(وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)
صدق الله العظيم

نظام الخصخصة، خطة اقتصادية معروفة، يوصي بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عادة، يتم بها تحويل المؤسسات العامة في الدولة، التي ترهلت، وزاد موظفوها عن طاقتها، وضعف انتاجها وانتاجيتها، الى القطاع الخاص، في صورة شركات.

وهذه الشركات، يفترض أن تكون تكون، أكثر ضبطاً، وتتخلص من فائض العمالة، وتزيد من رأس المال، حتى تنهض بالمؤسسة. ثم هي، في نفس الوقت، تشكل منافسة قوية، وتحدي للمؤسسات، التي لا زالت تمثل القطاع العام، لترفع من كفاءتها، حتى لا تطالها الخصخصة. ولكن الخصخصة، التي قامت بها حكومة الاخوان المسلمين في السودان، خصخصة عجيبة، شملت حتى مؤسسات القطاع العام الناجحة، ولم تحولها الى قطاع خاص، وانما حولتها الى جيوبهم الخاصة، بعد أن تركت مؤسسات القطاع العام خرق بالية !! فبعد أن كانت الخطوط الجوية السودانية، من أميز مؤسسات الطيرات في افريقيا، أصبحت تملك طيارة واحدة، معطلة. وقامت بدلاً عنها، شركات النقل الجوي، التي يمتكلها الاخوان المسلمون في صور شراكات. ونهبت كل المعدات، ومراكز الصيانة، لصالح هذه الشركات الشيطانية. وتم ذلك للخطوط البحرية السودانية، حتى بيعت كل سفنها، مخازنها.. ثم مشروع الجزيرة، والسكة حديد، والتقل النهري، ودمر مأمون حميدة المستشفيات العامة، وبنى مستشفياته الخاصة، ودمر جامعة الخرطوم، وبنى جامعته، التي لا يزال يشغلها في ظروف الحرب، من خارج السودان!! وكان كل هذا من ضمن سياسة (التمكين)، التي تسلط بها الاخوان المسلمون، على موارد هذا الشعب الطيب.
وما حدث لهذه المؤسسات، بسبب نهب الموارد والتمكين، حدث بصورة أفظع للجيش. فكما شرد الآلاف من المدنيين، باسم الصالح العام، ومنحت الوظائف العليا لكوادرهم، حتى لو لم تكن مؤهلة، فالولاء مقدم على التأهيل، كما ذكر علي عثمان محمد طه. أحيل عدد كبير ممن لم يكن معهم، من كبار الضباط، الى المعاش. وأوقف قبول غير الاخوان المسلمين للكلية الحربية. وتحولت عقيدة الجيش، من الدفاع عن الوطن، للولاء للحركة الإسلامية، واطلقت فيه اللحى، وحولت للجيش معظم موارد الدولة، ولكنها وقعت لقمة سائغة في يد زعماء الاخوان المسلمين، ولم يجد منها الجندي البسيط ولا ثمن حذاء!!
يقول الأستاذ معتصم الأقرع ( لذا يا قحت اذا كنت تريدين السلام حقاً فتفاوضي مع عدوك الذي يسيطر على الجيش المقاتل وكفي عن هذا الهراء السخيف بتكرار ان مشاركة اخوان المؤتمر الوطني في أي عملية سياسية عبارة عن مكافأة لا يستحقونها من يريد السلام يتفاوض مع عدوه خاصة اذا كان هذا العدو يسيطر على الجيش) لقد أوضحنا خطل الرأي، في دعوة قوى الحرية والتغيير للتفاوض مع الجيش، في الجزء الأول من المقال، مما يغني عن التكرار. ولكننا هنا نود أن نتساءل هل الاخوان المسلمون يسيطرون على الجيش أم لا ؟ بل السؤال الأدق هل هنالك جيش سوداني، أم أن الاخوان المسلمين قد حولوه الى مؤسسة بالية، ضعيفة، وفاشلة، وتابعة لهم، بل تستمع الى توجيهات الايفاع المهووسين منهم، حين يطالبونها بضرب المواطنين، والكباري بالطيران!! سيطرة الاخوان المسلمين على الجيش حقيقة. ولكنها لا تدل على قوتهم، ولا تعطيهم وزناً، بقدرما تدل على ضعف الجيش، للحد الذي جعلهم في الحرب الدائرة، يضطرون الى الكشف عن كتائب الظل، ويدخلونها في المعارك، الى جانب ما تبقى من حطام الجيش، الذي لا يملك غير الطيران، الذي يضرب به المواطنين الأبرياء.
