لجريدة عمان:
2025-07-11@22:38:52 GMT

الفكر الإنساني المعاصر بين مكر التاريخ ونهايته

تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT

شكَّل الحديث عن نهاية التاريخ أو توقفه أو مكره اهتمامًا كبيرًا بين الفلاسفة وعلماء التاريخ وعلم الاجتماع حتى علماء السياسة أيضا؛ لما لهذه الفكرة من تأثير ورؤية للحياة ومستقبلها في ضوء التحوّلات والمتغيّرات الفكرية والسياسية في الحضارات والثقافات الإنسانية، وهذه الفكرة أو النظرة الفلسفية والتاريخية تأتي مع كل أزمة أو تغيّر في الدول أو سقوط النظم وتراجعها، أو ما تسمّى في الفكر الإسلامي بـ(النوازل)، التي تحدث في التاريخ الإنساني وتقلباته السياسية والفكرية، ومن هذه الأحداث التي تحصل يأتي الحديث عن فكرة نهاية التاريخ، أو توقفه، أو مكره غير المتوقع في مساره، فعندما تأتي حادثة كبيرة تزلزل العقل الإنساني وتربكه بالمآلات والتوقعات، من هنا تظهر النازلة كما يراها بعض الفلاسفة، فقيام الثورة الفرنسية 1975، التي فتحت المجال للفلاسفة، لطرح فلسفة التاريخ وتحوله، أو أنه أتى بنهاية التاريخ، أو توقفه عند هذه الثورة ومضامين ما طرحته من أفكار وتصورات للجمهورية الفرنسية، ومن أهم هؤلاء الفلاسفة الذين عنوا بهذه النظرة الجديدة لفلسفة التاريخ، وأعطاها المساحة المهمة في تفسيره التاريخي، الفيلسوف الألماني «فريدريك هيجل» الذي يعد من كبار الفلاسفة الغربيين المعاصرين، الذين لهم بصمات في الفكر الفلسفي الغربي، لكن رؤيته في قضية الروح، والجدل، والدولة، لا تخلو من انتقادات وملاحظات، أو هفوات كما وصفها العديد ممن عنوا بفلسفة التاريخ، ومنها أنه رأى الدولة البروسية هي كمال التاريخ أو نهايته، وهي رؤية رآها البعض بأنها نظرة منحازة بصفة عرقية.

ويرى الكاتب سفيان البراق في بحثه: (مفهوم مكر التاريخ عند هيغل): «أن هيغل تجتاحهُ نزعة عرقية أدّت به إلى تعصبٍ حضاري، هذا التعصب يندى له الجبين، ولم يكتفِ بهذا فقط، بل أقرّ -وبإقرارٍ شديد- على أنّ ألمانيا (الطبيعة الجرمانيّة) هي مركز الكون.

ابتدع هيجل في خضمِّ فلسفة التاريخ مفهومًا يحومُ حوله لبس كبير، هذا المفهوم هو «مكر التاريخ»، هكذا يُسمّى في بعض الأحيان، وحينة أخرى يُطلق عليه «دهاء العقل»، «الترجمة هي التي تُغيّر هذه المفاهيم وتخونُ الأصل خيانةً غير مشروعة».

