في كتابها "السينما الإسرائيلية: تمظهرات الشرق والغرب Israeli Cinema: East/West and the Politics of Representation" تقول الباحثة الأكاديمية الإسرائيلية "إيلا شوحط" والتي تعرف نفسها بوصفها "يهودية عربية" ناقدة للصهيونية، أن السينما في إسرائيل في نشأتها اتبعت نفس مسار الأدب العبري الحديث الذي نشأ في فلسطين مع موجات الهجرة الصهيونية الأولى في نهايات القرن التاسع عشر ، حيث يتركز بالأساس حول شخصيات رائدة تقوم بإحياء أرض صحراوية مُقفرة خالية من السكان.



بينما بعد عقود فقط يتفجر الحضور العربي على شكل قصص عنف من الهمج البربريين وهي القصص التي أمنت لليهودي دوره في سينماه كشهيد، الذي ينتهي الفيلم دومًا بانتصاره انتصارًا منطقيًا وبديهيًا، هو انتصار الحضارة الغربية على الشرق المُتوحش. 

تُعد دراسة "شوحط" غاية في الأهمية لكونها صادرة عن أكاديمية تنتمي إلى تيار "ما بعد الصهيونية" والذي ينتقد المشروع الصهيوني ودولة إسرائيل، وأيضًا لمكانتها الأكاديمية والتي مكنتها من الإطلاع على العديد من الأفلام في الأرشيف الإسرائيلي والتي لم يتسنى للعرب مشاهدتها من قبل رغم أنهم أطراف فيها. وإلى جانب كتاب "شوحط" الهام، يأتي الفيلم الوثائقي "A History of Israeli Cinema" عن تاريخ السينما الإسرائيلية، والذي قدمه المخرج اليهودي الفرنسي "رافائيل نجار" عام 2009 كوثيقة تاريخية هامة تتيح للمشاهد العربي عددًا من اللقطات واللقاءات مع صناع سينما إسرائيلية يتحدثون فيها عن الصناعة وكيف رأت العرب والفلسطينيين.


بحثًا عن بداية
يُعتبر التاريخ الحقيقي لبداية سينما روائية طويلة في إسرائيل هو العام 1932 حين أنتج المخرج البولندي "ألكسندر فورد" فيلم "صبار" عن الجيل الأول للمهاجرين الصهاينة الذي يُسارع العرب على "نبع ماء" رمزية عن صراع الطرفان عن الأرض. وأعقب فيلم صبار عددًا من المحاولات السينمائية التي كان أغلبها تسجيليًا ولم تلق نجاحًا كبيرًا مثل فيلم "صبار".

وفي أعقاب إعلان الكيان إقامة دولته عام 1948 بدأت مرحلة أخرى في السينما الإسرائيلية وهي مرحلة أكثر مأسسة ودعمًا وتنظيمًا بالطبع بعد أن كان الصرف على السينما في بدايتها خاضعًا للتبرعات وأحلام المستوطنين الصهاينة. وفي عام 1954 سنت حكومة بن جوريون قانون تشجيع الإنتاج السينمائي وكان فيلم "التل 24 لا يرد" في العام 1955 هو باكورة أعمال السينما الإسرائيلية المؤسسة وقُدم الفيلم باللغة الإنكليزية ليكون ذو خطاب عالمي في وقت كانت إسرائيل تستهدف فيه شرعنة دولتها المُقامة حديثًا.

يُصور فيلم "التل 24" العرب بوصفهم عصابات بدوية متكالبة تحيط بجيل "السابرا" وهو الجيل الذي وُلد في فلسطين من آباء مُهاجرين والذي يحاول إنشاء وطنًا له ويقدم صورة عن استبسال جنود "الهاغاناه" في وجه البرابرة العرب، وينتهي الفيلم بنصر إسرائيلي وبكلمة "البداية" التي تظهر على الشاشة بدلًا من كلمة "النهاية" لترمز إلى بداية الحلم الصهيوني على جثث ودماء شهدائه من المؤسسين.


