في غزة رأينا تخريج جيل يضم 1471 حافظا وحافظة يسردون القرآن غيبًا في جلسة واحدة -

يراقب العالم أجمع الأحداث الدائرة لإخواننا المجاهدين في غزة، وما يسطرونه للعالم من نماذج مشرفة تقترب من الخيال في الصبر والتسليم لله تبارك وتعالى، والرضا بما قدره الله عليهم من المصائب والابتلاءات العظيمة، كما نجدهم غاية في الشجاعة والإقدام على مقارعة العدو الغاشم، ولذلك نجد غير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يبحثون عن القرآن لمعرفة مصدر هذه القوة، في الشجاعة والصبر، فكيف ساهم حفظ القرآن الكريم وتدبره في صناعة شخصية المسلم، وما واجبنا تجاه الأجيال الناشئة في جعلها أجيالًا قرآنيةً، وأثر هذا التدبر في تقوية الصلة بالله تعالى والإيمان به، وفي السلوك والمراقبة الدائمة لله، وما علاقة هذا التدبر في الاستقلالية الشخصية، والاعتزاز بالمبادئ والقيم؟ كل هذه الأسئلة طرحناها في حوارنا مع الأستاذ الدكتور سعيد بن راشد بن سعيد الصوافي أستاذ علوم القرآن والتفسير، بجامعة السلطان قابوس.

ما الطرق والوسائل التي من خلالها نستطيع أن نصنع من الأجيال الناشئة أجيالا قرآنية؟

من الواجب على المسلمين تنشئة الأجيال الصاعدة على حب كتاب الله تعالى؛ لأنه هو دستور الحياة الذي يجب أن تهتم به الأجيال، وتسير على نهجه، وتستنير بضيائه، في زمن تلاطمت فيه مدلهمات الأمور، واختلطت فيه المعايير، وليس من مخرج لهذه الأمة إذا أرادت النجاة والفلاح، إلا أن تتمسك بكتاب الله، ولقد وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الكتاب بقوله: (وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ) (الجن: 1،2) من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم. ولقد أمرنا الله تبارك وتعالى بتلاوة القرآن الكريم، وتدبّر معانيه، وفهم مقاصده، والعمل بأحكامه، وبذلك كان القرآن الكريم أنفس ما توجّه إليه النظرات، وتنفق فيه الأوقات، وتُفنى فيه الأعمار، فالحياة في ظلال القرآن نعمة، لا يعرفها إلا من ذاق حلاوتها؛ ففيها بركة للعمر، وتزكية للنفس، ورفع للمنزلة.

إننا نعيش زمن التحديات التي أثرت على الأجيال كثيرا، ولا سبيل لمواجهة هذه التحديات، إلا بالاعتصام بحبل الله المتين، ويتطلب منا جميعا تضافر الجهود في سبيل إيجاد طرق تعين على تنشئة الأجيال على التعلق بكتاب الله والاعتصام به. وهناك طرق كثيرة نستطيع من خلالها صناعة أجيال قرآنية ناشئة؛ من أهمها: ربط الأجيال الناشئة بكتاب الله عن طريق تنشئتهم على حب هذا الكتاب العزيز، والعيش في ظلاله؛ تلاوة، وحفظا، وتدبرا. حتى يخالط هذا القرآن الكريم شغاف قلوبهم، فيتخذوه منهجا وصراطا ودليلا. ويمكن ذلك بتوفير المؤسسات التي تُعنى بتعليم الناشئة القرآن الكريم، وقد بدأت تظهر على أيادي أهل الخير والفضل، المدارس الوقفية التي تضطلع بدور تعليم الناشئة القرآن الكريم، كذلك على الأسرة دور كبير في تشجيع الأبناء على تعلم القرآن والتخلق بأخلاقه.

