سلسلة روائع الأدب اليمني.. الشاعر الكبير الراحل عبدالله البردوني ح5.. إعداد حسن المرتضى
تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT
مجموعة من روائع الشاعر الكبير عبدالله البردوني
مجموعة من روائع الشاعر الكبير عبدالله البردوني
(ربيعية الشتاء)
..
هذا الذي سمَّيتُه منزلي
كان انتظاراً قبل أن تدخلي
كان سؤالَ القلب عن قلبه
يشتاق عن قلبيْه أن تسألي
أن ترجعي مثل الربيع الذي
يغيب في الأعواد كي ينجلي
أن تصبحي مثل نثيث الندى
مثل نجوم الصيف أن تُلْيلي
أن تومئي واعدةً ليلةً
وليلةً تنسين كي تبتلي
كيما تنادي الأرض: أجنيتِ يا
حدائقي أينعت يا سُنْبلي
***
أَقَبْلَ سُكْرِ الوعد، قالوا صحت؟
أيُّ هوىً أرغى بها: عجِّلي؟
هذا زمانٌ مذهلٌ ذاهلٌ
عنه فمن حاولتِ أن تُذهلي؟
ذا جمر صنعا خُفْتُ إذ أحرقوا
فيه (بخور الشيخ) أن تسعلي
أن تصرخي: هل رامني موئلاً
مَنْ غاب عن حسبانه موئلي
أظنُّ ما أسرعتِ كي تُدهِشي
هل قال داعي القلب أن تُقْبلي؟
أقول ماذا؟ صاح من لا أرى
: عليك من نصفيْكِ أن ترحلي
من مكتب التأجيل قالوا: ثبِي
أنهي كتابَ الأمس؟ لا، أجِّلي
لا تحملي أيُّ كتاب ولا
دواةِ (جيفارا) ولا (الزِّركلي)
رحلتُ منْ ساقي، إلى سُرَّتي
منْ أعْرَضي أعدو إلى أطوَلي
مفاصلي كانت طريقي وما
درتْ حصاةٌ أنها مِفْصلي
***
أَقرأتُ كفِّي البرقَ حنّى فمي
قرأتُ كفَّ المشمش الحوملي
هل مرَّ يا ابْني مَنْ هنا أو هنا
أيُّ جوادٍ جَدُّه (مَوْكَلي)؟
هل خلتَ موّالاً كسرب القطا
يزقو ويدعو: يا ربى موِّلي
***
أسمعتُه (الجرّاش) و(القَعْطَبي)
بكى على (بستان) و(الموصلي)
ومدَّ نحوي سلّةً لم يقل
صِلي بها مهواك أوْ وصِّلي
***
ناديتُ: ياذا الورد ضمِّخْ يدي
فقال: أهلي قطَّعوا أكْحلي
وقال (قاعُ الوطْية) استخبري
(عيشانَ) عن قمحي وعن خردلي
***
ماذا ألاقي يا (بن علوان) قلْ
يا(عيدروسُ) احْمِلْ معي مُثْقِلي
أيٌي، أنا، بيني وبيني، على
أيِّ الشطايا وجهيَ الجرْولي
***
سألتُ ذاتَ الودْعِ ما طالعي؟
أفضتْ بردَّيْنِ: عليَّ ولي
لأيِّ أزواجي جنى عِشرتي
خذي سواهم قبل أن تحملي
جمالُ هذي الحقْبة استْنوقَتْ
والآن يا إنسانة استرجلي
وغيِّري (يحيى بيفنى) وكي
تُبدِّلي عن جوفكِ استبدلي
***
واحتثَّني مُسْتقبلي قبل أن
أعدَّ رمّاني ولا حنظلي
قولي: أيبدو منزلي غير ما
عَهِدْتهِ مَنْ قبل أن تنزلي
تنحنحتْ مثل الخطيب الذي
أنساه شيءٌ، صوتَه المحفلي
***
كان كوجْر الضبِّ ذا البيت لو
أتيتِ قبلاً خفتُ أن تجفلي
والآن مَنْ بعد التصابي صَبا
وقام بعد العري كي يحتلي
أحضانه امتدت وجدرانهُ
سكرى على قاماتها تعتلي؟
لكل قنديل وكأسٍ صِباً
ولليالي فرحٌ مشتلي
وذكرياتٌ ضاحكات كما
حكى (الخُفَنْجي) عن (علي عَيْطَلي)(6)
قال (الشبيبي): نجمكِ الثور يا
(قرنا) وأبدى شكَّه (العَنْدَلي)
