اتهم الطبيب الفلسطيني، الدكتور غسان أبو ستّة، إسرائيل بمحاولة تنفيذ تطهير عرقي في قطاع غزة، معتبرا أن استهداف المنظومة الصحية هو من أخطر الأدوات التي يستخدمها الاحتلال في هذا الإطار.

وفي حوار مع بودكاست "البلاد" على منصة "أثير" بشبكة الجزيرة، قال أبو ستة، الذي نجى من مجزرة المستشفى المعمداني بغزة، إن القائمين على المنظومة الصحية في القطاع كان لديهم "قرار وطني" بعدم إخلاء المستشفيات، لإدراكهم بأن الرضوخ لإخلائها هو بمثابة المشاركة في جريمة التطهير العرقي.

وحذر أبو ستّة من سعي إسرائيل وحلفائها لخلق واقع في قطاع غزة يُمكّن الاحتلال، بعد وقف إطلاق النار، من تحقيق أهدافه التي عجز عن تحقيقها خلال الحرب.

وأوضح بأن ذلك الواقع يتمثل بخنق مقومات الحياة الأساسية، ومنع إعادة الإعمار، وبالتالي حرمان الجرحى من العلاج داخل قطاع غزة، ودفع النّاجين من الحرب إلى الهجرة بشكل تدريجي.

واعتبر أبو ستّة أن فلسطين تمثّل الحالة المتبقيّة في العالم لنهج "الاستعمار الاستيطاني الإحلالي، المبني على فكرة استبدال السكان الأصليين بمستعمرين، وعلى منطق الإبادة، عاجلا أو آجلا".

وأضاف: "منطق الإبادة الذي توقف عام 1948، تم استئنافه بهذه الحرب".

وأدلى أبو ستّة بشهادات شخصية من غرف العمليات، بما في ذلك إجراء عمليات تنظيف لجروح غائرة دون تخدير أو مسكّنات، الأمر الذي شمل جرحى أطفالا، وذلك في ظروف إنسانية مؤلمة للطفل ولذويه وللطبيب على حد سواء.

أصعب التجارب

وفي تعليقه على إجراء العمليات الجراحية دون تخدير، قال أبو ستّة إن الطبيب يشعر في تلك الأثناء بأنه "مجرم"، وأضاف: "صعب أن تسمع صراخ أي إنسان بينما تتسبب أنت بآلامه، حتى لو بسبب الحاجة.. كانت هذه من أصعب التجارب".

وتابع: "لم يكن هنالك بديل، فخلال أسبوعين إلى 3 أسابيع من الحرب كان (مخزون) المورفين قد انتهى، وأصبحنا نعطي من هم في غرف العمليات مسكن البانادول.. عمليات مؤلمة لم تتوافر مسكّنات مناسبة لها".

كما تحدث أبو ستّة عن حالات التعرض للحروق الناجمة عن قذائف الفسفور الأبيض والقنابل العنقودية والمتشظّيّة، وغيرها من الأسلحة التي تم استخدامها في ضرب الأهداف المدنية بها في القطاع.

وأعرب في هذا الإطار عن اعتقاده بأن الصاروخ الذي تم استخدامه في استهداف المستشفى الأهلي المعمداني هو من طراز "Hellfire R9X" الأميركي المعروف باسم "نينجا"، بالنظر إلى أنواع الإصابات وأشكال البتر التي أحدثها في أجساد الضحايا.

وأضاف بأن النمط ذاته من الإصابات تكرر بعد ذلك جراء عمليات قصف أخرى، مما قد يشير إلى تكثيف إسرائيل استخدام ذلك الصاروخ بعد الهجوم على المعمداني.

ولفت أبو ستّة، الذي شهد على عدة حروب داخل غزة وخارجها، إلى أن الجروح من شأنها أن تقدم قراءة دقيقة للحروب والأسلحة المستخدمة فيها.

تجريب أسلحة

وقال الطبيب الفلسطيني إن الاحتلال يقوم بتجريب أحدث أسلحته خلال الحروب، بما في ذلك الحرب الجارية في قطاع غزة، معتبرا أنه سلوك تقليدي لدى إسرائيل.

وفي سياق حديثه عن حالة التضامن بين أهالي غزة، أشار أبو ستّة إلى حالات الرعاية الكبيرة لأطفال جرحى أو مرضى كانوا في المستشفيات، بينما كان جميع أهاليهم قد استشهدوا، واستدرك بالقول إن مستشفى الشفاء وحده لدى إخلائه كان يضم نحو 120 طفلا مصابا لم يتبق لديهم أقارب من الدرجة الأولى على قيد الحياة.