بالنظر إلى الواقع المعاصر اليوم وما نشهده من الحرب الدائرة لأهلنا في فلسطين في مقاومة العدو الصهيوني، رأينا أن المقاومين يهتمون بحفظ القرآن الكريم، فما هو أثره في عقيدة المقاتل، وفي ثباته في المعركة؟

إنّ الواقع المعاصر يبرهن دون أدنى شك على أن الارتباط بحبل الله المتين وهو القرآن الكريم والاهتمام به واتخاذه منهجا في الحياة له الأثر الكبير في عقيدة المسلم وثباته في ساحة المعركة؛ فما هذا الانتصار الباهر والتفوق الميداني الذي نراه من إخوتنا في غزة العزة على أرض الواقع في جهادهم ضد الصهاينة المحتلين، إلا نتاج تشربهم بكتاب الله الذي أصبح جزءًا من حياتهم، وعته قلوبهم فسرى في شرايينهم، فقبل وقت قصير شاهدنا ذلك الاحتفال المهيب الذي يحتفي بأهل القرآن بمختلف شرائح المجتمع الغزاوي؛ كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونسائهم من حفظة كتاب الله، ضمن المشروع القرآني الأضخم في غزة؛ «صفوة الحفاظ»، تتويجًا لجهود مستمرة منذ سنوات عكفت عليها دار القرآن الكريم والسنة -الجهة المنظمة للمشروع- على تخريج جيل قرآني متمكن حفظًا وتلاوة وفهمًا، حيث شارك في هذا المشروع ما يقارب 1471 حافظا وحافظة لكتاب الله، يسردون القرآن غيبا على جلسة واحدة من بعد صلاة الفجر حتى صلاة العصر في مشهد قرآني مهيب. وهذا المشروع المبارك له أثر كبير في جعل المجتمع الغزاوي مجتمعا ثابتا راسخا مطمئنا بوعد الله ونصره، فللقرآن الكريم أثر على النفس البشرية؛ فهو يبعث الأمن والطمأنينة في النفس، ويبدد الخوف والقلق، فالإنسان المؤمن الذي يتدبر القرآن الكريم يسير في طريق الله آمنًا مطمئنًا؛ لأن كتاب الله يمده بالأمل والرجاء، في عون الله ورعايته وحمايته، فهو يشعر على الدوام بأن الله عز وجل معه في كل لحظة وحين، فعندما يتدبر قول الله تعالى (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216) يدرك أن الله سبحانه وتعالى يقدر له الخير، والإنسان بعلمه القاصر لا يدرك فوق طاقة العقل، أو ما غاب عنه، ولذا؛ فالرضا بما يحل بالإنسان؛ من خير أو شر يجعل الإنسان إيجابيا، متفائلا، فيغدو واثقا بالله، الذي خلقه، وقدّر له سبيله في هذه الحياة. وهذا الذي نلمسه من أهلنا وإخوتنا في غزة؛ فمع الحصار والقتل والتدمير، إلا أنهم راضون بقضاء الله وقدره، موقنون بنصره وتأييده؛ لأن تدبرهم للقرآن الكريم أعطاهم شحنات إيمانية، فقد وعد الله في كتابه العزيز عباده الصابرين المحتسبين المجاهدين بالنصر والتمكين والظهور على عدوهم (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) (النور: 55) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7). نسأل الله لهم الثبات والنصر والتمكين.

ما أثر تدبر القرآن الكريم في تقوية الصلة بالله تعالى والإيمان به؟

الإنسان الذي يعيش مع القرآن الكريم، تلاوة وتدبرا؛ يكون وثيق الصلة بالله سبحانه وتعالى، وليس أعظم من أن يكون الإنسان من أهل الله، بل من خاصته، الذين يشملهم بعنايته، ويكلأهم برعايته، عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إن لله أهلين من الناس قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته). فالذي يعيش مع القرآن الكريم؛ هو في الحقيقة يعيش في كنف الله سبحانه؛ وهو حري أن يمتلك قوة في الإيمان، فعن جندب بن عبدالله قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا).