لكن الإشكال في رؤية هذا الفيلسوف الأبرز في الغرب هيجل، أنه عندما جاء نابليون غازيا للعديد من دول أوروبا الغربية، لفرض نموذج ما قامت به الثورة الفرنسية، ومنها غزوه لبلاد بروسيا بلد هذا الفيلسوف الكبير «هيغل» بارك ذلك الغزو بقوة، مع أنها بلاد مهما كان النظام السياسي فيها، وعندما دخل نابليون برلين، قال «هيجل» كلمته الشهيرة: «رأيت روح العالم متجسدة في رجل يركب على حصان ويسيطر على العالم ويحركه». وكأنه يقول بتوقف التاريخ أو نهايته، عند الإمبراطورية الفرنسية التي يقودها نابليون، لكنه عندما وجد الدمار والخراب الذي نتج عن غزوه لبروسيا، هاجم نابليون فيما قام به من تصرفات، والتي لا تمثل فكر الأنوار كما قال بعد ذلك، لكن مهما كان من هذا الفيلسوف من آراء وانتقاد البعض له، يظل يتمتع بقدرات فلسفية وفكرية عجيبة، وفي فلسفات ونظرات فكرية كثيرة، وقد اعترف له خصومه من معارضي الفلسفة المثالية التي يمثلها فريدريك هيغل، بما يملكه من أطروحات بغض النظر عن بعض الانتقادات، وهذه فكرة نسبية في البشر وعدم امتلاك الحقيقة، في كل رأي. وقد أخذت الفلسفة الماركسية فكرة نهاية التاريخ عند النظرية الماركسية، من فلسفة هيجل فكرة الجدلية التاريخية، في فلسفة التاريخ مع تعديل بعض مقولاتها، وهذا ما طرحه كارل ماركس، سواء في كتابه رأس المال، وهذه الجدلية الهيجلية التي تتعلق بحركة العقل والفكر، وأحيانا الروح، والتناقضات التي تنتج الفكرة ونقيضها: (تنازع الأضداد)، لكن كارل ماركس، اتجه بالديالكتيك (المادية الجدلية)، إلى الجانب الاقتصادي ومبدأ التناقض والتناقض المضاد -للطبقات- وفق الصيرورة المتتابعة من خلال هذا الصراع وصولًا إلى المجتمع الشيوعي كما يرى.ففلسفته المادية التاريخية، والصراع مع القوى الرأسمالية، والحتمية التاريخية، التي تنتهي بسيطرة القوى الكادحة على ملكية الملكية العامة لوسائل الإنتاج واندحار البرجوازية والإقطاع، بعد الصراع الطبقي، وتتحقق بذلك الاشتراكية، ثم الانتهاء بالشيوعية في آخر المطاف، والوصول إلى الحتمية الموعودة وانتهاء الصراع والتناقض عند هذه المرحلة: (نهاية التاريخ أو توقف)، ولا شك أن تفسير حركة التاريخ بالمادية التاريخية الجدلية، واعتماد صراع الطبقات وفق مبدأ التناقض داخل المجتمع الرأسمالي، ووفق تطوره، باعتباره المحرك الأساسي للصيرورة التاريخية من الأدنى إلى الأعلى، وليس كما رأى هيجل من الأعلى إلى الأدنى، ثم تأتي المرحلة التالية، وهي كما تسميها المادية الجدلية (نفي النفي)، وخلال الصراع تنتصر الأخيرة على القوى الرأسمالية، وتقام المرحلة الاشتراكية؛ تمهيدا لقيام المرحلة النهائية وهي (انتهاء الديالكتيك عند هذه المرحلة، وينتهي الصراع عند قيام الشيوعية)، ونهاية التاريخ، وهذا لم يتحقق بعد قيام الدولة الماركسية حسب تصوّر كارل مارس، بعد الثورة البلشفية 1917، وسقطت النظرية الماركسية، قبل أن تصل إلى مبتغاها في عام 1991، مع أن نهاية التاريخ قيل إنها تنتهي المرحلة الشيوعية وتتلاشى حتى الدولة، وتسيطر الطبقة الكادحة، وهذا يخالف مبدأ التطور المستمر الذي تحدّث عنه ماركس، وهو مبدأ: (الصيرورة التاريخية من الأدنى إلى الأعلى)، والإشكالية أن الماركسية -كما يرى د. محمد عمارة: انتقت بعض مراحل التاريخ وصورته بـ(الحتمية التاريخية)، فهم لم يأخذوا التاريخ كله كنموذج ليستنبطوا منه طريقة حركته، مما جعل النظرية ثابتة عند النظرية الأولى، وتجمدت عندها دون أن تتطور مع السير الطبيعي للتاريخ.

