صحيفة الاتحاد:
2025-02-07@08:19:04 GMT

فلسفة التنمية المستدامة والقيم الإنسانية

تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT

الفاهم محمد

أخبار ذات صلة مركز الزراعة الملحية.. ريادة في التنمية المستدامة «قطار الاتحاد».. ممر التنمية الاقتصادية المستدامة

يعد مفهوم التنمية المستدامة واحداً من أكثر المفاهيم استعمالاً اليوم، في مجال النقاشات المرتبطة بالمشكلة الإيكولوجية. يقدر عدد المواضيع التي تتناول هذا المفهوم داخل الشبكة العنكبوتية الناطقة بالفرنسية نحو 10 ملايين، أما في المواقع الإنجليزية فيبلغ الرقم حوالي 22 مليوناً، وهذه الإحصاءات فقط إلى حدود سنة 2008.

مع ذلك ورغم هذا الزخم الكبير في التعاريف، لا يزال هذا الاصطلاح ينطوي على بعض الالتباس. مثلاً كيف يمكن ضمان التنمية المستدامة، وفي الآن ذاته الحفاظ على الرأسمال الطبيعي المحدود؟ أو أكثر من ذلك: لماذا تتجاوز برامج التنمية المستدامة مجرد العناية بالبيئة كي تقدم توجهات في مجال الاقتصاد والسياسة والتربية؟
تصف التنمية المستدامة إذن الرؤية والمبادئ التي تتحكم في توجيه السياسة البيئية والتنموية، بالشكل الذي يضمن احتياجات الناس، من دون إلحاق الضرر، ليس فقط بالبيئة بكافة مكوناتها { نباتية أو حيوانية أو مناخية... }، ولكن أيضاً بحقوق الأجيال القادمة. هذا التعريف مستل عموماً من تعريف برونتلاند سنة 1983، وتعود التسمية إلى رئيسة وزراء النرويج سابقاً، غرو هارلم برونتلاند التي أنشأت لجنة باسمها، صدر عنها تقرير عرف عالمياً بمستقبلنا المشترك أو «تقرير برونتلاند»، حيث تم تعميم استعمال مصطلح التنمية المستدامة على المستوى العالمي.
قدمت هذه اللجنة العديد من الأنشطة، أبرزها خطة العمل الشاملة المعروفة أيضاً بجدول أعمال القرن الـ 21، وهي الخطة العالمية التي تمت بلورتها في مؤتمر قمة الأرض بريو ديجانييرو سنة 1992، وتهدف إلى معالجة المشاكل التي تحدتها عملية التصنيع، مثل ثقب الأوزون واجتثاث الغابات والاضطرابات المناخية، كل ذلك من أجل حماية البيئة وضمان المساواة الاجتماعية. لقد كان هدف هذا التقرير هو تقديم حل توافقي لمعضلة التعارض بين سيرورة التنمية، والموارد الطبيعية المحدودة.

الأهداف 17
سنة 2015 تم كذلك اعتماد 17 هدفاً من طرف الأمم المتحدة من أجل بلوغ تحقيقها في حدود 2030. وهي أهداف تغطي كافة قضايا التنمية نذكرها باختصار كما يلي:
1- القضاء على الفقر بكافة أشكاله على المستوى العالمي
2- القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الزراعة المستدامة
3- الحفاظ على العيش السليم والحياة الصحية
4- ضمان التعليم العادل والجيد وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة
5- تحقيق المساواة بين الجنسين
6- ضمان حصول جميع البشر على المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي السليم
7- ضمان حصول الجميع على الطاقات المتجددة بأسعار معقولة
8- تعزيز النمو الاقتصادي المطرد مع توفير العمل اللائق
9- بناء بنية تحتية قوية، وتعزيز التصنيع المستدام، وتشجيع الابتكار
10- الحد من أوجه عدم المساواة، سواء داخل نفس الدولة أو بين الدول جميعها
11- جعل المدن آمنة وضامنة للاستدامة
12- إنشاء أنماط إنتاج واستهلاك مسؤولة
13- اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل مكافحة التغيرات المناخية
14- حفظ الحياة المائية سواء في الوديان أو المحيطات، مع ضمان استخدامها بشكل مستدام
15- الحفاظ على النظم البيئية الأرضية كالغابات والأحراش وغيرها
16- الدفاع عن قيم السلم والأمان والعدالة
17- تعزيز كافة أنواع الشراكات من أجل تحقيق الأهداف السابقة
ما نلاحظه إذن من خلال هذه الوصايا، هو أن التنمية المستدامة، تهدف إلى أنسنة عملية التطور الاقتصادي والحضاري بشكل متناغم. فالتنمية المستدامة هي فلسفة شمولية، حول ما ينبغي أن تكون عليه حياة الإنسان، وحياة كل الكائنات، بل وحياة الكرة الأرض بشكل عام.

