للمرة الأولى في تاريخ غزة وبعد 4 جولات عدوان كبرى، وصل القطاع إلى مرحلة الغياب التام عن العالم، بعد انقطاع الاتصالات والإنترنت، نتيجة القصف الإسرائيلي المكثف لمقسمات الاتصالات وأبراج التقوية والخطوط الناقلة.

فكيف كانت معركة الغزيين مع الانقطاع عن العالم؟ وكيف استطاع الناس داخل القطاع وخارجه اجتراح طرق لتجاوز الأزمة بما أمكن؟

مساء يوم الجمعة الموافق 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت شركتا "جوال" و"أوريدو" المزودتان لخدمات الاتصال المحمول في غزة انقطاع خدماتهما بالكامل عن القطاع.

ثم جاء بيان لمجموعة الاتصالات الفلسطينية، يعلن انقطاع كافة الاتصالات الهاتفية الأرضية وخدمات الإنترنت عن القطاع.

وأوضحت الشركات في بيانات منفصلة، أن القصف الإسرائيلي غير المسبوق على القطاع تسبب في "تدمير المسارات الدولية التي تربط غزة بالعالم".

حملة إلكترونية

انطلقت في تلك الليلة حملة عبر منصات التواصل الاجتماعي تطالب الملياردير الأميركي إيلون ماسك، بتزويد غزة بالإنترنت الفضائي عبر شركته "ستارلينك"، التي تجاوب معها لاحقا مُعربا عن استعداده لتزويد المنظمات الدولية بالإنترنت الفضائي، لكن شيئا من هذا لم يحدث.

طوال فترات العدوان، تكرر الانقطاع الكامل للاتصالات والإنترنت في قطاع غزة 4 مرات، كان آخرها بتاريخ الرابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، وذلك نتيجة تواصل العدوان والقصف الذي طال البنية التحتية لشبكات الاتصالات والإنترنت، إضافة لنفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات الخاصة بمقسمات الاتصالات وأبراج الإشارة.

وقد سعى أهل غزة للبحث عن طرق بديلة للبقاء على اتصال مع العالم ومع أقاربهم ومعارفهم، سواء داخل القطاع أو خارجه، بوسائل تقنية مختلفة، ومساعدات من داخل غزة وخارجها، وحملات نُظمت عبر منصات التواصل الاجتماعي لإبقاء غزة متصلة بالعالم.

حلول من الداخل

بحث أهالي القطاع عن أي وسائل تقنية متاحة تساعدهم في الالتفاف على الأزمة التي قطعت تواصلهم فيما بينهم ومع العالم.

ففي المناطق الجنوبية للقطاع، وتحديدا في رفح، اعتمد المقيمون قرب الحدود على الشبكات المصرية عبر تفعيل خدمات التجوال، لالتقاط الإشارة والتمكن من إجراء الاتصالات أو تصفح الإنترنت بالحد الأدنى الذي يتيح لهم إرسال الرسائل القصيرة على تطبيقات مثل "واتساب".

وكذلك تمكن المقيمون في المناطق الشرقية الحدودية من التقاط إرسال الشبكات الإسرائيلية التي تغطي أجزاء قليلة من المناطق الحدودية.

في وقت سابق على الحرب، اقتنى البعض شرائح اتصال مصرية جلبوها معهم خلال سفرهم خارج قطاع غزة، وامتلك بعض الصحفيين والمراسلين أيضا شرائح اتصال إسرائيلية.

وتمكّن هؤلاء وأولئك من التقاط الإرسال خلال وجودهم في المناطق الحدودية، واضطر آخرون في الأيام الأولى من العدوان إلى صعود الطوابق المرتفعة للعمارات والأبراج السكنية لتحسين جودة الإشارة على الهاتف.

وفي سياق آخر، سعى آخرون لتجريب طرق جديدة، ساعدهم فيها أقاربهم المقيمون خارج قطاع غزة، إذ يقول إيهاب رجب من مدينة غزة والنازح مع عائلته إلى وسط القطاع "حاولت كثيرا التقاط بث الشبكات الإسرائيلية أو المصرية لكن وجودي في غرب مدينة غزة لم يساعد في ذلك".

ويضيف للجزيرة نت "بعد تواصل مع أحد أقاربي في الخارج قام بتزويدي بشريحة إلكترونية esim عبر كود أرسله لي وقمت بمسحه وتفعيله، ويمكنني من إجراء المكالمات وتصفح الإنترنت عبرها، حينما أتمكن من تفعيل خدمة التجوال على شبكات إسرائيلية".

أما حسن أبو ثريا، فقد عاد إلى غزة قبل أيام قليلة من بدء العدوان لزيارة عائلته، ويعتمد في التقاط الإنترنت أو إجراء الاتصالات على شريحة هاتفه التركية، التي كان قد فعّلها مسبقا ضمن خدمات التجوال.

وتوفر له هذه الشريحة في بعض الأحيان إمكانية الوصول للإنترنت أو إجراء الاتصالات. ويقول "أقوم بشحن الرصيد وتسديد الفواتير عبر أصدقائي في تركيا، وأحظى بفرص متقطعة لإجراء الاتصالات وفتح الإنترنت حسب جودة الإشارة الملتقطة".

إضافة لكل هذه المشكلات التقنية، برزت في غزة مشكلة إغلاق محلات الهواتف النقالة التي كانت تتيح للناس شراء حزم الرصيد وشحنها في هواتفهم، وهو ما دفع الكثيرين إلى التواصل مع أصدقائهم في الضفة الغربية أو خارج فلسطين، لمساعدتهم في تعبئة الرصيد وشحنه.

