#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 154 من سورة البقرة: “وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ”.
أسمى أنواع التضحية هي الجهاد في سبيل الدفاع عن العقيدة (منهج الله)، لأن المجاهد إنسان باع حياته التي هي أغلى ما يملك، لينال رضوان الله، لذلك يتقبله الله، ليثيبه عليه أعلى المراتب.
قال بعض المفسرين أن حياة الشهيد هنا معنوية أي ببقاء ذكره بعد موته، لكن من استعراض قوله تعال في الآية 169 من سورة آل عمران: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”، يتأكد لنا أنها تأكيد آخر على أنها حياة مادية لكن بطبيعة أخرى.
المعروف للبشر هي الحياة، لكن الموت وماذا بعده، فمعرفته مغلقة تماما، فلم يعد أحد مات ليخبر عنه، ولا سبيل لمعرفته بالبحث العلمي والتجريب، لذلك فلا علم للبشر عنه إلا بما أخبرنا به تعالى في كتابه الكريم من معلومات محدودة.
صحيح أن موت الإنسان معروف لدينا بأنه انفصال للروح عن الجسد الذي سكنته منذ بداية تكون الجنين كائنا حيا في رحم أمه، لكنه ليس معروف علميا كيف تدب الحياة في المادة المكونة للكائن الحي، فقد اكتشف التركيب الدقيق للخلايا، وتبين أن المكونات الأولية للخلية هي ذاتها المكونات العضوية للجوامد، لكن لم يمكن معرفة ما الذي جعل تلك المركبات الكيميائية التي تشكلت العضيات الدقيقة المكونة للخلية النباتية والحيوانية منها حية، وما الذي يسحب تلك الحيوية منها فتموت وتعود الى المكونات الجامدة من جديد.
سر الحياة هذا أعلمنا الله تعالى أنه من أمره وحده، أي أنه لا يمكن للبشر لمعرفته مهما بحثوا، وسماه الروح.
هاتان الآيتان تتناولان حالة محددة من الموت، وهي من مات قتلا في سبيل الله، والذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهيد.
من التأمل فيهما يمكننا استخلاص ما يلي:
1 – رغم أن آلية الموت واحدة لكل الكائنات الحية، وأساسها انقطاع تزويد الأنسجة بالأكسجين والغذاء اللازمين لعملياتها الحيوية، إلا أن هنالك استثناء خاص لمآلات ما بعد الموت، اختص الله به الشهيد، وهي أنه وان انقطعت عنه الحياة الدنيا، لكنه ينتقل فورا الى حياة ذات طبيعة مختلفة، لكنها بلا شك مختلفة عن الحياة الآخرة التي سيعيشها كل البشر بلا استثناء بعد يوم القيامة، الصالحون في نعيم، والطالحون في جحيم.
2 – لطالما استوقفني قوله تعالى “وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ”، وكنت أتساءل لماذا لم تأت (ولكن لا تعلمون)، طالما أن علم البشر بطبيعة ما بعد الموت مقطوع عنهم البتة؟.
من سياق الآيتين نفهم أن حياة الشهيد بعد الموت مقطوع بها، وللتأكيد فقد وردت بصيغتين: في الأولى نهي عن القول بأن الشهيد مات كما يموت باقي البشر، بل هم أحياء، ولكن هذه الحياة ذات طبيعة مختلفة عما يعرفونه، فهي خارج قدرات البشر الحسية، مثلما أن الملائكة والجن موجودون بينهم لكنهم لا يشعرون بهم ، فكذلك هم لا يشعرون بوجود الشهداء أيضا.
وفي الآية الثانية تأكيد على بقاء الشهيد حيا بعد مقتله، ولأن الكائن الحي لا يمكن أن يعيش بدون الرزق (الماء والهواء والغذاء) الذي قدره الله ليكفيه طوال حياته، فقد جاء تعالى بصيغة “يرزقون”، لأن الرزق لا يكون الا للحي، لكنه مختلف عن الرزق الدنيوي آنف الذكر.
3 – المفسرون القدامى، لم يكونوا قد وصل بهم العلم لمعرفة المتطلبات الحيوية للكائن الحي، التي سماها الله الرزق، فاعتقدوا أن قوله تعالى (عند ربهم) تعني أنها الجنة، لكنهم غفلوا عن أن الجنة والنار لا تفتح إلا بعد يوم الحساب “حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا” [الزمر:73]، كما أن (عند) لا تستعمل فقط ظرف مكان، بل تعني أيضا التقدير والاعتبار كما جاء في قوله تعالى: “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ” [آل عمران:19].
