بعد تصريح إذاعي.. محكمة عسكرية تونسية تحكم بالسجن على ناشطة بارزة
تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT
قضت محكمة عسكرية في تونس، الأربعاء، بالسجن لمدة عام مع إيقاف التنفيذ، على الناشطة البارزة، القيادية بجبهة الخلاص الوطني، شيماء عيسى، وهو الحكم الذي وصفته منظمة العفو الدولية بـ"المشين".
وبدأ الادعاء العام في التحقيق مع شيماء، القيادية في تحالف أحزاب معارض للرئيس قيس سعيد، بعد انتقادها السلطات في محطة إذاعة تونسية في فبراير، واعتقلت منذ ذلك الشهر حتى يوليو.
وقالت محاميتها، إسلام حمزة، في تدوينة مقتضبة على فيسبوك: "القضاء العسكري يصدر حكما بالسّجن لمدة عام مع تأجيل التّنفيذ في حقّ النّاشطة السّياسيّة شيماء عيسى".
وذكر بيان لجبهة الخلاص الوطني المعارضة، الأربعاء، أن "المحكمة العسكرية الدائمة بتونس أصدرت حكما بالسجن لمدة عام، مع تأجيل التنفيذ على شيماء عيسى من أجل تصريح إذاعي أدلت به خلال الانتخابات التشريعية الماضية تولدت عنه 3 تهم جزائية خطيرة: نسبة أمر موحش لرئيس الجمهورية والتحريض ونشر الإشاعات".
واعتبرت الجبهة أن "ملاحقة السياسيين من أجل تصريحات يدلون بها في وسائل الإعلام يمثل انتهاكا خطيرا لحرية التعبير والعمل السياسي المستقل".
كما شددت على أن "إحالة المدنيّين على المحاكم العسكرية يعد خرقا للقانون التونسي ولأحكام الدستور والمواثيق الدولية ذات العلاقة"، مضيفة أن "هذه التتبعات الجائرة أصبحت سياسة عامة تتبعها السلطة إزاء مختلف المواطنين من سياسيين وإعلاميين ومدونين".
وأكدت أن "التهديد بالسجن لن يحقق أهداف السلطة في تكميم أفواه المعارضة الديمقراطية، بل لن يزيدها سوى تصميما على مواصلة معركتها حتى استرجاع الشرعية الدستورية ومحو آثار الانقلاب الذي هدم المؤسسات وأرسى الحكم الفردي المطلق وحاصر حريّة التعبير والعمل السياسي المعارض".
وبعد أن أعلنت المحكمة العسكرية قرارها، الأربعاء، حثت منظمة العفو الدولية السلطات التونسية على إلغاء هذه "الإدانة المشينة" فورا.
وقالت مستشارة البحوث وأنشطة كسب التأييد المعنية بشؤون تونس، في منظمة العفو الدولية، فداء الهمامي، "شيماء عيسى كاتبة معروفة وشخصية معارضة لم يكن ينبغي توجيه الاتهام إليها في المقام الأول لأنها كانت ببساطة تمارس حقها في حرية التعبير بشكل سلمي".
وأضافت: "يتعين على السلطات التونسية سحب هذه التهمة المشينة الصادرة عن محكمة عسكرية فورا".
وتابعت أن "شيماء مثل العشرات من المعارضين الآخرين الذين يتعرضون للتحرش القضائي أو الاعتقال العشوائي منذ شهور ليست مذنبة سوى بإثارة تساؤلات حول قرارات اتخذتها الحكومة كانت تشير منذ البداية إلى عدم استعداد للتسامح مع أي شكل من أشكال المعارضة".
وانتقدت شيماء التهم بوصفها مسيسة، قبل أن تدخل جلسة المحكمة العسكرية، الثلاثاء.
واتهم أكثر من 20 من المعارضين للرئيس التونسي في محاكم عسكرية "بالتخطيط ضد أمن الدولة".
ومنذ توليه الحكم في 2019، أطاح سعيد برؤساء وزراء وعلق برلمان البلاد وأعاد كتابة الدستور، واعتقل العديد من النشطاء ورؤساء الأحزاب السياسية، وبينهم راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: شیماء عیسى
إقرأ أيضاً:
د ياسر يوسف: حرية التعبير.. جدل السياس والقانون
من حين لآخر تثار في المشهد الإعلامي والقانوني في السودان قضية حرية التعبير ، وحدود حق التدخل الممنوح للسلطات الإدارية الحكومية لتنظيم الحريات الصحفية ، ولا شك أن مجرد الحوار حول هذه الموضوعات هو دليل عافية وطنية ، كما أنه فريضة مطلوبة وواجبة بين مؤسسات الدولة المختلفة ، لأنه يرسخ لمبدأ التحاور السلمي بين هذه المؤسسات ، وهو ما سيقود للتوافق حول أمهات القضايا ، ومن بينها قضية الأمن القومي التي ظلت محلا للتجاذب وعدم الإتفاق ، الأمر الذي ترتبت عليه نتائج بالغة الخطورة علي وحدة البلاد وسيادتها وجعل قواها الحية تتصارع علي كل شيء ، وتختلف علي كل ما يلزم الإتفاق بشأنه ، ولمركزية قضية الأمن القومي فإنها تنسحب بصورة مباشرة علي الجدال العام حول كيفية ممارسة الحريات العامة وأساليب تنظيمها بين الأطراف المختلفة من سلطات حكومية ومواطنين ..
