“التواصل مع الموتى” باستخدام الذكاء الاصطناعي يثير أسئلة أخلاقية
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
يلجأ بعض الأميركيين إلى الذكاء الاصطناعي كوسيلة للتواصل مع الموتى، لكن رغم ما تقدمه هذه التكنولوجيا من راحة للبعض، فإنها تثير أسئلة أخلاقية بشأن التأثير النفسي الذي تتركه على ذوي المتوفين، وفقا لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الاثنين تحت عنوان “الحديث مع الموتى باستخدام الذكاء الاصطناعي”.
وذكرت الصحيفة أن عددا من الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي تتيح لعملائها إمكانية البقاء على اتصال افتراضي مع أشخاص فارقوا الحياة، من خلال تطبيق يمكن تحميله على الهاتف يولد ردودا وآراء من الشخص المتوفى بناءً على ساعات من المقابلات التي أجريت معه قبل وفاته.
ووفقا للصحيفة، تُقدم هذه التطبيقات مقاطع فيديو تفاعلية يظهر فيها الأشخاص المتوفون وهم يتواصلون بالعين، ويتنفسون، ويرمشون أثناء الرد على أسئلة ذويهم.
وأوضحت الصحيفة أن هذه التطبيقات لا تقدم إجابات تخيلية لم يكن ليقولها الشخص عندما كان حيا، بل تُولد إجابات من الردود التي قدمها المستخدمون بالفعل لعدد من الأسئلة الحياتية مثل “أخبرني عن طفولتك” و”ما هو التحدي الأكبر الذي واجهته في حياتك؟”.
وهذه التكنولوجيا ليست مفاجئة بالنسبة لمارك سامبل، أستاذ الدراسات الرقمية في كلية ديفيدسون والذي يقوم بتدريس دورة تسمى الموت في العصر الرقمي. وقال للصحيفة “كلما ظهر شكل جديد من التكنولوجيا، هناك دائمًا الرغبة في استخدامه للاتصال بالموتى”، وأشار إلى محاولة توماس إديسون الفاشلة لاختراع “الهاتف الروحي”.
ووفقا للصحيفة، تقدم شركة “ستوري فايل” نسخة “عالية الدقة” يتم فيها إجراء مقابلة مع شخص ما في الاستوديو بواسطة مؤرخ لتسجيل إجاباته وآرائه قبل وفاته، لكن الشركة تتيح أيضا إمكانية إجراء هذه المقابلات عن بعد وبطريقة أسهل عن طريق جهاز كمبيوتر محمول وكاميرا ويب.
وذكرت الصحيفة أن أحد مؤسسي شركة “ستوري فايل”، ستيفن سميث، طلب من والدته، مارينا سميث، وهي معلمة في مجال المحرقة أو الهولوكوست، تجربة هذه التكنولوجيا قبل وفاتها. وبالفعل ظهرت الصورة الرمزية الخاصة بها في جنازتها في يوليو، وبدأت تجيب على العديد من الأسئلة التي طرحها عليها ذووها وقتها.
ووفقًا للصحيفة، ذكرت “ستوري فايل” أن حوالي 5000 شخص أنشأوا ملفات شخصية. وكان من بينهم الممثل إد أسنر، الذي تمت مقابلته قبل ثمانية أسابيع من وفاته عام 2021.
وكما هو الحال مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخرى، ذكرت الصحيفة أن الابتكارات وروبوتات الدردشة التي تم إنشاؤها على شكل شخص مات تثير أسئلة أخلاقية.
وتكمن المعضلة الأخلاقية في تطبيقات الموتى في أن هذه التكنولوجيا أجبرت المستهلكين على مواجهة الشيء الوحيد الذي تمت برمجتهم بالطبيعة الإنسانية على عدم التفكير فيه وهو الموت، بحسب الصحيفة.
وقال المؤسس المشارك لإحدى شركات الذكاء الاصطناعي للتواصل مع الموتى “هير أفتر”، جيمس فلاهوس، في مقابلة: “التخوف من هذه التكنولوجيا أمر طبيعي لأن الناس يشعرون بحساسية تجاه الموت والخسارة. ولذلك من الصعب حاليا الترويج لهذه التكنولوجيا لأنها تجبر الناس على مواجهة الواقع الذي يفضلون عدم التعامل معه”.
الحرة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی هذه التکنولوجیا الصحیفة أن مع الموتى
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي والترجمة
انتهيت في مقالي السابق إلى أن الذكاء الاصطناعي- الذي يمثل ذروة التكنولوجيا في يومنا هذا- أصبح فتنة تُبهر العامة وتشغل اهتمام المتخصصين، وهي ما يجعلنا نبالغ في أهمية هذا الذكاء وقدراته في كل مجال، بما في ذلك مجالات الترجمة والتأليف والإبداع الفني. وحيث إنني ليس في وسعي إلقاء الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في كل هذه المجالات أو بعضها في مقال واحد، فسوف اكتفي هنا بتناول دوره في مجال الترجمة.
