأستانة على منح مصر حق وضع ترتيبات وعقد اتفاقيات جمركية بشرط أنْ تخضع هذه الترتيبات لموافقة الباب العالي، ولكن نوبار أصرّ على إلغاء هذا الشرط، وبعد جدال جديد وافقتْ الأستانة على مطلب نوبار بشرط ألا يكون لهذه الاتفاقيات الجمركية طابع سياسي, وكان من بين إنجازات نوبار فصل القضاء عن الإدارة.
وعندما طلب إسماعيل إلغاء إحدى الصحف الفرنسية التى تـُطبع فى مصر، وتطعن فى الحكومة المصرية، حدثتْ أزمة بين مصر وفرنسا التى شنــّـتْ هجوما ضاريًا على مصر، فقام نوبار بدعوة كل القناصل الأجانب إلى اجتماع وطلب منهم أنْ يحكموا فيما إذا كانت قنصلية فرنسا مصيبة أم مخطئة؟ وفى نفس الوقت هدّد نوبار بالقبض على كل فرنسى يحمل سلاحًا, وبعد المناقشة اتفق القناصل على أنّ قنصل فرنسا مُخطىء فى تصرفاته, وتدخــلتْ الحكومة الفرنسية لتهديد مصر بمخاطبة الأستانة, ثم طلبتْ تعيين ثلاثة من قناصل الدول الكبرى للتحكيم فى الخلاف وهم قناصل بريطانيا وإيطاليا وألمانيا.
وكان السؤال المطروح: هل من حق البوليس المصرى الاستيلاء على جريدة ممنوعة وتـُباع فى الشوارع؟ وكان الحكم بالاجماع مؤيدًا لرأى نوبار ضد القنصل الفرنسي, وكتب مسيو دى فوجيه -أحد مشاهير كتاب فرنسا- «لقد اكتشفَ «نوبار» وسيلة المراقبة الوحيدة الفعالة لوضع حد لاستبداد الحكومة فى الشرق, وستبقى ذكراه ملازمة لفكر قوى عظيم أبرزه إلى حيز الفعل, وهو إنهاض الشرق من خلال عدالة تحمى أبنائه من الظلم, لقد شيّـد المصريون القدماء الأهرام.. والآن يُـشيّـد «نوبار» فى مصر أثرًا باقيًا خالدا».
وفى مارس 1878 تقرّر تشكيل لجنة للتحقيق فى أحوال مصر المالية فطلب إسماعيل من «نوبار» مواجهة تلك الأزمة, فقال له «نوبار» (يجب على سموكم التنازل عن كل ممتلكاتكم، وإنْ لم تفعل ذلك ستفقد مصر، رفض الخديو طلب «نوبار», ولكنه بعد فترة وافق على التنازل عن كل أراضيه للدولة، على أنْ تـُخصص الحكومة له ولأسرته مبلغـًا سنويًا يعيش منه قدره نصف مليون جنيه.
وبعد أنْ تواطأ توفيق مع الإنجليز، وتمّ خلع إسماعيل سافر نوبار إلى باريس فسأله الصحفيون: ماذا حدث فقال «إنّ ما يشغلنى الآن شىء آخر, وهو العودة إلى مصر, لأننى أتلهف على رؤية القاهرة وأتطلع إلى مآذنها وأضوائها التى تنعكس على جبل المقطم فتتحول إلى ومضات خافتة وردية, وأرى الأهرامات والنيل وأهل مصر الذين أحبونى وأطلقوا عليّ اسم «أبو الفلاح», وكتب فى مذكراته «كانت مصر تبدو أمامى عظيمة, تستحق أنْ تكون مُرفهة مستقلة, تـُقرّر مصيرها بنفسها, وشعبها المُـتعطش للعدالة, ومن أجل تحقيق هدف العدالة كنتُ مستعدًا للتضحية بكل شىء.. ثروتى بل حياتى نفسها.
يعتبر «نوبار» باشا أول رجل دولة فى مصر فى القرن 19 ينادى بمبادئ الإنسانية والعدالة الاجتماعية، فى وقت كان الرأى ينبع من مجتمع الصفوة، وبسبب المرض استقال فى ثالث فترة لتولية الوزارة، وانسحب من الحياة العامة وذهب إلى باريس، حيث توفى هناك فى14 يناير 1899 ولكنه دفن بالإسكندرية.
وفى عام 1903 أقيم تمثال من البرونز فى حديقة عامة بالإسكندرية لنوبار, وظلّ التمثال فى مكانه حتى يوليو1952، حيث تمّ رفع التمثال ودفنه فى متحف غير مشهور.
حفظ الله مصر وأهلها.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ندى صلاح صيام الحكاية نوبار رئيس وزراء وزراء تركيا رئيس وزراء تركيا
إقرأ أيضاً:
إدارة بايدن توافق على بيع معدات عسكرية لمصر بقيمة خمسة مليارات دولار
رام الله - دنيا الوطن
وافقت الإدارة الأميركية "الديمقراطية" على صفقة لبيع مصر معدات عسكرية تتجاوز قيمتها خمسة مليارات دولار، في ظل تقارب ملحوظ في العلاقات بين واشنطن والقاهرة على خلفية الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.
وأبلغت وزارة الخارجية الأميركية الكونغرس أنها وافقت على بيع تجهيزات خاصة بـ555 دبابة من طراز "إيه1إم1 أبرامز" الأميركية الصنع، بقيمة 4.69 مليارات دولار، و2183 صاروخ جو-أرض من طراز "هلفاير"، بقيمة 630 مليون دولار، وذخائر موجهة بقيمة 30 مليونًا.
وأكدت الوزارة، أن هذه المساعدات "ستعزز السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة، من خلال تحسين أمن بلد حليف أساسي من خارج حلف شمال الأطلسي، يبقى شريكًا إستراتيجيًا مهمًا في الشرق الأوسط".
وتعهد الرئيس الديمقراطي جو بايدن، لدى توليه منصبه في 2021، باعتماد موقف حازم حيال مصر ونظيره عبد الفتاح السيسي بشأن احترام حقوق الإنسان، إلا أن واشنطن وافقت مرارًا، خلال الأعوام الماضية، على صفقات تسليح للقاهرة، إحدى أكبر متلقي المساعدات العسكرية الأميركية في العالم، منذ توقيع اتفاق كامب ديفيد للتطبيع مع إسرائيل في العام 1979.