شهد الأستاذ الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، اليوم الأربعاء، حفل تخرج الدفعة الثالثة والعشرين بكلية الطب جامعة الأزهر بدمياط، وذلك بمركز الأزهر للمؤتمرات بالقاهرة.

وقال وكيل خلال كلمته بالاحتفالية إن هذا اليوم هو يومُ السَّعادةِ الَّذي يحتفي فيه الأزهرُ الشَّريفُ ويحتفلُ بالأطبَّاءِ مَّن تحمَّلوا الصِّعابَ، وبذلوا من أعمارِهم ونفوسِهم وحياتِهم؛ من أجلِ تحقيقِ آمالِهم وطموحاتِهم، وسعادةِ آبائِهم وأمَّهاتِهم، وهو يومُ الوفاءِ الَّذي يفي فيه الأزهرُ الشَّريفُ لهذا الوطنِ بهذه الكفاءاتِ الشَّبابيَّةِ الَّتي تحملُ آمالَ المستقبلِ المشرقِ، والغدِ المزدهرِ.

وأضاف فضيلته أنَّ هذا اليوم يمثل أيضًا يوم تصحيحِ الفكرِ، الَّذي يُقدِّمُ فيه الأزهرُ الشَّريفُ أدلَّةً جديدةً على أنَّ خدمةَ الأوطانِ إنَّما تكونُ بالعطاءِ وبالعملِ، وليست بالكلامِ ولا بالشَّعاراتِ، وهذا هو منهجُ الأزهرِ الَّذي يُعلي من قدرِ العاملينَ في وقتٍ يحتاجُ فيه الوطنُ إلى كُلِّ نَفَسٍ لاستكمالِ مسيرتِه نحو التَّقدُّمِ، واليوم نرى وجوهًا مشرقة، ننظرُ إليها فتمتلئُ قلوبُنا سعادةً، بما نراه في الخرِّيجينَ الشَّبابِ من بهجةِ الحياةِ، وأملِ المستقبلِ، وثمراتِ الصَّبرِ والمثابرةِ على العلمِ والتَّحصيلِ والمدارسةِ.

وأكد فضيلته أنه في ظلِّ ما نعانيه من آلامٍ وحزنٍ بسببِ ما يجري في الدِّيارِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، في فِلَسطينَ الأبيَّةِ وفي غزَّةَ الفتيَّةِ من اعتداءٍ صارخٍ يخالفُ ما يعرفُه بنو الإنسانِ من أديانٍ سماويَّةٍ، وأعرافٍ دوليَّةٍ ومواثيقَ أمميَّةٍ، ويستهدفُ الأطفالَ الأبرياءَ ودورَ العبادةِ والعزَّلَ، بما يؤكِّدُ أنَّ الوحشيَّةَ والبربريَّةَ ما تزالُ في طبائعِ الصَّهاينةِ الَّذين يحاولون خداعَ العالمِ بشعاراتٍ كاذبةٍ؛ في ظلِّ هذه الأجواءِ الخانقةِ يأتي حفلُ اليومِ برهانًا ساطعًا ودليلًا ناصعًا على أنَّ الخيرَ في الأمَّةِ سيظلُّ إلى أن يشاءَ اللهُ.

وأشار وكيل الأزهر إلى أن التاريخ العريق يثبتُ لكليَّةِ الطِّبِّ بجامعةِ الأزهرِ، ومستوى خرِّيجيها، أنَّ الأزهرَ الشَّريفَ مبدعٌ في فهمِ رسالةِ الإسلامِ وتطبيقِها؛ فلم يقفْ بها عند الدَّعوةِ النَّظريَّةِ، ولم يقفْ بها عند معالجةِ الرُّوحِ والعقلِ، بل نقلها إلى دعوةٍ عمليَّةٍ تعالجُ القلبَ والبدنَ معًا، وهذا ناتجٌ من أنَّ الأزهرَ الشَّريفَ يدركُ أنَّ الإنسانَ مركبٌ من مادةٍ وروحٍ، وأنَّ المجتمعَ كما يحتاجُ إلى عالمٍ بالشَّريعةِ ينطقُ بالأحكامِ حلالًا وحرامًا، فإنَّه يحتاجُ كذلك إلى طبيبٍ ماهرٍ ينطقُ بأحوالِ الإنسانِ صحَّةً ومرضًا، فإذا انضمَّ علمُ الأديانِ وعلمُ الأبدانِ في إنسانٍ فتلك غايةٌ غاليةٌ، وهذا هو الأزهرُ، وهؤلاءِ هم أبناؤه الَّذين يملكون مِن الكفاءةِ والمهارةِ ما يسجِّلون به أسماءَهم في تاريخِ العلمِ الدِّينيِّ والدُّنيويِّ معًا.

