غسان أبو ستّة لأثير الجزيرة: استهداف المنظومة الصحية بغزة من أدوات التطهير العرقي
تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT
اتهم الطبيب الفلسطيني، الدكتور غسان أبو ستّة، إسرائيل بمحاولة تنفيذ تطهير عرقي في قطاع غزة، معتبرا أن استهداف المنظومة الصحية هو من أخطر الأدوات التي يستخدمها الاحتلال في هذا الإطار.
وفي حوار مع بودكاست "البلاد" على منصة "أثير" بشبكة الجزيرة، قال أبو ستة، الذي نجى من مجزرة المستشفى المعمداني بغزة، إن القائمين على المنظومة الصحية في القطاع كان لديهم "قرار وطني" بعدم إخلاء المستشفيات، لإدراكهم بأن الرضوخ لإخلائها هو بمثابة المشاركة في جريمة التطهير العرقي.
وحذر أبو ستّة من سعي إسرائيل وحلفائها لخلق واقع في قطاع غزة يُمكّن الاحتلال، بعد وقف إطلاق النار، من تحقيق أهدافه التي عجز عن تحقيقها خلال الحرب.
وأوضح بأن ذلك الواقع يتمثل بخنق مقومات الحياة الأساسية، ومنع إعادة الإعمار، وبالتالي حرمان الجرحى من العلاج داخل قطاع غزة، ودفع النّاجين من الحرب إلى الهجرة بشكل تدريجي.
واعتبر أبو ستّة أن فلسطين تمثّل الحالة المتبقيّة في العالم لنهج "الاستعمار الاستيطاني الإحلالي، المبني على فكرة استبدال السكان الأصليين بمستعمرين، وعلى منطق الإبادة، عاجلا أو آجلا".
وأضاف: "منطق الإبادة الذي توقف عام 1948، تم استئنافه بهذه الحرب".
وأدلى أبو ستّة بشهادات شخصية من غرف العمليات، بما في ذلك إجراء عمليات تنظيف لجروح غائرة دون تخدير أو مسكّنات، الأمر الذي شمل جرحى أطفالا، وذلك في ظروف إنسانية مؤلمة للطفل ولذويه وللطبيب على حد سواء.
أصعب التجاربوفي تعليقه على إجراء العمليات الجراحية دون تخدير، قال أبو ستّة إن الطبيب يشعر في تلك الأثناء بأنه "مجرم"، وأضاف: "صعب أن تسمع صراخ أي إنسان بينما تتسبب أنت بآلامه، حتى لو بسبب الحاجة.. كانت هذه من أصعب التجارب".
وتابع: "لم يكن هنالك بديل، فخلال أسبوعين إلى 3 أسابيع من الحرب كان (مخزون) المورفين قد انتهى، وأصبحنا نعطي من هم في غرف العمليات مسكن البانادول.. عمليات مؤلمة لم تتوافر مسكّنات مناسبة لها".
كما تحدث أبو ستّة عن حالات التعرض للحروق الناجمة عن قذائف الفسفور الأبيض والقنابل العنقودية والمتشظّيّة، وغيرها من الأسلحة التي تم استخدامها في ضرب الأهداف المدنية بها في القطاع.
وأعرب في هذا الإطار عن اعتقاده بأن الصاروخ الذي تم استخدامه في استهداف المستشفى الأهلي المعمداني هو من طراز "Hellfire R9X" الأميركي المعروف باسم "نينجا"، بالنظر إلى أنواع الإصابات وأشكال البتر التي أحدثها في أجساد الضحايا.
وأضاف بأن النمط ذاته من الإصابات تكرر بعد ذلك جراء عمليات قصف أخرى، مما قد يشير إلى تكثيف إسرائيل استخدام ذلك الصاروخ بعد الهجوم على المعمداني.
ولفت أبو ستّة، الذي شهد على عدة حروب داخل غزة وخارجها، إلى أن الجروح من شأنها أن تقدم قراءة دقيقة للحروب والأسلحة المستخدمة فيها.
تجريب أسلحةوقال الطبيب الفلسطيني إن الاحتلال يقوم بتجريب أحدث أسلحته خلال الحروب، بما في ذلك الحرب الجارية في قطاع غزة، معتبرا أنه سلوك تقليدي لدى إسرائيل.