وبشأن خروجه من غزة، قال أبو ستّة إنه أدرك بعد النزوح من شمال القطاع بأن انهيار المنظومة الصحية قد وصل إلى درجة أن الأمر لم يعد يتعلق بتوافر الجرّاحين، بل بوفرة غرف العمليات وأساسيات العمل الطبي.

وقال: "قضيت آخر يومين أعمل في تغيير الضمادات والإسعاف الأوّلي، ولم أكن قادرا على إجراء عمليات، وهو ما دفعني إلى اتخاذ القرار الصعب، إذ لم يعد لوجودي أي فائدة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المنظومة الصحیة قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

مبتورو الأطراف بغزة.. معاناة تتفاقم مع الحصار والإبادة الإسرائيلية

في إطار حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة والمدمرة على غزة منذ أكثر من عام ونصف، تزداد أعداد ومعاناة وآلام مبتوري الأطراف، معظمهم من الأطفال والنساء، لا سيما مع النقص الحاد في المعدات الطبية والأدوات اللازمة لتصنيع الأطراف الصناعية، بسبب استمرار الحصار الخانق على القطاع.

ومن بين هؤلاء، الفلسطيني رائد أبو الكاس، الذي يجلس داخل مركز الأطراف الصناعية والشلل في مدينة غزة، بانتظار دوره في تلقي خدمة العلاج الطبيعي والتأهيل الجسدي لاستخدام الطرف الصناعي، بعد أن بترت قدمه في قصف إسرائيلي أثناء ممارسة عمله في تشغيل آبار المياه.

وتجسد قصة أبو الكاس، أحد موظفي بلدية غزة، حجم المأساة الإنسانية التي خلفتها الحرب الإسرائيلية، فقد بترت قدمه اليمنى واستشهد اثنان من زملائه. وبينما كان يحاول الجيران وأبناؤه إسعافه وسط الدمار والدخان، لاحقتهم الطائرات من جديد، فقتل أحد أبنائه وأصيب الآخر بإصابات بليغة أدت إلى بتر قدمه لاحقا.

يتذكر رائد أحداث ذلك اليوم بصوت يختنق بالألم يقول: كنت أفتح محابس المياه للمواطنين، وكنت أظن أن عملي في خدمة الناس سيحميني، لكن الاحتلال لم يترك لنا أي أمان. استهدفونا ونحن عُزّل، بترت قدمي أمام عيني، واستشهد ابني، وتعرض محمود لإصابة غيرت حياته للأبد.

إعلان

أما محمود، الذي كان يحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم محترفا في صفوف ناشئي نادي الشجاعية، فيروي قصته لمراسل الأناضول، بصوت حزين: كنت ألعب كرة القدم يوميا، كان حلمي أن أرتدي قميص النادي وأسعد عائلتي، لكن الاحتلال دمر حلمي وبتر قدمي.

وأضاف: الآن أجلس على كرسي متحرك وأحلم فقط أن أركب طرفا صناعيا متطورا يساعدني على الوقوف مرة أخرى، حتى أعين والدي الذي بترت قدمه.

خلال الأشهر الماضية، خضع رائد ومحمود لعدد كبير من العمليات الجراحية داخل مستشفى المعمداني، في ظل ظروف طبية صعبة ونقص حاد في الإمكانيات، وتم تركيب أطراف صناعية لهما عبر مركز الأطراف الصناعية، إلا أن نقص المعدات والكوادر الفنية يؤثر على عمل المركز.

اليوم، يقضي الأب والابن عدة ساعات يوميا داخل مركز الأطراف، يتدربان على استخدام أطرافهما الصناعية، ويتلقيان جلسات التأهيل والتدريب، ووسط هذه الرحلة الشاقة، يحدوهما حلم واحد: السفر إلى الخارج لتركيب أطراف صناعية متطورة تمكنهما من استعادة جزء من حياتهما الطبيعية.

وبهذا الخصوص، قال رائد، وهو ينظر إلى نجله محمود بعينين حزينتين: لم يتبق لي من أبنائي إلا محمود، وزوجتي التي تتحمل العبء الأكبر في رعايتنا، وحلمنا أن نركب أطرافا خفيفة نتمكن من خلالها أن نساعد بعضنا بعضا ونعيش بكرامة.

ويقاطعه محمود قائلا: أحلم بالسفر، أريد أن أركض مجددا، أن أعود للعب الكرة ولو بشكل بسيط مع أصدقائي (..)، الاحتلال دمر أحلامي، لكن لم يدمر إيماني بأننا سنعود للحياة.