ولفت إلى أن المجتمع أحوج ما يكون إلى هذا النَّموذجِ الأزهريِّ الَّذي يجمعُ بينَ علومِ الدِّينِ وعلومِ البدنِ، وأشيرُ هنا إلى نموذجٍ يُؤكِّدُ رِيادةَ الأزهرِ الشَّريفِ في عِلم الطِّبِّ عبرَ التَّاريخِ، وهو «الشَّيخُ أحمدُ بنُ عبدِ المنعمِ بنِ يوسفَ بنِ صيامٍ الدَّمنهوريُّ»، الَّذي كان عالمًا بمذاهبِ أئمَّةِ الفقهِ الأربعةِ، حتَّى لُقِّبَ بـ«المَذَاهِبيِّ»، وقد وصفَه معاصروه بأنَّه كانَ عالمًا فذًّا، ومُؤلِّفًا عَظيمًا، ترقَّى في مناصبِه بالأزهرِ إلى أنْ أصبحَ شيخًا للجامعِ الأزهرِ لمدَّةِ عشرِ سنواتٍ، ليكونَ أوَّلَ طبيبٍ فقيهٍ محقِّقٍ يتولَّى المشيخةَ. ومن أبرزِ مؤلَّفاتِه في مجالِ الطِّبِّ: «القولُ الصَّريحُ في علمِ التَّشريحِ».

وتابع  أن الشَّيخ الدَّمنهوري لم يكتفِ بدراسةِ الطِّبِّ إلى جنبِ العلومِ الشَّرعيَّةِ واللُّغويَّةِ، وإنَّما كانَ الشَّيخُ أحمدُ الدَّمنهوريُّ واحدًا من علماءِ الأزهرِ الَّذين عُرِفوا بالثَّقافةِ الواسعةِ الَّتي شملتْ الرِّياضياتِ والهندسةَ والفلكَ، وهكذا شأنُ العلماءِ.

وبيٌّن وكيل الأزهر أن تحضُّرَ الإنسانِ وتقدُّمَه مرتبطٌ بالأخلاقَ؛ ولذا عُنيت الأديانُ والحضاراتُ بالأخلاقِ عنايةً بالغةً منذ فجرِ الحضاراتِ الأولى، وعمادُ الإسلامِ هذه المنظومةُ الأخلاقيَّةُ الَّتي تنقُلُ الإنسانَ من الفوضى والعبثيَّةِ إلى النِّظامِ والتَّرقِّي، وفي ذلك يقولُ سيِّدُ الخلقِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّما بُعـثـتُ لأتـمِّمَ مـكـارمَ الأخـلاقِ»، ومهنةُ الطِّبِّ لها نصيبٌ وافرٌ من هذه الأخلاقِ.

وواصل فضيلته أن المتأمِّل للحركةِ العلميَّةِ الطِّبِّيَّةِ يجدُ مبحثًا عريقًا من مباحث علمِ الطِّبِّ، اقترن به منذُ نشأتِه، وهو «الأخلاقُ الطِّبِّيَّةُ»، ويكفي قَسَمُ أبقراطَ دليلًا على هذه الأخلاقيَّاتِ الرَّاقيةِ الَّتي تضبطُ العلاقةَ بين الطَّبيبِ والمريض، ولم يغبْ هذا النَّوعُ من التأليفِ والبحثِ عن علماءِ الإسلامِ، فقد عرفت الحضارةُ الإسلاميَّةُ نمطًا فريدًا من التَّصنيفِ الطِّبِّيِّ يُسمَّى «أدبُ الطَّبيبِ» يُعنى بكلِّ ما يُجنِّبُ الطَّبيبَ الخطأَ في ممارسةِ المهنةِ على ضوءِ القواعدِ الحاكمةِ.

