صحيفة الاتحاد:
2025-10-18@14:50:29 GMT

فلسفة التنمية المستدامة والقيم الإنسانية

تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT

الفاهم محمد

أخبار ذات صلة مركز الزراعة الملحية.. ريادة في التنمية المستدامة «قطار الاتحاد».. ممر التنمية الاقتصادية المستدامة

يعد مفهوم التنمية المستدامة واحداً من أكثر المفاهيم استعمالاً اليوم، في مجال النقاشات المرتبطة بالمشكلة الإيكولوجية. يقدر عدد المواضيع التي تتناول هذا المفهوم داخل الشبكة العنكبوتية الناطقة بالفرنسية نحو 10 ملايين، أما في المواقع الإنجليزية فيبلغ الرقم حوالي 22 مليوناً، وهذه الإحصاءات فقط إلى حدود سنة 2008.

مع ذلك ورغم هذا الزخم الكبير في التعاريف، لا يزال هذا الاصطلاح ينطوي على بعض الالتباس. مثلاً كيف يمكن ضمان التنمية المستدامة، وفي الآن ذاته الحفاظ على الرأسمال الطبيعي المحدود؟ أو أكثر من ذلك: لماذا تتجاوز برامج التنمية المستدامة مجرد العناية بالبيئة كي تقدم توجهات في مجال الاقتصاد والسياسة والتربية؟
تصف التنمية المستدامة إذن الرؤية والمبادئ التي تتحكم في توجيه السياسة البيئية والتنموية، بالشكل الذي يضمن احتياجات الناس، من دون إلحاق الضرر، ليس فقط بالبيئة بكافة مكوناتها { نباتية أو حيوانية أو مناخية... }، ولكن أيضاً بحقوق الأجيال القادمة. هذا التعريف مستل عموماً من تعريف برونتلاند سنة 1983، وتعود التسمية إلى رئيسة وزراء النرويج سابقاً، غرو هارلم برونتلاند التي أنشأت لجنة باسمها، صدر عنها تقرير عرف عالمياً بمستقبلنا المشترك أو «تقرير برونتلاند»، حيث تم تعميم استعمال مصطلح التنمية المستدامة على المستوى العالمي.
قدمت هذه اللجنة العديد من الأنشطة، أبرزها خطة العمل الشاملة المعروفة أيضاً بجدول أعمال القرن الـ 21، وهي الخطة العالمية التي تمت بلورتها في مؤتمر قمة الأرض بريو ديجانييرو سنة 1992، وتهدف إلى معالجة المشاكل التي تحدتها عملية التصنيع، مثل ثقب الأوزون واجتثاث الغابات والاضطرابات المناخية، كل ذلك من أجل حماية البيئة وضمان المساواة الاجتماعية. لقد كان هدف هذا التقرير هو تقديم حل توافقي لمعضلة التعارض بين سيرورة التنمية، والموارد الطبيعية المحدودة.

الأهداف 17
سنة 2015 تم كذلك اعتماد 17 هدفاً من طرف الأمم المتحدة من أجل بلوغ تحقيقها في حدود 2030. وهي أهداف تغطي كافة قضايا التنمية نذكرها باختصار كما يلي:
1- القضاء على الفقر بكافة أشكاله على المستوى العالمي
2- القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الزراعة المستدامة
3- الحفاظ على العيش السليم والحياة الصحية
4- ضمان التعليم العادل والجيد وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة
5- تحقيق المساواة بين الجنسين
6- ضمان حصول جميع البشر على المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي السليم
7- ضمان حصول الجميع على الطاقات المتجددة بأسعار معقولة
8- تعزيز النمو الاقتصادي المطرد مع توفير العمل اللائق
9- بناء بنية تحتية قوية، وتعزيز التصنيع المستدام، وتشجيع الابتكار
10- الحد من أوجه عدم المساواة، سواء داخل نفس الدولة أو بين الدول جميعها
11- جعل المدن آمنة وضامنة للاستدامة
12- إنشاء أنماط إنتاج واستهلاك مسؤولة
13- اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل مكافحة التغيرات المناخية
14- حفظ الحياة المائية سواء في الوديان أو المحيطات، مع ضمان استخدامها بشكل مستدام
15- الحفاظ على النظم البيئية الأرضية كالغابات والأحراش وغيرها
16- الدفاع عن قيم السلم والأمان والعدالة
17- تعزيز كافة أنواع الشراكات من أجل تحقيق الأهداف السابقة
ما نلاحظه إذن من خلال هذه الوصايا، هو أن التنمية المستدامة، تهدف إلى أنسنة عملية التطور الاقتصادي والحضاري بشكل متناغم. فالتنمية المستدامة هي فلسفة شمولية، حول ما ينبغي أن تكون عليه حياة الإنسان، وحياة كل الكائنات، بل وحياة الكرة الأرض بشكل عام.

