الكشف عن خلاف عميق بين بغداد وواشنطن حول التواجد الأمريكي في العراق - عاجل
تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT
بغداد اليوم - متابعة
شهدت الأسابيع الماضية سلسلة طويلة من الهجمات على المواقع التي يشغلها الجنود الامريكان في العراق، كما استهدفت الفصائل العراقية مبنى السفارة الامريكية في بغداد، وأطلقت صواريخ باتجاه الامريكي ين في سوريا.
كان من اللافت أن وزير الخارجية الامريكي أنتوني بلينكن أجرى اتصالات متكررة برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وزار بغداد مرة واحدة، وكانت البيانات الامريكية تشير دائماً إلى ضرورة حماية الجنود والدبلوماسيين الامريكيين، واعتبار ذلك مسؤولية الحكومة العراقية "لأنها الحكومة المضيفة".
خلاف جدّي
وزير الدفاع الامريكي لويد أوستن اتصل بالسوداني أقلّه مرة، وكرر بيان البنتاغون في حينه ما قالته بيانات وزارة الخارجية، ومن ضمنها شكر الحكومة السودانية لأنها اعتبرت الهجمات "عملاً إرهابياً".
لكن لدى التحقق من مضمون الاتصالات بين الوزراء الامريكيين ورئيس وزراء العراق تبّين بحسب مصادر "العربية" و"الحدث" أن هناك خلافا عميقا بين الطرفين.
مصادر في واشنطن أكدت لـ"العربية" و"الحدث" أن كلام الحكومة العراقية الذي شجب الهجمات كان مقتصراً على مقرّ السفارة الامريكية، ولا يشمل الهجمات على الجنود الامريكان، وقد عبّر الوزيران بلينكن وأوستن في اتصالاتهما عن تمسكهما بأن يكون الالتزام والشجب العراقي شاملاً للهجمات على الجنود الامريكان.
ليست هناك تفاصيل كثيرة حول حصيلة المطالبة ولكن يبدو أنها لم تصل إلى نتيجة.
"الغارة الامريكية اعتداء"
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أبدّى رفضه القاطع للغارة الامريكية ردّاً على الهجمات التي تشنّها الفصائل العراقية، واعتبر في أحاديثه مع المسؤولين الامريكيين أن الولايات المتحدة خرقت بشكل "سافر" السيادة العراقية عندما أخذت القوات الامريكية المبادرة وقصفت مواقع لإحدى الفصائل العراقية وقتلت عدداً من العناصر بعد ساعات من هجوم على الجنود الامريكيين.
الامريكيون كرروا خلال اتصالاتهم أن هذا حق الردّ وتمسّكوا بفعل الأمر ذاته في المستقبل.
قالت مصادر خاصة بـ"العربية" و"الحدث" إن هذا الخلاف دفع الطرفين للبدء جدّياً ببحث جدول زمنيّ لخروج القوات الامريكية من الأراضي العراقية.
الخلافات متراكمة
لم تؤكد هذه المصادر أن العراق هو الذي بادر بالطلب لكنه من الواضح أن الكلام عن انسحاب الامريكيين حدث أكثر من مرّة.
معلومات سابقة كانت ذكرت أن وزير الخارجية الامريكي أنتوني بلينكن، أشار في محادثات مع رئيس الوزراء العراقي إلى أن تكرار الهجمات سيعني انسحاب الامريكيين وباقي قوات التحالف من العراق لأن الأمر غير مقبول، وهذه المرّة يبدو أن العراقيين هم الذين طرحوا مسألة الانسحاب بسبب الغارة الامريكية على موقع كتائب حزب الله العراقي يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
المأزق يبدأ من أن الحكومة العراقية تعتبر أنه من الصعب معارضة الهجمات على القوات الامريكية، فكثير من العراقيين ينظرون إلى القوات الامريكية على أنها قوات "احتلال" ولا يمكن الدفاع عنها مثلما يتمّ الالتزام بحماية الدبلوماسيين الامريكيين على أراضي الدولة المضيفة.
