فلسفة التنمية المستدامة والقيم الإنسانية
تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT
الفاهم محمد
أخبار ذات صلة مركز الزراعة الملحية.. ريادة في التنمية المستدامة «قطار الاتحاد».. ممر التنمية الاقتصادية المستدامةيعد مفهوم التنمية المستدامة واحداً من أكثر المفاهيم استعمالاً اليوم، في مجال النقاشات المرتبطة بالمشكلة الإيكولوجية. يقدر عدد المواضيع التي تتناول هذا المفهوم داخل الشبكة العنكبوتية الناطقة بالفرنسية نحو 10 ملايين، أما في المواقع الإنجليزية فيبلغ الرقم حوالي 22 مليوناً، وهذه الإحصاءات فقط إلى حدود سنة 2008.
تصف التنمية المستدامة إذن الرؤية والمبادئ التي تتحكم في توجيه السياسة البيئية والتنموية، بالشكل الذي يضمن احتياجات الناس، من دون إلحاق الضرر، ليس فقط بالبيئة بكافة مكوناتها { نباتية أو حيوانية أو مناخية... }، ولكن أيضاً بحقوق الأجيال القادمة. هذا التعريف مستل عموماً من تعريف برونتلاند سنة 1983، وتعود التسمية إلى رئيسة وزراء النرويج سابقاً، غرو هارلم برونتلاند التي أنشأت لجنة باسمها، صدر عنها تقرير عرف عالمياً بمستقبلنا المشترك أو «تقرير برونتلاند»، حيث تم تعميم استعمال مصطلح التنمية المستدامة على المستوى العالمي.
قدمت هذه اللجنة العديد من الأنشطة، أبرزها خطة العمل الشاملة المعروفة أيضاً بجدول أعمال القرن الـ 21، وهي الخطة العالمية التي تمت بلورتها في مؤتمر قمة الأرض بريو ديجانييرو سنة 1992، وتهدف إلى معالجة المشاكل التي تحدتها عملية التصنيع، مثل ثقب الأوزون واجتثاث الغابات والاضطرابات المناخية، كل ذلك من أجل حماية البيئة وضمان المساواة الاجتماعية. لقد كان هدف هذا التقرير هو تقديم حل توافقي لمعضلة التعارض بين سيرورة التنمية، والموارد الطبيعية المحدودة.
الأهداف 17
سنة 2015 تم كذلك اعتماد 17 هدفاً من طرف الأمم المتحدة من أجل بلوغ تحقيقها في حدود 2030. وهي أهداف تغطي كافة قضايا التنمية نذكرها باختصار كما يلي:
1- القضاء على الفقر بكافة أشكاله على المستوى العالمي
2- القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الزراعة المستدامة
3- الحفاظ على العيش السليم والحياة الصحية
4- ضمان التعليم العادل والجيد وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة
5- تحقيق المساواة بين الجنسين
6- ضمان حصول جميع البشر على المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي السليم
7- ضمان حصول الجميع على الطاقات المتجددة بأسعار معقولة
8- تعزيز النمو الاقتصادي المطرد مع توفير العمل اللائق
9- بناء بنية تحتية قوية، وتعزيز التصنيع المستدام، وتشجيع الابتكار
10- الحد من أوجه عدم المساواة، سواء داخل نفس الدولة أو بين الدول جميعها
11- جعل المدن آمنة وضامنة للاستدامة
12- إنشاء أنماط إنتاج واستهلاك مسؤولة
13- اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل مكافحة التغيرات المناخية
14- حفظ الحياة المائية سواء في الوديان أو المحيطات، مع ضمان استخدامها بشكل مستدام
15- الحفاظ على النظم البيئية الأرضية كالغابات والأحراش وغيرها
16- الدفاع عن قيم السلم والأمان والعدالة
17- تعزيز كافة أنواع الشراكات من أجل تحقيق الأهداف السابقة
ما نلاحظه إذن من خلال هذه الوصايا، هو أن التنمية المستدامة، تهدف إلى أنسنة عملية التطور الاقتصادي والحضاري بشكل متناغم. فالتنمية المستدامة هي فلسفة شمولية، حول ما ينبغي أن تكون عليه حياة الإنسان، وحياة كل الكائنات، بل وحياة الكرة الأرض بشكل عام.