وفي سياق حديثه عن حالة التضامن بين أهالي غزة، أشار أبو ستّة إلى حالات الرعاية الكبيرة لأطفال جرحى أو مرضى كانوا في المستشفيات، بينما كان جميع أهاليهم قد استشهدوا، واستدرك بالقول إن مستشفى الشفاء وحده لدى إخلائه كان يضم نحو 120 طفلا مصابا لم يتبق لديهم أقارب من الدرجة الأولى على قيد الحياة.
وبشأن خروجه من غزة، قال أبو ستّة إنه أدرك بعد النزوح من شمال القطاع بأن انهيار المنظومة الصحية قد وصل إلى درجة أن الأمر لم يعد يتعلق بتوافر الجرّاحين، بل بوفرة غرف العمليات وأساسيات العمل الطبي.
وقال: "قضيت آخر يومين أعمل في تغيير الضمادات والإسعاف الأوّلي، ولم أكن قادرا على إجراء عمليات، وهو ما دفعني إلى اتخاذ القرار الصعب، إذ لم يعد لوجودي أي فائدة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المنظومة الصحیة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
حملة مشبوهة ضد المقاومة بغزة.. من يقودها ومن المستفيد؟
الثورة / متابعات
في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ أكثر من 18 شهرًا، شهدت الساحة الفلسطينية محاولات منظمة لتحريض الرأي العام ضد المقاومة ومحاولة زعزعة الحاضنة الشعبية.
وتأتي هذه الحملات التي يقودها الاحتلال وتنخرط فيها أطراف محسوبة على السلطة الفلسطينية وحركة فتح، التي غابت عن المشهد طوال فترة الحرب، ثم عادت لتوظيف أدواتها الإعلامية في تحريض الشعب الفلسطيني ضد فصائل المقاومة، في تماهِ واضح مع الخطاب الإسرائيلي. فكيف تفسَّر هذه المحاولات؟ ومن المستفيد منها؟
تحريض إعلامي متماهِ مع الاحتلال
منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، كثفت جهات في حركة فتح والسلطة هجماتها الإعلامية على المقاومة، متجاهلة الجرائم الإسرائيلية المستمرة بحق الفلسطينيين.
المثير للدهشة أن هذا الخطاب يتناغم بشكل كبير مع التصريحات الإسرائيلية، حيث استغل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو التظاهرات الشعبية في غزة ليزعم أنها دليل على نجاح سياسات إسرائيل، كما دعا وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس سكان القطاع للخروج في مظاهرات ضد حماس.
وانطلقت قبل يومين تظاهرة في شمال غزة نادت لوقف الحرب والإبادة، وسرعان ما دخل على خطها مجموعة من الأفراد الذين رددوا هتافات مسيئة للمقاومة والشهداء الأبطال.
وأفردت القنوات العبرية وقنوات موالية لها مساحات واسعة للتغطية الإعلامية لحملات التحريض ضد المقاومة، واستضافت شخصيات محسوبة على فتح وأعطتها منصة للهجوم على حماس والمقاومة وتبرير إبادة الاحتلال، وهو ما يؤكد استغلال الاحتلال لهذه الأحداث لمحاولة تفجير الجبهة الداخلية في غزة.
وعمل هاربون من غزة، على تأجيج التحريض ونشر فيديوهات مفبركة لتظاهرات قديمة وضخ دعوات لتظاهرات جديدة كان اللافت أنها تجاهر بأنها ضد المقاومة وتتجاهل أصل السبب في الإبادة المستمرة منذ 18 شهرًا.
استغلال المعاناة لضرب وحدة الصف الفلسطيني
يرى مراقبون أن السلطة الفلسطينية تحاول توجيه الغضب الشعبي الناتج عن العدوان الإسرائيلي نحو المقاومة بدلاً من تحميل الاحتلال المسؤولية الحقيقية عن الكارثة الإنسانية التي يواجهها الفلسطينيون.