قال اجتلى هاءً ودالاً بلا
حاء وواوٍ، فاقطعي، أو صِلي
***
يُقال أخبرت الشذى أنني
رسولةٌ لم أنتخب مُرْسَلي
فقال: باسمي ضلَّلوني وبي
حيناً، وقالوا: باسمهم ضللي
***
يبدو لسمعي (هَبَليّاً) فهلْ
تحسُّني ألحاظُهُ (المَقْبَلي)
بُولي على جبهته، فادّنى
وقال: شدِّي لحيتي واتفلي
أراكِ غيري آخر المنتهى
بدءاً، ونادى مَنْ هنا بسملي
قل: أصبح الشطران بي شطرةً
لا بأس في جرحيك أن تَرْفُلي
***
هل تسمعين الزفَّةَ الآن؟ لا
أصمَّني يا (دامُ يا بَلْبلي)
تسعون طبّالاً وطبّالةً
شهراً وقالوا: مثلُهم طبِّلي
***
هناك من يأبى: أقيلَ انظمي
للكل داراً، أم بها كبِّلي؟
أأنت من غنيتُ: جودي لنا
بالوصل، هل أبكي لكي تبخلي؟
ومَنْ ينادي كالشعاع اهبطي
ومن يفادي عن هنا حوّلي؟
ومن يرى فرديّة الجمع في
كفيك عهداً نصف مُتوكِّلي؟
وقائلٍ كم قيل ما دّللوا
عنها، ولا قالوا لها دلِّلي
عشرين عاماً: سوف تأتي غداً
ما اسم الذي كان بها مُختلي؟
وسائلٍ: ماذا سيجري؟ لمن
جاءت، أيا خضراء لا تأْمُلي
فما أفادت علم شيءٍ سوى
ما ينبغي يا أُمُّ – أن تجهلي
صوغي على كفيك أخرى تريْ
صباك في مجلى صباها الجلي
هل ذاك – يا أولى – الذي يحتفي
إذ جئتِ يخشى الآن أن تأفُلي؟
***
هناك مَنْ يسلوك من يجتوي
هنا الذي يدعوك يا معقلي
ويفرش الخدّين كي تخطري
ويملأ الكأسين كي تثملي
كلي تحلمي حلم النواسي، صحا
من سكرة (الكرخي) بقُطرُبُّلي
وواقف يفديك فهّامةٌ
ترقين مثل الشمس كي تعدلي
يجلو بعينيك الرؤى تالياً
نصف كتابٍ كلُّهُ ما تُلي
مُعوّذاً كفيك أن تأخدي
وُرَيْقَةً من قبل أن تبذلي
***
وقالت الربْوات: أعطي فمي
ثدييك أربو قبل أن توغلي
وقالت الأرهار: لا تعبري
فوقي فيلهو الشوك في مقتلي
***
وللمقاهي عنك صوتٌ لهُ
أيدٍ، وصوتٌ فاقع بُلبُلي
وصائح يدعوك أن تقفزي
وهامس يوصيك أن تكسلي
محاذراً أن تأكل الجمر عن
أنياب مقتاديك أو تؤُكلي
تدرين؟ كم قالوا ولم يفعلوا
قولي: تنحّوا جانباً وافعلي
***
يرتاب هاذ الحيُّ أن تنجزي
يودُّ ذاك الربع أن تمطلي
ذا يرتئي: تلك التي أهجعت
قلاقلي ما أقلقت عُدّلي
أشمها مائدتي سائلاً:
متى انتهى من طبخها مرجلي؟
***
وقال شادٍ: ما شدت مثلها
أسمار أعراسي ولا مَقيلي
أنسى الدجى والصبحَ وقتيهُما
صوتان: عَوديٌ يلي كُعدُلي
كيف التقى نصفي بنصفي ضحىً
في نضج مكرِ العصرِ يا مأملي
***
وقال مضنٍ يا لعقيم التي
شاءت مواني (هنتُ) أن تحبلي
يا بنتَ أُمَّ (الضمدِ) قولي لنا
: أيٌّ عليٍّ سوف يخصي علي
قولي لماذا كنت أمثولةً
سحريةً من قبل أن تَمثُلي
***
فقال هَجسُ الأرض: مني رقت
تعيد تشكيلي، ألا شكِّلي
منْ بعضها انصبتْ إلى كلِّها
أكلُّ وادٍ قال ذي منهلي
شغلت أعراق الثواني فهلْ
يرضي سُهيلاً عنه أن تشغلي؟
في طعم ريق القات تَحمينَ عن
ما قال تُفشين الصّدى المخملي