التقدم الأنواري
ستتوالى بعد ذلك العديد من الاتفاقيات مثل قمة الألفية الجديدة سنة 2000 بنيويورك، والقمة العالمية للتنمية المستدامة بجوهانسبورغ 2002 واتفاق باريز للمناخ كوب 21، وبعد ذلك كوب 22 في مراكش، وصولاً إلى مؤتمر الأطراف كوب 28 بالإمارات. كل هذا يعبر عن شيء واحد وهو القلق العالمي المتزايد بخصوص الأزمة البيئية.
لقد كانت حماسة عصر الأنوار عارمة في تمجيد التقدم إلى الأمام، عبر كل ما يمكن أن يحققه برومتيوس، طاغية الطبيعة. وحده جان جاك روسو انتصب من بين كل الأنواريين مشككاً في هذه الحماسة الزائدة، ومطالباً بضرورة العودة إلى الطبيعة. في واحدة من مفارقاته العميقة يقول: «لقد مدّن الحديد والقمح الإنسان، لكن البشرية ضاعت». مع ذلك لم يولِ روسو أهمية كبيرة للهيمنة التي يمكن أن تمارسها التقنية، فقد ظل فكره منجذباً إلى الأمل الأنواري، في إمكانية تحقيق رفاهية الإنسان، عبر الرهان أولاً على بناء المجتمع التعاقدي، وثانياً عبر الإصلاح الأخلاقي والتربوي للإنسان.
يتعلق الأمر إذن بإعادة صياغة مفهوم التقدم. ماذا نقصد اليوم بالتقدم نحو الأفضل؟ هل يجب الاستمرارية في تحقيق السيطرة على الطبيعة كما حلم بذلك عصر الأنوار، أم أنه من الأفضل اليوم حمايتها؟
قيم جديدة
يدق مفهوم التنمية المستدامة ناقوس الخطر بخصوص التفاؤل الأنواري، فهو يطالب بإعادة تنظيم الإنتاج والاستهلاك بالشكل المعقول، وتوطين القيم الإنسانية الأساسية. نعلم جميعاً كيف أن انتشار التمدن، كأحد مظاهر التحديث، قد جلب معه العديد من المظاهر المضرة بالبيئة. مثل ارتفاع النفايات، والانبعاثات الغازية السامة، وتلويت المياه، إضافة إلى ما تمارسه الأنشطة البشرية، من ضغط هائل على الموارد الأولية.
هكذا يبدو أن التنمية التي ننهجها، تسير بشكل أكيد نحو تدمير شامل للطبيعة. لذلك تقترح التنمية المستدامة، مجموعة من الإجراءات والتدابير اللازمة، التي يمكن للإنسان نهجها دون الإضرار بالطبيعة. أو بطريقة أخرى كيف يمكننا الحفاظ على تدخل الإنسان في الطبيعة، وفي الآن ذاته الحفاظ على مستوى من التطور والتنمية.
لنؤكد على أن برنامج التنمية المستدامة، لن يكون ناجعاً بالفعل في معالجة معضلة الخراب البيئي الذي نعيشه، إذا ما هو ركز فقط على بعض التدابير مثل إنقاذ النمور البنغالية، أو الحفاظ على أنواع من الطيور المهددة بالانقراض، أو حتى التخفيض من نسبة الانبعاثات الغازية. إن كل هذه التدابير وغيرها رغم أنها ستكون مفيدة بالفعل، إلا أنها تظل غير كافية في وضع حد نهائي للمعضلة البيئية التي نعيشها، وتحقيق النقلة المرجوة نحو الحضارة الإنسانية المتصالحة مع الطبيعة. يجب على التنمية المستدامة، أن لا تتوقف فقط عند حدود معالجة آثار التلوث التي أحدثتها الثورة الصناعية، بل التفكير في بديل لهذه الحضارة الصناعية، التي قامت منذ بداية نشأتها بإلحاق أضرار جسيمة بالطبيعة. الأمر يتعلق إذن بتغيير عميق في طبيعة الحضارة الإنسانية، وليس فقط سن تدابير تتعامل مع حالة الطوارئ التي نعرفها.
بطريقة أخرى عندما نقول، بأن سيرورة التنمية يجب أنسنتها، فهذا معناه أن هناك مجموعة من القيم الأساسية التي يجب استحضارها، وعلى رأسها قيم العدالة والمساواة والأمن والسلام. مع كل ما يفترضه ذلك من ضرورة تجاوز الفردانية، والسعي الضيق لتحقيق الإشباعات المادية على حساب التوازنات البيئية.
