"هذا الكتاب هو تفنيد للكذبة الكبيرة من خلال الكشف عن كلّ واحدة من الأكاذيب الصغيرة".

هكذا يصف أستاذ العلوم السياسية الأميركي "نورمان فنكلستاين" كتابه المعنون: "غزة: بحث في استشهادها" (Gaza: An Inquest into Its Martyrdom)، ويُعلِّل ذلك عبر المثل الإنجليزي الشهير "الشر يكمن في التفاصيل"، ومن ثمّ فإن مواجهة ذلك الشر والتخلص منه يستلزم الاستخدام المنهجي للمنطق والأدلة (1).

صدر الكتاب عام 2018 عن مطبعة جامعة كاليفورنيا الأميركية، وتوفرت نسخته العربية عام 2020 عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت بترجمة "أيمن حداد"، ويأتي في 4 أقسام تقدم توثيقا دقيقا لـ"ما ارتُكب بحق غزة" على حد تعبير "فنكلستاين"، من خلال تناول العمليات العسكرية التي نفذها جيش الاحتلال في غزة ما بين أعوام 2008-2014.

عبر صفحات كتابه، يرصد "فنكلستاين" دوافع تلك العمليات والآثار المترتبة عليها عبر تحليل مجموعة الأدلة المتاحة، ويسلط الكتاب الضوء على عمليتَيْ "الرصاص المصبوب 2008" و"الجرف الصامد 2014″، كذلك مهاجمة سفينة الإغاثة الإنسانية "مافي مرمرة" (Mavi Marmara) من قِبَل قوات البحرية الإسرائيلية في مايو/أيار 2010.

 

مَن هو نورمان فنكلستاين؟

قبل الخوض في تفاصيل الكتاب، دعونا نقدم تعريفا موجزا بالكاتب. "نورمان فنكلستاين" من مواليد بروكلين في نيويورك عام 1953 لأبوين يهوديين، درس التاريخ في كلية بينغامتون، ثم حاز درجة الماجستير عام 1980، ثم الدكتوراه في الدراسات السياسية عام 1988 من جامعة برينستون الأميركية (2). وتجدر الإشارة إلى أن أطروحته لنيل درجة الدكتوراه المعنونة بـ"المسألة اليهودية للدولة اليهودية: مقالة عن نظرية الصهيونية"، مَثَّلت فيما بعد أساسا لكتابه الأول "صورة وواقع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" (Image and reality of the Israel Palestine conflict)، وهو الكتاب الذي وجَّه فيه تحليلا نقديا لكتاب "منذ زمن سحيق" (From time immemorial)، للصحفية الأميركية "جوان بيترز" الصادر عن دار "هاربر" عام 1984، الذي ادّعت خلاله "بيترز" أن الفلسطينيين المعاصرين ليسوا السكان الأصليين لفلسطين.

شغل "فنكلستاين" مناصب تدريسية في جامعات مختلفة، بما في ذلك جامعة نيويورك وكلية بروكلين وكلية هانتر، وعُرف بدفاعه عن حقوق الشعب الفلسطيني وانتقاده ممارسات دولة الاحتلال. ويشير "فنكلستاين" إلى أن اهتمامه بالقضية الفلسطينية جاء على خلفية الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وآنذاك لم يسعه إلا احترام أي شخص يقاوم الاحتلال الأجنبي ويسعى إلى تحرير بلاده.

وفي عام 2003 نشبت معركة أكاديمية بين "فنكلستاين" وأستاذ جامعة هارفارد "آلان ديرشوفيتز"، بعدما نشر الأخير كتابه "القضية بالنسبة لإسرائيل" (The case for Israel)، حيث أشار "فنكلستاين" إلى أن "ديرشوفيتز" سطا على أجزاء من كتاب جوان بيترز "منذ زمن سحيق"، كما شكَّك في أن الكتاب من تأليف "ديرشوفيتز" من الأساس، الأمر الذي دفع الأخير إلى التهديد باتخاذ إجراءات قانونية.