تسرين في الكاذي فتدنين من
عينيه وجه البارق الأحول
تَنديْنَ في (ياظبي صنعاء) هوى
تَشجينَ في أنفاس (ياصيدلي)
في الحبر تحمرّين أنشودةً
في الكأس تبيضِّين كي تُشعلي
في الجمع تذكين الجدال الذي
يميز الأبقى من المرحلي
هل أنت من تُحيينَ كي تعظُمي
أو أنت من تُحيينَ كي تَقتُلي؟
هل خاتمي قانٍ؟ ألي خاتمٌ
يكفي يدي أن سَلمتْ أنملي؟
يا صاحب الصاروخ قلبي على
كفِّي كتابٌ خلفهُ منجلي
***
لا بدَّ من أن تُنْبهي خاملاً
وكي يُرى لابدَّ أن تخملي
لا بدَّ من أن تحتفي بالتي
وبالذي لابد أن تحفلي
مَنْ ذا سيعطيك لتعطي ومَنْ
قال خذي، قال الحسي مَغْسَلي
مادَام ذاتُ الأمر مأمورةً
به، دعيه قبل أن تُعزلي
– مني ابتدا نهجي، ألا فليكنْ
صعباً ولايخشاكِ أن تَسُهلي
***
يا طلعةً ماأذبلت مطلعاً
تقدَّمي هيهات أن تذبلي
ويا ربيعاً شق عمر الشَّتا
تهدّلي للصيف واخضوضلي
إن زيّن الإكليلُ مَنّ قبلهُ
فكلِّلي مَنْ بعده كلِّلي
***
مذ جئت جاء البدءُ مَنْ بدئِه
وعاد من آخره أوّلي
واجتاز ومضاً كان مُستدفئاً
به إلى الوهج الذي يصطلي
فأنكر التأريخ تأريخهُ
لمّا استبان الأمسُ مستقبلي
: لا رأسمالياً أرى ذا الفتى
ولا اشتراكياً ولا هيجلي
لا في (بني عبد المدان) اسمه
لا من (بني باذان) لا (عَبْهلي)
وعنده زائرة مثلهُ.
تزف (عنِّيناً) إلى (المُشكِل)
ردّي على التأريخ يا بنتَهُ
لا تخجلي يؤذيه أن تخجلي
قالوا: إلى نصف الطريق التقوْا
سجِّل بلا حيفٍ وقلْ: حلِّلي
زادوا على رأسي رؤوساً فهلْ
تزيدني رِجلاً إلى أرجلي
ضع نصفيَ الأعلى على الركن أو
حوِّل أعالي قامتي أسفلي
ما اقتاد تغييرٌ خطاي التي
صيَّرن ما لا ينطلي ينطلي
***
وأنت يا هذا؟ يقال الذي
سوف يلي يومي أبى أن يلي
لا هذه (سَيّان) لا غيرها
لا (العبدلي) ثانٍ ولا العبدلي
مَنْ غيّر التشكيلَ عن شكله؟
قوّى على (الصِّلْوي) يَدَ (المقْولي)
***
فاستضحكت قائلةً: أيُّنا
أراد هذا، قلتُ لا رأي لي
أمّا أنا ما جئت كهفي أنا
وأنتِ كهفٌ بالمنى تغتلي
تهوى سعاداً، ليدياً، غادةً
وأختَ (هنري) وابنة العوذلي
كان ابن جدي زوجَ عشر إلى
أن طلّقتهُ (هَيْدبُ الحوْقلي)
***
نبغي وتخشى نصف ما تبتغي
فتنثني مثل الشَّجيِّ الخلي
ترجو ولياً نائياً خيرةً
فاختار لقيانا مزارُ الولي
***
تمثال هذا هيكلي، أنتَ بي
كصورة فيما اسمه هيكلي
أعطاكِ طنبوراً، أنا مصحفاً
فاعزفْ، ويا أميّتي رتّلي
***
عزفتُ غازلت التي والتي
حتى أتتْ مَنْ كسّرت مغزلي
فالتمّ بحر القلب في كفّها
كوباً بنهديْ كرمةٍ يمتلي
***
إلى رضاعي جئتِ مني ومنْ
تخرُّجي فيكِ ابتدأ مدخلي
كي يرتدي عينيك معنى الضحى
كي تبتدي الأنهار من جدولي
***
أما تساقينا البروقَ المِدى
وآنَ أنْ أغلي وأنْ تهطلي
أن ينشر (المهديُّ) منك اللوا
أو يركض (الدجّال) من منزلي
مايو-يونيو 1990م.
