إفساد البشر للمناخ سيبقى أثره 50 ألف سنة
تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT
يمكن القول إن عام 2016 كان نقلة نوعية في تاريخ التغير المناخي، حيث تخطّت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي حاجز 400 جزء في المليون، والذي مثل بالنسبة لبعض الباحثين في هذا النطاق بداية طريق اللاعودة في التغير المناخي.
في الواقع، لقد ظلت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض طوال مئات الآلاف من السنوات السابقة بين حاجز 160 و300 جزء في المليون، وإلى عصر الثورة الصناعية، حيث باتت تلك النسبة تتصاعد منذ ذلك الحين إلى أن وصلت حاليا إلى 420 جزءا في المليون.
ويعرف الاحترار العالمي بأنه ارتفاع متوسط درجات الحرارة في الغلاف الجوي، ويحدث ذلك بسبب "تأثير الصوبة الزجاجية"، حيث تدخل أشعة الشمس للأرض التي تمتص تلك الأشعة وتعيد نفثها للفضاء مرة أخرى، لكن ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة تعكس تلك الحرارة للداخل مرة أخرى، وهو ما يتسبب باحترار الكوكب.
ويعد النشاط الإنساني هو السبب الرئيسي في ارتفاع نسبة ثاني أكسيد في الغلاف الجوي بحسب إجماع العلماء في هذا النطاق، حيث يستخدم البشر الوقود الأحفوري في سياراتهم وطائراتهم ومحطات ومصانع الطاقة.
آلاف السنوات من التغييرويرى فريق من الباحثين من جامعة ليستر البريطانية أن الأثر الذي طال كوكب الأرض بسبب النشاط البشري أدخلها في سلسلة من التغيرات الدائمة، وبحسب بعض النماذج البحثية في هذا النطاق فإن هذا النمط المناخي الجديد مستمر مع كوكب الأرض لمدة 50 ألف سنة قادمة على الأقل.
ويؤكد الباحثون "أننا بذلك قد دخلنا بالفعل إلى حقبة التأثير البشري"، وهو اصطلاح يشير إلى دخول الأرض في عصر جيولوجي جديد بسبب تأثير البشر على بيئتها ومناخها وأنظمتها الحيوبة.
العلماء يرون أنه يجب أن نتجهز لارتفاع مستويات سطح البحر ربما بمقدار عدة أمتار كاملة بحلول نهاية القرن (شترستوك)وعلى سبيل المثال، فقد بات العلماء يعتقدون أن الأرض تمر حاليا بانقراض سادس هائل أو انقراض الهولوسين، والذي يختلف عن الانقراضات الخمسة السابقة في أنه مدفوع بنشاط البشر، بينما كانت الانقراضات السابقة تحدث لظروف أو كوارث طبيعية.
وبحسب إليزابيث كولبرت -وهي صحفية أميركية ومؤلفة وزميلة زائرة في كلية وليامز- في كتابها الانقراض السادس الحاصل على جائزة البوليتزر، فإنه بوصولنا لحاجز الثلاث درجات بحلول نهاية القرن ستخسر الأرض 47% من الحشرات، و26% من الفقاريات، و16% من النطاقات الجغرافية للنباتات، مما سيؤدي إلى انحسار واضح في درجات التنوع الحيوي بكوكب الأرض، وهذا الانحسار يتخذ اتجاها واحدا لا رجعة فيه.
مدن في خطرويمضي الأمر إلى ما هو أعقد من ذلك، حيث يشير فريق جامعة ليستر إلى أن المسؤولين السياسيين يجب أن يتجهزوا لارتفاع مستويات سطح البحر ربما بمقدار عدة أمتار كاملة بحلول نهاية القرن، ويهدد ذلك حياة أكثر من ملياري مواطن يعيشون في مناطق ساحلية أو قريبة من الساحل.
