إيهاب الملاح


من بين الكتب التي لا تُعد ولا تُحصى التي ألِّفت عن طه حسين في حياته وبعد مماته، ثمة كتب بعينها انفردت بسمات جعلتها تحتل مكانةً خاصة، مكانةً فريدة، إما لفرادة وخصوصية المنظور الذي تغيته في كتابة سيرة العميد أو جانب منها (غاية التأريخ والتوثيق والتسجيل المباشر، كما فعل سامي الكيالي في كتابه عن طه حسين، أو كما فعل عبد العليم القباني في دراسته عنه).


وإما لخصوصية العلاقة والمساحات الإنسانية والفكرية التي أتاحت لأصحابها (أصدقاء مجايلين أو تلاميذ أو معاونين) الاقتراب من المساحات الهادئة والخاصة، بل شديدة الخصوصية للدكتور طه حسين. على سبيل المثال، تلميذته المقربة والأثيرة جداً الدكتورة سهير القلماوي تلميذة العميد، وابنته الروحية والعلمية والإنسانية، وواحدة من الذين ارتبطت أسماؤهم وتاريخهم الحافل بحياة طه حسين، وأستاذيته في الجامعة، وسجلت جانباً من هذه العلاقة الخاصة جدّاً في كتابها عنه.
وهناك من جمع بين خصيصتين لم يجتمعا لأحد ممن اقتربوا من الدكتور طه حسين، على كثرتهم ويعدون بالعشرات، وهما: خصيصة التلمذة المباشرة على العميد في الجامعة، وتشرُّب قيم البحث المنهجي والتقاليد الجامعية الصارمة التي أرساها طه حسين في حياته وطيلة ممارسته أدواره الجامعية والأكاديمية..
والخصيصة الثانية، الاقتراب الإنساني المباشر والاتصال بتفاصيل حياته اليومية في بيته ومكتبه، والانخراط في سلك أسرته الشخصية وعائلته المكونة من زوجته وابنه مؤنس وابنته أمينة.
وهذا بالضبط ما أتيح وتوفر للدكتور محمد حسن الزيات، وميَّزه عن كثيرين آخرين كتبوا عن طه حسين، وجعله فيما قدمه من رؤية لصاحب «الأيام» مختلفاً ومنفرداً بما قدمه عن غيره، وهو مؤلف هذا الكتاب الممتاز الذي نعرف به في هذا المقال، بمناسبة صدور طبعة جديدة منه بعد 37 سنة من صدور الطبعة الوحيدة له عن دار الهلال بمصر.

 2 
الكتاب هو «ما بعد الأيام»، والذي يمكن أن نصفه بعبارة موجزة «لا غناء عنه» لمن أراد أن يتعرف ويتعمق تفاصيل سيرة وحياة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين (1889- 1973) الذي تحتفل بذكرى رحيله الخمسين كل المؤسسات الثقافية والفكرية والجامعية في العالم العربي أجمع.
وأظن أن هذا الكتاب من بين أهم ما كُتب تعريفاً وتأريخاً واستعراضاً لمشوار حياة طه حسين وكفاحه العلمي والفكري والإنساني المذهل. وقد اقترب مؤلف الكتاب من عميد الأدب العربي، وصحبه صحبة ملازمة لما يقرب من أربعين سنة كاملة، يقول الدكتور محمد حسن الزيات.


صدر الكتاب للمرة الأولى عام 1986 (عن مؤسسة دار الهلال)، أي بعد رحيل الدكتور طه حسين بخمس عشرة سنة، وكان ترتيبه الزمني الأخيرَ من حيث تاريخ الصدور  في تصنيفي للكتب السيرية «الغيرية» التي تناولت حياة الدكتور طه حسين أو جانباً منها  سبقه كتاب السوري سامي الكيالي «مع طه حسين» (صدر في جزءين عن سلسلة اقرأ بدار المعارف في حياة طه حسين)، وكتاب سهير القلماوي «ذكرى طه حسين» (صدر في الذكرى الأولى لرحيله في السلسلة ذاتها)، ثم كتاب سوزان طه حسين «مَعَك» الذي صدرت ترجمته العربية للمرة الأولى عام 1978 على صفحات مجلة (أكتوبر) قبل أن ينشر بين دفتي كتاب صدر عن دار المعارف عام 1979.
ومؤلف الكتاب هو الدكتور محمد حسن الزيات، وزير خارجية مصر الأسبق في واحدة من أحرج وأصعب الفترات في تاريخنا المعاصر (الفترة التي سبقت حرب أكتوبر عام 73 مباشرة)، وزوج السيدة أمينة ابنة الدكتور طه حسين.
وليس لمحمد حسن الزيات غير هذا الكتاب  فيما نعلم  وقد صدر عن دار الهلال بعد رحيله بسنوات ليست قليلة، ويتضمن معلوماتٍ عن طه حسين لا يعرفها أحد، ولم يكن لأحد أن يعرفها سوى «الزيات»، بصفته واحداً من تلاميذه المقربين ممن تعهدهم طه حسين بالرعاية العلمية الكاملة، فضلاً على المساحة الأخرى التي توطدت بعلاقة المصاهرة (زواج محمد حسن الزيات من أمينة ابنة طه حسين).
وحينما كنتُ أجمعُ مادة كتابي عن طه حسين، وأجمع المصادر والمراجع أو بالدقة أحصيها أولاً، وأوثقها ثانياً، وأرتبها ثالثاً، كان كتاب «ما بعد الأيام» في صدارة الكتب التي انفردت بمعلوماتٍ ووقائع ومشاهد وتفاصيل عن حياة العميد بحكم الصلة التي جمعت مؤلف الكتاب بالشخصية موضوع الكتاب (كان محمد حسن الزيات زوج ابنة طه حسين).
كما اشتمل الكتاب على كمٍّ من الصور النادرة والشخصية والخاصة بالعميد منذ شبابه المبكر وحتى شيخوخته المتأخرة، وفي عقديه الأخيرين بالأخص، لم ترد في غيره من الكتب والمصادر التي أرَّخت لحياته أو حتى في سيرته الشهيرة «الأيام» (ثلاثة أجزاء)، فقد خلت تماماً من أي ملاحق تضم صوراً أو وثائق أو مستندات يكون الغرض منها التوثيق. وفضلاً على قيمته التوثيقية العالية وانفراده غير منازع في رسم صورة مكملة لصورة الدكتور طه حسين في حياته الخاصة وبين أفراد أسرته، وبين أبنائه، الدكتور طه الإنسان والأب والزوج والجد والصهر.. إلخ.


