صحيفة الاتحاد:
2025-04-26@04:54:08 GMT

فلسفة التنمية المستدامة والقيم الإنسانية

تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT

الفاهم محمد

أخبار ذات صلة مركز الزراعة الملحية.. ريادة في التنمية المستدامة «قطار الاتحاد».. ممر التنمية الاقتصادية المستدامة

يعد مفهوم التنمية المستدامة واحداً من أكثر المفاهيم استعمالاً اليوم، في مجال النقاشات المرتبطة بالمشكلة الإيكولوجية. يقدر عدد المواضيع التي تتناول هذا المفهوم داخل الشبكة العنكبوتية الناطقة بالفرنسية نحو 10 ملايين، أما في المواقع الإنجليزية فيبلغ الرقم حوالي 22 مليوناً، وهذه الإحصاءات فقط إلى حدود سنة 2008.

مع ذلك ورغم هذا الزخم الكبير في التعاريف، لا يزال هذا الاصطلاح ينطوي على بعض الالتباس. مثلاً كيف يمكن ضمان التنمية المستدامة، وفي الآن ذاته الحفاظ على الرأسمال الطبيعي المحدود؟ أو أكثر من ذلك: لماذا تتجاوز برامج التنمية المستدامة مجرد العناية بالبيئة كي تقدم توجهات في مجال الاقتصاد والسياسة والتربية؟
تصف التنمية المستدامة إذن الرؤية والمبادئ التي تتحكم في توجيه السياسة البيئية والتنموية، بالشكل الذي يضمن احتياجات الناس، من دون إلحاق الضرر، ليس فقط بالبيئة بكافة مكوناتها { نباتية أو حيوانية أو مناخية... }، ولكن أيضاً بحقوق الأجيال القادمة. هذا التعريف مستل عموماً من تعريف برونتلاند سنة 1983، وتعود التسمية إلى رئيسة وزراء النرويج سابقاً، غرو هارلم برونتلاند التي أنشأت لجنة باسمها، صدر عنها تقرير عرف عالمياً بمستقبلنا المشترك أو «تقرير برونتلاند»، حيث تم تعميم استعمال مصطلح التنمية المستدامة على المستوى العالمي.
قدمت هذه اللجنة العديد من الأنشطة، أبرزها خطة العمل الشاملة المعروفة أيضاً بجدول أعمال القرن الـ 21، وهي الخطة العالمية التي تمت بلورتها في مؤتمر قمة الأرض بريو ديجانييرو سنة 1992، وتهدف إلى معالجة المشاكل التي تحدتها عملية التصنيع، مثل ثقب الأوزون واجتثاث الغابات والاضطرابات المناخية، كل ذلك من أجل حماية البيئة وضمان المساواة الاجتماعية. لقد كان هدف هذا التقرير هو تقديم حل توافقي لمعضلة التعارض بين سيرورة التنمية، والموارد الطبيعية المحدودة.

الأهداف 17
سنة 2015 تم كذلك اعتماد 17 هدفاً من طرف الأمم المتحدة من أجل بلوغ تحقيقها في حدود 2030. وهي أهداف تغطي كافة قضايا التنمية نذكرها باختصار كما يلي:
1- القضاء على الفقر بكافة أشكاله على المستوى العالمي
2- القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الزراعة المستدامة
3- الحفاظ على العيش السليم والحياة الصحية
4- ضمان التعليم العادل والجيد وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة
5- تحقيق المساواة بين الجنسين
6- ضمان حصول جميع البشر على المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي السليم
7- ضمان حصول الجميع على الطاقات المتجددة بأسعار معقولة
8- تعزيز النمو الاقتصادي المطرد مع توفير العمل اللائق
9- بناء بنية تحتية قوية، وتعزيز التصنيع المستدام، وتشجيع الابتكار
10- الحد من أوجه عدم المساواة، سواء داخل نفس الدولة أو بين الدول جميعها
11- جعل المدن آمنة وضامنة للاستدامة
12- إنشاء أنماط إنتاج واستهلاك مسؤولة
13- اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل مكافحة التغيرات المناخية
14- حفظ الحياة المائية سواء في الوديان أو المحيطات، مع ضمان استخدامها بشكل مستدام
15- الحفاظ على النظم البيئية الأرضية كالغابات والأحراش وغيرها
16- الدفاع عن قيم السلم والأمان والعدالة
17- تعزيز كافة أنواع الشراكات من أجل تحقيق الأهداف السابقة
ما نلاحظه إذن من خلال هذه الوصايا، هو أن التنمية المستدامة، تهدف إلى أنسنة عملية التطور الاقتصادي والحضاري بشكل متناغم. فالتنمية المستدامة هي فلسفة شمولية، حول ما ينبغي أن تكون عليه حياة الإنسان، وحياة كل الكائنات، بل وحياة الكرة الأرض بشكل عام.

