هل غيرت أمريكا موقفها من الإبادة الجماعية في غزة خوفاً على سمعتها و مركزها الأخلاقي في العالم؟
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
بقلم / صفوان باقيس
الإجابة على هذا السؤال يتطلب معرفة تاريخ أمريكا في الحروب و الصراعات فهي ضربت هوريشما و نجازاكي بالسلاح النووي فوق مدنيين عزل، فليكن غلطة قبل توقيع معاهدات الحرب و السلام بعد الحرب العالمية الثانية كمعاهدات جنيف الأربع بالرغم ان بنسختها الأولى في أواخر القرن التاسع عشر تعتبر إستهداف المدنيين جرائم ضد الإنسانية.
تورطت الولايات المتحدة تقريبا في كل الصراعات المحلية و الإقليمية في العالم، فهي إمبراطورية ربما الأقوى في تاريخ البشرية من حيث الإمكانيات المادية من رأس مال إلى قواعد عسكرية ممتدة تقريبا في كل ارجاء كوكب الأرض. من حيث السيطرة تفوقت على نفوذ الإمبراطورية البريطانية في اوج قوتها.
في زمن الحرب الباردة كانت الانظمة من حيث الكم تتبع المعسكر الشرقي من الهند و شرق آسيا و الشرق الأوسط و أفريقيا إلى جنوب أمريكا، فشل المعسكر الشرقي بإستثناء الصين لأنهم تطرفوا ايدلوجيا فلذلك فشلت الانظمة في تقديم نموذج سياسي إقتصادي مستقر قابل للاستمرار. لم تهتم أمريكا حينها بالرأي العام العالمي بل اعتبرته انذاك صراع بين الخير و الشر.
بل لم تكترث الولايات المتحدة بسمعتها او مركزها الأخلاقي على الإطلاق في كل تاريخ و جودها منذ تأسيسها بل وجودها كان جريمة أخلاقية بحد ذاته. كل ما يهمها هو السيطرة و التفوق العسكري و الإقتصادي يمكن أن توصف بتكتل راس مال ابيض عنصري يؤمن بتفوق العرق الأبيض تأسست على العبودية و الابادة الجماعية. فهي إلى اليوم لا تعترف بحق السكان الأصليين داخل حدودها بالوجود.
اعتمدت بشكل أساسي على الدعاية الإعلامية بتقديم نفسها كنبراس العدالة في العالم و كذلك استخدمت كل الوسائل في تقديم غير الأبيض على إنه غير حضاري على سبيل المثال إلى اليوم تصور هوليود الإنسان غير الأبيض بالهمجي و المجرم خصوصا العرب و السكان الأصليين الذي تم نعتهم بالهنود الحمر.
أمريكا أعطت نتنياهو شيك على بياض في الحرب على غزة و قدمت له كل الإمكانيات المتاحة المسخرة في حلف الناتو العسكري من تجسس و استطلاع حربي و الذخائر مع دعم الإقتصاد و توفير السيولة النقدية و سن التشريعات التي تجرم نقد الصهيونية وتحريم التعاطف مع حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه و كرامته وكذلك الدعم السياسي في مجلس الأمن و عرقلة اي قرار ضد إسرائيل يصدر منذ إعلان تأسيس الكيان و كان آخرها الفيتو ضد اي قرار لوقف الحرب على غزة.
أمريكا لا تكترث و لا تستحي و لا تحترم احد حتى الشعب الأمريكي نفسه فهي تحكمها مافيا راس المال و ايدلوجيا دينية عنصرية تؤمن بتفوق المسيحية كنتاج ثقافي للرجل الأبيض.
المعيار الرئيس الذي تفهمه أمريكا هو المصالح المادية حينها ستنقلب حمل وديع، فقط عندما تدرك ان مصالحها الاستراتيجية في خطر لأنها تتحرك وفق العقلية الراسمالية بحساب الربح و الخسارة. لذلك إغلاق باب المندب كليا لمدة زمنية طويلة سوف يشكل اضطراب في السوق غير مسبوق بحيث لا يمكن توقع نتائجه على إقتصاد العالم و نظام السوق. لن تخسر أمريكا نفوذها الجيوسياسي في العالم فحسب بل لن تتمكن حتى من الحفاظ على وحدتها الفدرالية في ظل مجتمع غير متجانس عرقيا و غير متجانس ثقافيا يعيش صراع طبقي حقوقي إجتماعي خطير مع حرية إمتلاك السلاح و بوادر تأسيس تنظيمات شبه عسكرية وكذلك مع وجود فجوة فكرية حادة بين اليمين و اليسار.
