قامات مضيئة عبر “أثير”: استشهاد الشاعر سليم النفار وعائلته
تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT
أثير- مكتب أثير في تونس
إعداد: محمد الهادي الجزيري
انضمّ إلى أسراب الشهداء الشاعر سليم النفار هو وكافة أفراد عائلته ..، وإنّي برغم الألم أصرّح : سيكون نصرنا فاخرا وكبيرا رغم فداحة الخسارة التي نتكبدها ونتجرعها من العدو النازي الصهيوني ..، إنّا لها فاضرب ..سيطير الحمام أعلى من مدى عيوننا وأرواحنا ..، المهم أنّ بوادر الانتصار بدأت تهلّ .
وقد ولد الشاعر سليم النفار 27/8/1963 في مدينة غزة، ويعد من الشعراء والكتاب الفلسطينيين الذين أسهموا في المشهد الفلسطيني الثقافي وتم إبعاد هذا الشاعر إلى الأردن ثم إلى لبنان، ثم إلى سوريا وعاد إلى الأراضي الفلسطينية عام 1994م بعد عودة السلطة الوطنية الفلسطينية من خلال اتفاق أوسلو، وعمل كاتبا ومحررا في مجلة الزيتونة وعمل والد الشاعر في صفوف المقاومة الشعبية الفلسطينية من خلال انضمامه بمنظمة التحرير الفلسطينية، وعلى إثر ذلك قامت إسرائيل بإبعاده إلى المملكة الأردنية الهاشمية عام 1968
وله قصيدة بعنوان : شهيد ..، نقتطع منها هذه الفقرة :
” جاءها الخبرُ الرصاصُ
ينهبُ الذاكرةْ
لم تكنْ على أهبةٍ للانتحابْ
هي لم تره
لم تر دمه
وكان الوقتُ من ماسٍ
والماس من دمعٍ
فتذكرتْ غيمتين
لاحتا
في أفقِ عينيهْ
آهٍ بني
كان الوداع أغنيةً
لكنه
آهٍ كان يعلم
فبكت بضعاً منها
ثم نامتْ
في رمال الذاكرة “
” نعى الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، عضو أمانته العامة السابق الشاعر سليم النفار الذي قضى شهيدًا مع أفراد أسرته بقصف نفذه الاحتلال الإسرائيلي للعمارة السكنية التي كانوا يوجدون فيها في مدينة غزة.
نودّع اليوم على مرارة، قمة عالية، فارسًا تنبري له الصادحات من الشموخ، والعزة، مهابة السيرة والمسيرة الوافدة من عروق المجد لا رتوشه، والخارج من رحم الشهادة المزجاة اقتحامًا بحريًا نافذًا في عرين المواجهة، ولا ترجعه وحشة الفقد لتراخٍ ذميم، بل حصنته موجبات التضحية لحمل الأمانة منذ نعومة الهمة، ولم يفلح التواني فيه بل تكدست محاولاته لردم أجبر العزيمة لبلوغ مرامها من المنفى إلى الوطن…”
يصفُ النفّار (1963) علاقتَه بالشعر، في مقال له بعنوان “صيدٌ لا يُشبِع”، فلا يجد بُدّاً من العودة إلى الطفولة واستعاراتها، ونراه يُقارب تجربته من باب عبارة لأحد أصدقائه “هذا صيدٌ لا يُشبِع”، قالها للنفّار حين رآه يُلحّ على اصطياد سمكة في أحد الأنهُر المُحاذية للمخيّم، فيكتب: “ربّما ذلك الإصرار وتلك الهواية التي لا تُشبِع، تُشبه ما أسعى إليه في بناء قصيدة، دائماً أشعر بعدها أنّ القصيدة الأشهى لم أصطدْها بعد “.
” تداعيات على شرفة الماء” صدر عن اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين في القدس/ العام-1996
” سور لها” صدر عن دار الأمل للطباعة والنشر في غـزة عام 1997
” بياض الأسئلة” صدر عن مركز اوغاريت للنشر والترجمة – في رام الله2001
” شرف على ذلك المطر” صدر عن وكالة أبو غوش للنشر في القدس/ العام 2004
” حالة وطن” وقصائد أخرى صدر عن دار دروب الغد – الأردن 2014
• الأعمال الشعرية الناجزة إصدار وزارة الثقافة الفلسطينيية في رام الله 2016
• حارس الانتظار، دار الكلمة للنشر والتوزيع، غزة 2021
ثمّة فقرة أخرى من شعر الشهيد وهو مأخوذ من قصيدة بعنوان : خللٌ رؤيوي …
” وحيداً .. في صليلِ الوقتِ يُرهقني انتظارُ
ولا مطرٌ يجيءُ
ولا شمسٌ تُضيءُ
ولا أشياؤنا الأولى توافينا
ولا أقمارُ ماضينا ترنُّ الآنَ في فرحٍ
فهلْ جُنَّتْ ليالينا تُرى؛
أمْ فاتنا ذاكَ القطارُ؟!