ولقد أثنى الله سبحانه على الذين يستمعون لآيات الله تتلى، ويتأثرون بها، وهذا في الحقيقة ناتج عن إنصاتٍ واعٍ، وحضور قلبٍ خاشعٍ، استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى في قوله (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف: 204)، وهذا الخشوع والإنصات والتدبر لا بد أن يكون له أثر بالغ في نفس المؤمن، فيزيد إيمانه، وتقوى أركانه، فيكل أمره إلى الله سبحانه، ويكفيه أن الله حسبه (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) (الطلاق: 3) ويقول الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال: 2) يقول السعدي: «وجعل الله مفتاح الإيمان واليقين؛ التفكر في آيات الله المتلوّة، وآياته المشهودة، والمقابلة بين الحق والباطل بحسن فهم وقوة بصيرة، شاهده قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص: 29).

ويؤكد الله سبحانه وتعالى أن أصحاب الإيمان هم الذين يستفيدون من تدبر القرآن الكريم؛ وما ذلك إلا لأنهم متلهفون إلى ما يرفع درجاتهم في الدنيا والآخرة، ولذلك يسارعون إلى تلقي هذا القرآن الكريم فور نزوله، يقول الحق تبارك وتعالى (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (التوبة: 124).

هل تدبر القرآن الكريم يؤثر على السلوك والمراقبة الدائمة لله؟

لا شك أن تدبر القرآن الكريم له أثر بالغ في سلوك الشخصية المسلمة؛ إذ يجعلها دائمة المراقبة لله سبحانه وتعالى، والخشية من عقابه، مما ينعكس ذلك على سلوك الفرد في حركاته وسكناته، وكل تصرّفاته وتعاملاته مع ما يحيط به، يقول النووي: «ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع، والتدبر، والخضوع، فهذا هو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب.. وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم آية واحدة ليلة كاملة، أو معظم ليلة، يتدبرها عند القراءة». وإذا كان الله سبحانه وتعالى أخبر في كتابه، أنه لو أنزل هذا القرآن الكريم على جماد لا يفقه شيئا؛ لخشع من خشية الله؛ فكيف بالإنسان الذي اختصه الله بالعقل، وكرّمه بالفهم والإدراك، وأمره بالتدبر والتفكّر، يقول الله تعالى: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعا مُّتَصَدِّعا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون) ( الحشر: 21).

إن الذي يزن الأمور بميزان العقل، ويتدبر آيات الله المتلوّة والمنظورة؛ يستجيب لنداء الله سبحانه (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ( ق: 37). والذي يستجيب لنداء الله، وهو نداء الفطرة أيضا، هو المنتفع بآيات الله (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابا مُّتَشَابِها مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) (الزمر: 23).

هكذا كان سلفنا الصالح كما وصفهم القائد أبو حمزة الشاري من على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدافع عن أصحابه، بكلمة خلدها التاريخ، يقول فيها: «لقد نظر الله إليهم في جوف الليل؛ منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، إذا مر بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه». وهكذا الذين مشوا على طريقتهم، وقد وصفهم الشاعر الكبير العلامة أبو مسلم الرواحي بقوله:

تراهم في ضمير الليل صيّرهم مثل الخيالات تسبيح وقرآن

وبقوله:

تراموا على القرآن شربا لمائه فأصدرهم والكل ريّان هائم

هل هنالك علاقة بين تدبر القرآن الكريم وبين الاستقلالية، والاعتزاز بالمبادئ والقيم؟

نعم هناك علاقة وطيدة بين تدبر القرآن الكريم واستقلالية الشخصية واعتدادها بالقيم والمبادئ، فإن استمداد الشخصية المسلمة لأخلاقها ومقوّمات سلوكها يجب أن تأخذها من هذا الكتاب العزيز، الذي جاء لهدايتها إلى أقوم السلوكيات، وأنبل الأخلاق، وجميل الصفات (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرا كَبِيرا) (الإسراء: 9)، سأل سعد بن هشام بن عامر السيدة عائشة أم المؤمنين ـرضي الله عنهاـ عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت له: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4).