لذلك فإن العندية هنا ليست شرطا أن تكون في السموات العلى، فكل شيء في الكون في قبضة الله، أي عنده وفي متناوله أينما كان.
نستخلص أن تكريم الله للشهيد أعظم من كل تكريم، إذ يبقيه حيا الى يوم القيامة، فيشهد نتاج تضحيته، وثمراتها في انتشار الدعوة، وتوسع رقعة الأمة.
وربما كان ذلك مراد تسميته بالشهيد. مقالات ذات صلة حادثة التكنو وإدارات الجامعات 2023/12/14
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: تأملات قرآنية
إقرأ أيضاً:
داعية إسلامي: علاج الزوجة ودواؤها فرض على الزوج
أكد الدكتور محمد علي الداعية الإسلامي، أن علاج الزوجة ودواءها فرض على الزوج، وأنه يخالف آراء الفقهاء في الماضي، فالفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، موضحًا أنه صرح من قبل بأن علاج الزوجة ودواءها ليس فرضا على الزوج، وكان ذلك وفقا لما جاء على آراء الأئمة.
وأضاف الداعية الإسلامي، خلال تصريحات تلفزيونية، أنه بعد انتشار الأمراض والأوبئة فعلاج الزوج يكون على زوجها، فالفتوى تم تغييرها.
ولفت إلى أن الحصول على آراء العلماء سينتج عنها مشكلات إذا تم تطبيقها حاليًا، فهناك تصريحات بأن الزوجة ليس عليها فرض الإرضاع، ولكن العلاقة الزوجية مبنية على المودة والرحمة، ولذلك على كل زوج أن ينفق على زوجته إذا مرضت.
وأشار إلى أنه عندما صرح بأن علاج الزوجة ودواءها ليس على الزوج، كان نقلا عن الفقهاء وليس رأيا خاصا به، وأن مفتي الجمهورية السابق شوقي إبراهيم علام، رد عليه بخصوص علاج الزوجة، وقال إن الفتوى تتغير بتغير الزمن.
في حلقة جديدة من برنامج "اسأل المفتي" الذي يقدمه الإعلامي حمدي رزق عبر قناة "صدى البلد"، أكد فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد، مفتي الديار المصرية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الصبر يعد من أعظم الفضائل التي حثت عليها جميع الديانات السماوية.
الصبر في القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن القرآن الكريم يرفع من شأن الصبر، مستشهداً بآية الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، مؤكدًا أن هذه الآية تبرز أن الله مع الصابرين، مما يعكس عظمة هذه الفضيلة في الإسلام.
كما ذكر فضيلته سورة العصر التي تؤكد على أهمية الصبر، حيث قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، وهي دعوة للجميع للتمسك بالصبر لتحقيق النجاح والفلاح.
الصبر في شهر رمضان: “شهر الصبر”
وأوضح فضيلة المفتي أن شهر رمضان هو "شهر الصبر"، حيث يُعزز الصيام قدرة المسلم على التحمل والصبر. مشيرًا إلى أن الله تعالى قد كتب الصيام على المسلمين لكي يُنمّي فيهم التقوى والصبر.
الصبر علاج للابتلاءات والرضا بالمقدور
وأشار الدكتور نظير عياد إلى أن الصبر هو العلاج الوحيد للابتلاءات والمصاعب في الحياة. واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الله العبد ابتلاه"، مؤكداً أن الله يختبر عباده ليعطيهم أجرًا عظيمًا في الآخرة إذا صبروا.
أنواع الصبر: الصبر على الطاعة والمعصية
كما بيّن فضيلة المفتي أن الصبر لا يقتصر فقط على تحمل الابتلاءات، بل يشمل أيضًا الصبر على الطاعة، مثل أداء الصلاة والصوم، والصبر عن المعاصي، والصبر على تقديرات الله المؤلمة بدون سخط.
الصبر والمثابرة في القرآن الكريم
استشهد فضيلة المفتي بآية الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا}، مشيرًا إلى أن القرآن يوجه المسلمين إلى الصبر والمثابرة ليحققوا التوازن والصمود في مواجهة تحديات الحياة.