يلزم القول إبتداء إن تنظيم حرية التعبير في الدولة الحديثة ليس شيئا جديدا يسارع الناس للبحث عن قواعد لتنظيمه حاليا ، ولكنه ولحسن الحظ من الأمور التي إهتم بها التشريع الدولي وأفرد لها النصوص الواضحة والبينة ، وحين الحديث عن التشريع الدولي المتعلق بتنظيم حرية التعبير فإننا نعني المواثيق الدولية والإقليمية ، ومن ضمنها ميثاق الأمم المتحدة ، العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والمواثيق القارية لحقوق الإنسان ، فقد اهتمت هذه المواثيق إهتماما بالغا بحرية التعبير كونها تعتبر من الحقوق الأساسية للإنسان التي لا يمكن التفريط فيها ..
حق تقييد حرية التعبير :
التساؤل الجوهري الذي يطل بين المهتمين بالحقوق هو هل هذا الحق الذي دعت إليه المواثيق الدولية والإقليمية حقا مطلقا ، أم أن هناك قيودا محددة وردت بشأنه ؟ مبعث التساؤلات يأتي دائما من فئتين ، فئة تنطلق من تصور مثالي يجافي الواقع الماثل ، أو يتجاهل الحقائق المستقرة في أرض الواقع ، ويحاول محاكمة السلطات الحكومية بمعايير متخيلة لما ينبغي أن يكون عليه واقع ممارسة الحريات العامة ، وفئة تنطلق من خلفيات سياسية تسيطر عليها أدبيات ( الناشطية السياسية ) ، وتتميز بالصوت العالي والقدرة علي التحشيد السياسي دون معرفة القواعد القانونية التي تحكم القضايا محل الخلاف ، ولكنها وتحت ذرائع التناصر السياسي أو التعصب المهني تتجاوز المطلوبات الموضوعية نحو توظيف القضايا بنقلها خارج سياقها اللائحي والقانوني إلي ميادين ( النضال المزعوم ) ..
تنقسم الحقوق في المواثيق الدولية إلي حقوق مطلقة لا يمكن تقييدها كحق عدم السخرة أو عدم التعذيب مثلا ، وحقوق قابلة للتقييد ، وذلك لتحقيق غاية أسمي من ذلك الحق الذي يقع عليه التقييد ، وأبرز مثال لذلك هو حق التعبيرالذي إهتمت المواثيق الدولية فيه بتحقيق التوازن بين الحرية والمسؤولية ، فبينما ركزت علي تأكيد حرية التعبير وإعتبارها حقا جوهريا نادت بعدم إستغلال هذه الحرية للإضرار بالسلامة العامة أوالغير ، ونص العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية في المادة (19 ) علي الآتي ( إن ممارسة الحقوق يترتب عليها واجبات ومسؤوليات خاصة ، وعلي ذلك يجوزإخضاعها لبعض القيود ، ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية لإحترام حقوق الغير وسمعتهم ) وفي الفقرة ( ب) تقول المادة ( لحماية الأمن القومي أو النظام العام ، أو الصحة العامة ، أو الآداب العامة ) ، ورد مفهوم تقييد حرية التعبير بصورة واضحة في الإتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان ، حيث نصت المادة العاشرة منه علي الآتي ( يجوز إخضاع ممارسة هذه الحريات لبعض المعاملات أو الشروط أو العقوبات المنصوص عليها في القانون ، والتي تشكل تدابير ضرورية في المجتمع الديمقراطي للأمن الوطني ، أو سلامة الأراضي ، أو السلامة العامة ، أو حماية النظام ومنع الجريمة ، أو لحماية الصحة والأخلاق ، أو لحماية سمعة الغير أو حقوقه ، أو لمنع الكشف عن معلومات سرية ، أولضمان سلطة القضاء ونزاهته ) ، ولولا طبيعة هذا المقال المحكوم بعدد معين من الكلمات لتوسعنا في إيراد القيود التي وضعتها المواثيق الدولية والإقليمية علي حرية التعبير، ولكننا نختم هذه الفقرة بما ورد في الوثيقة الدستورية التي أخذت بمبدأ التقييد أيضا ، ذلك في المادة ( 57 ) التي نصت علي الآتي ( لكل مواطن حق لا يقيد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول إلي الصحافة ، دون المساس بالنظام والسلامة والأخلاق العامة وفقا لما يحدده القانون )