والمتصفح لتاريخ السلف الصالح الذين تلقوا القرآن الكريم من منبعه الصافي، غضا طريا، وكان يشغل أوقاتهم آناء الليل وأطراف النهار، يجد أنه هو مصدر عزتهم وقوتهم، فقد استطاعوا به تحقيق الأماني الكبيرة، إنهم كانوا يدركون هذه الحقيقة؛ لذلك دأبوا عليه تلاوة وعملا ودراسة، مؤمنين به حق الإيمان، متفاعلين معه؛ في أمره ونهيه، ووعده ووعيده، ومواعظه وأمثاله، وانعكس ذلك على معاملاتهم، فكان كل واحد منهم صورة حية لهداية القرآن الكريم، قدوتهم في ذلك رسولهم الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، وبهذا استطاع المسلمون سيادة العالم؛ ففتحوا الأمصار، ودانت لهم الأمم والشعوب، مما دعا أعداءهم إلى إكبارهم، يتناقلون صفاتهم بعبارات الثناء والمديح، فعندما هزموا جيوش الروم حين زحفوا على أرض الشام، اجتمع هرقل عظيم الروم بقيادة جيشه، لدراسة أسباب الهزيمة، فوجد القادة متأثرين تأثرا بليغا بما وجدوه في جنود المسلمين وقادتهم؛ من صفات الرجولة والشهامة والورع والتقوى، وتأثير القرآن عليهم، فيقول أحدهم في وصفهم: أما الليل فرهبان، وأما النهار ففرسان، يريشون النبل ويروونها، ويثقفون القنا، لو حدّثت جليسك حديثا ما فهمه عنك؛ لما علا من أصواتهم بالقرآن والذكر.

كيف نستطيع أن نتمثل ونعمل بما جاء به القرآن الكريم من تشريعات، وتطبيقها في الحياة؟

القرآن الكريم دستور حياة، ومنهج شامل كامل؛ فهو مصدر القيم والسلوكيات، والنظم والتشريعات، وأساس التعامل والمعاملات، أودع الله فيه كل ما يحتاجه الإنسان في حياته، وبعد مماته، أنزله الله سبحانه ليهدي البشرية إلى سلوك طرائق الخير، واجتناب مسالك الشر والفساد، وأمرهم بالاهتمام به، وتعبّدهم بتلاوته، وتدبّر معانيه، وفهم مقاصده، وتطبيقها في واقع الحياة، ليسود الأمن والأمان على هذه الأرض، التي استخلف الله فيها الإنسان ليعمرها بالخير والصلاح، لذا حري بالإنسان المسلم أن يجعل نصيبا من حياته وعمره في تدبر القرآن الكريم وقراءته وفهمه وتطبيقه في واقع الحياة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الله سبحانه وتعالى صلى الله علیه وسلم بکتاب الله الله تعالى رسول الله ال ق ر آن أن یکون فی غزة

إقرأ أيضاً:

فتاوى

• في قصة مريم عليها السلام في حالة العبادة جاءها رزقها من دون عمل، وتعب"كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا" وفي حالة الشدة والولادة أمرها الله تعالى بالعمل، "وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا"، ما دلالة ذلك؟

في الحالين، المقصود هو بيان أن الذي يُبوِّئ العبد مثل هذه المنازل العالية، إنما يكمن في طاعة الله عز وجل، في حالات الرخاء كما في حالات الشدة، فهي في حالة اليسر، كانت متبتلة، منقطعة في خدمة بيت المقدس، تذكر ربها جل وعلا آناء الليل وأطراف النهار، فمنَّ الله عز وجل عليها بما منَّ به من الرزق الكريم.

وفي حالة الشدة، فإنها كانت مطواعة لأمر الله عز وجل، فلما جاءها الأمر بهز النخلة، لم تتردد مع شدة ما هي فيه، وما تعانيه، ومع ما يظهر لكل عاقل أن مثل هذا الفعل لا يجلب لها شيئًا، بل قد لا تستطيع، لكنها لم تتردد، بل بادرت إلى امتثال أمر الله عز وجل لها وإلى طاعته.