التقدم الأنواري  
ستتوالى بعد ذلك العديد من الاتفاقيات مثل قمة الألفية الجديدة سنة 2000 بنيويورك، والقمة العالمية للتنمية المستدامة بجوهانسبورغ 2002 واتفاق باريز للمناخ كوب 21، وبعد ذلك كوب 22 في مراكش، وصولاً إلى مؤتمر الأطراف كوب 28 بالإمارات. كل هذا يعبر عن شيء واحد وهو القلق العالمي المتزايد بخصوص الأزمة البيئية.
لقد كانت حماسة عصر الأنوار عارمة في تمجيد التقدم إلى الأمام، عبر كل ما يمكن أن يحققه برومتيوس، طاغية الطبيعة. وحده جان جاك روسو انتصب من بين كل الأنواريين مشككاً في هذه الحماسة الزائدة، ومطالباً بضرورة العودة إلى الطبيعة. في واحدة من مفارقاته العميقة يقول: «لقد مدّن الحديد والقمح الإنسان، لكن البشرية ضاعت». مع ذلك لم يولِ روسو أهمية كبيرة للهيمنة التي يمكن أن تمارسها التقنية، فقد ظل فكره منجذباً إلى الأمل الأنواري، في إمكانية تحقيق رفاهية الإنسان، عبر الرهان أولاً على بناء المجتمع التعاقدي، وثانياً عبر الإصلاح الأخلاقي والتربوي للإنسان.
يتعلق الأمر إذن بإعادة صياغة مفهوم التقدم. ماذا نقصد اليوم بالتقدم نحو الأفضل؟ هل يجب الاستمرارية في تحقيق السيطرة على الطبيعة كما حلم بذلك عصر الأنوار، أم أنه من الأفضل اليوم حمايتها؟

قيم جديدة  
يدق مفهوم التنمية المستدامة ناقوس الخطر بخصوص التفاؤل الأنواري، فهو يطالب بإعادة تنظيم الإنتاج والاستهلاك بالشكل المعقول، وتوطين القيم الإنسانية الأساسية. نعلم جميعاً كيف أن انتشار التمدن، كأحد مظاهر التحديث، قد جلب معه العديد من المظاهر المضرة بالبيئة. مثل ارتفاع النفايات، والانبعاثات الغازية السامة، وتلويت المياه، إضافة إلى ما تمارسه الأنشطة البشرية، من ضغط هائل على الموارد الأولية.
هكذا يبدو أن التنمية التي ننهجها، تسير بشكل أكيد نحو تدمير شامل للطبيعة. لذلك تقترح التنمية المستدامة، مجموعة من الإجراءات والتدابير اللازمة، التي يمكن للإنسان نهجها دون الإضرار بالطبيعة. أو بطريقة أخرى كيف يمكننا الحفاظ على تدخل الإنسان في الطبيعة، وفي الآن ذاته الحفاظ على مستوى من التطور والتنمية.
لنؤكد على أن برنامج التنمية المستدامة، لن يكون ناجعاً بالفعل في معالجة معضلة الخراب البيئي الذي نعيشه، إذا ما هو ركز فقط على بعض التدابير مثل إنقاذ النمور البنغالية، أو الحفاظ على أنواع من الطيور المهددة بالانقراض، أو حتى التخفيض من نسبة الانبعاثات الغازية. إن كل هذه التدابير وغيرها رغم أنها ستكون مفيدة بالفعل، إلا أنها تظل غير كافية في وضع حد نهائي للمعضلة البيئية التي نعيشها، وتحقيق النقلة المرجوة نحو الحضارة الإنسانية المتصالحة مع الطبيعة. يجب على التنمية المستدامة، أن لا تتوقف فقط عند حدود معالجة آثار التلوث التي أحدثتها الثورة الصناعية، بل التفكير في بديل لهذه الحضارة الصناعية، التي قامت منذ بداية نشأتها بإلحاق أضرار جسيمة بالطبيعة. الأمر يتعلق إذن بتغيير عميق في طبيعة الحضارة الإنسانية، وليس فقط سن تدابير تتعامل مع حالة الطوارئ التي نعرفها.
بطريقة أخرى عندما نقول، بأن سيرورة التنمية يجب أنسنتها، فهذا معناه أن هناك مجموعة من القيم الأساسية التي يجب استحضارها، وعلى رأسها قيم العدالة والمساواة والأمن والسلام. مع كل ما يفترضه ذلك من ضرورة تجاوز الفردانية، والسعي الضيق لتحقيق الإشباعات المادية على حساب التوازنات البيئية.
نفهم اليوم لماذا يتزايد بإلحاح الطلب على الاستدامة، والعناية بالكرة الأرضية، وبحقوق الأجيال القادمة. ذلك أننا نواجه حالياً مشاكل عابرة للحدود لا يمكن للمبادرات الخاصة، التي تقوم بها هذه الدولة أو تلك أن تضع لها حداً. من هنا ضرورة العناية بقيم التضامن والتعاون والمشاركة، فهي وحدها ما يمكن أن يضمن الاستقرار الحضاري.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: التنمية المستدامة القيم الإنسانية التنمیة المستدامة الحفاظ على من أجل