(يوم انفجارها الغضبان)
..
لوس أنجلوس، لوس أنجلوس
موت يزفه عرس
حرائق وأعين
يقبرن وضعاً مندرس
يجدن لحمهن في
جلود كل مختلس
* * *
لوس أنجلوس كل المدى
بكل ومضٍ تنجنس
وادٍ على غمامةٍ
بحر على تل ملس
صبيحة كي تنتقي
شمسين عادت تغتلس
فجاءةٌ نصت على
باب القياس لا تقس
* * *
زمان وصلٍ عنده
كل البقاع الأندلس
ينصب أحضاناً إلى
قعر الطيوب تنغمس
وقبلةً فأربعاً
ترن حتى تنهمس
* * *
من ذا ابتدت؟ تكاد من
عنف الوضوح تلتبس
لوس أنجلس تشع من
خلف مرايا (الكنقرس)
كأنها نبوءة
تتلو كتاباً منطمس
* * *
تحصي ضلوعها: متى
وأين ضيعت الخمس؟
تعد كم (ددشي) هنا
وكم هناك (توفلس)؟
ما لي ك(روبسبير لا
جمهور باريس الحمس
ماذا أرى نظافةً؟
هنا الذي لا ينكنس
من أبأسوا واطناً
يزهون، لا من يبتئس
لهم محفةٌ تقي
وأكلب عطشى تعس
تهر حولهم وفي
أبراجهن تلتحس
* * *
من يا (سبرت).. قال لا
إلاك والكل خرس
قالوا: عصى عبدالعصا
من ثور الطين النجس
يساط شهراً بعده
يشريه أقوى مبتخس
* * *
لكن لماذا ما ذوى
ولا انحنى ولا يئس؟
كيف استطال هل درى
نخاسه من ينتخس؟
ما أهون الفلوس في
شرائه يا: (ميكلس)
أمن أتاك ثائراً
كمن أتاك يفتلس
* * *
كل الولاة واحدٌ
(فيكتوريا) أو تحتمس)
تسقيه سكرة العلى
غرور شيطان خنس
من قال لا، قيل إلى..
كي لا يشم ينتهس
ويخنق (الديك) الذي
يستوفز الفجر النعس
ويبتغي حجب الضحى
عن رؤية الشعب التعس
* * *
من قال غير (أحمدٍ)
أحصة الأم السدس؟
وما اتقى رئاسةً
لأنه لا يرتئس
* * *
وحدي أشب غضبتي
غيري له أن يحترس
من لا يرى لونيةً
ورأس مالٍ مفترس
بول الحمير أبيضٌ
وهو الخبيث ابن الدنس
لا الأبيض اسم بيتها
قالت: بعيداً ينفقس
لأنه يرعى دماً
ويبتني دماً يبس
بلا نهى مدججٌ
ينوب عن أعلى القسس
لكل ذا خلعته
من قرنه حتى الأسس
له قوىً بعكسها
تلهو إلى أن تنعكس
* * *
خلعت عسكريتي
خلع الصباح ما لبس
قالوا: أتت كما أتى
من غيبه الروح القدس
من كان أمس خصمها
غدت تحس ما يحس
لأن قلبها لها
بكل قلبٍ يأتنس
لا فرق إن قادت وإن
أعطت قيادها السلس
* * *
تحن كالمعنى إلى
شعريةٍ كي تنبجس
كسحرةٍ تدني ضحىً
بالياسمين مترس
* * *
ماذا ينث جيمها
وأي لاميها يهس
وأي سينيها الذي
يروض المعنى الشرس
* * *
ذا يومها صف أمسها
هل فيه غيب ينحدس؟
كان يرمد الندى
يحاصر القلب الهجس
وكل برقٍ ينتوي
وكل عصفورٍ ينس
ألهته شهوة القوى
عن أن يراه ينتكس
* * *
لوس أنجلوس متى محت
هذا، صحت كي يرتكس
قالت لرمسها انفلق
لابن الأساطيل ارتمس
* * *
قل أي كبتٍ فجرت؟
قل أين كان منحبس؟
جاءت لهيباً يمتطي
ناراً، وأخرى تقتبس
كلجةٍ تدس في
صبر الشطوط ما تدس
طفولة من حبها
تحب كسر ما تجس
* * *
من جمرها تبرعمت
أجنت ولما تنغرس
تعطي وتدني لكي
يرقى إليها الملتمس
أغسطس 1992م
(علامات بزوغ المحجوب)
..
