فيضانات القرن الأفريقي.. رسالة مناخية للعالم
تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT
محمد المنى (أبوظبي)
أخبار ذات صلة «COP28».. إنجازات غير مسبوقة بقيادة الإمارات رؤساء وأعضاء وفود مشاركة في المؤتمر لـ«الاتحاد»: نجم الشمال.. «بوصلة الطموح» يسطع في سماء «COP28»شهدت منطقة شرق أفريقيا، خلال شهر نوفمبر المنصرم، فيضانات وسيولاً عارمةً، خلَّفت خسائرَ بشريةٍ وماديةٍ وتسببت في معاناةٍ ونزوحٍ كبيرين، وفي تشرّد ملايين الأشخاص.
واضطرت دول المنطقة، لا سيما الصومال وإثيوبيا وكينيا، لتعبئة مواردها المستنفدة أصلاً في أولويات أخرى، بغية مواجهة الأوضاع الإنسانية الطارئة التي خلقتها كارثةُ السيول والفيضانات، والتي تأتي بعد موسم جفاف أنهك المزارعين ومربي المواشي، وهدد حياةَ عالَم الريف الذي تعيش عليه غالبية السكان ويشكل جانباً مهماً من اقتصادات هذه الدول.
ونجمت الفيضانات والسيول عن هطول الأمطار الغزيرة التي تواصلت لعدة أيام على أنحاء المنطقة، في إطار تقلبات جوية حادة تعصف بهذا الجزء من العالم، جراء ظاهرة النينو التي عادةً ما تتكون بسبب تغيرات الضغط الجوي فوق المحيط الهندي، لكنها أصبحت تتكرر بوتيرة أسرع وعلى فترات أكثر تقارباً من ذي قبل.
واضطرت عشرات آلاف الأسر في أنحاء منطقة القرن الأفريقي إلى النزوح من قراها وترك بيوتها هرباً من مياه الفيضانات والسيول التي ضربت المنطقة.
ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تم، منذ بداية نوفمبر، تسجيل أكثر من 795.000 حالة نزوح في الصومال.
وفي إثيوبيا اضطرت أكثر من 40 ألف أسرة للنزوح، وتضرر أكثر من نصف مليون شخص بينهم 160 ألف لاجئ صومالي يعيشون في مخيمات بمقاطعتي دولو أدو وبوكولمايو. كما تأثرت مخيمات اللاجئين الصوماليين في كينيا أيضاً، حيث فقد 25.000 شخص خيمهم في معسكر داداب للاجئين الصوماليين، ولجأ العديد منهم إلى المدارس داخل المخيمات وفي المجتمعات المجاورة، كما فتح بعض اللاجئين منازلهم لاستضافة النازحين الجدد، مما أدى إلى اكتظاظ المساكن والخيم.
ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، غطت مياه الفيضانات مساحات واسعة من الأراضي في الدول الثلاث، وعلى سبيل المثال فقد ذكرت تقارير من جنوب شرق إثيوبيا أن أكثر من 65 بالمائة من الأراضي غطتها مياه الفيضانات.
كما تسببت هذه الفيضانات في انجراف التربة وخراب المحاصيل الزراعية وفي نفوق آلاف من رؤوس الماشية، مما أثر بشكل مباشر على الأنشطة الاقتصادية للسكان وسبل عيشهم، لا سيما أن هذه الفيضانات تسببت في شل الحركة على نطاق جغرافي واسع جراء الأضرار الجسيمة التي أصابت البنية الطرقية الهشة، وهو ما يهدد بوقف إمدادات الأسواق المحلية، وبالتالي بنذر بتفاقم الوضع الغذائي المتردي أصلاً.
وفي ظل هذه الأوضاع الإنسانية الطارئة بات الوضع الصحي للنازحين والسكان المحليين مصدر قلق كبير لدى السلطات المحلية وممثلي وكالات الأمم المتحدة ذات الاختصاص، حيث تضررت المراحيض وانهارت شبكات الصرف الصحي الصغيرة والهشة أصلاً، مما يعرض السكان لخطر الأوبئة وانتشار الأمراض المعدية، بما في ذلك الكوليرا التي عادة ما تفتك بالفئات الهشة خلال مواسم الأمطار.