في مقدمة وثمانية عشر فصلاً استعرض محمد حسن الزيات مساحة عريضة ووافرة من حياة وسيرة الدكتور طه حسين، منذ عودته مكللاً بدرجة الدكتوراه السوربونية العريقة في 1919، وحتى رحيله في الثامن والعشرين من أكتوبر عام 1973. الرحلة التي غطت ثمانية عشر فصلاً ومساحة زمنية عريضة تبدأ في العام الذي أسند فيه إلى طه حسين مهام تدريس التاريخ القديم بالجامعة المصرية (1920) وتنتهي في عام 1973.
عبر سرد لم يغب عنه الحس الدرامي، وتخلله «الحوار» و«الحديث» و«استدعاء الذكريات» و«الشهادات النصية»، استعرض محمد حسن الزيات تاريخ طه حسين وسيرته المشرفة في المؤسسات الجامعية التي أدارها أو أشرف على تأسيسها، وفي الوزارة التي عمل بها مراقباً ومستشاراً فنياً، وفي المجال الثقافي العام رئيساً للتحرير وناشراً للكتب والدوريات الثقافية، وفي كل ذلك مزج الزيات بين الذاتي والموضوعي، وراوحت لغته بين «الشعرية» والتصوير في أحايين كثيرة، وبين السرد المحايد الأقرب إلى التوثيق والتسجيل، ومع ذلك فلم يفقد الكتاب، ومنذ الصفحات الأولى في التقديم وحتى الصفحات الأخيرة في الختام، لم يفقد حرارته ولا تدفقه ولا الدافع العاطفي والشعوري المتأجج وراء تأليفه.
وجاءت عناوين الفصول معبرة تماماً عن هذا المزيج المتجانس إذا جاز الوصف والتعبير بين حرارة الوجدان والامتنان لحصاد التجربة الإنسانية والفكرية والثقافية مع طه حسين، وبين انضباط العقل وضوابط العقلانية والتوثيق فيما تعرض له من حوادث ووقائع وتفاصيل.
كانت البداية العملية من «أستاذ التاريخ القديم» العائد لتوه من فرنسا حاملاً درجة الدكتوراه من أعرق جامعاتها، والذي صار «أستاذ الأدب العربي» وعلمه الأبرز في الجامعة المصرية عبر تاريخها كله، والذي علا نجمه وتألق في مضمار الكتابة الأدبية والصحفية والبحثية، وصاغ مقالاته الشهيرة في «حديث الأحد» و«حديث الأربعاء»، ويصبح الأخير عنوان واحد من أهم وأجمل وأشهر كتب طه حسين على الإطلاق.
ولا يفوت «الزيات» أن يصور باقتدار مرحلة نشاط طه حسين في الجامعة ومعاركه التي خاضها وخصوماته السياسية، مدرساً وأستاذاً وعميداً ومنخرطاً في النشاط الجامعي والأكاديمي حتى النخاع.
بالإضافة إلى خبراته في الجامعة، وعمله أستاذاً وعميداً، سيكتسب طه حسين خبرات جديدة ويثبت كفاءة عالية وقدرة فذة في العمل مستشاراً ومراقباً بوزارة المعارف العمومية، يتخللها تأسيسه لجامعة الإسكندرية (جامعة فاروق الأول) وتوليه إدارتها، ويتخللها أيضاً رئاسته لتحرير مجلة (الكاتب المصري)، إحدى أعظم مجلاتنا الثقافية في النصف الأول من القرن العشرين.