لأن إليكَ القضيَّهْ
ومنهى المنى الآدميَّهْ
تغاوي مسوخاً، لها
ألوف العيون الذكيَّهْ
وأيدٍ بروقيةٌ
وأوردةٌ مدفعيَّهْ
* * *
لذا تُسكت النار عنك
بإيماءةٍ معنويََّهْ
بسرِّية الورد في
جيوب الرياح الرخيَّهْ
بأوطار دنيا تلوحُ
سوى هذه الدنيويَّهْ
* * *
تطلُّ على غفلةٍ
مِن الشمس شمساً فتيَّهْ
ترى كل عين ولا
تراك سوى الأريحيَّهْ
كحلم الكرى تنمحي
تُرى كالسماء الجليَّهْ
* *
لأنك مهوى الهوى
ومجنى الوعود الهنيَّهْ
وذكرى شباب العجوز
وحلم الفتى والصَّبيَّهْ
وشوق الدوالي إلى
شفاه الكؤوس الظميَّهْ
تذوب لكي تبتدي
فتكبر فيك البقيَّهْ
وتنأى لكي تدَّني
علاماتُك المبدئيّهْ
* * *
أتمّت شروط الخروج
أجب يا اكتمال الرزيَّهْ
أما انحلَّت الأرض عن
تقاليدها الموسميَّهْ؟
أليس المصابيح عن
ضحايا الأماسي عميَّهْ؟
تُسمّي النفاق الولا
وسلب الأماني، عطيَّهْ
إلى العين ترمي السَّنا
وفي القلب تطوي الشظيَّهْ
* * *
فلا الصبح صبحٌ، ولا
لأي مساءٍ هويَّهْ
ولا لون للون لا
لعنف الأسى مأسويَّهْ
ولا قتل نصف الملا
سوى خطرةٍ جانبيَّهْ
غدت كل حرّيةٍ
على الأرض أشقى سبيَّهْ
لأن الرُّواغ ارتضى
فأرضى بغير الرضيَّهْ
* * *
أما ذا دليلُ على
تدلّي رؤاك البهيَّهْ!
وإشراق عينيك مِن
وراء السدود العتيه
وإفصاح كفيك عن
سكوت المعاني العليَّهْ
* * *
تبيَّنْ وسلْ ما ترى
قناديلك المعرفيَّهْ
على أي نهرٍ تدلُّ
بقايا الضفاف الزريَّهْ
* * *
إلى كم تمدُّ المنى
إليك القلوب الشجيَّهْ؟
كعانٍ بسكر الكرى
يلاقي كنوزاً خبيَّهْ
* * *
لقد آن أن تنجلي
مِن الجُبَّة السندسيَّهْ
تفي عِدَةً أسمحَت
وكانت شروداً أبيَّهْ
تعرّي (أبا مُرَّةٍ)
مِن البزِّة العسكريَّهْ
تقيم القيامات مِن
تضاريسها الداخليَّهْ
* * *
مِن الآن للمشتهى
صِباً للتصابي شهيَّهْ
هواميك إن أقلعت
هَتونٌ، تلتها سخيَّهْ
تجود بقاع الحِمى
لترقى طروباً شذيَّهْ
لها عشق إنسانةٍ
وذاكرةٌ كوكبيَّهْ
لحصبائها أعينٌ
لتربتها (ألمعيهْ)
لأعشابها كالصِّبا
غرورٌ بريء الطويَّهْ
* * *
تُغني عليها الضحى
وتُصبي النجوم السنيَّهْ
وتُملي – كما أخبروا –
على كل شبرٍ وصيَّهْ
لكي يُسفر المنطوي
لكي تفصح الأعجميَّهْ
* * *
ويَهديك هجس الثرى
إلى الحكمة السرمديَّهْ
فتتلوه مِن بَدئِه
إلى آخر المسرحيَّهْ
هنا تنبري راكضاً
هناك تطيل الرويَّهْ
لجدَّيك تُمسي أباً
لسبطيك أمّاً حفيَّهْ
* * *
تناجي السواقي كما
تحيّي الفتاة الحييَّهْ
وحيناً كلمس الندى
نهودَ الكروم الجنيَّهْ
ترى كل غصنٍ كتاباً
وكل حصاةٍ نبيَّهْ
تحس هسيس الكَلا
مجادَلةً فلسفيَّهْ
بشيخوخة المنحنى
تناغي صِبا الأبجديَّهْ
توشّي الممرات مِن
خيالاتك الزنبقيَّهْ
* * *
تُواري “الخفاش” الذي