وهذا في الوقت الذي تهدمت فيه العديد من الطرق وتقطعت سبل التنقل، الأمر الذي يحد من قدرة السكان على الوصول إلى الخدمات الحيوية مثل الأسواق والمستوصفات.
ووفقاً للسلطات المحلية والوكالات الأممية، فإن حوالي خمسة ملايين شخص في منطقة القرن الأفريقي تضرروا بشكل مباشر من الفيضانات والسيول الأخيرة، وهم بحاجة ماسة إلى الغذاء والماء والخيام والبطانيات وأدوات النظافة والطبخ. فضلاً عن الحاجة إلى وسائل الحماية وإنقاذ الأرواح مع استمرار هطول الأمطار، وتزايد وطأتها على الفئات الأكثر تأثراً بالتغير المناخي وتداعياته.
وتأتي موجة الفيضانات والسيول بعد أطول موجة جفاف سجلتها منطقة القرن الأفريقي قبل أربعين عاماً من الآن، وهي مرحلة لا يزال ملايين الناس في المنطقة يتذكرونها ويشعرون بآثارها الشديدة، رغم أن مواسم جفاف أخرى مرت على المنطقة بعد ذلك، وكان أحدثها قبل بضعة أشهر من الآن، لكنها كانت أقل حدةً من جفاف الثمانينيات.
إن تذبذب التهاطلات المطرية في منطقة القرن الأفريقي والتعاقب العنيف وغير المنتظم بين موجات الجفاف وموجات السيول، يمثل الوجهَ الآخر القاسي للتغير المناخي في المنطقة.
وفي الوقت ذاته فهو يبعث رسالةَ إنذار تدعو البشرية إلى الكف عن إنتاج مزيد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وإلى بذل جهود أكبر في مواجهة التغير المناخي وتداعياته التي أبان عنها بوضوح تام مؤتمر «كوب 28»، كما طرَحَ الوصفةَ المثالية لمعالجتها والتصدي لآثارها.
أما معاناة المتضررين من هذه الأمطار الطوفانية، وما تسببت فيه من فيضانات وسيول عارمة، فهي مما جاء «صندوق تعويضات أضرار التغير المناخي» لمعالجته وتضميد جراحه. وهذا علاوة على إقرار المجتمع الدولي، ممثلاً في حكوماته خلال قمة «كوب 28»، ولأول مرة في التاريخ، بالعلاقة الوثيقة بين التغيرات المناخية والأوضاع الصحية للمجتمعات، كما يتضح ذلك جلياً من حالة النازحين في القرن الأفريقي وما تثيره الآن مِن قلق عميق بشأن الأوضاع الصحية في تجمعاتهم.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: السيول المناخ الفيضانات أزمة المناخ التغير المناخي تغير المناخ القرن الأفريقي فيضانات الفیضانات والسیول أکثر من
إقرأ أيضاً:
البنك الدولي: نصف اليمنيين معرضون بالفعل لمخاطر مناخية مع تأثيرات مركبة على انعدام الأمن الغذائي
قال البنك الدولي، إن اليمن نصف اليمنيين معرضون بالفعل لخطر مناخي واحد على الأقل - الحرارة الشديدة أو الجفاف أو الفيضانات - مع تأثيرات مركبة على انعدام الأمن الغذائي والفقر.
جاء ذلك في تقرير المناخ والتنمية في اليمن الصادر حديثًا عن مجموعة البنك الدولي، والذي أكد أن اليمن الذي يعاني بالفعل من صراع مستمر منذ عقد من الزمان، يواجه مخاطر متزايدة ناجمة عن تغير المناخ، مما يؤدي إلى تكثيف التهديدات القائمة مثل ندرة المياه وانعدام الأمن الغذائي.
ويسلط التقرير الضوء على الحاجة الماسة للاستثمارات المستجيبة للمناخ لمعالجة التحديات العاجلة المتعلقة بالمياه والزراعة وإدارة مخاطر الكوارث، مع مراعاة الظروف الهشة والمتأثرة بالصراع في البلاد.
وأوضح التقرير، أن اليمن يواجه ارتفاعا في درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار غير المتوقعة وأحداث الطقس المتطرفة بشكل متكرر، مع تأثيرات كبيرة على السكان الأكثر ضعفاً وآفاقهم الاقتصادية.