يُحاصرني سؤالٌ
ويُبعدني سؤالُ
وفي دواَّمة القهرِ المديدْ،
أنسى سؤالي،
وتنساني تفاصيلُ الزمانِ
فلا كنتُ فيها .. لا
وما كانَ فيها غيرُ اسمٍ،
قد تناقلهُ غبارُ الطالعينَ…”
تلقى الشاعر الفلسطيني سليم النفار تعليمه في المرحلة الابتدائية في مدينة اللاذقية في سوريا، حيث درس سليم النفار الأدب العربي في جامعة تشرين في سوريا، وأسس ملتقى ابو سلمى للمبدعين عام 1986م، وانضم إلى صفوف منظمة التحرير الفلسطينية كناشط سياسي إلى أن عاد إلى غزة مع سوق الفلسطينية عام 1994م، أسس جمعية الإبداع الثقافي في غزل سنة 1997م شغل منصب مدير في وزارة الثقافة الفلسطينية، وكتب في عدة مجلات منها مجلة نضال الشعب، ومجلة الزيتونة، ومجلة الأفق، وكان عضوا في الأمانة العامة لإتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين في قطاع غزة.
ومنذ ساعة قدّمت نعيها مؤسسة معين بسيسو ..وممّا ورد في النعي :
” رحل سليم النفار شهيدًا ابنَ شهيد واغتيل كما اغتيل أبوه من قبل، رحل تاركًا لنا إرثًا أدبيًا كبيرًا ومدرسة شعرية متفردة يحتذى بها، رحل قابضًا على جمرة الحلم، وكتب بالدم لفلسطين ..، وقالت مؤسسة معين بسيسو إنّها : تودّع أحد مؤسسيها وعضو مجلس أمنائها الشاعر العربي الفلسطيني وارف الألق والتميز والإبداع المناضل السياسي والإنسان سليم النفار، وتتجرع مرارة الفقد والخسارة الكبيرة للمؤسسة ولكل ساحات الفعل الوطني والثقافي..”
يرحم الله فقيدنا الشاعر سليم النفار ..هو وأفراد أسرته المغدورة ..، وجزاهم خيرا ..، ويا ربّ اهلك الظالمين الذين استهدفوه وهو في بيته وفي كنف العائلة ..وهو مرابط في أرضه ساخرا من قنابل النازي الصهيوني …إنّا لله وإنّا إليه راجعون …..
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: صدر عن
إقرأ أيضاً:
حسن المطروشي ... معلّقة عمانيّة
تعود معرفتي بالصديق الشاعر حسن المطروشي الذي توّج فائزًا بالمركز الأول في برنامج «المعلّقة» في الشعر الفصيح، إلى قبل أكثر من ربع قرن، عندما استمعت إلى شعره في أمسية أقيمت بنادي (سداب) وأبهرتني ألفاظه التي يبرع في انتقائها، ورسم صور فنية مدهشة، مستدعيًا رموزًا من التاريخ العام والشخصي، ليصبّها في قالب تعبيري جديد، وبعد انتهاء الأمسية، أحببتُ أن أحيي الشاعر، الذي وجدت نفسي مشدودا إلى فضائه الشعري، فانتظرته، عند باب النادي، ولم يطل انتظاري، فقد جاء بصحبة الصديق الشاعر محمد البريكي الذي كان من بين المشاركين، وقد لفت نظري نصّه أيضا، فصافحتهما، وعلى الفور اتفقنا على لقاء قريب، وفيه طلبت الاطلاع على المزيد من شعره، فأهداني نسخة من ديوانه (قَسَم)، وهو الثاني له بعد ديوانه الأول (فاطمة)، وحين قرأت (قَسَم) وجدتُ أن طاقته الشعريّة أكبر منه، فالموضوعات لم تخرج عن السائد، إلّا في التعبير، والبناء المحكم، والانضباط العروضي، وكنتُ حريصًا على توضيح ذلك في لقائنا الجديد، ولكنني لم أكن أعرف كيف ستكون ردّة فعله، وحين التقينا، ودار حديث حول الديوان، قلت له رأيي بصراحة، وفوجئت بردّة فعله، فقد ضحك طويلا، وشاركني الرأي، وعلمت أن المناخ الشعري التقليدي السائد يملي، أحيانًا، على الشاعر مسايرته، فارتحت كثيرا لردّة فعله، وتقبّله الملاحظات، وإن كانت قاسية، هذا التقبل يعني أنه يمتلك ذائقة شعرية ونقدية عالية، وقد لاحظت أنه حين جمع أعماله الشعرية عام 2022م رفع ديوانيه الأول (فاطمة) والثاني( قَسَم) منه، وفي ذلك اللقاء، أسمعني نصوصا جديدة لم يكن قد دفعها للنشر بعد، فعاد انبهاري الأول به، وكانت