نازيون وهنود حمر
 وفي أعقاب فيلم التل ظهرت مجموعة من الأفلام التي تُركز على صراع الصهاينة الحالمين مع العرب مثل فيلم "خمسة أيام في سيناء" والذي صور في أعقاب حرب الستة أيام، وفيلم "كانوا عشرة" وفيلم "عامود النار" الذي يتحدث عن حكاية الكيبوتس الصغير الذي تأسس في الجنوب الذي يُصعق سكانه حين يجدون أنفسهم معزولون في مواجهة دبابات مصرية ومجموعة من فدائيو فلسطين.

في ذلك الفيلم، استعاد المخرج الأمريكي "لاري فريش" طريقة أفلام "الويسترن" الأمريكية فقرر أن يقدم أحداث الفيلم على تلك الشاكلة، فتظهر هنا صورة رمزية للفلسطينيين مثل صورة "الهنود الحُمر" الهمجيين الذين يعتدون على أراضي الفاتح "الأبيض" الذي يحاول تعمير تلك الصحراء المُقفرة ونشر الحضارة بداخلها.

ولا يتعدى ظهور العرب في هذا الفيلم أكثر من كونهم أشباحًا غير مُحددة الملامح يُطاردها الصهاينة البواسل. بل كان واضحًا في بعض الأفلام أن العرب عبارة عن جراثيم يُجدر بمؤسسي المشروع الصهيوني التخلص منها نهائيًا مثل فيلم الممثل "آوري ليفي" قصة فلسطين عام 1962 والذي قُدم العرب فيه بوصفهم قبائل وثنية وبدوية يُعلق عليها الراوي قائلًا: "لا يُمكن بأي حال من الأحوال أن تكون تلك أرضنا المشتهاة ما دام هؤلاء يقيمون فيها!". 

قدمت السينما الإسرائيلية أيضًا العرب بوصفهم "نازيين" مستعيدة ذكرى "الهولوكوست" لتدغدغ المشاعر الأوروبية التي تُشاهد السينما الإسرائيلية، ولم تكن الأفلام الإسرائيلية البحتة لتلقى نجاحًا ورواجًا كبيرًا، لذلك كان هناك اتجاهًا للإستعانة بالإنتاجات المشتركة والأبطال العالميين خاصة بعد نجاح فيلم "الخروج" 1960 للممثل بول نيومان والذي يحكي قصة قيام إسرائيل وقد حاز جائزة للأوسكار.

وقدم الفيلم العرب على اتصال بالنازيين حيث كان أحد المهندسين النازيين هو من يخطط لهم هجماتهم التي ينفذونها على المواقع الإسرائيلية. وفي العام 1966 استعانت السينما الإسرائيلية بالممثلة الإيطالية الشهيرة آنذاك "صوفيا لورين" لتلعب دور "جوديث" والتي يحمل الفيلم اسمها أيضًا، وهي زوجة أحد الضباط النازيين السباق في وحدة الـ SS والتي يتم تهريبها لإسرائيل من أجل أن تكشف عن هوية زوجها الذي يساعد العرب في حرب 1948. 


الأثر الاستشراقي
وإلى جانب ذلك كله، حرصت السينما الإسرائيلية على تقديم صورة لطبيعة العربي الشريرة، حيث قُدمت في العديد من الأفلام بوصفها شخصية تتضمن القسوة الصرفة لا يتطلب العنف الصادر عنها تفسيرًا لأنه يتأصل فيها بالطبع، وكانت تلك الأفلام تغرض إلى تجاهل الإجابة عن سؤال "لماذا يفعل العرب ذلك؟" لصالح "أن العرب يفعلون ذلك لأنها سماتهم" فلقد ظهر العرب مدمرين وُمفجرين لمدارس الأطفال في فيلم "دان وسعادية" كما في فيلم "فاصل" والذي يناقش قصة اثنين من العرب اللذان اغتصبوا مجندة صهيونية تُدعى "مريم" والتي ينُقذها ويثأر لها حبيبها "جدعون" الجندي الصهيوني الخارق، وفي كل هذه الأفلام كانت السينما الصهيونية امتدادًا طبيعيًا للفكر الاستشراقي ونظرته إلى العرب فالصهاينة لم يكونوا سوى مهاجرين أوروبيين، فبالإضافة إلى حس التعالي الغربي المعروف نجد مستويات عالية من الكراهية وسوء الظن والعنصرية، وتفعل السينما هنا ما لا يتأتى للسياق الأكاديمي الجاف فعله، حيث تنقل تلك المشاعر بيسر إلى المشاهد. 