ويرتفع مستوى سطح البحر بسبب ذوبان الجليد في قمم جبال العالم ومناطق مثل غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، وشهدت الأخيرة عددا من الأحداث تشير إلى مخاطر جمة، ويخشى العلماء بشكل خاص من الانزلاق المتسارع لنهر "ثوايتس" الجليدي الواقع غربي أنتاركتيكا، حيث إنه بات قريبا من النزول تماما للماء، مما يعني أنه سيذوب بمعدل أسرع.
وبمساحة أكبر من بريطانيا العظمى، فإن ذوبان كل جليد ثوايتس سيساهم في ارتفاع مستويات المحيط بمقدار نحو 60 إلى 70 سنتيمترا، والمشكلة الأكبر أن هذا النهر الجليدي يعمل كسد طبيعي لكل الجليد المتراكم في غربي القارة القطبية الجنوبية، ويقدر الباحثون أن ذوبان هذا الجليد بدوره سيرفع مستويات مياة البحر بنحو ثلاثة أمتار.
مستوى سطح البحر يرتفع بسبب ذوبان الجليد في قمم جبال العالم وفي غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية (شترستوك) توترات غير مسبوقةويجري هذا النمط من التغيرات على كل جوانب المنظومة البيئية والمناخية على كوكب الأرض، حيث بات العلماء متأكدون من أن منظومة الغلاف الجوي تغيرت بحيث ارتفعت احتمالات تردد وشدة وطول الظواهر المناخية المتطرفة مثل الموجات الحارة وموجات الجفاف والفيضانات والأعاصير.. الخ.
ويفتح ذلك بدوره الباب لتوتر اقتصادي شديد في العديد من الدول وبخاصة الهشة منها، وهو ما يؤجج التوترات السياسية، ويؤدي لنشوء نزاعات مسلحة داخلية أو بين الدول وبعضها البعض، ويرفع معدلات الفقر، ويؤثر بالتبعية على البيئة بالسلب.
ولذلك، يرى فريق جامعة ليستر أنه حتى لو قررت دول العالم الاتفاق الآن على سياسات واضحة لوقف نفث المزيد من ثاني أكسيد الكوبون في الغلاف الجوي، فإنه مازال هناك تحد كبير أمام البشر حاليا ومستقبلا لتطوير آليات لتخليص الغلاف الجوي مما علق به من ثاني أكسيد الكربون، وهي مهمة تظل إلى الآن صعبة، وتحتاج للمزيد من الإنفاق على النشاط البحثي الخاص بها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ثانی أکسید الکربون فی الغلاف الجوی سطح البحر
إقرأ أيضاً:
نهاية عصر المؤامرة
المقصود بالمؤامرة تدبير أفراد أو جماعات أو حكومات لعمل معادٍ ضد الآخرين
تتعايش القضايا السلبية والإيجابية وتتداخل في كل العصور، لكن قد تطغى واحدة بعينها في وقت ما فيتصف العصر كلّه بها، كما هو الأمر بالنسبة لسنوات الحروب والسلام والرخاء والشدة والمجاعة والأوبئة، وتغيرات المناخ.. وغيرها.
تسمية العصور بما يقع فيها من أحداث في فترة ما من التاريخ، ترتبط بالعلم ومنجزاته، وبالثقافة وتنوعها، وبالأديان وخلافات أتباعها، وبمنظومة القيم وأبعادها الإنسانية والحقوقية، وبمستوى الوعي الإنساني، ومع ذلك فقد يعاني البشر في عصر ما من عدم فهم؛ أو غياب شروح وافية للأحداث والوقائع وللظواهر الاجتماعية وللمواقف السياسية، وفي تلك الحالة يبحثون عن سبيل للخروج ممَّا هم فيه، خاصة إذا طغى على حياتهم غير المتوقع أو المأمول، ونقلوا من اليقين إلى الشك والظن.
عمليّة البحث المصحوبة بعدم اليقين لم تكن خاصة بعصر دون غيره، كما أنها لم تقتصر على العلاقة بين البشر على مستوى الأفراد والجماعات والشعوب والدول والأمم، إنما شملت أيضا علاقة البشر بالكائنات الأخرى غير المرئية، النابعة من الاعتقادات الدينية، مثل: الشياطين والملائكة، أو تلك الآتية من الأساطير والخرافات، وما رافقها من اعتقاد وثني في الكواكب والنجوم، والشجر، والحجر، والحيوانات، وغيرها.