لم يعودوا مستشارين
كما يعتبر العراقيون أنه بعد القصف لم يعد وجود القوات الامريكية في العراق استشارياً ومساعداً كما تمّ الاتفاق عليه مع إدارة جو بايدن نهاية العام 2021 وقد بدأت المهمة الجديدة للأميركيين في العام 2022.
فالأمريكيون يعتبرون أن العراق مصلحة استراتيجية لهم ولا يريدون الانسحاب منه، وهذا ما أكده متحدثون باسم الحكومة الامريكية منذ أسبوعين لدى سؤالهم عن الأوضاع في العراق.
كما يقول الامريكيون أن مهمتهم في العراق ما زالت ضرورية في مواجهة داعش والتأكد من عدم عودة التنظيم الإرهابي إلى أي نشاط سابق، ولا يفصحون عن أن حضورهم في العراق يساعدهم لتحقيق أهداف أخرى، مثل موازنة النفوذ الإيراني المتصاعد على الأراضي العراقية.
خروج بالتراضي
العراقيون من جهتهم، أقلّه حكومة رئيس الوزراء لم تكن ترغب في خروج الامريكان والآن هي لا تريد خروجاً فوضوياً أو في أجواء عكرة.
عندما غادرت القوات الامريكية في نهاية العام 2011 كان هناك حرص لدى الحكومة العراقية على أن تبدو الأمور باتفاق الطرفين، وأبدى الطرفان حرصاً واضحاً على بعض التفاصيل مثل برامج التسلّم والتسليم.
من غرائب العلاقات بين البلدين أن جو بايدن الرئيس الحالي للولايات المتحدة قام بزيارة للعراق في حينه وكان نائب الرئيس الامريكي حينها، ولويد أوستن كان قائد القوات الامريكية في العراق عندما أنزلوا العلم وغادروا وهو الآن وزير الدفاع الامريكي.
يؤكد العراقيون أنهم لا يريدون استبدال الحضور الامريكي بأي حضور أو نفوذ آخر في تلميح إلى الوجود العسكري والسياسي الإيراني، لكن الحكومة الحالية ستجد هناك ضرورة لموازنة التيارات العراقية المختلفة، فحتى الآن ليست هناك معارضة لخروج الامريكي، لكن حكومة إقليم كردستان وبعض التيارات العراقية السنّية ربما تجد في خروج الامريكان فراغاً لم تكن تتمنّاه، فيما تدعو تيارات أخرى مثل التيار الصدري والفصائل العراقية الموالية لإيران إلى خروج القوات الامريكية وتعتبرها "قوات احتلال".
المصدر: العربية
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: الحکومة العراقیة القوات الامریکیة الامریکیة فی فی العراق
إقرأ أيضاً:
حين يتحوّل العيد إلى مرآة انقسام... العراق بين جمهوريات الفتوى وظل الدولة- عاجل
بغداد اليوم - خاص
لم يكن عيد الفطر لعام 1446هـ (2025م) مجرد مناسبة دينية، بل تحوّل إلى مرآة تعكس عمق الانقسام الفقهي والسياسي في العراق. من كردستان إلى النجف، مرورًا ببغداد، تباينت إعلانات العيد في وقت واحد، ليتحوّل الهلال إلى ساحة اختبار للفتوى والقرار والسيادة الدينية في دولة تعددية.
كردستان تعيّد أولاً... رؤية الهلال من خارج الحدودفي وقت مبكر من مساء السبت (29 آذار 2025)، أعلن المجلس الأعلى للإفتاء في إقليم كردستان أن الأحد هو أول أيام عيد الفطر المبارك، مستندًا إلى ثبوت رؤية الهلال في دول إسلامية مجاورة، وتأكيدًا على رأي جمهور العلماء القائلين بوحدة المطالع.
واعتبر البيان أن تحديد المناسبات الشرعية "حق سيادي" من صلاحيات الدولة، داعيًا الناس للاحتفال "بثقة دون تردد"، في موقف يعكس استقلال المرجعية الدينية الكردية في القضايا الفقهية المصيرية.