إقرأ أيضاً:

عضو اقتصادية النواب يوضح أهمية مؤتمر مصر 2025 في تحقيق التنمية المستدامة

أكد النائب علي الدسوقي، عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، أن انعقاد الدورة الثامنة من مؤتمر ومعرض مصر الدولي للطاقة (EGYPES 2025) تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي يمثل خطوة استراتيجية تعزز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، وتساهم في دعم الاقتصاد الوطني عبر جذب المزيد من الاستثمارات في قطاعي البترول والغاز الطبيعي.

وأضاف الدسوقي في تصريح خاص لـ"صدى البلد"، أن المؤتمر يعد فرصة ذهبية لمناقشة مستقبل أنظمة الطاقة، والتحديات التي تواجه الصناعة، مشيراً إلى أن مشاركة عدد كبير من قادة صناعة الطاقة ورواد الشركات العالمية تعكس مدى اهتمام المستثمرين بالسوق المصري، وهو ما يعزز ثقة المؤسسات الدولية في المناخ الاستثماري بالبلاد.

 تحقيق التنمية المستدامة وزيادة الإنتاج

وأشار النائب إلى أن الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة البترول والثروة المعدنية ووزارة المالية، تبذل جهودًا كبيرة لضمان نجاح هذا الحدث، مؤكداً أن المعرض المصاحب للمؤتمر سيوفر منصة فريدة لعرض أحدث الابتكارات في قطاع الطاقة، مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة وزيادة الإنتاج المحلي من الموارد البترولية والغازية.

كما شدد على أهمية سداد مستحقات الشركاء الأجانب في قطاع البترول، لكونها عاملاً رئيسيًا في الحفاظ على تدفق الاستثمارات الأجنبية، وتوسيع نطاق الاستكشافات النفطية والغازية، مما يساهم في خفض الفاتورة الاستيرادية للمنتجات البترولية وتعزيز الاقتصاد المصري.

واختتم الدسوقي تصريحه بالإشارة إلى أن مبادرة تحويل السيارات للعمل بالغاز التي تم التطرق إليها خلال الاجتماع تعكس اهتمام الدولة بتعزيز استخدام مصادر الطاقة النظيفة، وهو ما سيؤدي إلى تقليل الانبعاثات الضارة، وتحقيق وفر اقتصادي للمواطنين، مؤكداً أن البرلمان يدعم كافة الجهود الحكومية التي من شأنها تحقيق أمن واستدامة الطاقة في مصر.