يمكن وصف أمريكا اليوم بالعملاق المريض المتخبط الذي يتصرف بعقلية نظام العولمة الذي تفردت فيه منذ إنهيار المعسكر الشرقي وقبول معظم دول العالم نموذج السوق الحر الذي من خلاله تم تعويم العملات المحلية و ربطها بعملة لا تستند على غطاء ذهب في أكبر عملية نصب جماعي على مستوى دول في تاريخ الإنسانية.
١٣ – ديسمبر – ٢٠٢٣
المصدر: موقع حيروت الإخباري
إقرأ أيضاً:
ما الذي يحدث في العالم ؟
نحن اليوم أمام سؤال كبير لن ندركه بكل أبعاده طالما ونمط التفكير الذي يسيطر في التفاعل مع الأحداث هو نفسه دون تغيير، ثمة أحداث مماثلة قد حدثت في سياق التاريخ البشري حملت إجابات واضحة، لكننا ما نزال نتعامل مع القضايا الكبرى في حياتنا بذات نمط التفكير القديم الذي يؤمن بالكليات دون تحليل، أو تدقيق، أو معرفة الأبعاد والآثار، التي تترك ظلالا على الحياة بكل تموجاتها، ولذلك نجد التاريخ يتكرر في حياتنا، وتتكرر كل مآسيه وأحداثه دون وعي منا أو إدراك.
القضية ليست انسياباً وجدانياً، ولا الحياة عاطفة وطاقات إيمانية، ولكنها نظام دقيق، وقانون أكثر دقة، من أدرك تفاصيله وأبعاده استطاع البناء، وحقق وجودا فاعلا ومؤثرا في الحياة، وربما وجدنا في التاريخ القريب والبعيد ما يؤيد ذلك من خلال التأمل والتفكير، فمثلا في وقعة الخندق لم يمنع القوة الإيمانية من التعامل والتفاعل مع تجارب الأمم الأخرى، فكان الخندق فكرة جديدة غيرت مسارا وأحدثت متغيرا في النتائج، وفي الحديبية كانت هناك قوة مؤمنة ضاربة قادرة على الغلبة لكنها مالت إلى العقل، وقبلت ببنود صلح مجحفة فكان الانتصار من حيث ظن الكثير الهزيمة والهوان، فالعقل هو القوة الموازية للقوة الإيمانية وبتظافرهما يتحقق الوجود، وتنتصر إرادة الخير والعدل في المجتمعات الإنسانية .
والعالم اليوم يخوض صراعا وجوديا في مستويات متعددة ذات أبعاد وثقافات وتغاير كبير، ففي المستوى الحضاري حدث انفجار كبير جعل العالم يبدو كقرية صغيرة، وفي المستوى الثقافي المتعدد والمتنوع تاهت الحقائق والمسلمات ولم تعد هناك من ثوابت بل كادت الرياح أن تموج بكل القضايا ذات المنطق السليم، وقد تعددت وسائل التفاعل الاجتماعي والوسائط، حتى وصل الفرد إلى مرحلة الضياع والتيه، وتعززت قيم جديدة، وضاعت قيم كانت من الثوابت الجامعة للمجتمع البشري، وسادت نظم ثقافة التفاهة والانحطاط، وكل مشاهير الزمن اليوم والمؤثرين من الرعاع وعوام الناس من الذين لا يملكون فكرة أو معرفة سوى فكرة الابتذال والسقوط القيمي والأخلاقي، أما الجانب الاقتصادي فقد تبدلت وتغيرت كل أدواته وعلاقاته وبشكل متسارع وكبير فالغني بين غمضة عين وافتتاحها قد يصبح فقيرا، والفقير قد يصبح غنيا، والصراع اليوم على أشده في العالم، وبالعودة إلى زمن الدولة العربية القديم وتحديدا في زمن الدولة العباسية، نجد اتساع الدولة، وهذا الاتساع في الجغرافيا فرض اتساعا في التفاعل مع الثقافات، ولذلك نشأت مدارس فقهية متعددة تتعاطى مع الواقع الجديد وتدرسه وتحاول أن تشرعنه بالدليل النصي، أو النقلي، أو العقلي، أو الاجتهادي، حتى أصبحت الدولة ذات شأن عظيم يخافها الأعداء ويرسلون الهدايا تودداً إليها، فكان وجود الدولة الإسلامية قويا وقائدا للمجتمع الإنساني والحضاري والثقافي والتقني والعلمي، وبعد أن دبَّ الضعف في أركانها وتشتت أمرها بزغت الحضارة الغربية على أنقاضها واستفادت من العلوم والمعارف التي تركتها بين ظهرانينا، فكان العلماء المسلمون هم النبراس الذي أضاء مسالك الحضارة المعاصرة، وقد أضافوا إلى تلك المعارف معارف وعلوما جديدة فاشتغلوا دون ملل أو كلل ومال المسلمون إلى الدعة والسكينة دون أن يحققوا وجودا حضاريا وثقافيا جديدا على الرغم من أنهم يحملون رسالة الخيرية إلى البشرية جمعاء .
والسؤال اليوم الذي يجب أن نقف أمامه هو : ما الذي جعلنا نبدو في تصور العالم أننا أمة متوحشة تشكل عبئا على الحضارة الإنسانية المعاصرة وعلى الرفاه والحياة الكريمة ؟ هذا السؤال هو نفسه الذي يبعث فينا روح الهزيمة، وفي السياق روح الانتصار على الذات المنكسرة في كوامن انفسنا، فنحن نملك مقومات الحياة والرفاه ومقومات الحياة الكريمة للإنسان ونملك مقومات الانتصار للإنسان الذي يؤكد ديننا على حريته وتعزيز عوامل التكريم فيه، ويرفض استغلاله واستعباده والحط من قدره أو النيل من آدميته وبشريته، فالإسلام جاء من أجل تحرير الإنسان من عبادة البشر ومن استغلال البشر لبعضهم ليكون إنسانا حرا كريما، ومسار التاريخ الإسلامي وشواهده وقصصه وأخباره كثيرة وهي مبثوثة في التراث الثقافي الذي أم نعد نقرأه، وفي المقابل نجد تاريخ الأمم الأخرى التي توازى وجودها مع بزوع الحضارة الإسلامية يتحدث عن استغلال واستعباد للإنسان بل كادت بعض الأمم أن تأكل بعضها بعضا ولا ترى للبشر أي قيمة أو معنى سوى أنهم موجودون لخدمة أسيادهم الذين امتازوا عليهم بالثروة والسلطة والقوة، هذه الصورة تغايرت مع الضعف الذي أصاب المسلمين وضياع أمرهم وشتاته، ولعل أبلغ عبارة موجزة في هذا الأمر ما قاله أحد أقطاب عصر النهضة العربية الشيخ محمد عبده حين عاد من الغرب فقال : “ذهبت إلى الغرب فوجدت إسلاما ولم أجد مسلمين وعدت للشرق فوجدت مسلمين ولم أجد إسلاما ” وهنا تكمن الإشكالية للسؤال الذي علينا أن نبحث له عن إجابة في عالم اليوم الذي نعيش فيه ونشعر بعدم وجودنا فيه .
اليوم الأمة تباد في الشرق، تباد في فلسطين، وفي لبنان، وفي سوريا، وفي اليمن، وشتاتها وضياعها واضح للعيان، وقضية وجودها في خارطة العالم الجديد لا قيمة ولا معنى له بل هناك من يساهم ويعزز هذا الضياع من بني جلدتنا ممن يتحدثون بلساننا ويؤمنون بديننا ولا سبيل لنا إلا بالعودة إلى مقومات وجودنا الثقافية والحضارية وبدون ذلك سنكون ضحايا هذا العالم المتغطرس والمستغل .