الاستثناء الأمريكي في عام 2024
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية لعام 2024، بدأت تظهر في الولايات المتحدة ثلاث فرق كبيرة تناقش كل منها الطريقة التي ينبغي للولايات المتحدة أن تتعامل بها مع بقية العالم: الأمميون الليبراليون الذين هيمنوا منذ الحرب العالمية الثانية؛ والمتقاعسون الذين يريدون الانسحاب من بعض التحالفات والمؤسسات؛ وأنصار مبدأ «أمريكا أولاً» الذين لهم وجهة نظر ضيقة، وانعزالية في بعض الأحيان، فيما يتعلق بدور أمريكا في العالم.
ولطالما نظر الأمريكيون إلى بلادهم على أنها استثنائية من الناحية الأخلاقية. وقال ستانلي هوفمان، وهو مفكر فرنسي - أمريكي، أنه في حين تعتبر كل دولة نفسها فريدة من نوعها، فإن فرنسا والولايات المتحدة تتميزان بإيمانهما بأن قيمهما عالمية. ولكن فرنسا كانت مقيدة بتوازن القوى في أوروبا، لذا فهي لم تتمكن من السعي وراء تحقيق طموحاتها العالمية برمتها. وفقط الولايات المتحدة من كان بوسعها فعل ذلك. إن المقصود هنا ليس تفوق الأمريكيين أخلاقيا؛ بل المسألة هي أن العديد من الأمريكيين يريدون أن يتمسكوا بالاعتقاد الذي مفاده أن بلادهم هي قوة من قوى الخير في العالم. ولطالما اشتكى الواقعيون من أن هذه النزعة الأخلاقية في السياسة الخارجية الأمريكية تتعارض مع تحليل القوة الواضح. ومع ذلك، فالحقيقة هي أن الثقافة السياسية الليبرالية الأمريكية أحدثت فرقًا هائلًا في النظام الدولي الليبرالي الذي كان قائمًا منذ الحرب العالمية الثانية. إن عالم اليوم كان سيبدو مختلفًا تمامًا لو انتصر هتلر، أو الاتحاد السوفييتي بقيادة ستالين في الحرب الباردة. ويرجع الاستثناء الأمريكي إلى ثلاثة عوامل رئيسية. منذ عام 1945، ظل إرث عصر التنوير هو السائد، وخاصة الأفكار الليبرالية التي اعتمدها مؤسسو أمريكا. وكما قال الرئيس جون ف. كينيدي: «إن القوة السحرية التي تخدم قضيتنا هي رغبة كل شخص مِنا أن يكون حرًا، ورغبة كل الدول في أن تكون مستقلة... ولأنني أعتقد أن نظامنا أكثر انسجامًا من غيره مع أساسيات الطبيعة البشرية، أؤمن أننا سننجح في نهاية المطاف. وترى الليبرالية التنويرية أن مثل هذه الحقوق عالمية، وأنها ليست مقتصرة على الولايات المتحدة. ومن المؤكد أن الأمريكيين كانوا دائماً يواجهون تناقضات في تنفيذ أيديولوجيتهم الليبرالية. فقد أُدرجت آفة العبودية في الدستور، ومضى أكثر من قرن بعد الحرب الأهلية قبل أن يصدر الكونجرس قانون الحقوق المدنية لعام 1964. ومازالت العنصرية عاملًا رئيسيًا في السياسة الأمريكية حتى يومنا هذا. واختلف الأمريكيون أيضاً بشأن كيفية تعزيز القيم الليبرالية في السياسة الخارجية. إذ يرى البعض أن المشروع العالمي أصبح ذريعة لغزو دول أخرى وفرض أنظمة صديقة. ومما لا شك فيه أن العنصرية كان لها دور في التدخلات الأمريكية في مناطق مثل: المكسيك، وهايتي، والفلبين. ولكن آخرون يعتقدون أن الليبرالية كانت القوة الدافعة لإنشاء نظام للقانون الدولي والمؤسسات التي تحمي الحرية المحلية بالتخفيف من الفوضى على المستوى الدولي.
ويتمثل الجانب الثاني للاستثناء الأمريكي في الجذور الدينية البيوريتانية للبلاد. فقد كان الأشخاص الذين فروا من بريطانيا لعبادة الله عبادة أكثر نقاء في العالم الجديد، يعتبرون أنفسهم شعبا مختارا. وكانت مهمتهم أقل عدوانية، بل كانوا يعتمدون نهجا يتسم بالقلق والاحتواء، على غرار نهج «المتقشف» الحالي المتمثل في تحويل أمريكا إلى مدينة على تلة لجذب الآخرين.
وكان المؤسسون أنفسهم يشعرون بالقلق من أن تفقد الجمهورية الجديدة مزاياها، كما حدث للجمهورية الرومانية. إذ في القرن التاسع عشر، لاحظ العديد من الزوار الأوروبيين مثل ألكسيس دي توكفيل، وتشارلز ديكنز، الهوس الأمريكي بالفضيلة والتقدم والتراجع. ولكن هذا الاهتمام بالأخلاق كان يركز على الداخل أكثر من الخارج. ويشكل العامل الثالث للاستثناء الأمريكي أساسا للعوامل الأخرى: إن حجم أمريكا الهائل وموقعها دائما ما يمنحها ميزة جيوسياسية. إذ في القرن التاسع عشر، أشار دي توكفيل إلى الوضع الجغرافي الخاص الذي تتمتع به أمريكا. ونظرًا لكونها محمية بمحيطين، ويحدها جيران أضعف منها، كانت قادرة على التركيز بدرجة كبيرة على التوسع غربًا طوال القرن التاسع عشر، وتجنب الصراعات المتمحورة حول أوروبا على القوة العالمية. ولكن عندما أصبحت الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم في بداية القرن العشرين، بدأت تفكر في المسائل المتعلقة بالقوة العالمية. فعل أي حال، كان لديها الموارد، ومجالا للتصرف، وفرصا وافرة تمكنها من تحقيق مصالحها، سواء كان ذلك على نحو إيجابي أم سلبي. وكان لديها الحافز والقدرة على أخذ زمام المبادرة في خلق المنافع العامة العالمية، فضلاً على الحرية في تحديد مصلحتها الوطنية بطرق شاملة. وكان ذلك يعني دعم نظام تجاري دولي منفتح، وحرية البحار والمشاعات الأخرى، وتطوير المؤسسات الدولية.