وهذا ليبين لنا ربنا تبارك وتعالى أن مدار الأمر إنما هو في الاستسلام الكامل له سبحانه وتعالى، وفي مراقبته واستحضار طاعته في كل الأحوال: في حالات المنشط والمكره، في حالات اليسر والعسر، في حالات الرخاء والشدة، في حالات الفرج والضيق، في كل حال يتقلب فيه هذا الإنسان، لا بد أن يكون موصولًا بالله تبارك وتعالى، منقادًا لأمره، ملتزمًا بذكره جل وعلا، مطيعًا لربه سبحانه، غير متردد، ومبعدًا لكل ما يمكن أن يحيك في نفسه من حرج، فيسير على هذا الهدي، ويسير على هذا النور.

ولذلك فإن الله تبارك وتعالى يرينا من مريم عليها السلام شدة التزامها بأمره، وطاعتها له تبارك وتعالى في كل أحوالها، في حالة ذكرها وانقطاعها وتبتلها، كما في حالة الشدة، شدة المخاض، وشدة الموقف الذي تعرضت له، فإنها كانت مطيعة لله تبارك وتعالى، وبذلك تبوأت هذه المنزلة العالية باصطفاء الله تبارك وتعالى لها على نساء العالمين، والله تعالى أعلم.

• إذا قام شخص بإخبارك بتوصيل السلام، يعني بإخبار أي إنسان أن يوصل السلام إلى والديه ونسي ذلك أكثر من مرة، هل يوجد حكم يترتب على ذلك؟

لا، ليس هناك حكم، لأنه كان عن نسيان، في هذه الحالة، يبلغ السلام حينما يتذكر، فقد رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، كما ورد أيضًا في شأن الصلاة أنه من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها، فمن باب أولى أن يكون السلام كذلك، أن يؤدي السلام الذي تحمله حينما يتذكر، ولو على جهة الإجمال، إذا لم يتذكر من بعث معه السلام يمكن له أن يؤدي هذا السلام على جهة الإجمال، ولكنه لا يتأثم من ذلك، والله تعالى أعلم.

• ما مشروعية هذا الوقف المؤقت؟

الوقف المؤقت، مما ناقشه الفقهاء، هناك صور تتعلق بالوقف المنقول الذي لا يدوم لمدد طويلة كما حصل في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من وقف سيدنا خالد بن الوليد لأذرعته وعتاده فمن المعلوم أن الأذرعة والعتاد لا تبقى مدة طويلة، فهذا وقف مؤقت، وقاسوا على ذلك، أو ذكروا من ذلك وقف الحيوان وأغلب الفقهاء يجيزون وقف الحيوان، يمكن أن يكون للركوب أو للحلب، إذا كان مما يحلب، أو لعموم ما ينتفع به الحيوان، أو أن يوقف الخيل في سبيل الله، ومعلوم أنها لا تدوم، لها مدة بقاء، هذا يسمى وقفًا منقولًا مؤقتًا، لأن الأصل في الوقف هو الديمومة، وهناك أصل يبقى.

لكنهم استثنوا مثل هذه الصور، ومثلها أيضًا وقف الكتب فالكتب، وأيضًا في الغالب تتلف بعوامل الزمن، خصوصًا الكتب القديمة والمخطوطات، فالحاصل أن الفقهاء المعاصرين أخذوا من مثل هذه الصور جواز ما أظن أن السائل يبحث عنه، وهو أنماط من الوقف المؤقت المعاصرة قاسوها الفقهاء، وأجازها الفقهاء المعاصرون، ومجمع الفقه الإسلامي أجاز هذا النوع من الأوقاف، وهي تمليك مؤقت للمنفعة إذا صدرت بصيغتها الشرعية الصحيحة، ويرجع بعد ذلك إلى الواهب فأخذوا من ذلك جواز الوقف المؤقت، وعليه قرار مجمع الفقه الإسلامي جواز الوقف المؤقت.

والذي يظهر أنه لا مانع منه، وذلك حثًا على التصدق وقد لا يتيسر لكثير من الناس أن يكون وقفه على سبيل التأبيد وفي كل خير، لكن أن يظن بأن أجر مثل هذا الوقف المؤقت لمدة زمنية محددة، كالأوقاف التي تحبس أصلها وتسبل منفعتها على الدوام، فهذا يعني نوع خاص من الوقف، هذا النوع المؤقت، فأجره صدقة جارية يبقى ما بقي الانتفاع به.