التقدم الأنواري  
ستتوالى بعد ذلك العديد من الاتفاقيات مثل قمة الألفية الجديدة سنة 2000 بنيويورك، والقمة العالمية للتنمية المستدامة بجوهانسبورغ 2002 واتفاق باريز للمناخ كوب 21، وبعد ذلك كوب 22 في مراكش، وصولاً إلى مؤتمر الأطراف كوب 28 بالإمارات. كل هذا يعبر عن شيء واحد وهو القلق العالمي المتزايد بخصوص الأزمة البيئية.
لقد كانت حماسة عصر الأنوار عارمة في تمجيد التقدم إلى الأمام، عبر كل ما يمكن أن يحققه برومتيوس، طاغية الطبيعة. وحده جان جاك روسو انتصب من بين كل الأنواريين مشككاً في هذه الحماسة الزائدة، ومطالباً بضرورة العودة إلى الطبيعة. في واحدة من مفارقاته العميقة يقول: «لقد مدّن الحديد والقمح الإنسان، لكن البشرية ضاعت». مع ذلك لم يولِ روسو أهمية كبيرة للهيمنة التي يمكن أن تمارسها التقنية، فقد ظل فكره منجذباً إلى الأمل الأنواري، في إمكانية تحقيق رفاهية الإنسان، عبر الرهان أولاً على بناء المجتمع التعاقدي، وثانياً عبر الإصلاح الأخلاقي والتربوي للإنسان.
يتعلق الأمر إذن بإعادة صياغة مفهوم التقدم. ماذا نقصد اليوم بالتقدم نحو الأفضل؟ هل يجب الاستمرارية في تحقيق السيطرة على الطبيعة كما حلم بذلك عصر الأنوار، أم أنه من الأفضل اليوم حمايتها؟

قيم جديدة  
يدق مفهوم التنمية المستدامة ناقوس الخطر بخصوص التفاؤل الأنواري، فهو يطالب بإعادة تنظيم الإنتاج والاستهلاك بالشكل المعقول، وتوطين القيم الإنسانية الأساسية. نعلم جميعاً كيف أن انتشار التمدن، كأحد مظاهر التحديث، قد جلب معه العديد من المظاهر المضرة بالبيئة. مثل ارتفاع النفايات، والانبعاثات الغازية السامة، وتلويت المياه، إضافة إلى ما تمارسه الأنشطة البشرية، من ضغط هائل على الموارد الأولية.
هكذا يبدو أن التنمية التي ننهجها، تسير بشكل أكيد نحو تدمير شامل للطبيعة. لذلك تقترح التنمية المستدامة، مجموعة من الإجراءات والتدابير اللازمة، التي يمكن للإنسان نهجها دون الإضرار بالطبيعة. أو بطريقة أخرى كيف يمكننا الحفاظ على تدخل الإنسان في الطبيعة، وفي الآن ذاته الحفاظ على مستوى من التطور والتنمية.
لنؤكد على أن برنامج التنمية المستدامة، لن يكون ناجعاً بالفعل في معالجة معضلة الخراب البيئي الذي نعيشه، إذا ما هو ركز فقط على بعض التدابير مثل إنقاذ النمور البنغالية، أو الحفاظ على أنواع من الطيور المهددة بالانقراض، أو حتى التخفيض من نسبة الانبعاثات الغازية. إن كل هذه التدابير وغيرها رغم أنها ستكون مفيدة بالفعل، إلا أنها تظل غير كافية في وضع حد نهائي للمعضلة البيئية التي نعيشها، وتحقيق النقلة المرجوة نحو الحضارة الإنسانية المتصالحة مع الطبيعة. يجب على التنمية المستدامة، أن لا تتوقف فقط عند حدود معالجة آثار التلوث التي أحدثتها الثورة الصناعية، بل التفكير في بديل لهذه الحضارة الصناعية، التي قامت منذ بداية نشأتها بإلحاق أضرار جسيمة بالطبيعة. الأمر يتعلق إذن بتغيير عميق في طبيعة الحضارة الإنسانية، وليس فقط سن تدابير تتعامل مع حالة الطوارئ التي نعرفها.
بطريقة أخرى عندما نقول، بأن سيرورة التنمية يجب أنسنتها، فهذا معناه أن هناك مجموعة من القيم الأساسية التي يجب استحضارها، وعلى رأسها قيم العدالة والمساواة والأمن والسلام. مع كل ما يفترضه ذلك من ضرورة تجاوز الفردانية، والسعي الضيق لتحقيق الإشباعات المادية على حساب التوازنات البيئية.
نفهم اليوم لماذا يتزايد بإلحاح الطلب على الاستدامة، والعناية بالكرة الأرضية، وبحقوق الأجيال القادمة. ذلك أننا نواجه حالياً مشاكل عابرة للحدود لا يمكن للمبادرات الخاصة، التي تقوم بها هذه الدولة أو تلك أن تضع لها حداً. من هنا ضرورة العناية بقيم التضامن والتعاون والمشاركة، فهي وحدها ما يمكن أن يضمن الاستقرار الحضاري.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: التنمية المستدامة القيم الإنسانية التنمیة المستدامة الحفاظ على من أجل

