قال الأستاذ الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن مرحلة الشباب هي أهم فترات العمر لما تتميز به من قوة البدن والعقل والقدرة على العطاء والإنتاج، مشيرًا إلى أن الشباب هم عماد أي أمة من الأمم وسر نهضتها وبناة حضارتها وهم حماة الأوطان والمدافعون عن حياضها.

وأضاف خلال ندوة "الشباب والتحصين ضد المخاطر الفكرية" التي نظمها إتحاد طلاب جامعة حلوان، تحت رعاية رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور السيد قنديل، أن الإسلام اهتم باغتنام فترة الشباب واستثمارها فيما ينفع الإنسان وأسرته ومجتمعه ووطنه، وفى ذلك قال صلى الله عليه وسلم: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناءكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَراغَكَ قبلَ شُغلِكَ، وحياتَكَ قبلَ موتِكَ».

وأوضح المفتي أن الرسول صلى الله عليه وسلم اهتم بالشباب اهتمامًا كبيرًا، وعندما ننظر لمسيرة رسول الله نجد أنه اعتبرهم قادة المستقبل، ومن ثم على الشباب أن يدركوا هذه المسؤولية الكبيرة التي قد يتحملونها في المستقبل، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم ببناء الشباب وقدراتهم فعمل في مراحل الإسلام الأولى على بناء الإنسان وعزَّز فيه الرقابة الذاتية والضمير لكي يكون رادعًا للإنسان عن فعل المحرمات.

وأضاف: نريد من شبابنا أن يكون الباعث والمحرك لكل أفعالهم هو الضمير والأخلاق، كما خاطبهم قائلًا: "حصنوا السلوك بالإيمان والأخلاق، فالنبي قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ذلك لأن قضية القلب السليم هي قضية محورية في حياة المسلم، وقد عبَّر النبي عن ذلك بقوله: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».

وتابع المفتي مؤكدًا أننا نواجه في وقتنا المعاصر الكثير من التحديات الكبيرة التي قد تؤدي إلى تزييف الوعي، ودار الإفتاء حللت الكثير من النصوص التي وضعها المتطرفون ووجدنا أنهم يلوون عنق النصوص لنشر أفكارهم المتطرفة، كما ذكر قصة مناظرة سيدنا عبد الله بن عباس مع الخوارج التي تعد دليلًا وقاعدة يجب السير عليها وفقًا لأن الفكر يواجه بالفكر، حيث رصد ابن عباس ما عند الخوارج من أفكار وشبهات، وقال لهم: جئتكم من عند أمير المؤمنين -التي تدعو إلى التمسك بالدولة- ومن عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم -التي تدعو إلى المنهج السديد في مقابل منهجهم المزيف-، ثم بعد أن رصد الشبهات التي لديهم قام بتفنيدها والرد عليها.

وأشار المفتي إلى تطبيق دار الإفتاء المصرية منهج عبد الله بن عباس منذ عام 2014 مع بداية ظهور داعش، فأنشأت مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة الذي يعمل على مدار الساعة، وأصدر ما يزيد عن ألف تقرير وتم تطويره ليصبح مركز سلام لدراسات التطرف والإسلاموفوبيا.

وشدَّد على ضرورة انتباه الشباب لمخاطر التكنولوجيا الحديثة والتحقق من المعلومات التي يتلقونها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي باللجوء إلى المتخصصين والمصادر الرسمية المعتمدة للتثبت من المعلومات، مؤكدًا أن التخصص واللجوء إليه من واجبات الإسلام، وأن دار الإفتاء المصرية تستعين بالمتخصصين في كافة المجالات المختلفة الطبية والاقتصادية والعلمية وغيرها، واستفادت كثيرًا من علماء الطب خلال جائحة كورونا، ناصحًا للطلاب: "لا تدخل المعلومات إلى عقلك دون تثبت أو فلترة، واحذر من خطر نشر المعلومات أو إعادة نشرها دون تثبت".

وفي سياق آخر أشار فضيلة المفتي إلى أنَّ دار الإفتاء استقبلت العديد من الأسئلة ذات الطبيعة الوجودية تتعلق بالإلحاد من الشباب، خاصة منذ عام 2014، فأنشأت وحدة حوار التي تستقبل هذه الأسئلة وتناقش أصحابها في جلسات مطولة للإجابة عن تساؤلاتهم في القضايا المختلفة من شبهات وغيرها.

وردًّا على تساؤلات الطلبة حول حكم الانتحار قال فضيلة المفتي: إن الانتحار كبيرة من الكبائر، ووجَّه نصيحة لمن يشعر بأن لديه ميولًا انتحارية أن يذهب للطبيب النفسي وأن يحضر كذلك لدار الإفتاء للنقاش ـ وحول مسألة الطلاق، قال إن الطلاق علاج لاستحالة العِشرة، ومع ذلك ينبغي أن يتم في إطار الإحسان، حيث يقول المولى عزَّ وجلَّ: {وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، موضحًا أنه لا يجوز للزوج أن يعنِّف زوجته بحال من الأحوال، وقد واجه الإسلام كافة أشكال العنف الذي يمكن أن تتعرض له المرأة من عنف جسدي أو نفسي أو اجتماعي أو اقتصادي وغيره.