ودون الذهاب بعيداً في رحلات البشر عبر تاريخهم الطويل بخصوص الاعتماد على "الظن الذي لا يغني عن الحق شيئاً"، أو تقديم تفسير لما يحدث سعياً لفهم غير مؤسس على أدلة وبراهين، فإننا نكتفي هنا بالحديث على السائد اليوم ضمن خطابات السياسة والإعلام والثقافة، وهو القول بوجود "مؤامرة"، حيث يأتي هذا القول عند كثير من الناس عند عجزهم عن فهم ما يحدث أو ضعفهم أمامه، أو اكتشافهم أنهم كانوا مغفلين حين أسهموا فيه بدون قصد، أو نظراً لتفاعلهم معه خوفاً أو طمعاً.
والمقصود بالمؤامرة هنا في المعنى العام تدبير أفراد أو جماعات أو حكومات لعمل معادٍ ضد الآخرين، أي تخطيط وتنفيذ أعمال لأغراض ليست شرعية وفي سريّة تامة، ما يعني التصميم على القيام بفعل إجرامي، ومن هذا التعريف تأسس المعنى السياسي للمؤامرة، فأصبحت تشير إلى اتحاد مجموعة من الأشخاص، أو الحكومات بهدف اغتصاب، أو تغيير، أو الإطاحة بسلطة سياسية راسخة، أو دعم قوى معارضة لها، أو العمل على تغيير خريطتها، والقضاء على تماسك جبهتها الاجتماعية.
السؤال هنا: هل إذا تمَّ التصريح العلني بالمؤامرة قبل وقوعها من طرف القائمين بها، مثلما يحدث اليوم لبعض دولنا العربية خاصة، وكثير من دول العالم، ومنها دول الشرق الأوسط تظل "المؤامرة" حاملة لمعناها المتداول منذ عقود، ولتكرار الفعل البشري منذ قرون؟.
واقعنا العربي من خلال تعامل القوى الكبرى معنا، وأيضا من خلال إسهام بعض دولنا في ذلك، لم يعد يعيش عصر المؤامرة، حتى لو قال كثيرون بذلك، بمن فيهم عناصر النخبة، ذلك أن ما تواجهه دولنا عملا استراتيجيا علنياً، يشي بنهاية عصر المؤامرة.
لم نعد اليوم في حاجة لفهم الواقع العربي والدولي اعتمادا على ما ذكره العالم السياسي" مايكل باركون"، حين قال إن "نظريات المؤامرة تعتمد على نظرة أن الكون محكوم بتصميم ما، وتتجسد في ثلاثة مبادئ: لا شيء يحدث بالصدفة، ولا شيء يكون كما يبدو عليه، وكل شيء مرتبط ببعضه"، ذلك لأن الوقائع والشواهد حولت المؤامرة إلى استراتيجية تتطلب المتابعة والدراسة والفهم، وليس التوهم والتخمين، والمثال الأوضح هنا ما تعيشه الدول العربية حاضرا وما ستؤول إليه مستقبلاً، إذ نبلغ به كمسؤولين وشعوباً، ومع ذلك نصرُّ على أن ذلك كله مؤامرة، مع أن كل المعطيات تنفي ذلك تماما.
مهما يكن من التغير المنتظر في منطقتنا، فإن استراتيجية الدول ـ العدوة والصديقة ـ في بلادنا العربية تظهر في بعض الأمثلة منها: تقوية الجماعات الإرهابية وتحويلها إلى منظمات معترف بها، وإضعاف دور الجيوش النظامية والعمل على حلِّها في بعض الدول، والسعي لأجل تحويل دولنا إلى فيدراليات في أحسن الأحوال، وإلى جماعات متقاتلة في أسوأ الأحوال، وإعادة النظر في الخرائط، وتثوير الأقليات، وإحداث الفتن والصراع الإثني والطائفي والديني والمذهبي.. وهذا قليل من كثير.