شارل ابي نادر

اذا أراد قادة العدو الإسرائيلي، من سياسيين أو عسكريين، أو مسؤولي الدول الداعمة للعدو في هذه الحرب الهمجية – اللانسانية على الشعب الفلسطيني، وبعد مرور حوالي الشهرين على بدء عدوانهم على قطاع غزة، إجراء تقييم موضوعي لنتائج هذه العملية وما حققته حتى الآن من الأهداف التي وضُعت لها، سيكون حتمًا هذا التقييم في غير مصلحة العملية برمتها، وستكون فترة الشهرين من هذه من الحرب، والتي عاكست بمدتها الطويلة كل مبادىء وعقيدة العدو العسكرية تاريخيا – اي سعيه الدائم للحرب القصيرة  الخاطفة – ستكون حربًا خاسرة بكل ما للكلمة من معنى، ومن كافة النواحي العسكرية والميدانية والسياسية.

صحيح أن العدو حقق نسبة غير بسيطة من السيطرة الميدانية والجغرافية على بعض مناطق القطاع، في شماله أو في جنوبه في محيط خان يونس، وصحيح أنه وصل إلى بعض الكراكز التي قال إنها لحماس والجهاد الإسلامي في الشمال والوسط، وصحيح أيضًا أن هناك عددًا من الشهداء من عناصر وكوادر المقاومة قد ارتقوا في مواجهة هجوم وحدات العدو ولكن، المؤشر الرئيسي الذي يمكن تقييم عملية الاحتلال على اساسه، بين النجاح وبين الفشل، ليس الجغرافيا المحدودة التي سيطر عليها حتى الان، وليس خسارة المقاومة بعض الشهداء أو بعض المراكز أو حتى الأنفاق، بل المؤشر الرئيسي لهذا التقييم هو نسبة الخسائر الضخمة التي تسقط للعدو في هذه المواجهة العنيفة، لناحية الضباط والجنود الذين يُقتلون أو يصابون أو يصبحون معاقين، أو لناحية العدد الضخم من الآليات المدرعة من دبابات وناقلات جند، والتي تدمر كليا أو جزئيا.

طبعًا هذه الخسائر الضخمة التي تسقط للعدو، هي التي تؤكد أنه يُستنزف في هذه العملية، وخاصة في عديد الجنود والضباط، والتي لا يمكن له تعويضه أو تقبله، وذلك لعدة اسباب واهمها:

اولا: بسبب حاجته الماسة اليوم لكل جندي وضابط في الميدان، وهذه الخسائر تخفّض يوميًا وبشكل دراماتيكي، عدد المنخرطين من عناصر العدو في المعركة دون وجود بديل، كونه زج باغلب وحدات الاحتياط  لديه، بعد أن طور معركته نحو خان يونس قبل أن يُقفل معركته في شمال القطاع. فالمعركة في شمال غزة تتطور سلبًا أيضًا ضده تلك التي شهدتها بداية العملية.

وايضا، يصعب عليه تغطية هذه الخسائر في عديده المقاتل، بسبب الجهوزية الضخمة التي فرضتها عليه وحدة ساحات محور المقاومة، وبسبب الاستنفار الكامل الذي تعيشه وحداته، والموزعة بين جبهته الشمالية مع لبنان أو مع سوريا، أو بمواجهة جبهته الحساسة ضد اليمن، بين البحار والمعابر شرقا، والضغوط المتواصلة من تهديدات المسيّرات والصواريخ باتجاه جنوب فلسطين المحتلة في ايلات ومحيطها، وبين الضفة الغربية التي تشكل له الخاصرة الأضعف بين هذه المواجهات، حيث يعطيها جهودا ضخمة لمحاولة ضبط أي خطر يمكن أن يخرج من الضفة باتجاه المستوطنات أو الاراضي المحتلة المحيطة بالضفة الغربية.

ثانيًا: لناحية الضغط الخانق الذي تسببه على قيادته السياسية والعسكرية الخسائر من الضباط والجنود داخل “مجتمعه”، والذي يعيش ايضًا صدمة ودوامة الأسرى والذين بأغلبهم من العسكريين، حيث أصبح أغلب أهاليهم شبه مقتنعين باستحالة عودة أبنائهم في ظل هذه المناورة المجنونة والفاشلة التي يخوضها نتنياهو في هذه الحرب.

أما لناحية خسائره اللافتة في الآليات، والتي اقتربت من الخمسماية آلية، بين التي تم تدميرها كليا لتخرج نهائيا من المعركة، أو جزئيا لتخرج مؤقتا مع تسببها بإشغال عدد كبير من قدراته اللوجستية التي تحتاجها معركته المباشرة بقوة، فإن هذا الشق من الخسائر، وصل ايضًا إلى الحد الذي يصعب تعويضه، أقله في المدى المنظور لمسار المعركة.

