مفتي الجمهورية: نفتقد اللحظات الأسرية ونريد أن نعود مرة أخرى إلى الأخلاق والتماسك الأسري
تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT
قال الأستاذ الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن مرحلة الشباب هي أهم فترات العمر لما تتميز به من قوة البدن والعقل والقدرة على العطاء والإنتاج، مشيرًا إلى أن الشباب هم عماد أي أمة من الأمم وسر نهضتها وبناة حضارتها وهم حماة الأوطان والمدافعون عن حياضها.
وأضاف خلال ندوة "الشباب والتحصين ضد المخاطر الفكرية" التي نظمها إتحاد طلاب جامعة حلوان، تحت رعاية رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور السيد قنديل، أن الإسلام اهتم باغتنام فترة الشباب واستثمارها فيما ينفع الإنسان وأسرته ومجتمعه ووطنه، وفى ذلك قال صلى الله عليه وسلم: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناءكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَراغَكَ قبلَ شُغلِكَ، وحياتَكَ قبلَ موتِكَ».
وأوضح المفتي أن الرسول صلى الله عليه وسلم اهتم بالشباب اهتمامًا كبيرًا، وعندما ننظر لمسيرة رسول الله نجد أنه اعتبرهم قادة المستقبل، ومن ثم على الشباب أن يدركوا هذه المسؤولية الكبيرة التي قد يتحملونها في المستقبل، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم ببناء الشباب وقدراتهم فعمل في مراحل الإسلام الأولى على بناء الإنسان وعزَّز فيه الرقابة الذاتية والضمير لكي يكون رادعًا للإنسان عن فعل المحرمات.
وأضاف: نريد من شبابنا أن يكون الباعث والمحرك لكل أفعالهم هو الضمير والأخلاق، كما خاطبهم قائلًا: "حصنوا السلوك بالإيمان والأخلاق، فالنبي قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ذلك لأن قضية القلب السليم هي قضية محورية في حياة المسلم، وقد عبَّر النبي عن ذلك بقوله: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
وتابع المفتي مؤكدًا أننا نواجه في وقتنا المعاصر الكثير من التحديات الكبيرة التي قد تؤدي إلى تزييف الوعي، ودار الإفتاء حللت الكثير من النصوص التي وضعها المتطرفون ووجدنا أنهم يلوون عنق النصوص لنشر أفكارهم المتطرفة، كما ذكر قصة مناظرة سيدنا عبد الله بن عباس مع الخوارج التي تعد دليلًا وقاعدة يجب السير عليها وفقًا لأن الفكر يواجه بالفكر، حيث رصد ابن عباس ما عند الخوارج من أفكار وشبهات، وقال لهم: جئتكم من عند أمير المؤمنين -التي تدعو إلى التمسك بالدولة- ومن عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم -التي تدعو إلى المنهج السديد في مقابل منهجهم المزيف-، ثم بعد أن رصد الشبهات التي لديهم قام بتفنيدها والرد عليها.
وأشار المفتي إلى تطبيق دار الإفتاء المصرية منهج عبد الله بن عباس منذ عام 2014 مع بداية ظهور داعش، فأنشأت مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة الذي يعمل على مدار الساعة، وأصدر ما يزيد عن ألف تقرير وتم تطويره ليصبح مركز سلام لدراسات التطرف والإسلاموفوبيا.
وشدَّد على ضرورة انتباه الشباب لمخاطر التكنولوجيا الحديثة والتحقق من المعلومات التي يتلقونها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي باللجوء إلى المتخصصين والمصادر الرسمية المعتمدة للتثبت من المعلومات، مؤكدًا أن التخصص واللجوء إليه من واجبات الإسلام، وأن دار الإفتاء المصرية تستعين بالمتخصصين في كافة المجالات المختلفة الطبية والاقتصادية والعلمية وغيرها، واستفادت كثيرًا من علماء الطب خلال جائحة كورونا، ناصحًا للطلاب: "لا تدخل المعلومات إلى عقلك دون تثبت أو فلترة، واحذر من خطر نشر المعلومات أو إعادة نشرها دون تثبت".