لقد ظلت تلك الصورة عن "العرب" في قصة تأسيس الدولة كما يراها "الصهاينة" هي السائدة طيلة فترة العقود الثلاث العقود الأولى والتي حكم فيها حزب "ماباي" إسرائيل وستبدء صورة العربي في التغير مع نهاية عام 1979 في فيلم "خربة وخزعة" ثم سيبدء ظهور تيار جديد في المجال الأكاديمي الإسرائيلي بصفة عامة سيؤثر على الأغاني والمسرح والسينما والبحث التاريخي في إسرائيل وهو تيار عُرف باسم "ما بعد الصهيونية" وفي السينما عُرف باسم "تيار الحساسية" والذي سينتبه لقضايا تقديم الشرقيين بصفة عامة بما فيهم اليهود المزراحيين اليمنيين والمغاربة. 

وسيكون مراجعة الموقف تجاه العرب والفلسطينيين وتقديمهم في السردية السينمائية هو محل الشك في ذلك التيار السينمائي والذي انتقل بالسينما الإسرائيلية أساسًا إلى مصاف المهرجانات السينمائية العالمية وأثار جدلًا كبيرًا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير السينما الحضور العربي صورة السينما الفلسطيني صورة الحضور العربي سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ت السینما الذی ی التی ت

إقرأ أيضاً:

أوكرانيا والدرس الذي على العرب تعلمه قبل فوات الأوان

ليست السياسة إلا ترجمة لموازين القوى، ومن لا يملك القوة لا يملك القدرة على فرض موقف أو الحفاظ على تحالف؛ وليس هناك درس أشد وضوحا لهذا المبدأ من المشهد الذي جرى في البيت الأبيض بين الرئيس الأوكراني زيلينسكي والأمريكي ترامب.. كانت وعود أمريكا ودعمها يتهاوى ويتكشف المشهد عن حقيقة طالما أنكرها البعض ممن راهن على الحماية الخارجية وهي أن المصالح هي القانون الأوحد في العلاقات الدولية خاصة في زمن تآكلت فيه القيم والمبادئ وعادت إلى المشهد بشكل واضح حقبة البقاء للأقوى.

ما حدث للرئيس الأوكراني هو استعراض أمام العالم لما يمكن أن يفعله الأقوى بالضعيف أو الذي يبدو ضعيفا، حتى لو بدا وكأنه حليف استراتيجي، ما دام لا يملك ورقة تفاوضية، يُمكن المساومة عليها. بدا وكأن زيلينسكي لم يكن رئيس دولة، بل متهم في قفص ترامب، مطالبا بإثبات ولائه وتقديم التنازلات المطلوبة.

لكن هذا المشهد رغم مرارته ورغم أنه النموذج الذي لا بد أن يقرأ وفقه المستقبل يستحق أن تستخلص منه الدروس والعبر وخاصة بالنسبة للعالم العربي.