إقرأ أيضاً:

تزامنًا مع احتفالات أعياد سيناء.. مركز بحوث الصحراء يقود نهضة زراعية وتنموية متكاملة في المحافظة.. مشروعات زراعية.. وتعاون دولي لتعزيز التنمية المستدامة على أرض الفيروز

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يواصل مركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، تنفيذ سلسلة من البرامج والمشروعات التنموية المتكاملة التي تستهدف تطوير الزراعة وتحسين حياة المواطنين في شمال وجنوب سيناء، وخاصة في المناطق النائية والأكثر احتياجًا، وذلك تزامناً مع الاحتفال بالعيد القومي لمحافظة سيناء، وفي إطار استراتيجية الدولة لتعمير وتنمية شبه الجزيرة.

 

مشروعات زراعية وخدمية على 11 ألف فدان
 

وصرح الدكتور حسام شوقي رئيس مركز بحوث الصحراء، بأن المركز يعمل ضمن خطة شاملة لتعمير وتنمية سيناء، من خلال إنشاء 18 تجمعًا زراعيًا وتنمويًا على مساحة تتجاوز 11 ألف فدان تستهدف استقرار نحو 2122 أسرة، موزعة بين شمال وجنوب سيناء، وتشمل الخطة إنشاء ثلاثة مراكز خدمات زراعية في مناطق الحسنة، نخل، وطور سيناء، وتوزيع أكثر من 500 ألف شتلة زيتون و3 آلاف شكارة سماد عضوي على صغار المزارعين.
 

كما تم دعم هذه المشروعات بـآبار جوفية ومعدات زراعية حديثة لتحسين كفاءة استخدام الموارد المائية وتعزيز الإنتاج، إلى جانب تطوير بنية تحتية زراعية مستدامة تعتمد على الطاقة الشمسية ومحطات تحلية المياه.

جهود متكاملة لمواجهة التحديات البيئية والمناخية
 

وفي سياق مواجهة التحديات المائية، أشار شوقي إلى تنفيذ محطة تحلية مياه في وادي فيران بطاقة 10 م³/يوم، إضافة إلى خمس محطات أخرى بطاقة 25 م³/يوم، كما تم إنشاء محطة طاقة شمسية وخط نقل مياه بطول 2 كم لخدمة النشاط الزراعي في المناطق الصحراوية، بما يعزز من استدامة الموارد الطبيعية.

 

قوافل إرشادية ومدارس حقلية لتعزيز الإنتاج


على صعيد الدعم الفني والإرشاد الزراعي، نفذ المركز أكثر من 80 مدرسة حقلية في محاصيل مثل القمح، الشعير، النخيل، الزيتون، والفول، شملت تدريبات عملية على تقنيات الري الحديث، الخدمة الشتوية، وتقليم الأشجار. كما تم تنفيذ 35 حقلًا إرشاديًا في الشيخ زويد، وتوزيع شتلات أكاسيا وتقاوي محاصيل علفية.
وقد شهدت مدينة الطور تخريج أول دفعة من المزارعين ضمن هذه المدارس، التي تم دعمها بمعدات زراعية من منظمة الفاو، بهدف تعزيز قدرات المزارعين وتحسين الإنتاجية الزراعية.

مبادرات ميدانية مباشرة مع المزارعين
 

من أبرز المبادرات التي أطلقها المركز، تأتي مبادرة "اسأل واستشير قبل ما تدفع كتير"، والتي تنفذ جولات ميدانية في شمال ووسط وجنوب سيناء لتقديم استشارات فنية مجانية، والإجابة على استفسارات المزارعين في كافة التخصصات الزراعية والإنتاج الحيواني، مع تقديم توصيات تطبيقية لتحسين جودة الإنتاج وتقليل الفاقد.
كما أُطلقت مبادرة "اسأل خبير" للتواصل اليومي مع المزارعين، من خلال زيارات مباشرة داخل الحقول وورش عمل تفاعلية، تقدم حلولًا ميدانية للتحديات الزراعية.