ورغم أن كتاب "ما يفوق الوقاحة" (Beyond Chutzpah) الذي أصدره "فنكلستاين" عام 2005 لم يتضمن اتهام "ديرشوفيتز" بالسرقة الأدبية، واكتفى خلاله بتفكيك حججه المتعلقة بسجل حقوق الإنسان في إسرائيل (3)، فإن "ديرشوفيتز" بدأ في الاتصال بالعديد من موظفي وخريجي جامعة "ديبول" الأميركية (حيث يعمل "فنكلستاين")، في محاولة لمنع الأخير من البقاء في منصبه، مما أدى إلى أن تضعه إدارة الجامعة في إجازة مفتوحة، ثم لم يجد "فنكلستاين" مفرا من تقديم استقالته في سبتمبر/أيلول 2007، رغم الدعم المستمر من طلابه وأغلب زملائه في هيئة التدريس، وفي أعقاب الاستقالة عاد "فنكلستاين" إلى بروكلين حيث يواصل من هناك نشر مؤلفاته.

 

النمط العدواني واستعراض قوة الردع الإستراتيجية الإسرائيلية الحريصة على تصعيد العنف بصفة دورية تقوم بأمور من شأنها أن تستفز المقاومة للردّ، وهو ما تتخذه إسرائيل ذريعة لعمليتها التالية (الفرنسية)

الطبعة العربية من كتاب "غزة: بحث في استشهادها" جاءت بتقديم أستاذ اللغويات الأميركي "نعوم تشومسكي"، الذي يرى أن "فنكلستاين" اعتمد في كتابه على تحليل مجموعة من التقارير والإفادات الحية والدراسات الصادرة عن لجان تحقيق رفيعة المستوى تصل إلى نحو 1500 مصدر. وحسب رأي "تشومسكي"، فإن قراءة "فنكلستاين" تنفرد بمنزلة خاصة بين الجهود والأبحاث التي تناولت الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لأن كتابه يتميز باتساع نطاقه وتحليله النقدي الحاذق.

ويشير "تشومسكي" إلى أن "فنكلستاين" استخلص النمط الأساسي في عدوان إسرائيل المتكرر على قطاع غزة، وهو النمط المتمثل في التزام المقاومة الفلسطينية بوقف إطلاق النار إثر كلّ حرب على القطاع، لكن الإستراتيجية الإسرائيلية الحريصة على تصعيد العنف بصفة دورية تقوم بأمور من شأنها أن تستفز المقاومة للردّ، وهو ما تتخذه إسرائيل ذريعة لعمليتها التالية، ويترافق ذلك مع استخدام آلة الدعاية الصهيونية لتبرير تصرفات إسرائيل ووضعها في سياق "الرد على الإرهاب والانتقام من مرتكبيه".

ويؤكد "فنكلستاين" أن "العمليات الإجرامية التي تشنها إسرائيل على القطاع لا تتعلق بصواريخ المقاومة قدر ما هي قرارات إسرائيلية ناتجة عن حسابات سياسية"، تهدف في المقام الأول إلى ترسيخ فكرة الردع الإسرائيلية وإشاعة الخوف، كذلك تثبيط التنمية في غزة أو "جزّ العشب" وفق التعبير الإسرائيلي، مما يؤدي إلى فقدان مقومات الحياة في غزة، بحيث يصبح أهلها في حالة اعتماد دائم على المُحتل، ومن ثم يكفل ذلك خضوعا للإملاءات الإسرائيلية دون أية مقاومة.

ووفق رأي "فنكلستاين"، يحتل إبراز قدرة الردع مكانة كبيرة في الإستراتيجية الإسرائيلية. وفي هذا الصدد يشير إلى تقرير مراسل صحيفة نيويورك تايمز، "إيثان برونر"، الذي نقل عن مصادر إسرائيلية قولها إن "الشاغل الأكبر في عملية الرصاص المصبوب كان إعادة تأسيس قوة الردع الإسرائيلية، لأن أعداءها باتوا أقل خوفا منها". ويدلل "فنكلستاين" على ذلك بالعودة إلى حرب 1967، مشيرا إلى أن إسرائيل كانت تدرك جيدا أن الرئيس المصري "جمال عبد الناصر" لم يكن عازما على الهجوم، فيما أن المشكلة الحقيقية تمثَّلت في تنامي القومية الثورية في العالم العربي وتناقص الخوف من إسرائيل، مما دفع "أرييل شارون"، الذي كان قائد فرقة عسكرية آنذاك، إلى تحذير أعضاء مجلس الوزراء المترددين في شن ضربة إسرائيلية، وبرر "شارون" ذلك بقوله: "إن سلاحنا الرئيسي هو الخوف منا".