من هنا، وحيث يمكن القول وبكل موضوعية أن خسائر العدو اليوم في حربه الاجرامية على غزة بدأت تستنزف قدراته الضرورية والأساسية لمتابعة القتال، ومع انسداد أي أفق ميداني وعسكري بوجهه يوحي بامكانية تحقيقه اي من اهداف حربه الاساسية، أي تدمير بنية حماس وتحرير الاسرى بالقوة، وحيث الميدان هنا يحمل التأكيدات الواقعية لهذا الامر، ومع صمود المقاومة الفلسطينية واهاليها الاسطوري، والذي فاق كل التوقعات، ومع ثبات الاخيرة في الدفاع وتعاظم امكانياتها القتالية والهجومية مع مرور الوقت، حيث نسبة خسائر العدو من عمليات المقاومة المختلفة ضد وحداته المتوغلة في بعض مناطق القطاع، قد ارتفعت في الفترة الأخيرة بشكل كبير جدًا مقارنة مع بداية العملية منذ حوالي الشهرين، الامر الذي كان يفترض العكس في ظل هذا الدمار غير المسبوق لكل ما هو فوق الأرض في غزة.. أمام كل ذلك، لا يبدو ان للعدو امكانية في مواصلة حربه الاجرامية هذه، وبالتالي، يبدو ايضا أن امكانية انكفائه عن هذه الحرب (فيما لو اراد وقف هذا النزف الذي يعيشه على كافة المستويات) أصبحت قاب قوسين، وربما يعلنها قريبا.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: فی هذه

إقرأ أيضاً:

موطن الحكمة.. وفلسطين التي كشفت القناع

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

المُتابع للقضية الفلسطينية عبر تاريخها المقارب لثمانين عامًا، وخاصة التحولات التي شهدتها خلال السنوات الخمسة والثلاثين الماضية، يُدرك أن زوال هذا الكيان الغاصب المغروس في قلب الامة العربية بات وشيكًا، حتى الصهاينة أنفسهم يدركون هذه الحقيقة ويعيشون هواجسها بشكل يومي، رغم قوتهم وتمكنهم وغطرستهم وتقدمهم التكنولوجي وتفوقهم العسكري والاقتصادي، بينما الأمة العربية والإسلامية تعيش حالة شتات وخلاف مذهبي وطائفي وعرقي وسياسي.

الصهيوني يرى أن زوال دولته حاصلٌ في أي لحظة من مراحل التاريخ، وأنه في أي وقت قد تنعكس موازين القوى، خاصةً مع تنامي رقعة الصراع ودخول المنطقة في مرحلة من الفوضى السياسية وتعددية القوى وتشكل التحالفات من جديد، مع صعود الوعي العالمي بمدى بربرية المحتل ووحشيته، علاوة على تزايد عدد المؤيدين للقضية الفلسطينية حول العالم، لا سيما من الشعوب الغربية، التي اكتشفت الخديعة الكبرى، واتضحت لها سياسات حكوماتها العنصرية تجاه هذه القضية، وباتت أكثر شراسة في رفضها لهذا المغتصب العنصري، حتى من الدول العربية والإسلامية التي يعيش بعض شعوبها حالة من الغيبوبة الفكرية.

خلال الأسبوعين الماضيين، عاثت آلة القتل الصهيونية فسادًا في لبنان واغتالت عددًا من قيادات "حزب الله" وعلى رأسهم السيد حسن نصرالله الأمين العام للحزب، ومن قبله السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. هذا التوجه الذي نهجه المحتل يهدف إلى ضرب حركات المقاومة معنويًا من خلال التخلص من قياداتها، في تصورٍ منه أن ذلك يُضعف هذه الحركات، ويتناسى المحتل أن هذه السياسة ذاتها هي التي أوقدت جذوة المقاومة، وربما اغتيال الشهيد الشيخ أحمد ياسين خيرُ دليل على ذلك. هذا التوجه في حد ذاته يُبيِّن مدى التخبُّط الذي يعيشه المحتل والخوف الذي ينتابه من فكرة الزوال والنهاية التي يعيشها كل يوم!