يقول الأقرع (دعنا الآن لنفترض أن اخوان المؤتمر الوطني قوة صغيرة منهكة ومهزومة بعد انتصار ثورة الشباب في 2019م وفي هذه الحالة سيكون من الممكن استبعادهم من العملية السياسية ومعاقبتهم والمضي قدماً دون دفع ثمن باهظ في شكل حرب ضروس. ولكن اذا كان الامر كذلك واذا كان اخوان المؤتمر الوطني مجموعة ضعيفة يمكننا استبعادها دون تكلفة من حيث الدمار ودماء ومعاش الاخرين بينما نحن نرفل في العواصم الامنة "كما هو حالي" فلماذا تستمر قحت في الادعاء بان هذه المجموعة تسيطر على الجيش وتمتلك القوة والوسائل اللازمة لضمان استمرار الحرب؟) لماذا يجنح الأقرع الى الافتراضات، حول حقائق ماثلة للعيان؟ ألم تنتصر ثورة الشباب على اخوان المؤتمر الوطني، وتنهي حكمهم؟ ألم تبدا في محاكمتهم، بعد أن اعتقلت حكومتهم، وبدأت عن طريق لجنة تفكيك النظام، تصادر الأموال التي نهبوها من الشعب؟ ألم يفشلوا في استعادة ذلك الحكم، وإيقاف عجلة التحول الديمقراطي، حتى استعانوا بكوادرهم في الجيش، فقاموا لهم بالانقلاب ؟! إن تسبب الاخوان المسلمين في الحرب والدمار، لا ينفي عنهم أنهم جماعة قليلة، ومهزومة، وهم لا يملكون القوة كأخوان مسلمين لضمان استمرار الحرب، ولهذا ابتدعوا بدعة الاستنفار، وجوهرها هو الاستعانة بالمواطنين البسطاء، الذين ظلوا ينهبونهم، ويعذبونهم، لثلاثين عاماً، ليحاربوا معهم الدعم السريع، الذي صنعوه بأيديهم، ليخضع لهم نفس هؤلاء المواطنين البسطاء !!
ختم الأستاذ معتصم مقاله بقوله ( لاحظ إن هذا المنشور لا يجيب على سؤال ما اذا كان الاخوان يسيطرون على الجيش بنعم أم لا. وهو لا يجيب على سؤال ما اذا كانت المفاوضات هي افضل مسار بنعم أم لا. يقول هذا المنشور فقط ان من يدعون ان الاخوان يسيطرون على الجيش واستمرارية الحرب عليهم ان يتفاوضوا معهم اذا كانوا يسعون حقاً الى السلام).
لماذا لا يجيب الأستاذ الأقرع، على الأسئلة التي طرحها، بنعم أو لا ؟ لأنه لو أجاب، لتورط فيما لا يريد الإفصاح عنه. فلو قال في الإجابة على السؤال الأول، نعم إن الاخوان يسيطرون على الجيش، وضح أن الحرب اذاً بين الاخوان والدعم السريع، وهي حرب لا مصلحة للمواطن السوداني فيها، لأن كلا المتحاربين صاحب تاريخ أسود، في الاضرار بهذا الشعب. أما لو كانت اجابته بلا إن الاخوان المسلمين لا يسيطرون على الجيش، وإنما هذا جيش السودان الوطني، يقاتل المتمردين الذين لا علاقة لهم بالجيش، فسيكون مردداً لشعارات (البلابسة)، ومتبني لخطهم المغالط للحقائق.
وعن سؤال المفاوضات، لو قال نعم إن المفاوضات هي المسار الأفضل، لاصطف مع دعاة السلام، والمطالبين بوقف الحرب، بما فيهم قوى الحرية التغيير!! وتعين عليه أن يدين الاخوان، وقيادات الجيش التي تتهرب من مفاوضات جدة، والتي انكرت اتفاق الايقاد، بعد أن وافقت عليه على رؤوس الاشهاد. أما لو أجاب بلا إن المفاوضات ليست المسار الأفضل، فمعنى ذلك أن المسار الأفضل هو الحرب!! وسيكون بهذا القول مع (البلابسة)، وبقية الاخوان المسلمين الرافضين للمفاوضات، والذين يحشدون للحرب. وفي هذه الحالة، فإن الأمانة تقتضي أن يخرج من العواصم الآمنة، ويحضر للسودان، ويدخل مع المستنفرين، ويقاتل مع الكتائب الاخوانية!!
إن هذا المقال لم يكتب دفاعاً عن قوى الحرية والتغيير. وهي كما قال الأستاذ الاقرع لديها الإعلاميين، الذين يمكنهم الدفاع عنها. كما أن قوى الحرية والتغيير، لم تعد وحدها المحرك للعمل الوطني، الشعبي، لاستعادة المسار الديمقراطي. لأنها مجموعة داخل التجمع الكبير، تحالف القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، وهو تجمع أخطأ الحزب الشيوعي السوداني، حين أبعد نفسه عنه.
13 ديسمبر 2023م  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: یسیطرون على الجیش الاخوان المسلمین قوى الحریة اذا کان بعد أن