ثم جاءت أطروحة (نهاية التاريخ والإنسان الأخير)، وقد كتبت عنها في بداية ظهورها -التي قالها البروفيسور «فرانسيس فوكوياما»، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات من القرن الماضي، فسار على نفس منهجية (فريدريك هيجل، وكارل ماركس)، في نهاية التاريخ، لكن عند الليبرالية/ الرأسمالية، وأن التاريخ قد توقف عند النظرية الليبرالية، وسمّاه الإنسان الأخير، وقال ما نصه في خلاصة: (في هذه الأطروحة التي تحولت إلى كتاب)، تطور رؤيته للتطور البشري في انتهاء الأفكار وتوقفها عند النموذج الأمثل الليبرالي، فقال: «كما لو كان قطارا طويلا من العربات الخشبية التي تجرها الجياد متجهة إلى مدينة بعينها عبر طريق طويلة، بعضها حددت رؤيتها بدقة، والبعض الآخر تعرض لهجوم من (الأوباش)، والبعض الآخر أنهكته الرحلة الطويلة، فقرر اختيار مكان وسط الصحراء للإقامة فيه، وتنازل عن فكرة الوصول إلى المدينة، بينما من ضلوا الطريق راحوا يبحثون عن طرق بديلة للوصول إلى المدينة، وفي النهاية يجد الجميع أنفسهم مجبرين على استعمال الطريق نفسه -ولو عبر طرق مختلفة- للوصول إلى غايتهم. وفعلا تصل أغلب العربات إلى المدينة في النهاية». وقد لاقت هذه النظرية عشرات الردود الناقدة لقضية نهاية التاريخ، والغريب أن أول من انتقد هذه الأطروحة زميله «صموئيل هنتغنتون»، إذ قال عن هذه الأطروحة «إن انتهاء الحرب الباردة لا يعني عدم عودة الصراعات السياسية لسابق عهدها، إذ لا تقدم شواهد التاريخ ما يعضد ما ذهب إليه فوكوياما».

وهناك الكثير من الآراء الناقدة التي قيلت عن أطروحة فوكوياما لا يتسع المقام لشرحها.

ومن قال بنهاية التاريخ أو توقفه جاء أيضا من الرؤية الصهيونية التي تؤمن بنهاية التاريخ وفق تنبؤاتهم الدينية والفكرية، أو فكرة المخلص عند اليهود، والعودة إلى فلسطين وإقامة الهيكل كما يسمونه، والكثير من الأساطير حول هذا الجانب من نهاية التاريخ عندهم، ويذكر الدكتور عبدالوهاب المسيري في كتابه: (رحلتي الفكرية)، عن التصور اليهودي لنهاية التاريخ: «يختلف إلى حد كبير عن التصوّر الإسلامي والمسيحي لحياة الإنسان وتاريخه، الذي يرى أن الإله قد ترك الإنسان حرًّا في التاريخ ليحقق إرادته الإنسانية، ولكنه في الوقت نفسه لم يهجره كليةً ولم يتركه يغرق في النسبي. أخبر الإله الإنسان أنه سيثيبه، ويعاقبه في اليوم الآخر «خارج التاريخ» والزمان الإنساني كلية، ولذلك فالإنسان حر في داخل التاريخ. ولكن الإله طالبه باتباع القيم الأخلاقية وأرسل له الكتب السماوية، ولذلك فالإنسان ليس ضائعًا يدور في حلقات مفرغة: «اعمل لدنياك كأنك تعيش (في التاريخ النسبي) أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت أبدا». لكن في الفكر الإسلامي لنهاية التاريخ في الحياة الإنسانية، لا تلتقي مع هذه النهايات التي سردناها، ففي الإسلام التاريخ لا يتوقف إلا بانتهاء الحياة لكل البشر في الحياة الأخرى، لكن في حركة الثقافات والحضارات الإنسانية، لا تتجمد الحياة عند هذه الرؤية أو تلك؛ لأن الحياة متغيرة وليست ثابتة بل متحركة ودائبة الحراك وفق سنن التدافع، كما جاء في قوله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين). فالحياة فيها تدافع وتسابق وتصارع، فلا يمكن أن تتجمد الأفكار عند رؤية واحدة للأبد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: نهایة التاریخ التاریخ أو عند هذه

إقرأ أيضاً:

مسؤولون ومختصون: استحقاق يعزز مكتسبات الموروث الإنساني

متابعة: عدنان عكاشة ومها عادل وراندا جرجس ومحمد أبو السمن

أكد عدد من المسؤولين والمختصين في التراث، أن إدراج «الفاية» على قائمة «يونيسكو» للتراث العالمي يُعد إنجازاً حضارياً إماراتياً تاريخياً، يُعزز مكتسبات الدولة في مجال الموروث الإنساني، ويرسخ مكانتها على خريطة التراث العالمي.