ويشكل الحجم أساسًا واقعيًا مهمًا للاستثناء الأمريكي. وكانت الانعزالية هي الرد الأمريكي على توازن القوى العالمي في القرن التاسع عشر. وكان بإمكان الجمهورية الأمريكية الضعيفة نسبيًا أن تكون إمبريالية تجاه الدول الصغرى المجاورة لها، لكن كان عليها أن تتبع سياسة واقعية حذرة في التعامل مع القوى الأوروبية. ومع أن مبدأ «مونرو» أكد على الفصل بين نصف الكرة الغربي والتوازن الأوروبي، فإنه كان ممكنًا الحفاظ على هذه السياسة لسبب واحد وهو أنها تزامنت مع المصالح البريطانية وسيطرة البحرية الملكية على البحار. ولكن مع تنامي قوة أمريكا، زادت خياراتها. وحدثت نقطة تحول مهمة في عام 1917، عندما خالف الرئيس، وودرو ويلسون، التقاليد وأرسل مليوني أمريكي للقتال في أوروبا. ومع أن عصبة الأمم الليبرالية التي أنشأها «ويلسون» في نهاية الحرب قوبلت بالرفض من جانب زملائه الأمريكيين، فإنها أرست الأساس للأمم المتحدة والنظام الليبرالي بعد عام 1945.
واليوم، يقول الرئيس جو بايدن وأغلب الديمقراطيين أنهم يريدون الإبقاء على النظام القائم والحفاظ عليه، في حين يريد دونالد ترامب وأنصار مبدأ «أمريكا أولا» التخلي عنه، ويأمل المتقشفون في كلا الحزبين أن ينتقوا المزايا المتبقية في النظام. وسوف تتأثر الصراعات الجارية في أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط بشدة بالنهج الذي سيسود في انتخابات العام المقبل.
جوزيف ناي أستاذ في جامعة هارفارد ومساعد سابق لوزير الدفاع الأمريكي، وهو مؤلف كتاب «هل الأخلاق مهمة؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين روزفلت إلى ترامب».
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة القرن التاسع عشر فی العالم
إقرأ أيضاً:
تقرير: المتفجرات التي أسقطت على قطاع غزة أكثر مما ألقي خلال الحرب العالمية الثانية
#سواليف
أعلنت سلطة جودة البيئة الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، أن #الجيش_الإسرائيلي أسقط أكثر من 85 ألف طن من #القنابل بما في ذلك #قنابل_الفوسفور_الأبيض على قطاع #غزة منذ أكتوبر 2023.
وأضافت سلطة جودة البيئة الفلسطينية في بيان ، أن #المتفجرات التي ألقاها الجيش الإسرائيلي على قطاع #غزة يتجاوز ما تم إسقاطه خلال #الحرب_العالمية_الثانية.
وفي بيانها بمناسبة اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية الذي يصادف 6 نوفمبر من كل عام بقرار من الأمم المتحدة، أفادت سلطة جودة البيئة الفلسطينية بأن “قصف الاحتلال المستمر أدى إلى تدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وتلوث التربة بمواد كيميائية سامة تعيق الزراعة لعقود”.
مقالات ذات صلة أ.د بني سلامة يكتب .. عبيدات قدم رؤيته الشاملة والبعيدة النظر حول الأخطار المحدقة بالأردن 2024/11/07وأوضحت أن إسرائيل استخدمت جميع أنواع #الأسلحة والقذائف أبرزها الفوسفور الأبيض المحظور دوليا حيث يستهدف مكونات البيئة مسببا أضرارا بيئية جسيمة تهدد حياة الإنسان والكائنات الحية.
ولفتت إلى أن “الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية لمصادر المياه أدت إلى تسرب المياه الملوثة إلى الأحواض الجوفية ما ينذر بكارثة صحية وبيئية تهدد مئات الآلاف من السكان لعقود”.
وفي الضفة الغربية، ذكر البيان أن “المستوطنات والتدريبات العسكرية لجيش الاحتلال تشكل خطرا كبيرا على البيئة، إذ تتعرض مساحات شاسعة من الأراضي للاستيلاء والتجريف واقتلاع الأشجار والرعي الجائر”.
وأشارت السلطة إلى أن “المخلفات الناتجة عن تدريبات الجيش الإسرائيلي تلحق الضرر بمصادر المياه وتلوث الهواء، ما يؤدي إلى تفاقم التدهور البيئي، حيث تقدر المستعمرات بأنها تضخ نحو 40 مليون متر مكعب من المياه العادمة غير المعالجة سنويا في الأرض الفلسطينية”.
ودعت سلطة جودة البيئة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف العدوان المستمر ومنع استغلال البيئة لأغراض عسكرية، وتطبيق القوانين الدولية.