التقدم الأنواري  
ستتوالى بعد ذلك العديد من الاتفاقيات مثل قمة الألفية الجديدة سنة 2000 بنيويورك، والقمة العالمية للتنمية المستدامة بجوهانسبورغ 2002 واتفاق باريز للمناخ كوب 21، وبعد ذلك كوب 22 في مراكش، وصولاً إلى مؤتمر الأطراف كوب 28 بالإمارات. كل هذا يعبر عن شيء واحد وهو القلق العالمي المتزايد بخصوص الأزمة البيئية.
لقد كانت حماسة عصر الأنوار عارمة في تمجيد التقدم إلى الأمام، عبر كل ما يمكن أن يحققه برومتيوس، طاغية الطبيعة. وحده جان جاك روسو انتصب من بين كل الأنواريين مشككاً في هذه الحماسة الزائدة، ومطالباً بضرورة العودة إلى الطبيعة. في واحدة من مفارقاته العميقة يقول: «لقد مدّن الحديد والقمح الإنسان، لكن البشرية ضاعت». مع ذلك لم يولِ روسو أهمية كبيرة للهيمنة التي يمكن أن تمارسها التقنية، فقد ظل فكره منجذباً إلى الأمل الأنواري، في إمكانية تحقيق رفاهية الإنسان، عبر الرهان أولاً على بناء المجتمع التعاقدي، وثانياً عبر الإصلاح الأخلاقي والتربوي للإنسان.
يتعلق الأمر إذن بإعادة صياغة مفهوم التقدم. ماذا نقصد اليوم بالتقدم نحو الأفضل؟ هل يجب الاستمرارية في تحقيق السيطرة على الطبيعة كما حلم بذلك عصر الأنوار، أم أنه من الأفضل اليوم حمايتها؟

قيم جديدة  
يدق مفهوم التنمية المستدامة ناقوس الخطر بخصوص التفاؤل الأنواري، فهو يطالب بإعادة تنظيم الإنتاج والاستهلاك بالشكل المعقول، وتوطين القيم الإنسانية الأساسية. نعلم جميعاً كيف أن انتشار التمدن، كأحد مظاهر التحديث، قد جلب معه العديد من المظاهر المضرة بالبيئة. مثل ارتفاع النفايات، والانبعاثات الغازية السامة، وتلويت المياه، إضافة إلى ما تمارسه الأنشطة البشرية، من ضغط هائل على الموارد الأولية.
هكذا يبدو أن التنمية التي ننهجها، تسير بشكل أكيد نحو تدمير شامل للطبيعة. لذلك تقترح التنمية المستدامة، مجموعة من الإجراءات والتدابير اللازمة، التي يمكن للإنسان نهجها دون الإضرار بالطبيعة. أو بطريقة أخرى كيف يمكننا الحفاظ على تدخل الإنسان في الطبيعة، وفي الآن ذاته الحفاظ على مستوى من التطور والتنمية.
لنؤكد على أن برنامج التنمية المستدامة، لن يكون ناجعاً بالفعل في معالجة معضلة الخراب البيئي الذي نعيشه، إذا ما هو ركز فقط على بعض التدابير مثل إنقاذ النمور البنغالية، أو الحفاظ على أنواع من الطيور المهددة بالانقراض، أو حتى التخفيض من نسبة الانبعاثات الغازية. إن كل هذه التدابير وغيرها رغم أنها ستكون مفيدة بالفعل، إلا أنها تظل غير كافية في وضع حد نهائي للمعضلة البيئية التي نعيشها، وتحقيق النقلة المرجوة نحو الحضارة الإنسانية المتصالحة مع الطبيعة. يجب على التنمية المستدامة، أن لا تتوقف فقط عند حدود معالجة آثار التلوث التي أحدثتها الثورة الصناعية، بل التفكير في بديل لهذه الحضارة الصناعية، التي قامت منذ بداية نشأتها بإلحاق أضرار جسيمة بالطبيعة. الأمر يتعلق إذن بتغيير عميق في طبيعة الحضارة الإنسانية، وليس فقط سن تدابير تتعامل مع حالة الطوارئ التي نعرفها.
بطريقة أخرى عندما نقول، بأن سيرورة التنمية يجب أنسنتها، فهذا معناه أن هناك مجموعة من القيم الأساسية التي يجب استحضارها، وعلى رأسها قيم العدالة والمساواة والأمن والسلام. مع كل ما يفترضه ذلك من ضرورة تجاوز الفردانية، والسعي الضيق لتحقيق الإشباعات المادية على حساب التوازنات البيئية.
نفهم اليوم لماذا يتزايد بإلحاح الطلب على الاستدامة، والعناية بالكرة الأرضية، وبحقوق الأجيال القادمة. ذلك أننا نواجه حالياً مشاكل عابرة للحدود لا يمكن للمبادرات الخاصة، التي تقوم بها هذه الدولة أو تلك أن تضع لها حداً. من هنا ضرورة العناية بقيم التضامن والتعاون والمشاركة، فهي وحدها ما يمكن أن يضمن الاستقرار الحضاري.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: التنمية المستدامة القيم الإنسانية التنمیة المستدامة الحفاظ على من أجل