يقول د. عبد العزيز المسلّم، رئيس معهد الشارقة للتراث: في لحظةٍ تاريخية تُضاف إلى سجل الإنجازات الحضارية للإمارات، أُدرج موقع «الفاية» الأثري في إمارة الشارقة على لائحة التراث العالمي للإنسانية التابعة لمنظمة «يونيسكو»، هذا الإنجاز الثقافي والعلمي تم بقيادة الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، سفيرة ملف الترشيح الدولي لموقع الفاية، وبجهود حثيثة من فريق وطني متخصص، ويُعد شهادة اعتراف عالمية بأهمية الموقع وقيمته الاستثنائية للبشرية، كما يمثل تتويجاً لمسار تنموي طويل قادته إمارة الشارقة بقيادة صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة الذي لطالما آمن بأن الهوية الثقافية والمعرفية هي البوصلة الحقيقية لمستقبل الشعوب.

ويضيف: نجاح تسجيل موقع الفاية ليس حدثاً مفاجئاً، بل هو ثمرة لرؤية تنموية ثقافية أرساها صاحب السمو حاكم الشارقة، الذي كرّس حياته لبناء نموذج فريد لإمارة عربية معاصرة تحتفي بالعلم، وتهتم بالمعرفة، وتصون ذاكرتها الثقافية، .

ويتابع المسلم: جاء هذا الإنجاز أيضاً ثمرة لجهود الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، التي تقود مرحلة جديدة من الحضور الثقافي الإماراتي على الساحة العالمية، فقيادتها لملف ترشيح «الفاية» وتنسيق الجهود مع «يونيسكو»، يعكس قدرة عالية على العمل الدبلوماسي الثقافي، وأكد أن المرأة الإماراتية قادرة على أن تكون في طليعة من يصنع الفارق في مشهد الثقافة العالمية.

ويتابع: تسجيل موقع الفاية الأثري على لائحة التراث العالمي ليس مجرّد حدث احتفالي، بل هو محطة مفصلية في تاريخ الثقافة الإماراتية الحديثة، ودليل حي على أن الشارقة تسير بخطى واثقة لتأكيد مكانتها عاصمة دائمة للثقافة العربية والإنسانية.

استدامة ثقافية

يقول د. علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، بمناسبة إدراج موقع «الفاية» ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي: «إن هذا الإنجاز المهم ينضم لمنجز الإمارات الكبير في مجال صون التراث، وما كان له أن يتحقق لولا الرؤية الحكيمة لصاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وتوجيهاته بصون التراث والحفاظ عليه، وبجهود صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة.

ويضيف: «إدراج الموقع على قائمة التراث العالمي إنجاز وطني كبير، يُجسد التزام الإمارات بحفظ التراث الثقافي والإنساني، ويعكس رؤيتها الحكيمة في ربط الماضي العريق بالحاضر، من أجل استدامة ثقافية واجتماعية واقتصادية ترتقي بالحاضر وتصنع المستقبل».

ويؤكد أن «هذا الاعتراف الدولي تأكيد لما يمثله تراث الإمارات، ومواقعها والأثرية من قيمة عالمية، ويؤكد أصالة السردية الإماراتية ذات الصلة بالعمق التاريخي العربي والإنساني، وخصوصاً تلك التي توثق بدايات الاستقرار البشري في المنطقة، وتكشف عن عمق المساهمة الإماراتية في الحضارة الإنسانية منذ فجر التاريخ».