إقرأ أيضاً:

معتصم أقرع: ثورة ديسمبر عائدة؟

ثورة ديسمبر عائدة شعار أرتفع هذه الأيام. هذه مقولة مقبولة لا خلاف عليها. ولكن ماذا تعلمنا من درسها؟ ماذا تعلمنا من الأخطاء التي أعقبت ثورة ديسمبر وانتجت كل هذا الخراب غير المسبوق في تاريخ السودان؟

منذ عام ٢٠١٨ قلت أن أكبر مشاكل الثورة إنها علي عظمتها عجزت عن إفراز قيادتها القوية القادرة علي فرض إرادة الشعب. ولاحقا ولهذا السبب سطت علي المنجز الثوري نفس الجماعة التي أوشكت أن تدخل مع البشير في إنتخابات ٢٠٢٠. وادخلت قيادة الأمر الواقع البلد جحيم بدا بسوء إدارة الإقتصاد وملف السلام والعلاقات الخارجية وانتهي بحرب ضروس شارك فيها كولمبيون إذ يبدو أن أرباحها تضاهي أرباح تجارة الكوكايين.

الجدير بالذكر أنه حينها لم يتم ترويج لمصطلح “الثورة المختطفة” بنفس الحماس الذي يصاحب مصطلح “الجيش المختطف” الذي لم يفسد اختطافه قضية للإندماج معه في وثيقة دستورية وإعلان سياسي وترتيبات أخري.

وقلت أيضا في بداية ٢٠١٩ أن التجمع المهني كان مجرد وهم الواهمين. لم تكن هناك نقابات حقيقية تنتخب قيادة ثم تجتمع قيادات النقابات المختلفة وتختار مكتب موحد يشكل قيادة التجمع المهني. كل ما في الأمر كان عدد بسيط من شباب بعضهم أبطال وبعضهم مستهبلين سياسة يجتمعون ويدبجون بيانا منفلوطي البلاغة لتضج الاسافير. وما بني علي وهم أخرو مجابدة.

أما الأحزاب فهي مجرد لافتات لمزارع أسرية أو شلل بإستثناءأت بسيطة ولن أستطيع الدفاع عن وجود إستثناءات لو ضغطني محاور. حتي حزب المؤتمر السوداني الذي أتاح له الميلاد المتاخر – كجنا نديهة البرجوازية المتعلمة – أتاح له تجاوز مشاكل البيوت الطائفية وحمولات الأحزاب العقائدية، أين هو الآن؟ هل يوجد حزب به مؤسسة عدا ما يقرر السيد خالد سلك، أخطا أم أصاب، ليعيد ما قاله الباشمهندس الدقير بلغة أكثر شاعرية؟

حتي لجان المقاومة ولجان الأحياء لم تخل من لمسات صنمية حين تم ويتم تصويرها وكأنها كيان متجانس أيديلوجيا يمتلك رؤية واضحة متفق عليها حول الوسائل والغايات.
يصح القول أن هذه اللجان أجسام قاعدية في غاية الأهمية وحبلي بالأمل الذي يجب الإستثمار فيه. ولكن الصحيح أيضا أنها تتفق علي الغايات ولا تتفق علي الوسائل. إذ بالتعريف وبحكم إنها لجان أحياء أو ما شابه لا تنطوي علي وحدة أيديلوجية ففي عضويتها اليساري والسلفي والنيولبرالي وعاشق السوق الحر والماركسي علي مذهب كمال كرار وعاشق البدوي والداعي للدعم والداعي لرفعه.

