كعادتنا في كل اجازة كريسماس ، كانت وجهتنا الي السودان الحبيب ، نغادر في موسم الشتاء من بلاد تموت من البرد حيتانها الي الدفء الاسري دفء الاهل و الحبان و الطراوة . نصطحب معنا العيال منذ ان كانوا أطفالا الي ان شبوا عن الطوق . نحرص علي تزويدهم بجرعات في حب الوطن الام . يتأقلمون علي نمط حياتنا بالاحتكاك و التواصل مع الاهل ، ينهلون من تراثنا و بعض عاداتنا التي نعتز بها .
في سعينا الدائم لربطهم بارض الجدود نحدثهم كثيرا عن السودان و حضارة السودان و سماحة خصال اهل السودان . التي يلتمسونها عند زياراتهم في محنة الخالة و العمة و الحبوبة . يضيفون لكل ذلك ما يجود به عليهم العم قوقل . اذكر في احدي زياراتنا الراتبة زار أبنائي اهرامات البجراوية مع انني شخصيا لم اسعد بمشاهدتها .
نسعد كثيرا عندما نجدهم سعداء بالزيارة و في انسجام مع الناس ، في التواصل مع ابناء جيلهم من الاهل و المعارف . رغم الفارق الكبير في سبل الرفاهية بين حياة اوربا و السودان . إلا أن السودان بي ناسو و بساطهم و ليس بعمرانه او بنيته التحتية .
الان الخرطوم الجريحة ما عادت ترحب بضيوفها ! بل تقتل في سكانها وزوارها بالرصاص و الدانة و القصف الجوي و الجوع و المرض و انعدام الخدمات ! غير ذلك فان الوصول اليها في حد ذاته اصبح عصيا .
علمنا ان منزلنا بالخرطوم قد تضرر كثيرا بضرب الطيران له ، لم يشغل ذلك بالنا ! و لم نجزع له !! تملكنا يقين غريب لا اعتقد كان يمكن ان يصيبنا لو لا الشعور بان البلد كلها غارقة في الخراب و مصيرها في كف عفريت . فمن راي مصيبة غيره هانت عليه مصيبته .
ما يشغل بالنا حقيقة ، هو الضرر و الاحباط و الحالة النفسية التي انتابت اهلنا كبارا و صغارا ، بسبب نزوحهم القصري من منازلهم و انسداد الأفق و المصير المجهول الذي أمامهم .
نزح الذين كنا نعيش في أكنافهم ، تقطعت بهم السبل و تفرقوا أيدي سبا . بعضهم بالإمارات العربية المتحدة و البعض الاخر بمصر و اخرون قابضون علي جمر البقاء بالسودان .
سفرنا الأسبوع القادم باذن الله هذا العام مؤازرين لهم و الوقوف بجانبهم و مواساتهم في مصيبتهم .
سنحمل شنطنا الي المطارات في رحلة ليست للترويح كسابقاتها و انما للتعاضد ، نلاقي فيها اهلنا و احبابنا في بلاد الغربة ! ، في بلدا لا هولك ولا هولي ، كما قال كامل عبدالماجد . سيكون لقاءنا و عناقنا حارا نبتغيه ان يمسح الاحزان من عيون الناس ، و ينسيهم مصيبتهم ولو لحين .
ان ما حدث لاهلنا و لبلادنا شيء فظيع وفوق التصور . لا نري اي مبرر له كما لا ندري لماذا كل هذا ؟ و لماذا ؟
لماذا جعلوا بلدنا الواسعة تضيق و لا تتسع لاهلها ، تشتتهم في الآفاق ؟ لماذا يقتلوا احلام الأطفال و يقطعوا أرزاق الكبار ؟ لماذا كل هذا القهر لبني جلدتهم ؟ و باي ذنب ؟
اسئلة لا اجد لها اجابة إلا في تساؤل استاذنا الطيب صالح ، طيب الله ثراه . من اين جاء هولاء الناس ؟ بل - من هولاء الناس ؟
حقيقة ان السودان الذي ترعرعنا في كنفه لم نشاهد فيه من قبل مثل هذه التصرفات من البشر ! و لا كان يمكن ان نتخيل ان ياتي علينا يوم يحيق باهلنا كل هذا العذاب ! فوق ام كم وعشان شنو ؟ اليس منكم رجل راشيد ؟ .
لم يتبقي لنا ما نقوله لأبنائها عن الوطن الذي جعلناهم يحبونه .
عسي ان يكون قد سلطهم الله علينا لخير ، فعسي أن تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم ، ابتلاء و درس نسأل الله ان يعدل به طريقنا و حالنا المايلة منذ الاستقلال .
رغم الثمن الباهظ الذي الذي دفعه ، لا يخالجني شك بان هذا الشعب صاحب التاريخ المجيد في قهر الذل سوف يتجاوز هذه المحنة طال الزمن ام قصر . كما قال الطاهر إبراهيم ( شعبك يا بلادي اقوي و اكبر من ما كان العدو يتصور) . و الشباب قادرون علي تحقيق أشواق محجوب شريف ، حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي ، وطن شامخ وطن عاتي . و لنتمسك بقول الطغرائي
أعلل النفس بالامال ارقبها - ما أضيق العيش لو لا فسحة الامل
القادم اجمل
و الله علي المفتري
جعفر فضل - لندن
gafargadoura@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
عبد الله: ودعنا اليوم رفيقنا علي عويدات الذي تشهد له الساحات والمواقف
كتب النائب الدكتور بلال عبد الله على صفحته : "ودعنا اليوم مع الرفاق في أقليم الخروب، رفيقا ومناضلا صلبا، ممن تشهد لهم الساحات والمواقف،
في أصعب الظروف وفي ايام المحن. وداعا رفيق علي عويدات، وداعا يا من واكبتنا في كل المهمات، وداعا يا من سهرت الليالي حماية لمنطقتك وأهلك، وداعا يا من أعطيت ولم تسأل، وداعا وتحية لك من كل رفاقك في الحزب التقدمي الإشتراكي، وبخاصة ممن عرفك عن قرب وعمل معك وعاصر نضالاتك.
العزاء لزوجتك واولادك ولكل عائلتك وأقربائك ومحبيك.... سنفتقدك".