قوافل بيطرية شاملة وخدمات صحية حيوانية
 

ضمن مساعي المركز لحماية الثروة الحيوانية، تم تسيير قوافل بيطرية مجانية إلى مناطق مثل رأس سدر، الطور، والشيخ زويد، حيث تم علاج آلاف الحالات البيطرية، وتشخيص أمراض تناسلية وباطنية، وتوفير اللقاحات والمستلزمات البيطرية بشكل مجاني.

 

تمكين المرأة السيناوية وتحقيق التنمية المجتمعية


ركز المركز على دعم المرأة في سيناء عبر دورات تدريبية متخصصة للمرأة المعيلة والفتيات، شملت تصنيع الغذاء، تربية الدواجن، إنتاج الكمبوست، وتسويق المنتجات الزراعية. كما تم توزيع بطاريات تربية الدواجن وأعلاف مجانية على 30 أسرة، ضمن برنامج تمكين المرأة وتحسين الدخل الأسري.

تنمية وتعاون مؤسسي واسع النطاق
 

شهدت الفترة الأخيرة توقيع عدد من بروتوكولات التعاون مع جهات محلية ودولية، أبرزها:
جمعية تنمية المجتمع بالجورة، وشركة تنمية الريف المصري، وبنك QNB، والبنك الزراعي المصري، ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، والمنظمة العربية للتنمية الزراعية.
كما تم تمويل 40 مشروعًا زراعيًا ضمن المرحلة الأولى للمبادرة في جنوب سيناء، وتوزيع 10 آلاف شتلة لوز في الشيخ زويد ورفح، و5 آلاف شتلة زيتون في مدينة نخل، ضمن المبادرة الرئاسية "زراعة 100 مليون شجرة".

دعم البحث العلمي والتغيرات المناخية
 

حرص المركز أيضًا على تعزيز البنية البحثية من خلال تطوير محطات البحوث في رأس سدر، القنطرة شرق، والمغارة، وإعادة إحياء بنك الجينات النباتية في الشيخ زويد، للحفاظ على الأصول الوراثية للنباتات الصحراوية. كما تم تنظيم دورات تدريبية متخصصة في مجالات مثل الزراعة العضوية، الإدارة المتكاملة للأسمدة الذكية، والتكيف مع التغيرات المناخية.

رؤية متكاملة للتنمية المستدامة
 

وأكد الدكتور حسام شوقي أن كل هذه الجهود تأتي ترجمة لرؤية القيادة السياسية التي تضع تنمية سيناء في قلب الأولويات الوطنية، مشيرًا إلى أن ما يتحقق اليوم من إنجازات على الأرض هو انعكاس واضح لسياسات التنمية المتكاملة التي تستهدف الارتقاء بحياة المواطن السيناوي وتحقيق الأمن الغذائي والاستقرار المجتمعي.

1000203221 1000203223 1000203219 1000203227 1000203225 1000203231 1000203235 1000203233 1000203229 1000203213 1000203215 1000203217

مقالات مشابهة

  • لبنان مشارك في وداع البابا...عون:سيظل منارة للقيم الإنسانية التي حملها قداسته
  • الجبهة الوطنية يضع رؤية تنفيذية متكاملة لتحقيق التنمية العمرانية المستدامة
  • اليونسكو تُعلن مد باب التقدم لـ"جائزة اليونسكو - اليابان للتعليم من أجل التنمية المستدامة" لعام 2025
  • نهضة زراعية وتنموية متكاملة في سيناء.. تعاون دولي لتعزيز التنمية المستدامة بـ أرض الفيروز
  • الأمم المتحدة: المساعدات الإنسانية التي نقدمها في غزة تتم وفق مبادئ الإنسانية
  • تزامنًا مع احتفالات أعياد سيناء.. مركز بحوث الصحراء يقود نهضة زراعية وتنموية متكاملة في المحافظة.. مشروعات زراعية.. وتعاون دولي لتعزيز التنمية المستدامة على أرض الفيروز
  • نسيمة سهيم… نموذج المرأة المناضلة التي وضعت الإنسانية فوق كل اعتبار
  • محافظ جنوب سيناء: مهمة مجلس أمناء سانت كاترين تحقيق التنمية المستدامة (فيديو)
  • المؤتمر: تخصيص 327 مليار جنيه استثمارات لقطاع الصحة والبحث العلمي يعزز التنمية المستدامة
  • تعليم قنا: مبادرة تشجير المدارس يحقق التنمية المستدامة وفق رؤية مصر 2030