وأشار إلى أن نصف اليمنيين معرضون بالفعل لخطر مناخي واحد على الأقل - الحرارة الشديدة أو الجفاف أو الفيضانات - مع تأثيرات مركبة على انعدام الأمن الغذائي والفقر، لافتا إلى أنه من المتوقع أن تشتد هذه المخاطر دون اتخاذ إجراءات فورية وقد ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بمعدل 3.9٪ بحلول عام 2040 في ظل سيناريوهات مناخية متشائمة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية وتلف البنية التحتية.
وتطرق التقرير لعدة فرص استراتيجية تهدف لتعزيز القدرة على الصمود، وتحسين الأمن الغذائي والمائي، وإطلاق العنان للنمو المستدام، مثل الاستثمارات المستهدفة في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، إلى جانب تقنيات الزراعة التكيفية، والتي يمكن أن تؤدي إلى مكاسب إنتاجية تصل إلى 13.5% في إنتاج المحاصيل في ظل سيناريوهات مناخية متفائلة للفترة من 2041 إلى 2050.
وذكر التقرير، أن قطاع مصايد الأسماك في اليمن لا يزال عرضة للخطر، مع خسائر محتملة تصل إلى 23% بحلول منتصف القرن بسبب ارتفاع درجات حرارة البحر.
وقال ستيفان جيمبرت، مدير البنك الدولي لمصر واليمن وجيبوتي: " يواجه اليمن تقاربًا غير مسبوق للأزمات - الصراع وتغير المناخ والفقر. إن اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة بشأن القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ هو مسألة بقاء لملايين اليمنيين"، مضيفا: "من خلال الاستثمار في الأمن المائي والزراعة الذكية مناخيًا والطاقة المتجددة، يمكن لليمن حماية رأس المال البشري وبناء القدرة على الصمود وإرساء الأسس لمسار التعافي المستدام ".
وبحسب التقرير، فإن كافة السيناريوهات المتعلقة بالتنمية المستقبلية في اليمن سوف تتطلب جهود بناء السلام والتزامات كبيرة من جانب المجتمع الدولي، مشيرا إلى أن المساعدات الإنسانية من الممكن أن تدعم قدرة الأسر على التعامل مع الصدمات المناخية وبناء القدرة على الصمود على نطاق أوسع، غير أن تأمين السلام المستدام سوف يكون مطلوباً لتوفير التمويل واتخاذ الإجراءات اللازمة لبناء القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ على المدى الطويل.
ويؤكد التقرير أن إدارة مخاطر الكوارث أمر بالغ الأهمية، وخاصة مع زيادة وتيرة الفيضانات المفاجئة، مشيرا إلى أن المناطق الحضرية والبنية الأساسية الحيوية معرضة للخطر بشكل خاص، وبدون تدابير التكيف، فإن الصدمات الاقتصادية ستؤثر بشكل غير متناسب على المجتمعات الهشة بالفعل.
وأوضح التقرير، أن القضايا الصحية المتعلقة بالمناخ من الممكن أن تكلف البلاد أكثر من 5 مليارات دولار أمريكي في تكاليف صحية زائدة بحلول عام 2050، مما يزيد من تكاليف الرعاية الصحية والضغط على أنظمة الصحة الهشة بالفعل.
وبين التقرير، أن اليمن "يتمتع بإمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة، والتي يمكن أن تشكل عنصراً أساسياً في استجابتها لتغير المناخ والتعافي منه، ولا يوفر تسخير موارد الطاقة المتجددة مساراً للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري فحسب، بل يتيح أيضاً إنشاء بنية تحتية أكثر مرونة للطاقة. وسيكون هذا ضرورياً لدعم الخدمات الحيوية مثل الرعاية الصحية وإمدادات المياه وتوزيع الغذاء، وخاصة في المناطق المتضررة من الصراع".
وقال خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي لمؤسسة التمويل الدولية في الشرق الأوسط: "يلعب القطاع الخاص دوراً حاسماً في معالجة تحديات التنمية الملحة في اليمن . إن تسخير إمكاناته من خلال آليات التمويل المبتكرة وأدوات الضمان وخلق مناخ استثماري مواتٍ يمكن أن يساعد في حشد التمويل الموجه للمناخ الذي تحتاجه البلاد بشكل عاجل لبناء مستقبل أكثر اخضراراً ومرونة ".