ومنذ عام 2006 صارت إستراتيجية الردع تتلازم ومبدأ آخر يُعرف بـ"عقيدة الضاحية"، وهو تعبير مألوف بين ضباط الجيش الإسرائيلي. ويوضح "فنكلستاين" أن العقيدة تشير إلى استخدام قوة غير متناسبة ضد كل قرية يُطلق منها الرصاص تجاه إسرائيل، مما يتسبب في ضرر ودمار هائلين دون حاجة فعلية. ورغم أن الاحتلال صاغ المذهب بالأساس إبان عدوانه على الضاحية الجنوبية لبيروت، فإنه استفرد بغزة لقمةً سائغةً. وفي هذا الصدد يُبرز "فنكلستاين" تعليق المراسل العسكري الإسرائيلي على قتل 300 فلسطيني في الدقائق الأربع الأولى من عملية "الرصاص المصبوب"، حيث أوضح الأخير أن إسرائيل لا تُخفي حقيقة أنها "ترد على نحو غير متناسب".

 

الحق في الكفاح المسلح لا يوجد قانون يمنع الفلسطينيين من استخدام القوة أو الحصول على الأسلحة من دول صديقة بغرض إنهاء الاحتلال (مواقع التواصل)

أحد التساؤلات المميزة التي يطرحها الكتاب تتعلق بحق الفلسطينيين في استخدام القوة المسلحة بهدف إنهاء الاحتلال. ويبدأ الكاتب في مناقشة ذلك بالإشارة إلى أن الجميع في الغرب، بمَن فيهم منتقدو حصار غزة، أقرّوا بحق إسرائيل في منع وصول الأسلحة إلى الفلسطينيين، قبل أن يفند هذه الرؤية عبر مجموعة من الأدلة القانونية، وهو يورد تصريح محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري عام 2004 المتعلق بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وقد أقرت المحكمة بأن مسألة وجود شعب فلسطيني باتت مسألة محسومة، مما يحتم على إسرائيل احترام حق الفلسطينيين في تقرير المصير. ويشير "فنكلستاين" إلى أن القانون الدولي يحظر استخدام القوة العسكرية من جانب سلطة مهيمنة لقمع ثورة شعبية في مساحة مخصصة لتقرير المصير، وبما أن تلك المساحة في الحالة الفلسطينية تشمل بوضوح مناطق غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، فإن المساعدة المقدمة من الدول لحركات التمرد في تلك المساحة تُعَدُّ أمرا جائزا من الجهة القانونية، وفق رأي أستاذ القانون الدولي الأسترالي "جيمس كروفورد".

ويذهب "فنكلستاين" إلى فرضية أخرى أثناء مناقشة هذا التساؤل، وكأنه أخذ على عاتقه محاصرة كل المزاعم من أجل الوصول إلى إجابة واضحة، إذ يقول إن بوسع المرء أن يزعم أن الوضع القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يندرج ضمن الحق بتقرير المصير، وإنما يخضع لقانون الاحتلال الحربي القائم على قوة البندقية، ووفقا كلامه، فإن الحق في التحرر الوطني هو العُرف القطعي في القانون الدولي، وهو ما يحدد نطاق قانون الاحتلال. أضف إلى ذلك أن رفض إسرائيل للتفاوض من أجل إنهاء النزاع يفقدها أي حقوق قد تُطالب بها بموجب قانون الاحتلال الحربي، وبالتالي فلا يوجد قانون يمنع الفلسطينيين من استخدام القوة أو الحصول على الأسلحة من دول صديقة بغرض إنهاء الاحتلال.

ويفنّد الكتاب محاولات التلاعب التي يمارسها أنصار دولة الاحتلال حين يلومون الفلسطينيين على عدم اعتناق مبادئ الزعيم الهندي "غاندي" والتخلي عن طُرق المقاومة العنيفة. ويشير الكاتب إلى أن "غاندي" صنّف المقاومة القائمة على القوة في مواجهة آفاق مستحيلة باعتبارها مقاومة رمزية تشير إلى رفض الانحناء أمام القوة والرغبة في الموت بكرامة، ومثالا على ذلك، حين يقاوم رجل أعزل التعذيب الذي تُوقعه به عصابة مسلحة، أو حين تصفع امرأة شخصا يحاول اغتصابها. كما أن "غاندي" الذي حث على مقاومة العنف باللا عنف قال أيضا: "إن لم تستطيعوا ذلك فكافحوا العنف بأي وسيلة، حتى لو أدى ذلك إلى إبادتكم تماما. لكن لا يجوز بأي حال أن تتركوا بيوتكم عُرضة للسلب والحرق" (4).

 

مجزرة الحرية السفينة "مافي مرمرة" التي كانت من ضمن سفن الأسطول (المعروف باسم أسطول الحرية) لفك الحصار عن غزة عام 2010 (رويترز)

في مايو/أيار 2010 (5)، انطلقت قافلة من السفن التابعة لمنظمات دولية غير حكومية إلى قطاع غزة بهدف فك الحصار عنه، وكان من ضمن سفن الأسطول (المعروف باسم "أسطول الحرية") السفينة "مافي مرمرة"، التابعة لهيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH)، التي حملت على متنها أكثر من 500 ناشط ومتضامن أغلبهم من الأتراك. وقد انطلق الأسطول من موانئ متعددة في جنوب أوروبا وتركيا، واتُّفِقَ على الالتقاء عند ساحل مدينة ليماسول جنوب قبرص ثم الإبحار باتجاه غزة. وخلال وجود الأسطول في المياه الدولية، تعرضت "مافي مرمرة" لهجوم من قِبَل القوات الخاصة (الكوماندوز) التابعة للبحرية الإسرائيلية، ما أسفر عن مقتل 10 من النشطاء ومنع السفينة من بلوغ غزة.

وأمام ما أثاره الحادث من غضب دولي؛ زعم الاحتلال أن قواته اضطرت للدفاع عن نفسها بعدما تعرضت لهجوم من قِبَل ركاب السفينة، فيما اقتحم جنود الاحتلال مطابخ السفينة وجلبوا من داخلها السكاكين، في محاولة لتضليل الرأي العام وإقناعه بأنهم تعرضوا لهجوم بالسلاح الأبيض مما أدى إلى ردهم بالرصاص الحي. وبلغ التبجح بدولة الاحتلال أوْجه، حين طالب نائب رئيس الوزراء "إيلي يشاي" منح ميداليات لجميع الجنود الذين شاركوا في الهجوم باعتبارهم محاربين يستحقون التكريم.

"فنكلستاين" يتطرق إلى الحادث ويدحض مزاعم الاحتلال، مشيرا إلى أن حملة التشهير الإسرائيلية التي طالت "مافي مرمرة" وادَّعت بأنها سفينة تابعة لمنظمة إرهابية لا تتفق مع توزيع إسرائيل لكتيبٍ معلوماتي قبيل الهجوم بفترة وجيزة، وصفت خلاله هيئة الإغاثة الإنسانية بالمنظمة الحقوقية المهتمة بمناطق الحروب والنزاعات. ويقول "فنكلستاين" إن إسرائيل لم يكن لديها مخاوف بشأن حمولة السفينة، إذ عرضت قيادة السفن إجراء تفتيش من جانب هيئة محايدة للتأكد مسبقا من الطبيعة الإنسانية للحمولة. ويطرح "فنكلستاين" تساؤلا عن أسباب تنفيذ ذلك الهجوم ليلا، وكان الأجدر بالجنود الصعود إلى ظهر السفينة في وضح النهار بمرافقة طاقم من الصحفيين، كي تُظهر إسرائيل نِيَّاتها السلمية للعالم. كذلك لماذا اختار الاحتلال استخدام فرقة خاصة كي تهبط فوق السفينة من المروحيات، وهي طريقة من شأنها أن تؤدي إلى الفزع وإثارة الفوضى؟ ولعل الإجابة عن ذلك السؤال تكمن في نمط التصعيد الذي أوضحه "فنكلستاين"، فعلى الأرجح تعمَّد الجنود استفزاز الركاب وإثارة ذعرهم أملا في أن يؤدي ذلك إلى رد من جانبهم، مما يكفل للجنود ذريعة للهجوم على النشطاء.

يؤكد "فنكلستاين" أن تلك الغارة كانت متعمدة بغرض إرهاب كل مَن يفكر في مد يد العون إلى غزة، كما يشير مجددا إلى عقيدة الردع، موضحا أن البراعة العسكرية الإسرائيلية لم تُثر شعورا بالرهبة أثناء عملية "الرصاص المصبوب" بالقدر الذي كانت تأمل فيه، وبالتالي أرادت استعراض تلك البراعة أمام ركاب مدنيين. ويسوق الكتاب استطلاعا للرأي جرى في العالم العربي عام 2010، أوضح أن 44% من العرب يعتقدون أن إسرائيل أضعف مما تبدو عليه، وهي نتائج من شأنها أن تثير قلق إسرائيل التي تتخذ من التخويف سلاحا أساسيا.

ويسخر "فنكلستاين" من مآل تلك الرغبة الاستعراضية، إذ إن القوات البحرية الخاصة التي تُعَدُّ أفضل وحدة قتالية إسرائيلية سمحت بوقوع 3 أفراد منها في الأسر حين واجهت عددا مماثلا من المدنيين المسلحين بأسلحة ارتجالية، وانتشرت على مواقع الإنترنت صور لهؤلاء وهم يتلقون العلاج من قِبل طاقم السفينة الطبي بعد وقوعهم في الأسر، وبات الانطباع أن السحر تبخر، وأن كل ما يلمسه ذلك الجيش يعود بالأذى على إسرائيل.

————————————————————————

المصادر:

1) كتاب "غزة: بحث في استشهادها Gaza: An Inquest into Its Martyrdom"، نورمان غاري فنكلستاين، 2018.

2)  Guide to the Norman Finkelstein Collection, Center for Brooklyn history.

3)  Reviewed Work: Beyond Chutzpah: On the Misuse of Anti-Semitism and the Abuse of History, Norman G. Finkelstein, Review by: Amal Bishara, JSTOR.

4) Speech at Goalundo, November 1946, collected works of Mahatma Gandhi, Vol 86

5) إسرائيل هاجمتها وقتلت 10 من الأتراك.. قصة سفينة "مافي مرمرة" – موقع الجزيرة – يونيو/حزيران 2022.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: استخدام القوة مافی مرمرة التی ت إلى أن

إقرأ أيضاً:

تقرير: ليلة الآليات المحترقة .. حين تُقصف الأذرع التي تساعد غزة على النجاة

غزة- «عُمان»- بهاء طباسي: في ساعات الليل الأولى من الإثنين، الثاني والعشرين من أبريل 2025، اشتعلت السماء فوق غزة بموجات متلاحقة من القصف، كان الصوت هذه المرة مختلفًا، وكذلك الهدف. لم يكن منزلًا ولا مسجدًا أو حتى مدرسة؛ بل كانت الجرافات والكباشات والآليات الثقيلة هدفًا مباشرًا لصواريخ الاحتلال الإسرائيلي.

غارات تحرق المعدات الثقيلة

«كأنهم يقتلون أذرعنا وأقدامنا»، هكذا وصف محمد الفرا، موظف في بلدية خانيونس، مشهد احتراق كراجه البلدي الذي يحتضن آخر ما تبقى من جرافات. ويضيف لـ«عُمان»، بينما يلف ذراعه المصابة بشاش طبي: «نستخدم هذه الآليات لفتح الطرق، لانتشال الشهداء، لتوصيل المياه، لإزالة الركام.. هم لا يقصفون الآلة، بل يقصفون قدرتنا على التنفس».

في منطقة القرارة شرق خانيونس، استُهدفت جرافات تعود لشركة جورج، كانت تعمل ضمن مشاريع إعادة الترميم في ظل هدنة سابقة سمحت بدخولها. وقد دُمرت بالكامل.

أمّا في جباليا شمال قطاع غزة، فامتدت النيران إلى كراج بلدي آخر، تحوّل إلى رماد بعد أن طالته قذائف الطائرات الإسرائيلية. كان الكراج يضم معدات مصرية أدخلت خلال اتفاقات إنسانية سابقة، لكنها الآن باتت أجزاء محترقة متناثرة.