لقد اطلعت على برامج الترجمة من خلال الذكاء الاصطناعي بهدف التحقق من قدراتها على الترجمة الدقيقة والأمينة على الأقل، أي التي ينبغي أن تتحقق فيها أبسط شروط الترجمة، وليس كل متطلباتها؛ ولكني فوجئت بأن هذه الترجمات لا تتحقق فيها هذه الشروط الأساسية: فلا هي دقيقة ولا هي أمينة، وتقع في الأخطاء نفسها التي يرتكبها المترجم الرديء. وفيما يلي أمثلة على أنماط عديدة من هذه الأخطاء:
من الأمثلة على هذه الأخطاء: ترجمة كلمة أو عبارة في نص قديم بناء على دلالتها في سياق عصر المترجم، من دون تمحيص لدلالتها في عصر المؤلف، أو- على العكس من ذلك- ترجمة كلمة ما ترجمة حَرفية أو صوتية كما هي مستخدمة في عصرها من دون ترجمة، ومن ثم من دون فهم لمعناها، وبالتالي من دون قدرة على رفع معنى الكلمة إلى حالة حضور، بحيث يبقى معناها مكافئًا لدلالتها المستخدمة في عصرنا، أعني عصر المترجم (سواء أكان هو المترجم البشري أو المترجم الآلي). والحقيقة أن هذا الشرط يعني أن الترجمة تقتضي عملية رفع النص إلى حالة حضور أو «تعاصر»، وهو ما يُعرف «بعصرنة النص».
وهناك نوع آخر من الأخطاء وهو الترجمة الحرفية لدلالات الألفاظ والعبارات وتراكيب اللغة، من دون وعي باختلاف طبيعة اللغة المنقول عنها (في كل هذه المستويات) عن طبيعة اللغة المنقول إليها. فاللفظ لا يمكن ترجمته في ذاته وبمفرده ترجمة قاموسية؛ ببساطة لأن اللفظ في أية لغة ليس له معنى واحد مستقل بذاته، وإنما يتأسس معناه على علاقته بالكلمات الأخرى في سياق النص المنقول عنه، وهي علاقات تختلف في تراكيبها عندما يُراد صياغتها في اللغة المنقول إليها. ولكن هذا النمط وغيره من الأخطاء -للأسف- هو ما نجده في كثير من الترجمات العربية الشائعة والشهيرة.
وهناك نوع ثالث من الأخطاء التي لا تتوخى الدقة حينما لا تراعي السياق المتخصص للنص (إذا كان متخصصًا)؛ وبالتالي ترتكب أخطاءً فادحة. وعلى سبيل المثال: نجد أن كلمة truth، عادةً ما تتم ترجمتها إلى كلمة «الحقيقة»، دون مراعاة للمجال التخصصي الذي ترد فيه هذه الكلمة. فلا يكفي هنا مراعاة المجال التخصصي العام الذي ترد فيه هذه الكلمة، وإنما يجب أيضًا مراعاة الجانب التخصصي الدقيق: فالكلمة يمكن ترجمتها على النحو السابق إذا كانت تقع في مجال الميتافيزيقا أو الأنطولوجيا، ولكنها تصبح غير دقيقة إذا كان النص المنقول عنه يقع في مجال المنطق أو فلسفة تحليل اللغة؛ لأنها في هذه الحالة سوف تعني «الصدق» وليس «الحقيقة»؛ تمامًا مثلما أن كلمة true في هذا السياق أو المجال لا يجب ترجمتها إلى «صحيح»، وإنما إلى كلمة «صادق»؛ لأن الصدق يختلف عن الصحة في المنطق.
ناهيك عن شرط آخر للترجمة يتمثل فيما يمكن أن نسميه «جمال الترجمة»، وهو شرط لا يتحقق إلا في قدر ضئيل للغاية من الترجمات البشرية، وتفتقر إليه تمامًا برامج الذكاء الاصطناعي في الترجمة؛ ببساطة لأنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأساليب شخصية وإبداعية لدى المترجم (وهذا الطابع الشخصي يغيب عن البرامج الاصطناعية للمترجم الآلي). هذا الطابع الشخصي الإبداعي في الفهم والتأويل - ومن ثم في الأسلوب- يشهد عليه المثال التالي: يمكن أن نجد ترجمتين لنص واحد، وقد تكون كلاهما دقيقة وموثوقة، ومع ذلك فإننا نفضل إحداها على الأخرى، باعتبارها أكثر جمالًا منها، للسبب سابق الذكر. فالترجمة لا تخلو من طابع إبداعي بمعنى ما.
كل هذه الأخطاء التي قد يقع فيها المترجم البشري عادةً ما تقع فيها برامج الترجمة وفقًا للذكاء الاصطناعي، الذي نسميه على سبيل التبسيط: «المترجم الاصطناعي أو الآلي»؟ لماذا؟ يمكن القول ببساطة إن هذه الأنماط من أخطاء المترجم البشري ترجع إلى نقص أو قصور في قدرات معرفية خاصة، وهو قصور لا يمكن مداواته من خلال المترجم الاصطناعي؛ لأنه يفترض نوعًا من الخبرات المعرفية الخاصة، وقدرة على الترجمة في ضوء روح العصر والسياق الثقافي والاجتماعي السائد فيه. بل إنه قد يفترض معرفة وثيقة بخصوصية تفكير كاتب ما وأسلوبه في الكتابة والتعبير عن هذا الفكر، وهو أسلوب قد يتميز بالتجهم والجدية والصرامة أو بالرشاقة واللغة الموسيقية أو بالدعابة أو بالسخرية. بل قد يفترض معرفة مؤسسة على نوع من الألفة أو «الفهم المتعاطف» (إذا استخدمنا لغة هيدجر) مع كاتب النص، بل مع شخصيته ذاتها التي تنعكس في الكتابة.