له كل صبح عشيَّهْ
تقول لأعتى القُوى:
قفي لن تكوني قويَّهْ
ولا سلطة المنتضي
يديكِ ستمسي عصيَّهْ
فأنتِ له تارةً
وأخرى عليه بليَّهْ
كذا مَن يحب الورى
يعادي الصفات الدنيَّهْ
* * *
أمليونُ عمرٍ لديك
أمليون نفسٍ زكيَّهْ؟
تخوض الوغى مثلما
تؤدي جواب التحيَّهْ
وتغشى الضواري بلا
نيوبٍ بلا بندقيَّهْ
لأنك أقوى حشاً
على (الليلة النابغيَّهْ)
وأصفى لذات الصفا
وأعدى لغير الصفيَّهْ
تُحامي ولا تحتمي
تلبّي نداء الحميَّهْ
وفي النار تهمي ندىً
وتذرو الطيوب النديَّهْ
* * *
فحادي أزيز الردَّى
إليك كمعطي الهديَّهْ
لأن الذي يتّقي
يعيش ذبيح التقيَّهْ
* * *
تضحّي ولا تكتفي
ولا تنكفي كالضحيَّهْ
فتعلو بهذا على
غرور الجباه الدعيَّهْ
* * *
مِن الموت تمضي إليه
أهذَّبتَ أُمَّ المنيَّهْ؟
أمِ الأرض أفضت إليك
بسرِّ قواها الخفيَّهْ؟
أمِ الموت أهدى إلى
أجدّ المرامي القصيَّهْ؟
* * *
إلى الريح يحكي الشذى
خرافاتك الواقعيهْ
فيشتَفُّ شيبُ الربى
غموض رُباك الطريَّهْ
* * *
أغانيك غيبيَّةٌ
وريَّاك مستقبليَّهْ
أكنت انتظاراً أتى
أهذي هي المهدويَّهْ؟
أأنت الذي علَّلوا
بهِ كل نفسٍ شقيَّهْ؟
أتبدو الذي ميَّزوا؟
أراك جديد المزيَّهْ
تُوحِّد فيك الجموع
وتعتمُّ بالمثنويَّهْ
أأنت بديل الذي
أتى، أم سيولٌ أتيَّهْ!!
* * *
أجئت اعتراضاً على
رواغ الظروف الغبيَّهْ
على كبرياء العصا
على شِرعة الفوضويَّهْ
بشيراً بما ينبغي
وتبغي القلوب النقيَّهْ
* * *
بكفَّيك زيتونةٌ
وسِفرٌ يرى كل نيَّهْ
وأرضٌ ربيعيّةٌ
وبحر كظهر المطيَّهْ
ومحبرةٌ ناهدٌ
وقيثارةٌ عبقريَّهْ
* * *
فمن أي إيماضةٍ
طلعت وضيء السجيَّهْ؟
كمعجزةٍ مِن هُدىً
كأسطورةٍ شاعريَّهْ
كمشروع قلبٍ لهُ
على قلبه الأسبقيَّهْ
كبدءٍ مِن المنتهى
ومِن قبل بدء البريَّهْ
عام 1988م
المسيرة نتالمصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
الأدب والمرايا
فـي نهاية مقالتي السابقة «الأدب والدواء» (1 - 1 - 2025)، قلت إن علينا «أن نسأل اللغة. علينا أن نواجه أنفسنا بالنصوص وبالآخرين». هنا، يبدو المعنى الحقيقي للأدب أي أن عملية فك الرموز هو ما يفعله كل قارئ طالما أنه فضولي. وتوضيح الطريق، هو ما يفعله كل كاتب، وهكذا فإن الكلمات، التي تردد بعضها البعض، تتحدث عن عملية مرايا، إن الفجوة الثقافـية بين العلم والأدب ما هي إلا راحة للعقل تسبب الكثير من المضايقات، وفـي الحضارة إزعاجًا ملموسًا. فك رموز النص ليس بهذه البساطة كما يبدو. للحصول على فكرة عنه، علينا أن ننخرط فـي هذا التمرين لفترة طويلة، وأن لا نبقى خارج النص بل أن نسمح لأنفسنا بالتشبع به من أجل اختراقه. بعبارة أخرى، بعد أن اختبرناه بعقول غير مقيدة، ما علاقة هذا العمل بالعناية؟