فرحة وطنية

صالحة غابش، رئيسة المكتب الثقافي بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة تقول: نعيش فرحة وطنية عارمة بهذا الإنجاز التاريخي المهم، فإدراج موقع «الفاية» على قائمة التراث العالمي ل «يونيسكو» يمثل حدثاً استثنائياً، ويبقى أن تدرك أجيالنا الجديدة أن وطنها الغالي كما يعمل وينجز للحاضر والمستقبل، فهو قائم على أساس من التاريخ العريق والحضارة الأصيلة التي واكبت عصوراً بشرية مرت من هنا واستقرت لتبني لها حياة ومعيشة آمنة.

وتضيف: منذ وقت مبكر، ونحن نتابع جهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في صون التراث، ورصدنا الاهتمام بموقع الفاية الزاخر بعراقة إنسانية.

استشراف المستقبل

يشيد سالم عمر سالم، مدير المكتب الإقليمي لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «الإيسيسكو» في الشارقة، بإدراج موقع الفاية ضمن لائحة التراث العالمي ل«يونيسكو»، واصفاً هذا الإنجاز بالاستحقاق التاريخي الذي يعكس رؤية صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، وإيمانه العميق بقيمة التراث الإنساني ودوره في بناء الحاضر واستشراف المستقبل.

ويؤكد أن هذا الإنجاز الدولي يكلّل سنوات من العمل العلمي والدؤوب الذي قادته إمارة الشارقة، بإشراف مباشر من صاحب السموّ حاكم الشارقة، وبقيادة الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، سفيرة ملف الترشيح الدولي لموقع الفاية، والتي سخرت جهودها وخبراتها الثقافية والمعرفية لضمان اعتراف العالم بقيمة هذا الموقع الإنساني الفريد، الذي يُعدّ من أقدم الشواهد الأثرية على تطور الإنسان ومسارات الهجرة المبكرة للبشرية قبل أكثر من 200 ألف عام.

ويقول سالم عمر: «إن إدراج موقع الفاية على لائحة التراث العالمي هو اعتراف عالمي بمكانة الشارقة الثقافية والمعرفية، وبتجربتها الرائدة في حماية التراث المادي واللامادي، كما أنه شهادة فخر للإمارات قيادةً وشعباً، وترسيخٌ لريادة الشارقة في محيطها الإقليمي والدولي كمركزٍ للثقافة والعلوم والمعرفة».

ويثمّن الجهود الكبيرة التي بذلتها الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي وفريق عمل ملف الترشيح، ومختلف الهيئات والمؤسسات البحثية والثقافية في الإمارة، مؤكداً أن هذا الإنجاز ما كان ليتحقق لولا تكامل الجهود والتخطيط العلمي المتقن والشراكات الدولية المدروسة التي وفرت للفاية حضوراً بارزاً على خريطة التراث الإنساني العالمي، بما يرسخ مكانة الإمارات في المشهد الحضاري الدولي.

استيطان بشري

يقول خليفة بن حامد الطنيجي، باحث في التاريخ الإماراتي: «الشارقة تُسطّر إنجازاً تاريخياً بانضمام موقع الفاية إلى قائمة التراث العالمي ل«يونيسكو»، وهذا الإنجاز التاريخي ما هو إلا تقدير لقيمته التاريخية والإنسانية الاستثنائية.

ويضيف: «الفاية» يعد من أقدم المواقع الأثرية في شبه الجزيرة العربية التي شهدت استيطاناً بشرياً، ما يبرز الأهمية التاريخية والحضارية لإمارة الشارقة ومكانتها على خريطة التراث العالمي. كما يؤكد هذا الاعتراف الدولي مكانة الشارقة كمركز رائد في المحافظة على التراث الثقافي، ويعزز حضور الإمارات على خريطة التراث العالمي، بما يبرز تنوعها الثقافي وعمقها التاريخي.