ستنتهي هذه الرحلة الملهمة بصعود طه حسين ليعتلي كرسي الوزارة (وزارة المعارف العمومية) في حكومة الوفد الأخيرة (1950-1952) وفيها تصدر قراراته التاريخية بمجانية التعليم.
وتستغرق الفصول السبعة الأخيرة من كتاب الزيات الفترة الزمنية من 1952 وحتى 1973، وهي التي ستشهد قيام ثورة يوليو 52، وخروج طه حسين من الوزارة، لكنه يظل حتى آخر يوم في عمره يقرأ ويكتب ويمارس أدواره العظمى في الفكر والتخطيط والإبداع والتأليف، ويختتم الكتاب بفصلين عن ختام مسيرة هذا الرجل العظيم، «قبيل الغروب» و«النفس المطمئنة».

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الأدب العربي طه حسين الدکتور طه حسین الأدب العربی فی الجامعة عن طه حسین طه حسین فی

إقرأ أيضاً:

كنت هموت نفسي.. ميار الببلاوي تروي تفاصيل مرض نادر أصاب ابنها

قالت الفنانة ميار الببلاوي، إن أحد أجمل الأيام في حياتها كان يوم تخرج ابنها محمد من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – قسم اللغة الإنجليزية، بتقدير "جيد جدًا" ورغم سعادتها الكبيرة بهذا اليوم، إلا أنها وصلت متأخرة إلى الحفل ولم تتمكن من مشاهدته وهو يتسلم شهادته، مما جعله يشعر بالحزن ولكنها استطاعت مصالحته في النهاية، مؤكدة أنه أغلى ما تملك، فهو ابنها، وأخوها، وصديقها، وكل شيء في حياتها، خاصة أنها لم يكن لها شريك في تربيته سوى والدتها الراحلة، التي كانت بمثابة أمه الثانية.

ميار الببلاوي تكشف أسوأ ذكرى في حياتها.. فيديوميار الببلاوي: لحظة ميلاد ابني محمد أسعد أيام حياتي


وأشادت ميار خلال مشاركتها في برنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، بموهبة ابنها محمد، حيث أصبح الآن رئيس تحرير برنامجها، وساهم في نجاحها بشكل كبير، وأوضحت أنه نشأ في بيئة إعلامية منذ صغره، مما جعله ملمًا بالكثير من التفاصيل الفنية والإعلامية بالفطرة، قائلة: "مثلما يُقال ابن الوز عوام، فهو وُلد في البلاتوهات وعرف كل شيء عن الإعلام منذ طفولته، حتى أصبح جزءًا من هذا المجال دون أن يشعر".


أما عن علاقتها بابنها، فأكدت ميار أنه يمثل "الخط الأحمر" في حياتها، قائلة: "يمكن لأي شخص أن يهاجمني، لكن عندما يتعلق الأمر بمحمد، فلا مجال للمساس به". 


وكشفت عن الأزمة الصحية الخطيرة التي تعرض لها مؤخرًا، حيث أصيب بحصوة نادرة في القناة اللعابية، وهي حالة طبية غير شائعة. وأوضحت أن الأطباء أخبروها بأنه إذا لم تتحرك الحصوة، فقد يضطرون إلى إجراء جراحة بالقرب من الحنجرة، مما قد يؤدي إلى فقدانه القدرة على الكلام.


وأضافت أنها عاشت خمسة أيام في حالة من القلق الشديد، لدرجة أن الطبيبة المعالجة حذرتها قائلة: "هو سيصبح بخير، لكن أنتِ من ستتدهور حالتك الصحية بسبب القلق"، وأكدت ميار أنها لم تستطع النوم طوال هذه الفترة خوفًا من فقدان ابنها، لكنها حمدت الله على شفائه واستقرار حالته، كما أوضحت أنها تتابع حالته الصحية بانتظام، نظرًا لاحتمالية تكرار تكون الحصوات في المستقبل.
 

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة كفر الشيخ يهنئ الدكتور محمود طه بتعيينه عميدًا لكلية التربية
  • قيصرية الكتاب تنظّم أمسية يوم العَلَم السعودي
  • شوقي ضيف.. المؤرخ الأدبي الذي أعاد كتابة تاريخ الأدب العربي
  • تجديد تعيين الدكتور محمد الأشهب عميدًا لكلية الطب البشرى بجامعة بنها
  • حفيد طه حسين يكشف لـباب رزق تفاصيل خاصة عن عميد الادب العربي
  • تجديد تعيين الدكتور محمد الأشهب عميدًا لكلية الطب بجامعة بنها
  • بالفيديو.. الدكتور أحمد عمر هاشم يكشف عن عدد المرات التي شُق فيها صدر النبي
  • كنت هموت نفسي.. ميار الببلاوي تروي تفاصيل مرض نادر أصاب ابنها
  • البرلمان العربي ينوه بالإسهامات التي حققتها المرأة العربية على كافة الأصعدة
  • خفة النص التي احتملها الغذامي ولم يطقها البازعي!