وهنا أيضا ينبغي أن نُفرد السؤال. علينا أن نحاول أن نقترح. أن نقول. أن نفتح مساحة، فـي ما أفعله من ثقافة - ثقافتي- مجزأة مثل ممرّ السوبر ماركت، وهي ثقافة تبدو أحيانًا وكأنها فـي حالة تراجع. لكن الأدب هو أيضا «مثل طائر الفـينيق»: إنه لا يتوقف عن الولادة من رماده من جديد منذ فجر البشرية. ويحدث ذلك تحت الأرض، عندما يحد المجتمع من إمكانية سماعه. ثم يصبح غاضبًا، وأكثر تخريبًا من أي وقت مضى، وأكثر خطورة، وأكثر إضاءة. يتم تداوله بالخفاء. لذا أرغب فـي نشر هذه الكلمات. فـي تمزيقها بعيدا. فـي كتابتها، فـي قراءتها ولو سرا على ضوء الشموع. كلمات أرغب فـي أن تعبر حدود الكتاب المسجونة فـي داخله. ما هي هذه الحاجة الحيوية للقراءة والكتابة، التي تستهزئ بها كل القوى العاجزة عن تدجينها والممتدة عبر القرون؟
لنعد إلى مفهوم العناية هذا (الذي طرحته فـي مقالة «الأدب والعلاج، بتاريخ 18 - 12 - 2024)، وهو مفهوم أساسي فـي الطب. قد يكون الشفاء هو هدف كل إنسان يعمل بالفن. لكن هذا الفن، حتى لو رغب فـي ذلك، لا يستطيع أن يفعل كل شيء. يواجه الطبيب حدودًا كل يوم. معرفته نفسها تواجه حدودا. فحقيقته - المؤقتة إن كانت علمية - ليست حقيقة المريض. إن معالجة الجسد المتألم لا تعني معالجة الذاتية التي تتغلغل فـي هذا الجسد الضعيف الذي ينزلق فجأة.
ماذا لو كانت حقيقة المريض أكثر أبدية من حقيقة العلوم الاختزالية التي أسست الطب الحيوي؟ ربما من شأن التحول الثقافـي أن يفتح العديد من الأبواب. لم أصل إلى هناك بعد. العقائد المعاصرة لها كلمتها. بدلاً من فك رموز اللغز، بدلاً من دعم كل شخص واحدا تلو الآخر فـي عملية فك الرموز الحيوية هذه، نقوم بتشفـيرها. لأننا نحسب كل شيء، لأننا عشوائيون. وهذا النهج مفـيد، فـي بعض النواحي، وتبرز إلى السطح حقائق جماعية ظلت من دون أن يلاحظها أحد. وما زلنا بحاجة إلى فهم حدوده. كيفـية تفسير النتائج؟ بمَ تتعلق؟ الطب المبني على الأدلة، اليوم، لا يدعم نفسه إلا من خلال عدم التشكيك فـي الإطار الثقافـي الذي يقع فـيه ونموذج الأدلة المحتفظ بها. كل فكرة تتناسب مع الإطار. إن عدم التفكير فـي الإطار هو تعريض النفس لكل التجاوزات التي يعرفها التاريخ جيداً. لقد خدم العلم أيضًا أسبابًا لا توصف، ولا ينبغي لأي طبيب أن ينسى ذلك أبدًا. فالعلم من دون ذاكرة هو مجرد عقيدة مثل أي عقيدة أخرى، وخطيرة مثل أي عقيدة أخرى. والوعي من دون ذاكرة هو مجرد قوقعة فارغة. وحده الأدب، الذي ليس خطابًا، بل ذكرى وخلق، هو الذي يسمح بانتهاك العقائد. فـي بعض الأحيان إلى الأسوأ، ولكن فـي بعض الأحيان أيضا إلى الأفضل.