إقرأ أيضاً:

إزالة 14 مكمورة فحم بالدلنجات لمخالفة الإشتراطات البيئية

قامت الوحدة المحلية لمركز ومدينه الدلنجات، بالتنسيق مع الفرع الإقليمي لجهاز شئون البيئة بمحاقظة البحيرة ، بشحن حملة مكبرة لإزالة مكامير الفحم الغير مرخصة والمخالفة للقانون ،حيث أسفرت الحملة عن إزالة 14مكمورة فحم على مساحة 3000 م ،بقرية مؤسسة البستان لمخالفة الإشتراطات البيئية. 

 يأتي ذلك في إطار الجهود المبذولة لدعم المشروعات صديقة البيئة والتى تعمل على تقليل مسببات التلوث ومنها مكامير الفحم النباتية المطورة، وإزالة مكامير الفحم العشوائية الغير مطورة بنطاق المحافظة.

ومن جانبها وجهت الدكتورة جاكلين عازر  محافظ البحيرة ،بإستمرار تكثيف حملات المرور الميداني على المكامير العشوائية بنطاق المحافظة، ومراعاة كافة الإشتراطات والمعايير البيئية المقررة ،حفاظاً على البيئة والصحة العامة، مع إتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد المخالفين.   

  وشددت محافظ البحيرة علي ضرورة الحفاظ علي البيئة ، ومواجة المخالغين وتطبيق لإجراءات القانونية .

وعلي جانب آخر أشادت الدكتورة جاكلين عازر – محافظ البحيرة، بالإنجاز المتميز الذي حققته مكتبة مصر العامة بدمنهور بحصولها على المركز الثالث في مسابقة "مكتبة العام المتنقلة 2025"، تقديراً لدورها الريادي في نشر الثقافة والمعرفة وتعزيز الوعي المجتمعي، مؤكدة أن هذا النجاح يُعد انعكاسًا مباشرًا للجهود المخلصة التي تبذلها المكتبة في دعم الحركة الثقافية بالمحافظة.

وجاء هذا التتويج خلال مشاركة المكتبة في اللقاء الدوري الثاني عشر لمديري مكتبات مصر العامة، الذي إستضافته مكتبة مصر العامة بمحافظة أسوان، خلال الفترة من 12 إلى 14 أكتوبر الجاري، تحت شعار "مبادرات وتجارب مكتبات مصر العامة".

وقد شهد اللقاء حضور نخبة من القيادات الثقافية والتنفيذية من مختلف المحافظات، حيث جرى إستعراض التجارب الناجحة والمبادرات المتميزة في مجال نشر الثقافة وتعزيز دور المكتبات كمراكز إشعاع فكري وتنموي.

ويأتي هذا الإنجاز تتويجًا للجهود المبذولة للمحافظة في تفعيل الدور الثقافي والتنويري، من خلال الأنشطة المتنوعة والمبادرات المبتكرة التي تستهدف مختلف الفئات العمرية، وتُسهم في ترسيخ قيم القراءة والتعلم والإبداع داخل المجتمع البحراوي.

وتؤكد  الدكتورة جاكلين  عازر محافظة البحيرة ،أن هذا النجاح يعكس مدى الدعم والرعاية التي توليها الدولة للثقافة والمعرفة كركيزة أساسية لبناء الإنسان المصري وتنمية الوعي المجتمعي.                             

 

مقالات مشابهة

  • هالة السعيد: مصر قطعت شوطا كبيرا لتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في التنمية المستدامة
  • الأمم المتحدة تبحث مع لجنة «التنمية المستدامة» تعزيز الاستقرار
  • فلسفة التاريخ من جديد.. الطيب بوعزة يقترح تأسيسًا جديدًا يجاوز الحتمية.. كتاب جديد
  • فاروق يبحث مع مدير مكتب اليونسكو بالقاهرة حماية التراث الزراعي والمعارف البيئية بالواحات
  • كيف يدعم القانون الجديد فلسفة الدستور في ضمان الحق في الدفاع؟
  • مدبولي: أسبوع القاهرة للمياه يؤكد مكانة مصر كمركز إقليمي لمناقشة قضايا التنمية المستدامة
  • ناصري: يوم الهجرة شاهدعلى تاريخ اغتيلت فيه المعايير والقيم الإنسانية
  • ليبيا تؤكد استمرار الشراكة مع الأمم المتحدة لتحقيق أهداف «التنمية المستدامة»
  • تحقيق اهداف التنمية المستدامة..ندوة بـ صيدلة بني سويف
  • إزالة 14 مكمورة فحم بالدلنجات لمخالفة الإشتراطات البيئية