وفي هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي ذو الفقار سويرجو أن الشعب الفلسطيني أصبح أكثر وعيًا بهذه المحاولات، مشيرًا إلى أن الاحتجاجات في غزة لم تكن رفضًا للمقاومة، بل صرخة غضب من المعاناة المتفاقمة بسبب الحرب.
وأضاف سويرجو في تصريح صحفي أن محاولة السلطة استغلال هذه الاحتجاجات للتحريض ضد المقاومة ستفشل، لأنها تتجاهل حقيقة أن الاحتلال هو من يمارس القتل والتدمير، مؤكدًا أن الأولى بفتح والسلطة توجيه هجومها نحو حكومة الاحتلال، بدلاً من تأجيج الخلافات الداخلية.
دور الإعلام الإسرائيلي في التحريض
وكشف الصحفي الإسرائيلي هاليل روزين، من القناة الـ14 العبرية، أن حكومة الاحتلال تراهن على الضغوط الداخلية في قطاع غزة كبديل عن الحرب البرية.
ويرى مراقبون أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى إشعال الانقسام الداخلي الفلسطيني، لإضعاف المقاومة وتهيئة الأجواء لأي ترتيبات سياسية مستقبلية تخدم المصالح الإسرائيلية.
مواقف فلسطينية ترفض التحريض
من جانبه، أدان القيادي الوطني عمر عساف محاولات “الاستغلال الرخيص” لمعاناة سكان غزة، مؤكدًا أن الإعلام الإسرائيلي وأذرعه يحاولون تأجيج الشارع الفلسطيني لضرب وحدة الصف الوطني.
وأضاف عساف أن الشعب الفلسطيني مُجمِع على خيار المقاومة، وأن أي محاولات لتحريضه ضدها لن تنجح، لأن الجميع يدرك أن الاحتلال هو العدو الحقيقي، وأن أي محاولات داخلية لضرب المقاومة تصب فقط في مصلحة إسرائيل.
وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، تحاول بعض الأطراف الداخلية استغلال معاناة الشعب الفلسطيني في غزة لضرب المقاومة وتشويه صورتها.
لكن الوعي الشعبي الفلسطيني يبقى الحاجز الأكبر أمام هذه المخططات، حيث يدرك الفلسطينيون أن الاحتلال هو العدو الحقيقي، وأن وحدة الصف هي السلاح الأقوى في مواجهة الجرائم الإسرائيلية.
أوسع من التنسيق الأمني
في الأثناء، قال الكاتب الصحفي عبدالرحمن يونس إن محاولات السلطة الفلسطينية وحركة فتح لتأجيج الرأي العام في غزة ضد المقاومة تأتي في سياق أوسع من التنسيق الأمني والسياسي مع الاحتلال الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن هذه التحركات ليست جديدة، لكنها باتت أكثر وضوحًا في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر.
وأضاف يونس أن “السلطة غابت عن المشهد الفلسطيني طوال فترة الحرب، ولم تقدم أي دعم حقيقي لأهالي غزة، لكنها اليوم تعود فقط لتحريض الشارع ضد المقاومة، متناسية أن الاحتلال هو من يمارس الإبادة بحق الفلسطينيين.”
وأشار إلى أن الإعلام العبري يروج لهذه الحملات التحريضية، مما يؤكد وجود تماهي بين الخطاب الإعلامي للسلطة وخطاب الاحتلال، موضحًا أن “نتنياهو نفسه استشهد بالاحتجاجات في غزة ليبرر استمرار الحرب، وهذا دليل على أن هناك من يخدم الأجندة الإسرائيلية من الداخل الفلسطيني.”
وأكد يونس أن “الشعب الفلسطيني يدرك تمامًا هذه الألاعيب السياسية، ولن يقع في فخ تحميل المقاومة مسؤولية ما يجري، لأن الاحتلال هو العدو الأول والأخير، والمقاومة هي الخيار الوحيد أمام شعب يتعرض للقتل والدمار منذ عقود.”
وختم بقوله: “السلطة بدلًا من أن توجه سهامها نحو الاحتلال، تهاجم المقاومة وتروج لرواية الاحتلال، وهذا سقوط سياسي وأخلاقي ستكون له تبعات على المشهد الفلسطيني برمته.”