كما تُقدّم شركتا "جوال" و"أوريدو" باقات مجانية لسكان قطاع غزة، إذ تمنحهم قرابة 300 دقيقة مجانية شهريا في الحالات التي تكون فيها الاتصالات متوفرة.

المغتربون.. حكاية أخرى

انقطاع خدمات الإنترنت في غزة شكل معضلة كبيرة خلال الحرب لمئات آلاف المغتربين الغزيين حول العالم، كون الاتصال عبر تطبيقات الإنترنت هو الخيار الأقل كلفة مادية عليهم، وهنا لجأ الكثيرون إلى البحث عن طرق وبدائل جديد للتواصل مع أهاليهم داخل القطاع.

محمد المدهون من غزة ويقيم في إسطنبول، لجأ إلى تطبيق "سكايب" لشراء باقات اتصال دولية، تمكنه من الاتصال مع أهله وذويه دون الحاجة لاتصال هواتفهم بالإنترنت، فيستقبلون المكالمة عبر الهاتف المحمول كأي اتصال عادي.

يقول المدهون للجزيرة نت "تمكنت من إجراء الاتصالات بعد معاناة كبيرة نتيجة ضعف شبكة الاستقبال في غزة، لكن الشركة قامت بتعطيل حسابي، وبعد مراسلتي للدعم الفني، قالوا إن الحظر جاء بسبب اتصالي على أراضي السلطة الفلسطينية دون إبداء أي توضيحات".

مغتربون آخرون، قاموا بشراء حزم اتصالات دولية عبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في بلدانهم رغم تكلفتها العالية، في حين قرر محمد صباح، المقيم في بريطانيا، شراء أرقام هاتف افتراضية أو ما تعرف بـ "ESIM" وشحنها عبر حسابه البنكي، كونها توفر أسعار اتصال مخفضة مقارنة بأسعار الشركات البريطانية.

محمود رزق، مقيم غزي في كندا، قال للجزيرة إنه لم يتمكن من الاتصال بعائلته في غزة بأي شكل من الأشكال، فلجأ إلى الاتصال بأحد أصدقائه في الضفة الغربية، الذي كان يتصل بالعائلة عبر الهاتف المحمول كون المكالمة محلية بين غزة والضفة.

ويضيف محمود للجزيرة نت، أنه كان يهاتف صديقه في الضفة الغربية، فيقوم الأخير بالاتصال بعائلة محمود، ثمّ يقوم بدمج الاتصالين معا. وفي أحيان أخرى، كان يضع هاتفين مقابل بعضهما البعض حتى يتمكّن محمود من الاطمئنان على عائلته.

ورغم ما سبق، تبقى كل المحاولات التقنية ووسائل الاتصال من غزة وإليها رهنا بمدى توفر شبكات الإرسال والاستقبال، سواء للهاتف أو الإنترنت، وتبقى هذه الحلول عاجزة عن تحقيق المطلوب في حال انقطاع التغطية عن الأماكن المطلوبة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: إجراء الاتصالات قطاع غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

ما البنود الإنسانية التي نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟

يشمل اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل بنودا إنسانية منها بناء 6 آلاف وحدة سكنية ونصب 200 ألف خيمة، فضلا عن وصول المساعدات والخدمات إلى كافة أنحاء القطاع.

ووفقا لتقرير أعده وليد العطار للجزيرة، يفترض أن يتم إدخال 600 شاحنة مساعدات يوميا إلى القطاع بينها 50 محملة بالوقود، وأن يكون نصف هذه المساعدات مخصصا للشمال.

وستقوم الأمم المتحدة والمنظمات الدولية كافة بتقديم المساعدات في أنحاء قطاع غزة خلال مراحل الاتفاق، حيث ستبدأ إعادة تأهيل البنية التحتية وإدخال معدات الدفاع المدني ورفع الأنقاض.

وينص الاتفاق أيضا على إدخال المعدات اللازمة لإقامة مخيمات الإيواء، ويشمل ذلك بناء ما لا يقل عن 60 ألف وحدة سكنية مؤقتة ونصب 200 ألف خيمة.

وسيتم تشغيل معبر رفح الحدودي مع مصر مع السماح بعبور 50 جريحا عسكريا يوميا مع ثلاثة مرافقين لكل منهم بعد الحصول على الموافقات اللازمة.

وسترتفع أعداد من سيعبرون باتجاه مصر مع تخفيف قيود السفر وإزالة العوائق أمام حركة البضائع والتجارة مع البدء في تنفيذ خطط إعادة الإعمار الشامل وتعويض المتضررين.

مقالات مشابهة

  • لحماية حقوقهم.. طرق تحرير محضر عبر مباحث الإنترنت
  • العاصفة الشمسية.. موعدها وتأثيرها على الاتصالات والإنترنت | فيديو
  • موبايلك منها؟.. القومي للاتصالات يحظر هذه الأجهزة رسميا
  • هل يتعلق بارتفاع الأسعار؟.. تنظيم الاتصالات يكشف سر انتهاء باقة الإنترنت الشهرية بسرعة
  • لماذا تنفد باقات الإنترنت سريعًا؟.. تنظيم الاتصالات يكشف الأسباب
  • ما البنود الإنسانية التي نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟
  • السوداني يوجه بالتحقيق في تهريب سعات الإنترنت وتعاقدات IQ مع وزارة الاتصالات
  • السوداني يوجه النزاهة بتدقيق صحّة إجراءات الاتصالات بشأن تهريب سعات الإنترنت
  • عاصفة شمسية قوية تضرب الأرض خلال أيام.. تهدد الإنترنت والموبايلات
  • إسرائيل تتحدث عن التسوية التي أدت إلى الإفراج المبكر عن ثلاثة أسرى