وفي سياق آخر أشار فضيلة المفتي إلى أنَّ دار الإفتاء استقبلت العديد من الأسئلة ذات الطبيعة الوجودية تتعلق بالإلحاد من الشباب، خاصة منذ عام 2014، فأنشأت وحدة حوار التي تستقبل هذه الأسئلة وتناقش أصحابها في جلسات مطولة للإجابة عن تساؤلاتهم في القضايا المختلفة من شبهات وغيرها.
وردًّا على تساؤلات الطلبة حول حكم الانتحار قال فضيلة المفتي: إن الانتحار كبيرة من الكبائر، ووجَّه نصيحة لمن يشعر بأن لديه ميولًا انتحارية أن يذهب للطبيب النفسي وأن يحضر كذلك لدار الإفتاء للنقاش ـ وحول مسألة الطلاق، قال إن الطلاق علاج لاستحالة العِشرة، ومع ذلك ينبغي أن يتم في إطار الإحسان، حيث يقول المولى عزَّ وجلَّ: {وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، موضحًا أنه لا يجوز للزوج أن يعنِّف زوجته بحال من الأحوال، وقد واجه الإسلام كافة أشكال العنف الذي يمكن أن تتعرض له المرأة من عنف جسدي أو نفسي أو اجتماعي أو اقتصادي وغيره.
وفي ختام الندوة قال المفتي: نفتقد الآن إلى اللحظات الأسرية ونريد أن نرجع مرة أخرى إلى الأخلاق والتماسك الأسري، كما وجَّه نصيحة إلى الشباب والطلاب بأن يكونوا نموذجًا حضاريًّا إنسانيًّا يتحرك الدين من خلاله ويطبَّق تطبيقًا عمليًّا بحسن الخلق والمعاملةـ مشيرًا إلى أن الإسلام انتشر في العديد من الدول من خلال حسن المعاملة من المسلمين الذين هاجروا هناك.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الإفتاء المفتي جامعة حلوان دار الإفتاء محاضرة مفتي الجمهورية صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
فضل الستر على العُصاة في الإسلام.. اعرف أهميته الشرعية
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما حكم الستر على العصاة؟ حيث رأيت أحد الناس يرتكب معصيةً؛ فماذا أفعل؟ هل أخبر الناس بهذا الفعل وأقوم بنشره في وسائل التواصل الاجتماعي أو أن الستر عليه أولى؟
وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال، إن الشرعُ الشريف قد حَثَّ على الستر؛ لأنَّ أمور العباد الخاصّة بهم مبنيةٌ على الستر؛ فلا يصحّ من أحد أن يكشف ستر الله على غيره حتى ولو كان ذلك معصيةً؛ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» رواه مسلم.
وفي رواية لابن ماجه: «منْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ». قال الإمام أبو عمر ابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 337، ط. مؤسسة قرطبة): [وفيه أيضًا ما يدلّ على أنَّ الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة، وواجب ذلك عليه أيضًا في غيره] اهـ.
ويقول الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (3/ 408، ط. دار الفكر): [يجب ستر الفواحش على نفسه وعلى غيره لخبر: «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ»] اهـ.
وقالت دار الإفتاء إنَّ نشر خصوصيات الناس فيه اعتداءٌ صريحٌ على حقوق الناس الأسرية والمجتمعية الخاصة والعامة؛ وهذا مذمومٌ شرعًا، وهو أيضًا جريمة قانونية يُعاقَب عليها وفق القانون رقم (175) لسنة 2018م، والخاص بـ"مكافحة جرائم تقنية المعلومات"؛ فقد جَرَّم المُشَرِّع المصري في هذا القانون نشر المعلومات المُضَلِّلة والمُنَحرفة، وأَوْدَع فيه مواد تتعلق بالشق الجنائي للمحتوى المعلوماتي غير المشروع.
ففي المادة (25) من القانون المشار إليه نَصَّ على: [يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين: كل مَن اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة..] اهـ.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فقد حثَّ الشرع الشريف على الستر والاستتار؛ ممَّا يدلّ على فضل الستر على الناس والحفاظ على حرماتهم.