الأدب، هو أمّ كلّ العلوم الإنسانية، هو المكان الذي يتمّ فـيه التعبير عن جميع الحقائق، وجميع المعتقدات، وجميع الأكاذيب فـي العالم ونقلها. تعلن الإنسانية فـيه بموهبة أكثر أو أقل عن شكواها، وضيقها، ورغباتها، وأوهامها، وانزياحاتها، وآمالها، واكتشافاتها. إن النص، بصفته مرآة، هو أيضًا مكان للقاء واكتشاف الآخر والنفس، كل واحد محفور فـي وقته ويرتبط، بطريقته الخاصة، ببعد من العالمية. نجد أنفسنا فـيه، مثلما تقول الفطرة السليمة. نحن نتعرف على أنفسنا فـي داخله. ولكننا أيضًا نفرد جناحينا فـيه، مثل الفراشة التي تخرج من شرنقتها، نكتشف أنفسنا... أحيانًا نكون أقل وحدة مما كنا نعتقد، مهما كنا فريدين. افترض فرويد أن الإبداع الأدبي يخفف التوترات العميقة. لكنه اختزل الإبداع الأدبي فـي التعبير عن الأوهام فـي شكل جمالي مُرضٍ، وهو ما يؤدي إلى التقليل من قيمة جزء كبير من الأدب الإبداعي الذي كان هو نفسه جزءًا منه. لا يمكن اختزال الإبداع الأدبي فـي حلم اليقظة، حتى لو كان مرتبطا دائما باللاوعي. إذا كان الأدب يأخذ مصادره من «جسد» (والذي يبدأ حتى قبل ولادته بكونه «جسما»)، فهو أيضًا تعبير عن علاقة واعية (أو لا) لهذا «الجسد» مع عالم عصره، مع النصوص، وخاصة مع لغة عصره. وهذه أيضًا هي الطريقة التي يجد بها القراء أنفسهم هناك ويجدون الغذاء هناك. من ناحية، يعمل الأدب مثل نزل إسباني، حيث يقرأ معظمهم فقط ما يعرضونه هناك ويستمدون المتعة منه، ومن ناحية أخرى، يعمل الأدب كنافذة مفتوحة على الآخر، على العالم وعلى الذات. إذا كان الصوت الذي يتحدث فـي النص يتحدث إلى قلبك وجسدك، فـيمكن أن تصبح القراءة فـي بعض الأحيان تجربة داخلية ويمكن أن يتغير شيء ما فـي الحياة. وفـي هذا الصدد بالفعل، يعد الأدب علاجًا، لأنه يخلق روابط بين الكائنات ويغير حياة الآلاف، بل الملايين. فهو يسمح للمشلول بالسفر، وللأعمى أن يرى عوالم مجهولة، وللأصم أن يسمع أصوات البشر وهم يتحدثون مع بعضهم البعض وإليه. الأدب عبارة عن خيال وواقع حساس منسوج بإحكام، بحيث يمكن للقارئ، الذي تهدهده لغة تحييه، أن يبدأ فـي الحلم مرة أخرى، فـي التفكير، وأن يولد من جديد لنفسه وللعالم. المرض الذي يواجه الجسم الآلي الذي لم يعد يعمل، يغرق فـي الظلام. فـي مواجهة هذا الظلام المهدد، يعيد الأدب تنشيط تروس هذه الآلة الفاشلة بالنفس والرغبة والمعنى، وربما يعيد ربط الجميع بإبداعهم الفريد، الذي يتم خنقه أحيانًا لفترة طويلة. لماذا لا تكون لهذا الإبداع المتجدد تأثيرات عضوية؟ فـي أي حال، حتى النهاية، وطالما أمكن إبعاد الألم، يظل الأدب شعلة ترتعش فـي الليل وتربط المريض، وقد اختزله الطب الحيوي إلى جسد مشبوه، واستُبعد بوحشية من العالم من خلال هذه التجربة الحميمة التي تعزله وترعبه فـي مجتمع الأحياء. هل هذا صحيح؟ ننسى شيئا أساسيا: الكتابة أيضا تفرض «أمراضها» على الكاتب، تفرض عليه انسحابا من واقع، ليعيش مع كلماته التي يخطها. تفرض عليه عزلتها هي، لا عزلته هو. الكاتب ليس معزولا حين يجلس بين كتبه المليئة بملايين الشخصيات والأحداث التي يحاورها باستمرار. لكن منطق الأشياء يفترض أن يبتعد عن كلّ شيء، ليستقدم الوافدين الجدد، الذين لا يعرفهم، ويحاول أن يفهم شيئا عنهم، يحاول أن يتآلف معهم على أقل تقدير.