لمن ينعقد ممارسة إختصاص التقييد ؟
تشترط المواثيق الدولية أن يتم التدخل لتقييد حرية التعبير بناء علي قانون ساري ، ( وأن يستهدف حماية مصلحة مشروعة معترف بها بموجب القانون الدولي ، وأن تكون تلك القيود ضرورية لحماية تلك المصلحة ) ويجادل البعض بأن حق التقييد هذا لا يجب أن تنفذه السلطات الحكومية ولكن يجب أن تطلع به المحاكم ، وهذا خلط ينم عن عدم الإدراك الكامل بطبيعة عمل سلطات الدولة الحديثة ، حيث يقع علي السلطة التنفيذية تنفيذ القواعد التي يجيزها البرلمان ضمانا لحسن إدارة الدولة ، وفي سبيل ذلك تعتمد الدولة علي تنفيذ بعض القوانين التي يجيزها البرلمان ، كما أن الحكومة تطلع بالكامل بتنفيذ بنود القانون الإداري الذي يهتم بفصل المنازعات الإدراية بين الدولة من جهة والأفراد والمؤسسات من جهة أخري ، وهناك جانب مهم يجب الذكير به وهو أن رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي يمتلك صلاحيات تشريعية وفقا لقواعد محددة ، وهو ما اشتهر عندنا في السودان بما يعرف بالمراسيم الدستورية ، وقد رأينا هذا الأمر حين وقع الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قانونا بحظر تيك توك في الولايات المتحدة الأمريكية بناء علي تقارير أمنية ( تنظر بشك لعلاقة الحكومة والحزب الشيوعي الصيني بالشركة ) ، وفي العام الماضي قامت وزارة الداخلية البريطانية بتقديم تحذير لقناة ناشيونال إيران تطالبها ( بوجوب إغلاق القناة ) مسببة ذلك بمخاوفها من تهديدات إيرانية بتفجير مقر القناة ، ويومها إحتج مدير القناة متسائلا ( هل واجب الشرطة البريطانية هو ترحيل الصحفيين أم توفير الحماية للصحفيين ) ، ولم تتوان وزارة الداخلية الفرنسية في العام 2015 من إغلاق خمسة مواقع إلكترونية إستنادا علي قانونون مكافحة الإرهاب ، وفي الصين قامت هيئة تنظيم البث في العام 2020 بسحب ترخيص بث قناة بي بي سي البريطانية ومنعتها من البث داخل الصين بحجة نشرها مواد تنتهك القانون الصيني ، وفيما يتعلق بشركة تيك توك قامت عدد من الدول بحظرها بموجب قرارات إدراية وفي مقدمة تلك الدول فرنسا ، بريطانيا ، هولندا ومؤسسات الإتحاد الأوروبي ، وقد سبقتهم الهند إلي ذلك ، وكل هذه الجهات بررت قرارها بوجود مخاوف أمنية من طريقة عمل التطبيق أوإجتماعية مما يبثه .
أوردنا هذه الأمثلة للتأكيد علي أن سلطة التقييد هي سلطة إدارية تمارسها الحكومات إما من خلال وزارت الداخلية أو الإعلام أو أجهزة الأمن أو هيئات تنظيم رخصة البث ، وفي السودان لدينا تجربة شاهدة وهي حظر بث راديو بي بي سي بقرار من وزير الإعلام منذ العام 2010 نتيجة تجاوزها شروط الترخيص بفتح مكتب لها في جوبا دون الرجوع لوزارة الإعلام ، ولم يتم رفع الحظر إلا في العام 2019 ، نخلص من هذا إلا أن الجهة التي لديها حق الترخيص لديها حق سحبه ..
ولكن ولكي لا تستغل الحكومات حق التقييد وتتعسف في إستخدامه لابد من أن يستند عملها إلي قانون ، ويتاح للجهات المتضررة اللجوء للقضاء إما لإلغاء القرار نهائيا او لوقفه لحين إنتظار قرار نهائي من محكمة مختصة ..
ختاما أقول نحن بحاجة لحوار بناء بين الحكومة وأجهزة الإعلام للوصول لصيغة محددة تحفظ الأمن القومي للبلاد وتراعي سيادتها وتوفر في الوقت نفسه لأجهزة الإعلام البيئة ( المناسبة ) للقيام بدورها ، مع ضرورة مراعاة الظروف الحالية التي تمر بها بلادنا ..
د ياسر يوسف إبراهيم
إنضم لقناة النيلين على واتساب