والصورة التي ذكرها، يعني هذا الوقف فقط يؤخذ ريعه، أي يتم تجميع ريعه ثم يدخل في وقف آخر هذا يعتمد على ما وقفه عليه الواقف، حينما جعل وقفه مؤقتًا فإذا جعل ريع هذا الوقف في عموم أبواب الخير، فلا مانع من صرف هذا الريع في تأسيس وقف آخر، وإن كان قد حدد جهة ما، فإن شرط الواقف كشرط الشارع يجب أن يتقيد به، وأن يلتزم به ما أمكن إلى ذلك السبيل، فهذا يعتمد إذا كان شرط الواقف، فإذا كانت الجهة الموقوف عليها تشمل مثل هذا الوجه، كتأسيس أصل وقفي آخر، فلا مانع من ذلك، وهذا خير بمشيئة الله.

• هل يجزي الاستحمام عن الوضوء للصلاة؟

لا، لا يجزئه استحمامه إن لم يدخل فيه الوضوء، ولم يأت بعده بناقض فإن استحمامه ذلك لا يجزئه للصلاة، فالوضوء عبادة مخصوصة، ولا صلاة لمن لا وضوء له، فلا يجزي عنها شيء آخر، اللهم إلا إن أدخل الوضوء بقصد الوضوء في أثناء أفعال الاغتسال أو الاستحمام، فحينئذ يجزئه وضوؤه ذلك الذي أدخله ولم يأت بعده بناقض، فذلك هو الذي يجزئه عن أن يفرد الوضوء استقلالًا عن الاستحمام، أما أن يقتصر على الاستحمام، فهذا لا قائل به، والله تعالى أعلم.

• هل هناك فرق بين الفقير والمسكين في الشريعة الإسلامية؟

ما يذكره الفقهاء، وما يشفع له ما في كتاب الله عز وجل، أن الفقير أشد احتياجًا من المسكين، فالمسكين عنده شيء، لكنه لا يكفيه لمطالب حياته، فالله تبارك وتعالى وصف في كتابه الكريم في سورة الكهف، أصحاب السفينة، وقال: "أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر"، فسماهم مساكين، مع أنهم يملكون سفينة لكن الذي يجنونه من عملهم في تلك السفينة لم يكن كافيًا لهم، فصدق عليهم وصف المساكين.

بينما الفقير لا يلزم أن يكون عنده شيء في عموم الأحوال، قد يكون معدمًا لا شيء عنده، ولذلك هو فقير، وأما المسكين فيمكن أن يكون عنده شيء، ولكن ذلك غير كاف لخروجه من حد الكفاف، والله تعالى أعلم.

مقالات مشابهة

  • تكريم 350 متسابقا وتقديم 3 رحلات عمرة لحفظة القرآن الكريم بشبرا الخيمة
  • رئيس الدولة يستقبل عدداً من العسكريين الإماراتيين الفائزين بمسابقة القرآن الكريم التي أقيمت في السعودية
  • محمد بن زايد يستقبل العسكريين الإماراتيين الفائزين بمسابقة القرآن الكريم التي أقيمت بالسعودية
  • بالفيديو.. محمد مختار جمعة: عظمة القرآن الكريم ليس لها حد وبلاغته إعجاز علمي
  • محاضرة حول السكينة في القرآن الكريم والسنة النبوية
  • تكريم 15 حافظاً للقرآن الكريم من مدرسة الأنصار في مدينة البيضاء
  • بمواصفات خيالية.. هل يكون «OnePlus» الحاسب الذي ننتظره؟
  • تكريم خمسون حافظاً وحافظة للقرآن الكريم في مدينة البيضاء
  • فتاوى
  • سورتا الإسراء والكهف .. حين يكون القرآن دليلا للثبات في وجه الفتن| فيديو