التقى اليوم الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، كلا من  أحمد كجوك، وزير المالية، والمهندس  كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية؛ وذلك في إطار مراجعة ومتابعة عدد من ملفات العمل المشتركة.

وصرح المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسميّ باسم رئاسة مجلس الوزراء، بأن الاجتماع تناول عددا من الموضوعات ومحاور العمل المشترك بين وزارتي المالية والبترول، ولا سيما ما يرتبط بترتيبات انعقاد الدورة الثامنة من مؤتمر ومعرض مصر الدولي للطاقة(EGYPES 2025 )، والذي من المقرر أن يقام تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، خلال الفترة من 17 إلى 19 فبراير الجاري، والذي ينطلق تحت شعار "بناء مستقبل آمن ومستدام للطاقة".

وفي هذا الإطار، أوضح المتحدث الرسمي أنه تم خلال اللقاء مناقشة التحضيرات والترتيبات التي تعدها وزارة البترول للتجهيز لأجندة المؤتمر وفعالياته، مشيرا في هذا السياق إلى أنه من المقرر أن يشهد المؤتمر حضور عدد كبير من قادة صناعة الطاقة في العالم، ورواد الصناعة، وعدد كبير من الشركات العالمية في هذا المجال؛ لمناقشة مستقبل أنظمة الطاقة، والتحديات التي تواجه هذه الصناعة، فضلا عن مناقشة سبل زيادة إنتاج البترول والغاز، واستخدام التكنولوجيات الحديثة في البحث والاستكشاف.


وتم التأكيد، خلال اللقاء، أن وزارة البترول والثروة المعدنية تبذل جهودا كبيرة، وذلك بالتعاون مع الوزارات والجهات المعنية؛ من أجل العمل على نجاح النسخة الثامنة من مؤتمر ومعرض EGYPES 2025، وأن هناك اهتماما متزايدا من مختلف الشركات العاملة في مجالات الطاقة والصناعة المختلفة الراغبة في المشاركة بفعالياته والمعرض المصاحب له.


كما أشار المتحدث الرسمي إلى أن اللقاء شهد مراجعة موقف سداد مستحقات الشركاء الأجانب، حيث تناول وزير البترول والثروة المعدنية مستجدات موقف السداد، مؤكدا حرص الوزارة على سداد مستحقات الشركاء الأجانب والتواصل معهم بصورة مستمرة لا سيما في ظل التحديات الحالية، بجانب الحرص على تعظيم الإنتاج المحلي؛ للمساهمة في خفض الفاتورة الاستيرادية من المنتجات البترولية، ومن ثم دعم الالتزام بسداد مستحقات شركاء الاستثمار.

كما تناول اللقاء التجهيزات لإطلاق مبادرة تحويل السيارات للعمل بالغاز، حيث ستعمل المبادرة الجديدة على دعم المواطنين الراغبين في تحويل سياراتهم للعمل بالغاز، وسيتم الإعلان خلال الفترة المقبلة عن تفاصيل هذه المبادرة الجديدة، وآليات عملها وتفاصيلها التنفيذية، ومحفزاتها، وما يتعلق بإجراءات الفحص الفني والتحويل، والصيانة، وغيرها من الأمور ذات الصلة.

مقالات مشابهة

  • ريم الهاشمي: الإمارات تتبنى الابتكار لتحقيق التنمية المستدامة
  • عضو اقتصادية النواب يوضح أهمية مؤتمر مصر 2025 في تحقيق التنمية المستدامة
  • تجارة القاهرة: البنوك ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة
  • «الحويج» يدعو لدعم الاقتصاد الأخضر وتعزيز التنمية المستدامة
  • أوزبكستان.. خطوة بخطوة نحو "أهداف التنمية المستدامة"
  • اقتصادية النواب: الترويج للسياحة البيئية يعزز من قدرة مصر على جذب الاستثمارات
  • برلماني: الترويج للسياحة البيئية يعزز قدرة مصر على جذب الاستثمارات
  • أهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي.. توصيات ورشة العمل لتطوير السياسات الزراعية
  • برلمانية: دمج الاعتبارات البيئية في خطط التنمية الاقتصادية يعزز من كفاءة تخصيص الموارد
  • 5 تريليونات دولار فجوة تمويل أهداف التنمية المستدامة