إن الحقيقة التي باتت واضحة ولا جدال فيها أن السياسة الأمريكية، كما كشفتها هذه الواقعة، لم تعد تُدار وفق المبادئ التي روّجت لها طيلة عقود: الدفاع عن الديمقراطية، حماية الحلفاء، نصرة الشعوب المضطهدة، بل هي اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، صفقة تجارية بحتة، يُقدَّم فيها الدعم وفق معادلة حسابية واضحة: كم ستدفع؟ وماذا ستقدّم في المقابل؟

ليس هذا وليد اللحظة، لكنه بلغ حد الخروج عن الأعراف الدبلوماسية التي تحكم العلاقات الدولية، حيث جرى تسليع التحالفات علنا، دون مواربة أو تجميل. وحين ينظر العرب إلى ما جرى مع أوكرانيا، عليهم أن يتساءلوا، إذا كانت واشنطن قد تخلّت عن أوكرانيا، وهي في قلب المعركة، فكيف يمكن لدول أخرى أن تثق في التزاماتها؟ وإذا كانت المصالح الاقتصادية هي التي تحكم، فأين يقف العرب في هذه المعادلة؟

لا يبنى القرار السياسي الاستراتيجي على استشعار العاطفة أو على حسن الظن، فحين جرى توقيع اتفاقية سايكس بيكو، وحين قُسمت فلسطين، وحين سقطت بغداد، وحين تُركت ليبيا وسوريا لمصيرهما، كان الدرس ذاته يتكرر: من لا يملك قراره، لا يملك مصيره.

وأكبر خطأ تقع فيه الدول هو الاعتقاد بأن هناك «حليفا دائما»، بينما الحقيقة أن هناك فقط مصالح دائمة يتم الموازنة بين أفضلها كل حسب قيمته في لحظة الموازنة، ولذلك لا بد أن تعي الدول العربية أن المصالح الحيوية والاستراتيجية لا تُحمى بالوعود إنما بالقدرة الذاتية على فرض الإرادة.

ولذلك لا خيار أمام الدول العربية من أن يكون لديها أدوات القوة التي تتمثل بدءا في الشعور بالتكامل وحقيقة المصير المشترك ثم بالاقتصاد القوي المستقل فمن يعتمد على الآخرين في رزقه، لا يستطيع الاعتراض على شروطهم، وببناء تكنولوجيا متطورة في كل الجوانب بما في ذلك الجوانب العسكرية حتى تستطيع هذه الدول الدفاع عن نفسها دون وصاية أو حماية من أحد وبناء تحالفات قائمة على فكرة الندية وليس التبعية لأن الدول الكبرى تحترم من يفرض احترامه، لا من يستجديه. ثم إن على العالم العربي أن يعمل جادا على بناء وعي سياسي ووعي ثقافي وإرادة جماعية تنطلق من رؤية هذه الدول باعتبارها كيانا مترابط التاريخ وتحيط به الأخطار نفسها وينتظره نفس المستقبل.

وإذا كانت السياسة لا تعترف بالفراغ الذي إن لم تملأه أنت ملأه غيرك فإن على العالم العربي أن يدرك أمام كل هذه الأخطار التي تحيط به وهذه التجارب التي تقدم له بالمجان أن مكانه في الخارطة لا يحدد فقط بموقعه الجغرافي، بل بمدى قدرته على امتلاك قراره بعيدا عن حسابات الآخرين. وهذه لحظة مفصلية لا بد أن يعي فيها الجميع الدرس.

مقالات مشابهة

  • تحذير جنبلاط من المكائد الإسرائيلية.. ما الذي يخشاه البيك؟!
  • جنبلاط : الصهيونية تستخدم الدروز لقمع الفلسطينيين وتريد التمدد لسوريا
  • ليون: بن العمري هو اللاعب العربي الوحيد الذي حمل الرقم 3
  • ليون :”بن العمري اللاعب العربي الوحيد الذي حمل رقم 3 “
  • أوكرانيا والدرس الذي على العرب تعلمه قبل فوات الأوان
  • مؤسسة النفط الليبية تطالب برفع وتيرة الإنتاج في شركة "الخليج العربي"
  • مناقشة رفع معدلات الإنتاج في شركة «الخليج العربي للنفط»
  • مسعود سليمان يناقش آليات دعم رفع معدلات الإنتاج في شركة الخليج العربي للنفط
  • التقاطع المزراحي الفلسطيني الذي لا يتحدث عنه أحد
  • «الخليج العربي» تُكرّم رئيس مؤسسة النفط على جهوده في تعزيز الإنتاج