إذن هي لجان تتفق علي بديهيات ولكنها لا تتفق علي وسائل تحقيقها والشيطان في الوسائل. إذن تصنيم هذه اللجان يحمل مخاطر إعادة ماساة وهم التجمع المهني بقيادة اكليريوس جدد.

أدعم بكامل التأييد هذه اللجان وكل الأجسام القاعدية واري ضرورة ثورية حاسمة الأهمية في الإستثمار فيها ولكن بواقعية واعتراف بالحقائق الأساسية تفاديا لتصنيم سوف يعضنا في جمباتنا مرة أخري ويتيح ظهور كهنة جدد من خلف حجاب أو أمامه يشبهون كهنة التجمع المهني الوهمي الذي موسر البلد.

كانت ديسمبر ثورة عظيمة أسقطت نظام البشير ولكن عدم قدرتها علي إفراز قيادة تليق بها خلق فراغ قوة ملأته بعاعيت الداخل والخارج واللصوص والجهلاء والمغامرون والساقطون والقوادون في أزقة السياسة.

ماذا فعلنا لتدارك مشكلة القيادة قبل أن نرفع شعار الثورة عائدة في توقيت ينازع الجماعات التي قاتلت بالسلاح والقلم واللسان بريستيج طرد الجنجا من مواقع مهمة بينما كان الكثيرون في حياد مجيد وعلي مسافة واحدة من “طرفي نزاع” بنفس درجة السوء؟

إن إضاءاتنا لمشاكل التنظيم النقابي أو القاعدي جوهرها الدعوة لتحسينه وتلافي أوجه قصوره وليس نسفه. وان لم نفعل، سنعيد الكرة ونسطل مرة أخري بخمر تجمع مهني وهمي أو لجان أو ما شابه، ونتيح الفرصة مرة أخري لكهنة جدد يتسلقون اللجان والنقابات واشكال التنظيم الأخري ما يدخل البلد في جحيم آخر يضاعف جحيم فراغ القوة الذي أعقب سقوط نظام البشير.

أما الصدح بان ثورة ديسمبر عائدة في هذا التوقيت والشعب في مجاعة وضنك، فاتمنى أن لا يكون ورقة توت تتناغم مع يحدث في الميدان العسكري لإخفاء حرج ذلك الحياد الداوي في أشد مراحل الحرب بعد أن أتضح أن غالبية الشعب ليست علي حياد.

نعم لعودة الثورة. ولكن لا كالخطة جيم بعد أن فشل التعويل علي الشراكة المثالية ثم التعويل علي المجمتع الدولي ثم التعويل علي الجنجا.

فلتعد ولكن هذه المرة بواقعية وذكاء وحزم لا يستسهل المشاكل ولا يدعي أمجادا وانتصارات لم تحدث ولا يلفق أجساما ونقابات ولجانا مستوهمة في وجودها أو في تجانسها حول الغاية والوسيلة.
فلتعد لبناء البلاد، لا كزانة للقفز من مركب الحياد الغارق في آخر لحظة.

معتصم أقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • “هآرتس”: الحشود التي تعبر نِتساريم حطّمت وهم النصر المطلق‎
  •  الاخوان يخشون على آخر معاقلهم.. هذا ما قاله حميد الأحمر 
  • “هآرتس”: صور الحشود التي تعبر نِتساريم تُحطّم وهم النصر المطلق‎
  • حزب الأمة القومي يجيز “مشروع الخلاص الوطني” لإنهاء الحرب
  • دير البلح.. المدينة الهادئة التي استقبلت مليون نازح تعود لـالنوم باكرا
  • تركيا توجه فصائل الجيش الوطني السوري للانضمام إلى الإدارة الجديدة بدمشق
  • تركيا توجه فصائل الجيش الوطني السوري للانضمام للإدارة الجديدة بدمشق
  • معتصم أقرع: ثورة ديسمبر عائدة؟
  • بعد جريمة الدعم السريع.. الجيش السودانى يعلن تأمين محيط مصفاة النفط بالخرطوم
  • أول تعقيب لحركة "فتح" على مشهد عودة النازحين إلى غزة