وفي ختام الندوة قال المفتي: نفتقد الآن إلى اللحظات الأسرية ونريد أن نرجع مرة أخرى إلى الأخلاق والتماسك الأسري، كما وجَّه نصيحة إلى الشباب والطلاب بأن يكونوا نموذجًا حضاريًّا إنسانيًّا يتحرك الدين من خلاله ويطبَّق تطبيقًا عمليًّا بحسن الخلق والمعاملةـ مشيرًا إلى أن الإسلام انتشر في العديد من الدول من خلال حسن المعاملة من المسلمين الذين هاجروا هناك.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الإفتاء المفتي جامعة حلوان دار الإفتاء محاضرة مفتي الجمهورية صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: الله منح الإنسان العقل وأنزل إليه الرسل حتى تقوم عليه الحجة

أكَّد الدكتور نظير عيَّاد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- أن الإنسان، في واقعه المعيش، يدرك تمامًا أنه مختار فيما يأتيه من أفعال، فهو حين يُقدِم على أي تصرف يُفكر ويخطط ويتروَّى، وهذا في حد ذاته دليل كافٍ على حرية الإنسان ومسؤوليته عن اختياراته.

مفتي الجمهورية: انتصار العاشر من رمضان حدث فريد وعظيممفتي الجمهورية: انتصارات العاشر من رمضان ملحمة خالدة تعكس بسالة الجيش المصري

وأضاف مفتي الجمهورية، في مستهل حديثه الرمضاني اليومي في برنامج "حديث المفتي" الذي يذاع يوميًّا على قناة dmc، وذلك في معرض إجابته عن سؤال يتردد كثيرًا في الأذهان، ويعكس إشكالية فلسفية عميقة وقديمة تتعلق بمسألة القضاء والقدر، والجبر والاختيار، وهو: إذا كان كل شيء قد قدَّره الله تعالى وكتبه على الإنسان، فلماذا العذاب؟

وأوضح مفتي الجمهورية، أن الإنسان يعيش في مجتمع تحكمه قوانين وقيم وضوابط، ومن يخرج عن هذه المنظومة يتعرض للعقاب، ولا يُقبل منه الاحتجاج بأنه كان مُجبَرًا على المخالفة. وكذلك الشأن مع الله تعالى؛ فقد خلق الإنسان وزوَّده بالعقل والبيان، وأرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وبيَّن له الطريق ثم ترك له حرية الاختيار.

وأشار إلى أن المغالطة في السؤال تنشأ من الخلط بين "العلم الإلهي الأزلي" وبين "الجبر الإنساني". فكون الله تعالى يعلم ما سيكون من الإنسان لا يعني أنه يُجبره على فعله، وإنما علم الله هو علم كاشف، لا مُؤثر. فالله يعلم ما يفعله الإنسان بإرادته، لكنه لا يُلزمه بذلك.

ولتقريب الفكرة، ضرب مثالًا بمدرِّس يعرف طلابه، ويدرك من واقع التجربة والاجتهاد من منهم سيتفوق ومن سيرسب. فهل هذا العلم بالحال هو الذي تسبب في الرسوب؟ أم أن النتائج هي ثمرة مقدمات واضحة؟ كذلك علم الله تبارك وتعالى لا يعني الإكراه، بل هو علم سابق بما يختاره الإنسان لنفسه، لذلك يُحاسب عليه.

وبيَّن المفتي أن الله سبحانه وتعالى وهب الإنسان العقل ليُميز بين الخير والشر، ثم أرسل الرسل وأيدهم بالكتب، لتقوم الحجة على الناس، فلا يكون لهم عذر. وإذا انقطعت الصلة بين النبي وأمته، بقيت الكتب السماوية حجَّة واضحة ناطقة.

واستشهد مفتي الجمهورية بالآيات التي تدلُّ على حرية الإنسان واختياره، كقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، وقوله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]. وهي نصوص تؤكد أن الإنسان حر في اختياراته، ومسؤول عن أفعاله.

وفي ختام حديثه، شدد المفتي على أن الإنسان ليس مُجبَرًا على إطلاقه، ولا حرًّا على إطلاقه، بل هو بين الأمرين، ولا يُحاسبه الله تعالى إلا على ما يدخل ضمن دائرته الاختيارية، رحمةً به وتخفيفًا عنه. كما أكد إمكانية التغيير من خلال حسن العمل والتأمل الرشيد في معاني القدر والاختيار، وضرورة التفكر في النصوص الشرعية لفهم طبيعة العلاقة بين الخالق وعباده.

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية: تنوع مصادر الدين يضمن المرونة والتيسير على المسلمين
  • مفتي الجمهورية: تعدد مصادر التشريع في الإسلام يؤكِّد صلاحيته لكلِّ زمان ومكان
  • المفتي : تعدد مصادر التشريع يُظهر رحمة الإسلام ومرونته وصلاحيته لكلِّ زمان ومكان
  • حكم التبرك بقبور الأنبياء والصالحين.. مفتي الجمهورية: يجوز بشرط
  • مفتي الجمهورية: الإسلام حدد 3 أنواع من حقوق الجوار
  • المفتي يكشف أسباب نهي النبي عن خروج الأطفال بالطعام
  • مفتي الجمهورية: الزعم بأن الإنسان مجبر على المعصية باطل لهذه الأسباب
  • البرهان: لا تفاوض ولن نعود إلى منبر جدة مرة أخرى – فيديو
  • مفتي الجمهورية: العزوف عن الزواج أزمة أخلاقية تهدد المجتمع
  • مفتي الجمهورية: الله منح الإنسان العقل وأنزل إليه الرسل حتى تقوم عليه الحجة