تلك النصوص عربون صداقة بقيت مستمرّة لليوم، وأذكر أنني كنت يومها مراسلًا لأكثر من مطبوع عربي من بينها: مجلّة (الصدى) الإماراتية، و(الفينيق) الأردنيّة، و(الزمان) اللندنيّة، فأخذت عددًا من تلك النصوص، وبعثتها لتلك المطبوعات، ونشرت، وحين أقيم مهرجان (المربد) الشعري عام 2000م كان اسمه في مقدّمة الأسماء التي رشّحتها للمشاركة، إلى جانب الصديق البريكي والشاعر الراحل يحيى الإزكي والشاعر السوري هاني نديم، وفي بغداد التي احتضنت فعاليات المهرجان، حقّق المطروشي مع زملائه الحضور الذي كان متوقّعا، وعاد من بغداد بدعوة جديدة لبيت الشعر في الأردن من الشاعر الراحل حبيب الزيّودي -رحمه الله- وكان الزيّودي من المشاركين في المهرجان، ووجد في صوت المطروشي الشعري ما يعزّز المهرجان، ثم شارك المطروشي، في مسابقة مجلة الصدى الإماراتية، ونال المركز الثاني، وفي (دبي) التقى بالفائزين الذين يشكّلون اليوم علامات واضحة في المشهد الشعري العربي، ومن بينهم: جاسم الصحيح وعارف الساعدي، وأحمد بخيت، وعماد جبار، وعامر عاصي، وتوالت مشاركاته خارج سلطنة عمان، ومن بينها مشاركته في ملتقى الشارقة الثالث للشعر العربي، الذي أقيم في الفترة ٦- ٨ أكتوبر ٢٠٠٣م، وأكّد تميّزه، ولم يتوقّف عند ذلك، فقد بذل جهودًا في القراءة، وخاض تجارب حياتية، وزاد احتكاكه بالتجارب الشعرية العربية المتحقّقة، فنضجت تجربته، وأصدر مجموعة من الدواوين من بينها: (وحيدًا .. كقبر أبي)، و(على السفح إيّاه)، و(لَدَيَّ ما أنسى)، و(مكتفيا بالليل)، و(ليس في غرفتي شبح)، و(أحدّق باتّجاه الريح)، وأنجزت عن شعره أطروحة ماجستير بعنوان (الصورة الفنية في شعر حسن المطروشي) للباحث راشد السمري، وأخرى بعنوان (التناص في مجموعة «وحيدا .. كقبر أبي») للباحثة فتحية السيابية، وترجمت أعماله الشعرية إلى عدّة لغات، منها النصوص التي ترجمها الشاعر الفلسطيني نزار سرطاوي إلى الإنجليزيّة، وترجمت مجموعته الشعرية (لديّ ما أنسى) إلى الفرنسية، حيث قامت بترجمتها الشاعرة المغربية عزيزة رحموني، وصدرت ترجمة إسبانية لمختارات من شعره بعنوان (أطلّ عليكم من هذه الكوة) عن وزارة الثقافة بكوستاريكا.
اللافت في شعر المطروشي أنه يستقي رؤاه ولغته ورموزه من التراث العربي كونه تسلّح بثقافة تراثية قبل أن يفتح تجربته على هواء الحداثة:
«ما ليلةُ القدرِ؟
كانَ حمامكِ يهدلُ في مدخلِ الغارِ
حتى دنا مطلعُ الفجرِ
ثم تساءلتُ:
هل بلغتْ هِـجرتي سدرةَ المُـنتهى؟
كانت ظباؤكِ مَـذعورةً .. يا لها !»
يقول الدكتور إبراهيم السعافين: «شعر حسن المطروشي يضرب بجذوره في تراث الشعر العربي، ولكنه لا يقلد ولا يحاكي، بل يهضم ويمثّل، ثم يبدع ويجدّد، ويَمْضي شوطًا بعيدًا في دروب الحداثة، في الرؤية وَفي اللغة، من حيث المعجم والصورة والإيقاع»، ويستعين بالسرد، والحوار، والسؤال موظّفا تقنيّات القصيدة الحديثة في رسم المشهد الشعري:
«بلا شجرٍ أو حَمائمْ
وحيدًا كقبرِ أبي
تتقاسمني الليلَ عينان ِ نضَّـاختان ِ
ويهتفُ بي ناسِـكُ الرمل ِ:
( يا حاديَ العيس ِعـِّرج ... )
ولكنني حائرٌ،
أين ألقي بهذي الهزائمْ ؟
وحتى الغموض الذي نجده في بعض نصوصه سرعان ما يكشف عن رؤى عميقة، وفي ذلك يقول الشاعر الراحل محمد علي شمس الدين: إن المطروشي يكتب «قصائده بضبابية موحية، والضبابية في الشعر تقدّم منطق الاحتمالات الخصب على منطق اليقين المحدد».
وقد جاء تتويجه بجائزة (المعلّقة) تعزيزا لرحلة مع الكتابة الشعرية التي سلكها سائرا على هذا الطريق الصعب والطويل.