نفهم اليوم لماذا يتزايد بإلحاح الطلب على الاستدامة، والعناية بالكرة الأرضية، وبحقوق الأجيال القادمة. ذلك أننا نواجه حالياً مشاكل عابرة للحدود لا يمكن للمبادرات الخاصة، التي تقوم بها هذه الدولة أو تلك أن تضع لها حداً. من هنا ضرورة العناية بقيم التضامن والتعاون والمشاركة، فهي وحدها ما يمكن أن يضمن الاستقرار الحضاري.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: التنمية المستدامة القيم الإنسانية التنمیة المستدامة الحفاظ على من أجل
إقرأ أيضاً:
التعاون المصري الماليزي في مجال الشباب والرياضة.. رؤية مشتركة لتحقيق التنمية المستدامة
أكد الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، خلال لقائه مع السيد محمد تريد سفيان، سفير دولة ماليزيا بمصر، أن العلاقات المصرية-الماليزية تقوم على أسس متينة من التعاون في مختلف المجالات، خاصة المجال الشبابي والرياضي. وأشار الوزير إلى أن الوزارة تعمل بشكل مستمر على تعزيز العلاقات مع الدول الصديقة، بما يدعم تبادل الخبرات واستثمار الإمكانات المشتركة لتحقيق التنمية المستدامة. جاء اللقاء في إطار جهود الوزارة لدعم العلاقات الدولية وتطوير التعاون الثنائي، وتم عقده بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة.
الاستثمار الرياضي والسياحي محور اللقاءناقش الجانبان سبل تحقيق الاستفادة من الخبرات الماليزية في مجال الاستثمار الرياضي، خاصة أن ماليزيا تعد واحدة من الدول الرائدة في هذا القطاع، وتتميز بتقدمها في مجالات السياحة والترفيه، حيث يُنظر إليها كواحدة من النمور الآسيوية العملاقة. وأشار الدكتور أشرف صبحي إلى أن مصر خطت خطوات كبيرة في مجال السياحة الرياضية من خلال تنظيم العديد من الفعاليات الرياضية الدولية، مما ساهم في تنشيط الإقبال السياحي وزيادة عدد الليالي السياحية بالفنادق.
وأوضح الوزير أن تنظيم هذه الفعاليات أسهم بشكل مباشر في تعزيز صورة مصر كمركز إقليمي ودولي للرياضة والسياحة، لافتًا إلى أن هذا التعاون مع ماليزيا يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في جذب المزيد من الاستثمارات وتنظيم أنشطة رياضية مشتركة.
الشباب الماليزي والدراسة في مصرتطرق اللقاء إلى وجود العديد من الطلاب الماليزيين في مصر، وخاصة في الأزهر الشريف، حيث أشار الوزير إلى أن هذا التواجد يعكس عمق العلاقات الثقافية والتعليمية بين البلدين. وتم التأكيد على أهمية تبادل البرامج الشبابية بين البلدين لتطوير مهارات الشباب واستثمار طاقاتهم في بناء مجتمعاتهم.
تعزيز التعاون الصناعي في الرياضةكما تم خلال اللقاء بحث إمكانية التعاون مع ماليزيا في مجال تصنيع الأدوات الرياضية، وهو قطاع واعد في السوق المصري، ويمكن أن يشهد تطورًا ملحوظًا من خلال استقطاب الخبرات الماليزية المتقدمة في هذا المجال.
دعوات خاصة لتعزيز العلاقات بين مصر وماليزيااختُتم اللقاء بتوجيه الدكتور أشرف صبحي دعوة للسفير الماليزي لحضور "ماراثون زايد الخيري" في نسخته التاسعة، والذي ينطلق يوم الجمعة المقبلة بالعاصمة الإدارية الجديدة، كما دعا الوزير السفير للمشاركة في معرض "إكسبو" المقرر عقده في فبراير 2025، الذي سيشهد مشاركة واسعة من الشركات العالمية ودول العالم، مما يعكس مكانة مصر كمنصة لاستعراض أحدث الابتكارات والمشروعات.
يُمثل هذا اللقاء خطوة هامة نحو تعميق العلاقات المصرية الماليزية في مجالات الرياضة والشباب، مع التركيز على تطوير البرامج المشتركة والاستفادة من الخبرات الماليزية في الاستثمار الرياضي والصناعة.