الوقف السني والمجمع الفقهي... من إعلان العيد إلى التراجع تحت ضغط الرؤيةأما في بغداد، فقد مر ديوان الوقف السني والمجمع الفقهي العراقي بيوم عصيب؛ فبعد إعلان أولي أن الأحد هو أول أيام العيد، تراجع الديوان بعد أقل من ساعة ليؤكد أن "الهلال لم يُرَ في العراق"، وأن الاثنين هو أول أيام عيد الفطر.
التبدل المفاجئ في القرار الرسمي أثار تساؤلات عديدة، لا سيما مع الأنباء عن ضغوط سياسية مورست من أطراف حكومية ونيابية لدفع الوقف السني إلى توحيد الموقف مع الوقف الشيعي والمرجعية العليا في النجف، في محاولة لإظهار وحدة وطنية رمزية في مناسبة دينية جامعة.
ورغم تلك الضغوط، أصر الوقف السني على اعتماد رأي الشافعية في اختلاف المطالع، مؤكداً أن الفتوى يجب أن تستند إلى الرؤية الشرعية والفلكية داخل البلاد، لا إلى المجاملات أو المواءمات السياسية.
الحيدري يخالف السيستاني... فتوى العيد تخرج من عمامة النجففي النجف، حافظ السيد علي السيستاني على منهجه المعروف، معلناً أن الأحد متمم لشهر رمضان وأن الاثنين هو أول أيام العيد، استنادًا إلى الرؤية المباشرة للهلال من داخل العراق.
لكن المرجع الشيعي البارز كمال الحيدري خالف هذا الاتجاه بشكل صريح، معلنًا أن عيد الفطر يحل الأحد، بالاعتماد على الحسابات الفلكية والرؤية المثبتة في الدول الإسلامية الأخرى.
اعتبر الحيدري أن "الاجتهاد الفقهي المعاصر يجب أن يتكامل مع العلم"، وهو ما شكّل خروجًا واضحًا عن فتوى النجف التقليدية، ودخولًا في دائرة الفقه الحداثي المستقل.
وماذا عن العلاقة بين "السياسة الشرعية" و"الاجتهاد الفردي" في بلد تتوزع فيه المرجعيات وتتداخل فيه السلطات؟
في كردستان، السلطة السياسية تسير مع المؤسسة الدينية بتناغم. في بغداد، الوقف السني يخضع للضغط لكنه يحاول الاحتفاظ بقدره من الاستقلال. وفي النجف، المرجعية تتخذ قرارها وفق أفقها الجغرافي فقط، حتى لو أدى إلى اختلافٍ واضح مع الدول المجاورة.
عيد بثلاث لغات... ما أثر ذلك على المجتمع؟في الأحياء المختلطة والأسواق والمنازل، ساد الارتباك والارتجال. عائلات فرّقت أيام العيد بين الأب والأم، مواطنون في بغداد سيفطرون يوم الاثنين بينما أقاربهم في أربيل سيصلون العيد الأحد، وبلد واحد عجز عن الاتفاق على يوم يفطر فيه الناس معًا.
النتيجة؟ تآكل تدريجي في ثقة المواطن بالمؤسسات الدينية الرسمية، التي يراها متأثرة بالخلافات السياسية والولاءات المذهبية.
حتى المناسبة التي يفترض أن تكون جامعة، تحوّلت إلى علامة فارقة على الانقسام، لا على التوحد.
تُثبت تجربة عيد الفطر هذا العام أن الهلال لا يُرى فقط في السماء، بل في ميزان السياسة والفقه والإدارة.
وما لم تتفق الجهات الدينية في العراق على مرجعية موحدة علمية فقهية تنأى بنفسها عن الضغوط، فإن العيد سيبقى تائهًا بين فتوى وفتوى، وبين الأحد والاثنين... وربما بين المواطن والدولة.
المصدر: بغداد اليوم + بيانات رسمية