قصة إنسانية

أحمد عبيد الطنيجي، مدير عام دائرة الآثار والمتاحف في رأس الخيمة، الذي تواجد بمقر «يونيسكو» في باريس، وشهد مناقشة ملف «الفاية»، يقول: يعد تسجيل موقع «الفاية» حدثاً ثقافياً ووطنياً بالغ الأهمية، نستحق جميعاً أن نفخر به كإنجاز وطني إماراتي، يُضاف إلى سجل الدولة الحافل بالحفاظ على تراثها الإنساني. مُعتبراً أن موقع «الفاية» في إمارة الشارقة من أبرز المواقع التاريخية والثقافية في الدولة والمنطقة، حيث يعكس واحدة من أهم مراحل هجرة الإنسان، ويوثّق مسيرته واستقراره في هذه البقعة، التي اتخذها وطناً جديداً في مرحلة تاريخية.

ويؤكد الطنيجي أن «الفاية» ليست مجرد بقايا أثرية أو أطلال قديمة، بل هي قصة إنسانية عميقة تُجسد بدايات التوطن البشري في المنطقة، وتؤكد الدور الحضاري الذي لعبته أرض الإمارات في التاريخ البشري القديم، وهذا الإنجاز يشكل خطوة مهمة في تعزيز حضور دولتنا في الساحة العالمية للتراث الثقافي والإنساني.

ثراء طبيعي

يوضح عبدالله راشد الصغير، رئيس الهيئة الإدارية لمجلة النخيل للفن والتراث الشعبي في رأس الخيمة، أن «الفاية» تُعتبر من أشهر المواقع الأثرية في الإمارات، وهي بمثابة تُراث وطني لدولة الإمارات وأبنائها جميعاً، وبالتحديد لإمارة الشارقة، حيث يكتسب جبل «الفاية» أهمية خاصة، تاريخياً وتراثياً وطبيعياً، لكونه غنياً بالمواقع الأثرية.

ويقول الصغير: نشكر القيادة الرشيدة على حرصها واهتمامها بالإرث الثقافي الإماراتي، ورعايتها للموروث التاريخي والحضاري للإمارات، ما يعكس أصالة هذا الوطن وعراقته في قلب التاريخ الإنساني، وفي جُغرافيا العالم القديم والمُعاصر، حيث تساهم الدولة في الحفاظ على التراث الإنساني والمكاني للدولة. ورأى أن إدراج «الفاية» ضمن قائمة «يونيسكو» للتراث العالمي شرف كبير لكل مواطن ومُقيم في الإمارات.

عُمق تراثي

يشدد محمد عبدالله الشحي، رئيس مجلس إدارة جمعية المطاف للتراث والفنون البحرية في رأس الخيمة، على أن منطقة «الفاية» من أقدم المناطق في الدولة، وتعود إلى أكثر من 200 ألف عام، وهي بمثابة شاهد حي وتاريخي على عمق الأصول التراثية لهذا الوطن الحبيب، والعمق الحضاري للإمارات وشعبها الطيب الأصيل، ودليل مُشرق على أن الإمارات غنية بالمواقع الأثرية والتراثية والتاريخية.

مقالات مشابهة

  • مسؤولون ومختصون: استحقاق يعزز مكتسبات الموروث الإنساني
  • انطلاق قافلة الواعظات بمدينة المنصورة لنشر الفكر الوسطي والتصدي لكافة مظاهر التراجع القيمي
  • نزع السلاح يبدأ رسميًا... هل يكتب التاريخ نهاية الصراع بين أنقرة والكرد؟
  • إغلاق مطار صنعاء يفاقم الوضع الإنساني باليمن
  • مفتي الجمهورية يؤكد أهمية تحصين الشباب من الفكر المتطرف
  • اتفاق أوروبي إسرائيلي بشأن الوضع الإنساني بغزة
  • تجربة هوثورن (Hawthorne Experiment): نقطة تحوّل في الفكر الإداري
  • الإمارات تتصدر المشهد الإنساني العالمي للمساعدات إلى غزة
  • مدير أوقاف الفيوم للأئمة: المساجد منارات للوعي ونشر الفكر الوسطي
  • مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية: معرض الدولي للكتاب تظاهرة ثقافية تجمع رموز الفكر و الإبداع في وقت واحد