من الطبيعي أن يفرح اليهودي الصهيوني وحتى الغربي والكارهين للعرب والمسلمين منهم، وهم يشاهدون الدمار الذي يُحدثه المحتل الغاشم، وأعداد الضحايا من الأبرياء وقيادات المقاومة التي تسعى لتحرير فلسطين المحتلة، لكن أن تفرح شرذمة قليلة العرب والمسلمين بنصر عدوهم، فهذا أمر غير منطقي وغير مقبول، وهو ما يُثبت نجاح النظرية الصهيونية التي قامت على أن بقاء إسرائيل يمر عبر تقسيم المنطقة إلى جماعات إثنية وطائفية وعرقية، حتى يظل الصراع الداخلي بينهم؛ بعيدًا عن عدوهم الأساسي. وقد ذكر كثير من المفكرين المتخصصين في هذا المجال هذه النظرية التي يغذيها الغرب بشكل مستمر، والشواهد كثيرة حتى ظهر لدينا "المُتصهْيِنيون" الذين أظهروا مواقف وتصرفات، أشد كرهًا للعرب والمسلمين من اليهود أنفسهم!

لقد تجاوزت هذه الفئة كل المبادئ الإنسانية والأخلاقية في تعاطيها مع المقاومة الفلسطينية والداعمين لها، ومدَّت يدها للصهاينة، في مشهد أكثر تقاربًا من التطبيع ذاته، وخرجت جموعهم تحتفل مع كل ضربة يوجهها العدو لإسقاط المقاومة. ومن المؤسف أن بعض من أفراد الأُمَّة لا يفرقون بين العدو والصديق، وبين ما يأمرنا به الدين وما ينهانا عنه، وكل ذلك من جراء الطائفية والانتماءات السياسية التي بُليت بها الأُمَّة، وما أفرزه مشروع التقسيم الصهيوني الغربي من جيل يعاني عدد من أفراده من التغييب والتدمير الأخلاقي والفكري، وأصبحنا نجد من يفرح لموت مسلم على يد محتل غاصب.

وسط هذه الفوضى الفكرية المُلوَّثة، تبرز سلطنة عُمان وأبناؤها بمواقفهم التاريخية الثابتة من قضية فلسطين العادلة، وفي حقيقة الأمر هذا الموقف يمثل لي- كعُماني- مصدر فخر ما بعده فخر، وأعيش حالة من الشعور بالقوة الداخلية والرضا التام، عندما أشاهد هذا الثبات من حكومتنا الرشيدة ومن علمائنا الأجلاء وعلى رأسهم سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة- أمد الله في عمره- تجاه قضية فلسطين، ومن خلفهم أبناء عُمان الأوفياء، الذين ضربوا أروع الأمثلة في دعم هذه القضية، نابذين كل عوامل التفرقة التي تفتك بالشعوب الأخرى، ومبتعدين عن مُسببات الشقاق والتشرذم الذي وقع فيه الآخرون.

لقد ظلّت تصريحات سلطنة عُمان وتوجهاتها السياسية نحو القضية الفلسطينية ثابتة على مر تاريخ هذه القضية، وانتهجت سلطنة عُمان نهجًا ثابتًا داعمًا للأشقاء لم يتغير، رافضةً للتطبيع والتعاطي مع المحتل، مطالبةً المجتمع الدولي بأن يقوم بواجبه لإجبار هذا المحتل على تطبيق قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وخاصة فيما يتعلق بحل الدولتين على حدود 1967، ووقف دوامة العنف، الذي يجر المنطقة والعالم نحو حرب شاملة مُدمِّرة، وعلى الدول الداعمة لهذا الكيان المحتل أن تتوقف عن تقديم الدعم الذي يُكرِّس الظلم، ويؤسِّس لصراع طويل وواسع قد يصل لمصالح هذه الدول وشعوبها، وعلى الجميع أن يُجنِّب العالم أجمع كارثةً باتتْ وشيكة أكثر من أي وقت مضى.

مقالات مشابهة

  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يواصل عدوانه على بلدات وقرى لبنانية
  • موطن الحكمة.. وفلسطين التي كشفت القناع
  • أبو عبيدة: نبارك العملية العراقية النوعية بالجولان المحتل
  • الفريق الرويشان:دول محور المقاومة ستوقف لمواجهة المشروع الصهيوني الذي يهدد المنطقة
  • الرويشان: دول محور المقاومة من ستوقف المشروع الصهيوني الذي يهدد المنطقة
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • المقاومة اللبنانية : عدد القتلى في صفوف ضباط وجنود العدو الإسرائيلي في المواجهات البطولية التي خاضها مقاتلو المقاومة اليوم بلغ 17 ضابطاً وجندياً
  • حمادة: المقاومة ثابتة وتُكبد العدو الخسائر الفادحة على الحدود
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • “الوعد الصادق2”.. تفاصيل العملية ونوعية الصواريخ المستخدمة في الهجوم