وذكر فضيلته نماذج لأشهرِ الكتبِ في هذا الباب ومنها: كتابُ «امتحانِ الأطبَّاءِ» لابنِ إسحاق، وكتابُ «أخلاقِ الطَّبيبِ» للرَّازيِّ، وكتابُ «أدبِ الطَّبيبِ» لإسحاقَ الرَّهاويِّ، و«رسالةُ دعوةِ الأطبَّاءِ» لابنِ بطلان، و«الرِّسالةُ الأفضليَّةُ في تدبيرِ الصِّحَّةِ» لموسى بن ميمون، و«رسالةٌ في بيانِ الحاجةِ إلى الطِّبِّ وآدابِ الأطبَّاءِ ووصايهم» للشِّيرازيِّ، وغيرُها من الكتبِ والرَّسائلِ.

واستطرد فضيلته: نحن أمام حفلٍ نجني فيه ثمرةَ التَّعبِ والسَّهرِ والآمالِ، وأثقُ تمامًا بأنَّ الخرِّيجين والآباءَ والأمَّهاتِ لتمتلئُ قلوبُهم اليومَ فرحًا وسعادةً، ولكنِّي أدعوكم إلى مزيدٍ من الطُّموحِ، فلا ينبغي أن تتوقَّفَ أحلامُكم عند شهادةِ التَّخرُّجِ، وإنَّما أريدُكم جميعًا أن ترفعوا رايةَ الأزهرِ فتكونوا إضافةً جديدةً في عالمِ «الطِّبِّ الأزهريِّ» إن صحَّت التَّسميةُ، وأن تَسْعَوا للحصولِ على شهادةٍ من اللهِ بخدمةِ النَّاسِ ونفعِهم، فتكونوا من خيرِ النَّاسِ، ألم يقلْ رسولُ اللهِ ﷺ: «خيرُ النَّاسِ أنفعُهم للنَّاسِ»، وأريدُكم أن تجمعوا إلى جنبِ ذلك أن تدْعوا النَّاسَ إلى اللهِ، وتبثُّوا في قلوبِهم الأملَ والرَّجاءَ والتَّفاؤلَ، بعيدًا عن مفرداتِ المرضِ والوجعِ والألمِ واليأسِ والإحباطِ.

وختم وكيل الأزهر كلمته بتهنئة الأطبَّاء الجدد، ودعاء الله لهم بالتَّوفيقِ والسَّدادِ، وتوصيتهم بالخيرِ، وتذكيرهم بما يحملونه من علمٍ ومن تاريخٍ عريقٍ للأزهرِ الشَّريفِ، وأنه ما أحوجَ واقعَنا إلى خطابِ الأملِ بعيدًا عن خطابِ الألمِ، وما أحوجَه إلى خطابِ الفرحِ والسَّعادةِ بعيدًا عن خطابِ الحزنِ والكآبةِ، سائلًا اللهَ أن يحفظَ بلادَنا، وأن يوفِّقَ وُلاةَ أمورنا، وأن يكشفَ عنَّا ما أهمَّنا، وأن يأذنَ بالفرجِ إنَّه على كلِّ شيءٍ قديرٌ.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: وکیل الأزهر إلى أن

إقرأ أيضاً:

درس التراويح بالجامع الأزهر يدعو للتمسك بخلق التواضع

قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إن الله تعالى خلق الإنسان رئيس نفسه بحكم استخلافه في الأرض، لا يقبل أن يتكبر عليه أحد، لأنه خليفة الله في أرضه، فهو سبحانة وتعالى حين استخلفنا في الأرض جعل كل منا سيد نفسه، ولذلك يكره الإنسان الكبرياء أو التكبر، حتى ولو كنت ما تقوله له حقا فهو يكرهه، إن كان الكلام له موجها بطريقة فيها استعلاء وتكبر، ومن ذلك أن أحد الشيوخ كان يقول لطالب نبيه عنده، دائما ينطق كلامه بالصواب ولكن بطريقة فيها نبرة استعلاء على زملائه، فقال له: "ما كرهت صوابا أسمعه إلا منك".