الدفاع المدني بلا أدوات

«نطفئ النار بصدورنا، ونحفر بأيدينا»، يصرخ أحد أفراد طواقم الدفاع المدني بينما يحاول بصعوبة السيطرة على حريق اشتعل في إحدى الجرافات قرب مجمع السرايا وسط غزة.

يقول الرائد محمد المغير، المسؤول فيرالدفاع المدني في قطاع غزة: «كل المعدات التي نملكها إما أُتلفت أو باتت غير صالحة للاستخدام، نقوم بانتشال الضحايا من تحت أنقاض منازل قُصفت منذ أيام، باستخدام أدوات يدوية».

ويوضح المغير لـ«عُمان»: «الاحتلال يعلم أننا بحاجة لهذه الجرافات لفتح الطرق المغلقة بالركام والنفايات، وللبحث تحت الأنقاض عن أحياء ربما ما زالوا يصارعون الموت. لهذا يستهدفها عمدًا».

ركام فوق الركام

تُظهر الصور الجوية -التي التُقطت فجر اليوم، من طائرات استطلاع غير مأهولة- مساحات واسعة من خانيونس وقد تحولت إلى ساحة فوضى: حفارات محطمة، شاحنات محروقة، وشوارع مملوءة بالركام من جديد بعد أن جُهزت لمرور فرق الإنقاذ.

في شارع الثلاثيني بمدينة غزة، شوهدت نيران مشتعلة تلتهم أرضًا زراعية كانت تأوي ثلاث جرافات، كانت تعمل على توسعة ممر طارئ لوصول المساعدات. الآن، تحولت الأرض إلى مقبرة للأمل.

تقول منى سكيك، وهي مهندسة بقسم الطوارئ في بلدية غزة خلال حديثها لـ«عُمان»: «في كل مرة نعيد ترتيب ركامنا، يأتي الاحتلال ليبعثره من جديد»،

وتشير إلى صور كانت قد التقطتها لجرافة بلون أصفر فاقع قبل أن تُقصف بساعات: «كان زميلنا هاني يقول إن هذه الجرافة ستُسهم في إنقاذ حياة مئات الأشخاص. لم يعلم أنها ستُدمر بهذه الطريقة، كي لا ننقذ أحدًا».

سياسة الأرض الميتة

ما يحدث لا يبدو عشوائيًا، بل هو تنفيذ دقيق لسياسة إسرائيلية قديمة متجددة، تهدف إلى تدمير أي مقومات لحياة مدنية. يقول الدكتور نائل شعث، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة: «الاحتلال لا يكتفي بقتل الناس، بل يقتل القدرة على الترميم والبقاء».

ويضيف لـ«عُمان»: «استهداف الجرافات جزء من سياسة الأرض المحروقة، التي تهدف إلى إفراغ المناطق من السكان، ومنع العودة إليها، عبر نسف كل أدوات الحياة فيها. إذا استمرت هذه الحملة أسبوعًا آخر، سنشهد تكرارًا لنموذج شمال القطاع: تدمير كامل وتفريغ سكاني».

هذا الرأي يوافقه المحلل العسكري الفلسطيني عبد الحكيم عبد العال، الذي قال في اتصال هاتفي لـ«عُمان»: «استهداف الجرافات يهدف للسعي لإفقاد قطاع غزة القدرة على فتح الشوارع المغلقة بالركام والنفايات، والبحث تحت الأنقاض وما إلى ذلك، وبالتالي رفع حاجة القطاع لتفاهمات تسمح بإدخال معدات جديدة».

غزة تقاوم بيديها

في ميدان فلسطين وسط مدينة غزة، اجتمع عشرات الشبان بعد الفجر، بعضهم يحمل معاول، وآخرون يحملون أكياس رمل. لا جرافات ولا شاحنات. فقط سواعد نحيلة تقاوم جبلًا من الحطام.

يقول وسام الشريف لـ«عُمان»، وهو متطوع في إحدى مجموعات الطوارئ: «كلما أُبيدت آلية، يظهر عشرة شبان يعوضونها بأجسادهم. الاحتلال يحاول تحطيمنا نفسيًا، لكنه لا يعرف أننا نحن من نصنع الجرافة».

في شارع عمر المختار، سار طابور من الأطفال وهم يحملون أوعية مياه صغيرة يملؤون بها حفرًا غمرها الغبار، في محاولة بائسة لجعل الطريق سالكًا.

وفي مستشفى الشفاء، روت الطبيبة أميرة أبو جامع كيف اضطروا لنقل جرحى في عربات يدوية بعد أن استُهدفت شاحنة الإسعاف الخاصة بهم. تقول لـ«عُمان»: «حتى الحركة لإنقاذ الناس أصبحت عذابًا، وكل ما نملكه هو الصبر».

كراجات الموت المؤجل

تشير الإحصائيات الأولية الصادرة عن وزارة الأشغال العامة بغزة إلى أن أكثر من 40 آلية ثقيلة تم تدميرها خلال ليلة واحدة فقط. وشملت الغارات كراجات البلديات في جباليا، وخانيونس، ومدينة غزة، إضافة إلى معدات شركات خاصة مصرية كانت تعمل على إعادة فتح الشوارع بعد الهدنة.

وقد أكد الرائد محمود بصل، مدير الدفاع المدني في غزة، في تصريح لـ«عُمان»: «إننا أمام نكسة كبيرة في قدراتنا التشغيلية، ونحتاج بشكل عاجل إلى دخول معدات بديلة. الاحتلال يدرك أن هذه المعدات لا تُستخدم في الحرب، بل في ترميم آثارها، ومع ذلك يستهدفها بمنهجية».

في جباليا، قال سامر النجار، عامل سابق في كراج البلدية: «كنت أنام في الكراج بجوار الجرافة التي أعمل عليها، واليوم أراها مدمرة، وكأنني فقدت جزءًا من جسدي».

تصعيد غير مسبوق

جنوبًا، وتحديدًا في مناطق قيزان رشوان وقيزان النجار بخان يونس، سُجّلت انفجارات متتالية بفارق زمني لا يتجاوز أربع ثوانٍ، هزّت الأرض وأطلقت سحبًا كثيفة من الدخان.

«هذه الانفجارات لم أشهدها منذ بداية الحرب» يقول أيمن النجار من سكان المنطقة لـ«عُمان»: «كانت الأرض ترتجف كأن زلزالًا يضربنا. ثم رأينا النيران تبتلع كل شيء».

وأعلنت وزارة الصحة في غزة عن سقوط 17 شهيدًا بينهم خمسة أطفال، جراء هذه الغارات المكثفة التي لم تبقِ مكانًا آمنًا جنوب القطاع.

رسالة الاحتلال: لا ترميم

يرى مراقبون أن الرسالة واضحة: لا ترميم، لا إعادة إعمار، لا حياة. فالاحتلال لا يكتفي بالقتل، بل يستهدف أدوات النجاة.

وقال الناشط الحقوقي علاء الديري: «استهداف الجرافات انتهاك مزدوج، لأنه يحرم الجرحى من الوصول للمستشفيات، ويمنع إخراج جثامين الشهداء من تحت الأنقاض، وهو أمر تجرّمه اتفاقيات جنيف».

وأضاف لـ«عُمان»: «نحن أمام جريمة مركبة، لا تستهدف المدنيين فقط، بل تستهدف قدرتهم على التعامل مع المأساة».

مقالات مشابهة

  • تفاصيل كمين حي الشجاعية برواية الجيش الإسرائيلي.. ما الذي حصل؟
  • استشهاد 5 فلسطينيين في قصف الاحتلال الإسرائيلي وسط قطاع غزة
  • ‏"معاريف" الإسرائيلية نقلًا عن مسؤولين عسكريين: لا علاقة للجيش الإسرائيلي بالانفجار الذي وقع في إيران
  • إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟
  • “الإعلامي الحكومي” يحذر من صفحات مشبوهة تنشر الأكاذيب في غزة
  • فتاة تروي العنف الذي تعرضت له من زوجها بسبب الميراث.. فيديو
  • تقرير: ليلة الآليات المحترقة .. حين تُقصف الأذرع التي تساعد غزة على النجاة
  • تظاهرات في اليابان ضد جرائم الاغتصاب التي يرتكبها جنود أميركيون
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • استشهاد 8 فلسطينيين إثر قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلًا شمال غزة