 أعداد مضاعفة

ويشهد قطاع غزة تصاعدا كبيرا في أعداد المصابين بحالات البتر نتيجة الإبادة الإسرائيلية المدمرة المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وسط نقص حاد في المعدات الطبية والأدوات اللازمة لتصنيع الأطراف الصناعية، بسبب الإغلاق المستمر للمعابر ومنع دخول المستلزمات الأساسية.

إعلان

وسُجلت 4700 حالة بتر بسبب الحرب الإسرائيلية، ضمن قوائم برنامج صحتي، الذي تنفذه وزارة الصحة الفلسطينية بالشراكة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومركز الأطراف الصناعية والشلل التابع لبلدية غزة، في كافة محافظات القطاع، وفق مسؤول الإعلام والعلاقات العامة في المركز حسني مهنا.

وشدد مهنا، للأناضول، على أن تضاعف أعداد حالات البتر المسجلة منذ بداية الحرب الإسرائيلية ناتج عن الاستخدام المكثف للأسلحة المتفجرة والاستهداف المباشر للمدنيين.

وقال: إنّ مركز الأطراف الصناعية استقبل نحو 600 حالة من مبتوري الأطراف منذ بدء العدوان الإسرائيلي، ويتم متابعتهم دوريا عبر المختصين والطواقم الفنية.

وأضاف أن المركز تمكن منذ بداية الحرب من تركيب أطراف صناعية لنحو 100 مصاب، كما قام بتسليم عشرات الأجهزة التعويضية والكراسي المتحركة للمحتاجين.

وأشار مهنا إلى تزايد الطلب على خدمات المركز يوميا.

وحذر من أن استمرار الحرب سيؤدي إلى ارتفاع عدد الحالات بشكل كارثي، خاصة أن 48% من حالات البتر الجديدة هي لسيدات، و20% لأطفال،مما يفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل خطير.

 نقص حاد

وأشار مسؤول الإعلام والعلاقات العامة إلى أن المركز يعاني من نقص في المواد الخام الأساسية لتصنيع الأطراف الصناعية، بالإضافة إلى حاجة ماسة للأجهزة والمعدات الطبية وقطع الغيار اللازمة للمعدات الموجودة، مما يعيق تقديم الخدمات بشكل فعال للمصابين.

وبين مهنا أن الطواقم العاملة في المركز، التي تعمل تحت ضغط شديد وبإمكانيات محدودة، تكافح يوميا لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من المصابين، مع الحاجة إلى مضاعفة الكوادر البشرية لمواكبة هذه الزيادة الكبيرة.

وتخضع حاليا 320 حالة للعلاج الطبيعي داخل مركز الأطراف الصناعية والشلل، حيث تُقدم خدمات العلاج الطبيعي والتأهيلي ومتابعة تركيب الأطراف الصناعية والصيانة الدورية لها، بحسب مهنا.

إعلان

وفي مطلع مارس/آذار الماضي، صعَّدت إسرائيل من جرائمها باتخاذ قرار تعسفي بإغلاق جميع المعابر المؤدية إلى القطاع، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية وشاحنات الوقود بشكل كامل.

وفي 18 مارس/آذار الماضي، تنصلت إسرائيل من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الساري منذ 19 يناير/كانون الثاني الماضي، واستأنفت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، رغم التزام حركة حماس بجميع بنود الاتفاق.

وتسبب تنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته من الاتفاق وعدم إكمال مراحله في إبقاء المحتجزين الإسرائيليين قيد الأسر لدى حماس، حيث تشترط الحركة وقف الحرب وانسحاب كافة القوات الإسرائيلية من قطاع غزة.

وبدعم أميركي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 170 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

مقالات مشابهة

  • عائلات استُشهدت بكاملها.. الاحتلال يمارس التطهير العرقي في غزة
  • ممثل السعودية في العدل الدولية: الاحتلال يمارس التطهير العرقي بغزة
  • مبتورو الأطراف بغزة.. معاناة تتفاقم مع الحصار والإبادة الإسرائيلية
  • مبتورو الأطراف بغزة.. معاناة تتفاقم مع الحصار وإبادة الاحتلال
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • ماذا تعرف عن صاروخ بار الذي استخدمه الاحتلال لأول مرة بغزة؟
  • الأورومتوسطي: 94 %على الأقل من ضحايا الإبادة بغزة الأسبوع الماضي مدنيون
  • الصحة تحت النار: أثر الحرب على المنظومة الصحية السودانية
  • اوقفوا استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية
  • استمرار جهود الوسطاء لوقف الحرب والعدو يتوعد بتوسيع عملياته :الاحتلال يصعد جرائمه على مراكز النزوح وانهيار كامل للمنظومة الصحية في غزة