الجامع الأزهر يقيم التراويح السادسة عشرة برواية حفص عن عاصم وسط توافد آلاف المصلين.. صورشيخ الأزهر في خطاب بالأمم المتحدة: الإسلاموفوبيا نتاج للجهل بحقيقة الإسلام

وبين رئيس جامعة الأزهر، خلال درس التراويح، اليوم السبت، بالجامع الأزهر، والذي جاء تحت عنوان: "التواضع"، أن التواضع لم يذكر باسمه في القرآن الكريم، وإنما ذكر بصفات كثيرة من صفاته، ومن ذلك قوله تعالى: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍۢ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلْأَنْعَٰمِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ فَلَهُۥٓ أَسْلِمُواْ ۗ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ"، والمراد بالمخبتين المتواضعين، والخبت هو المكان المنخفض المطمئن، وهو المكان الذي يملؤه الماء حين ينزل من السماء في تشبيه لأن التواضع فيه الكثير من الخير والنفع للناس، أما التكبر فهو كربوة عالية لا يأمن من عليها الانحدار ولا يأمن الهلاك.

وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن التواضع له قيمة كبيرة في الإسلام فالمتواضع نافع لنفسه ولغيره ولمجتمعه، ودليل هذه القيمة الكبيرة قول السيدة عائشة رضي الله عنها: "أيها الناس إنكم لتغفلون، العبادة التواضع"، وكان سيدنا عبدالله بن المبارك رضي الله عنه يقول: "التواضع أن تضع نفسك دون من هو أقل منك في النعمة حتى لا يرى لك عليه فضلا"، أي لا تتفضل عليه بنعمة الثراء التي رزقها الله لك، وأن ترفع نفسك فوق من هو أعلى منك في نعمة الحياة، حتى لا يرى له فضل عليك، فهذه هي سمة التواضع وسمة المتواضعين.

وأمر القرآن الكريم نبينا "صلى الله عليه وسلم" بالتواضع فقال: "واخفِضْ جناحك للمؤمنين"، بمعنى اللين والرفق وأن يكون هينا لينا رحيما بهما، وفي حق الوالدين أضاف كلمة الذل فقال: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ"، لأن الذل بالنسبة للولد مع والديه انكسار، حتى لا يتبجح معهما، ولكنه حذفه مع النبي "صلى الله عليه وسلم" لأن الذل لا يليق بمقامه الكريم "صلى الله عليه وسلم"، لافتا إلى أن صفات المتواضعين في القرآن كثيرة ومن ذلك قوله تعالى: "ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا"، وقوله تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا"، أي بلين ورفق وتواضع.

واختتم بأن التواضع هو حين تخرج من بيتك وأنت لا ترى لنفسك فضلا على مسلم، فالمسلمون جميعا سواء، ولذلك كان من صفات المؤمنين في قوله تعالى: "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ"، فهذه هي سمات التواضع، فالتواضع له مكان والكبر له مكان، ولكل شيء مقامه وموضعه، لافتا أنه ولكل ذلك كان التواضع هو الأساس في ركن الحج، كأن الله يقول لنا: "إذا كان التواضع صفة المؤمن في الدنيا والحياة، فهو في الحج أليق به"، فالتواضع هو أن يقبل المسلم النصح وأن يتواضع لمن ينصحه، وبالنسبة لطالب العالم، فإن التواضع هو أن يذل نفسه في طلب العلم حتى لا يدخل العلم باستعلاء وكبر، فإنه إذا دخله بكبر واستعلاء لا ينال منه شيئا، وإذا دخله بذل، يوشك أن يفتح له.

مقالات مشابهة

  • هل يُقبل صيام الشخص المتنمر؟.. الأزهر يجيب
  • كونوا صادقين معنا ولو لمرة واحدة
  • درس التراويح بالجامع الأزهر يدعو للتمسك بخلق التواضع
  • هل هذا هو إسلامكم ؟
  • قرأ كتابين.. وأفتى!
  • وكيل تعليم دمياط يرد على شكوى ولي أمر طالبة إعدادي على الفيسبوك
  • وكيل الأزهر: شاركنا في الحرب مع الشعب وما يحدث في غزة جريمة إنسانية
  • مرصد الأزهر: الفتوحات لم تكن لنشر الإسلام بالقوة بل لحماية المظلومين
  • وكيل الأزهر: الصيام تدريب للنفس للوقوف على حدود الله تعالى
  • «الدنيا بخير».. وكيل الأوقاف: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده