المركز القانوني للدولة اليمنية بين الشرعية والحوثيين
تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT
عقب اتفاق الهدنة الإنسانية الذي تمّ توقيعه برعاية أممية بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين في إبريل/نيسان 2022، نجح الحوثيون في انتزاع بعض السلطات السيادية من الحكومة المعترف بها دولياً، حيث تمّ فتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء والسماح للحوثيين بإصدار جوازات سفر، وهو ما عدّ يومها تنازلاً من حكومة الشرعية عن سلطات تعد حصرية للدولة.
التنازلات المتتالية التي تقدمها الحكومة للحوثيين تهدد بحسب سياسيين وقانونيين، بتقويض المركز القانوني للدولة وسحبه من يد الشرعية لصالح الحوثيين الذين حصلوا على اعتراف دولي بهم، وصاروا طرفاً في مشاورات السلام القائمة برعاية أممية وبوساطة سعودية وعُمانية.
وفي نظر القانونيين، فإن المركز القانوني للدولة هو مجموعة من الحقوق أو الالتزامات أو السلطات أو القيود التي يتمتع بها كيان الدولة بموجب التشريعات والدساتير.
تنازلات متتالية لجماعة الحوثيين في اليمن
وكان رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، قد حذّر في كلمته أمام الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في سبتمبر/أيلول الماضي، من أن "أي تراخ من جانب المجتمع الدولي أو التفريط بالمركز القانوني للدولة، أو حتى التعامل مع المليشيات كسلطة أمر واقع، من شأنه أن يجعل من ممارسة القمع، وانتهاك الحريات العامة، سلوكاً يتعذر التخلص منه بأي حال من الأحوال".
رنا غانم، الأمين العام المساعد للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، قالت لـ"العربي الجديد"، إن الحوثيين "يعملون على تقويض المركز القانوني للدولة بالسماح لإصدار جوازات سفر من سلطة مليشيا غير معترف بها دولياً، وأيضاً إصدار البطاقات الشخصية، وهذا لا يمكن أن يكون إلا لدولة معترف بها قانونياً، وكذا تسيير رحلات مباشرة من مطار صنعاء دون الحصول على ختم خروج من دولة معترف بها دولياً".
وأضافت غانم أن الحوثيين "باتوا يمثلون سلطة أمر واقع معترفا بها، ولا يُعترف بها كدولة، ولذا يتم التفاوض معهم بحجة أنهم سلطة أمر واقع، يسيطرون على جزء من الأرض اليمنية وفيها عدد سكان كبير، فهم بذلك أصبحوا سلطة أمر واقع، ويحصلون على العديد من الامتيازات نتيجة لذلك، مثل فتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء وغيرهما".
ولفتت غانم إلى الخشية من أن يخفّ الضغط الشعبي الذي كان على الحوثيين بسبب عدم دفعهم رواتب الموظفين، على الرغم من فتح ميناء الحديدة، ورغم الإيرادات الكبيرة التي يجنيها الحوثيون، إلا أنهم متخففون من دفع رواتب الموظفين في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم. وأوضحت أنه "كان هناك ضغط كبير متمثل في الاحتجاجات التي كان يقوم بها المعلمون أخيراً، وأيضاً التظاهرات التي شهدناها في ذكرى ثورة 26 سبتمبر، كانت هناك ضغوط كبيرة على الحوثيين ولكن المفاوضات الحالية تقود إلى صرف الرواتب، وبالتالي سيخف الضغط الشعبي على جماعة الحوثيين".
وأشارت غانم إلى أن "الهجمات التي قام بها الحوثيون على السفن في البحر الأحمر والصواريخ التي أطلقوها ضد الكيان الصهيوني سيكون من شأنها تخفيف الضغط عليهم، حتى وإن لم تصب هذه الصواريخ أي أهداف داخل الكيان الصهيوني إلا أن هذا يعيد الحجة التي يتذرع بها الحوثيون دائما من أن هناك حرباً وهناك معركة، وبالتالي لا يصح معها المطالبة بأي حقوق مدنية طالما هناك معركة".
ونوّهت غانم إلى أن "الحكومة الشرعية تستطيع أن تحافظ على مركزها القانوني إذا استطاعت أن تقدم نموذجاً إيجابياً في المناطق المحررة ونجحت في تحسين الخدمات والأداء، بالإضافة إلى عودة مجلس القيادة الرئاسي للبقاء في أرض الوطن، ومعه كل الهيئات، فثقل المركز القانوني للحكومة الشرعية مرهون بتقديمها أداء أفضل في مناطق سيطرتها".
الحوثيون... سلطة أمر واقع بلا شرعية
أستاذ القانون في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء الدكتور عبد الرشيد عبد الحافظ، قال لـ"العربي الجديد" إن جماعة الحوثيين تمثل مجرد سلطة أمر واقع في المناطق التي يسيطرون عليها، حيث توجد سلطة شرعية للدولة اليمنية ما تزال تحظى باعتراف ودعم دولي كامل قوي ومطرد، ولا يعني مجرد التفاوض مع سلطة الأمر الواقع إضفاء أي شرعية عليها".
ورأى عبد الحافظ، مع ذلك، أن "رخاوة السلطة الشرعية وتنازلها عن بعض صلاحياتها لصالح سلطة الأمر الواقع قد يؤديان إلى المساس بالمركز القانوني للسلطة الشرعية في حدود وأهمية الصلاحيات المتنازل عنها من السلطة الشرعية، ويؤدي أيضاً إلى إضفاء المشروعية على تصرفات سلطة الأمر الواقع في هذا النطاق، لكنها في ذاتها كسلطة، أي سلطة الأمر الواقع، تبقى في كل الأحوال فاقدة للشرعية".
من جهته، اعتبر المحلل السياسي ثابت الأحمدي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الحوثيين قوضوا الرمزية الدستورية للدولة، لا القانونية فحسب". ولفت الأحمدي، إلى أنه "في ما يتعلق بكون جماعة الحوثيين سلطة أمر واقع كما يرى البعض، ننظر أولاً إلى رضا الناس عنها: هل السواد الأعظم من الناس يعترف بها وراضٍ عنها، كما هو الشأن مع كل سلطات وحكومات العالم؟ وسؤال ٱخر: هل الحوثي يحكم أم يتحكم؟ الواقع أنه يتحكم ولا يحكم، لأن للحكم فلسفته وقواعده وأصوله، كعقد سياسي بين الحاكم والمحكوم".
وأما في ما يتعلق بالاعتراف بجماعة الحوثي، فقال الأحمدي: "نجزم أن الأغلبية الغالبة من الشعب اليمني غير راضية عنها وغير معترفة بها، والشأن ذاته بالنسبة إلى دول العالم باستثناء إيران التي اعترفت بها، أما موضوع المفاوضات مع جماعة الحوثيين، فهو أمر آخر". وبرأيه، فإن "كثيراً من دول العالم تتفاوض مع العصابات، لكن هذا لا يعني الاعتراف بها، ولا تزال الشرعية اليمنية هي المعترف بها إقليمياً ودولياً، وهي التي يتم استقبالها في أنحاء العالم".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن الحكومة الحوثي السلطة المركزية جماعة الحوثیین
إقرأ أيضاً:
حكومة نتنياهو تعيد تنفيذ الانقلاب القانوني وبأقصى سرعة
في الوقت الذي تواصل فيه حكومة الاحتلال تورطها في حروبها الدموية في المنطقة، دعت أوساطها مجدداً لإعادة خطوات الانقلاب القانوني إلى الطاولة، بدءً من معركة انتخاب رئيس المحكمة العليا، مروراً بإقالة أمناء المظالم في المكاتب الحكومية، إلى التمثيل الخاص في القضايا المثيرة للجدل في المحكمة، وهو ما أصبح ظاهرة، وهكذا يروج الوزراء بقوة، في زمن الحرب، لسلسلة التحركات المتفجرة.
توفا تشموكي خبيرة الشئون القضائية والقانونية، أكدت أنه "منذ تشكيل الحكومة الحالية أواخر 2022، وهي تواصل العمل من أجل تغيير الأمور بشكل جذري في الدولة، من حيث تغيير تشكيل المحكمة العليا، وتعديل نظام المشورة القانونية للحكومة، ووضع حد للتنفيذ الانتقائي، وقد عرض وزير القضاء ياريف ليفين قبل ساعات بالتفصيل خطوات الانقلاب القانوني التي روّج لها ويروّج لها الائتلاف الحاكم، ودعا لإعادتها على طاولة المفاوضات، في تأييد قاطع للتحركات التي تمت قبل الحرب، وتوقفت بسببها، زاعما أنه حان الوقت لتقديم الدعم الكامل لاستعادة تنفيذ ذلك الانقلاب".
وأضافت في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وترجمته "عربي21" أن "التغييرات الواسعة التي تهدف الحكومة لتعزيزها في علاقات القوة بينها وبين النظام القضائي لم تتوقف قط عن جدول الأعمال منذ بداية الدورة الشتوية للكنيست الشهر الماضي، حيث يستمر الانقلاب القانوني على قدم وساق، وسيصل لإحدى ذرواته من خلال عقد اجتماع لجنة اختيار قضاة المحكمة العليا التي أصدرت أمراً أجبر ليفين على عقد اللجنة، واختيار رئيس لها، لكنه كنوع من الاحتجاج والتحدي، لن يقدم الأخير مرشحيه لرئاستها".
وأشارت إلى أنه "من المحتمل أن تختار اللجنة رئيسا لها القاضي نوعام سولبرغ، أقدم قاض في المحكمة، فيما يريد الوزير أن يكون اثنان على الأقل من القضاة المنتخبين حسب اختياره هو، رغم أنه قدم مرشحين غير جديرين".
وذكرت أن "مظهرا جديدا للانقلاب القانوني يتمثل فيما ستناقشه المحكمة العليا في التماسات ضد "قانون السكن"، الذي يهدف للتحايل على واجب تجنيد أعضاء المدارس الدينية في صفوف الجيش، ويسعى مشروع القانون لمنح عائلات المتهربين من الخدمة العسكرية دعما ماليا من الدولة، أما الفقراء فلا، وبما أن هذا القانون، في رأي أمين المظالم، غير دستوري، لأنه يعطي الأولوية لتمويل أعضاء المدرسة الدينية الذين يرفضون التجنيد في انتهاك للقانون الاسرائيلي، فلن يدافع عنه وزير الرفاه يوآف بن تسور".
وأشارت الى مؤشر إضافي على استعادة الانقلاب القانوني المتمثل في "قرار الحكومة يوم أمس بإنهاء ولاية أمناء المظالم في الوزارات الحكومية بحلول نهاية العام، ممن ظلّوا في مناصبهم لفترة طويلة، وهذه خطوة قانونية، لكن الطريقة التي اتخذت بها الحكومة القرار بسرعة، أيضًا هذه المرة، خلافًا لموقف ديوان المظالم، يشتبه في أنها تريد إقالتهم بسبب اعتبارات دخيلة وشخصية، وتعيين مستشارين قانونيين موالين للوزير المكلف".
وختمت بالقول إن "إجراءات اختيار مفوضي الخدمة المدنية تتمثل بأن يقوم رئيس الوزراء قريبًا بتعيين لجنة بحث لاختيارهم، ويخشى أن تتحول الهيئة بعد تغيير الآلية إلى خدمة توزيع الوظائف على معاوني الوزراء والناشطين السياسيين على أساس الولاء فقط، وليس المهنية، وهي كلها مؤشرات لا تخفى على أحد بشأن استعادة الانقلاب القانوني الذي أوقفته الحرب على غزة".
عوديد شالوم الكاتب في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أكد أن "ليفين، الرأس المدبر للانقلاب القانوني، لن يهدأ له بال حتى يحترق النادي كله على أصحابه، رغم عدم توقف الحرب الجارية لأسباب حزبية، وحادثة إطلاق القنابل المضيئة على منزل رئيس الوزراء، لكن ليفين يواصل طريقه لمحاولة هدم النظام القائم مرة أخرى، كما فعل في الأشهر التي سبقت هجوم السابع من أكتوبر، من خلال تنظيم هجوم تشريعي مناهض للدولة، بحيث يظهر الشخص المسؤول عن الاضطرابات الأكثر رعبا وفظاعة التي شهدها المجتمع الإسرائيلي".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "عودة الحكومة لتنفيذ انقلابها القانوني يعني أنها تريد أن توجه للإسرائيليين الضربة القاضية الآن، بما يعنيه من عودة مجددة للانقسام الرهيب والاستقطاب والاحتجاجات الجماهيرية، رغم إدراك حماس للنقطة المتدنية التي وصلت إليها الدولة، واستغلت ذلك في هجومها لتفاجئنا، ومنذ ذلك الحين والإسرائيليون يخوضون حربا متعددة الجبهات، ويقاتل الجنود معًا: من اليمين واليسار، من المستوطنين والعلمانيين، من المدن والضواحي، ومن جميع شرائح المجتمع تقريبًا".
وأكد ان "ليفين غير مهتم بحقيقة أن الجيش يحتاج بشكل عاجل لعشرة آلاف جندي، ورغم ذلك فإنه سيحلّ مع ائتلافه اليميني أزمة تجنيد اليهود المتشددين في مزيج ما، وهو غير مهتم بنقص القضاة في النظام القضائي، وهذا السبب في أنه نظام عالق، والبتّ في القضايا يطول، هذا الوزير لا يهدأ له بال حتى يحترق النادي على رؤوس الإسرائيليين".
وأشار إلى أن "تعمّد الحكومة في استمرار الحرب التي لا نهاية لها، لأسباب شخصية وحزبية بحتة، تهدف لصرف انتباه الإسرائيليين عن رؤية الصورة الكبيرة، وهي أن ليفين واليمين الموالين لبنيامين نتنياهو مصممون على تشويه البنية السياسة القائمة في الدولة".