حول ضرورة إنشاء مركز للدراسات الاستراتيجية في عمان
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
تطرقت جريدة (عمان) بتاريخ 3 ديسمبر الماضي إلى أهمية البعد الثقافي والفكري في التوجهات الاستراتيجية العمانية وتناولت مسألة إنشاء مركز للدراسات الاستراتيجية في البلاد. في واقع الأمر فإن مقتضيات بناء الدولة واستكمال بناها الفكرية ومؤسساتها الثقافية تستوجب النظر في إنشاء هذا المركز لأسباب وجيهة ودواع مهمة في مقدمتها أن عُمان وهي تشق طريقها نحو غاياتها الوطنية على صعيد السياسة والاقتصاد والتنمية المستدامة تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى رؤى جديدة وخروجا عن النمطية والتقليدية في عملية صنع القرار وثرائه وإثرائه على الصعيد الوطني تحقيقا للمصالح العليا للبلاد.
وقد أصبحت منذ الخمسينيات من القرن الماضي إحدى ملامح الدول المتحضرة والمتقدمة التي تسعى إلى استغلال فضاء الحرية الفكرية والعلمية للتقدم بالوطن وحراكه نحو المستقبل.
ولا يفوتني في هذا السياق، الإشارة إلى الجهود والمبادرات والحراك الضخم الذي شكل المشهدية الثقافية والفكرية في تاريخ عُمان الحديث، ولعلي لا أبالغ حين أشير إلى الدور المحوري والتاريخي الذي قامت به جامعة السلطان قابوس وبرامج الابتعاث الخارجي في نقل الحالة العلمية والمعرفية والفكرية في البلاد إلى أفقها المأمول.
صاحب ذلك نقلة أخرى في إنشاء الجامعات والكليات الخاصة رغم تباين مستوياتها وجودتها إلى جانب الارتقاء بالصروح والهياكل التعليمية والتدريبية الأخرى وصولا إلى إنشاء كلية الدفاع الوطني التي أصبحت اليوم مؤسسة مرموقة وعريقة في سعيها الدؤوب لرفد الوطن بقيادات مؤهلة متمكنة ومزودة بأفضل المعارف والمهارات القيادية والعلمية.
السؤال الآن لماذا نحتاج إلى إنشاء مركز للدراسات الاستراتيجية في هذه المرحلة من مسيرة التنمية في العهد الجديد؟ إن عُمان اليوم تواجه استحقاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية مختلفة تتطلب إنشاء هذا المركز الذي سيكون منصة وطنية لإطلاق العنان نحو تدارس المعضلات والتحديات المختلفة بذهنية الباحث والمفكر ويتيح للمفكرين والباحثين أن يتحول المركز إلى واجهة معرفية حضارية لعُمان ومنجزا مهما في بناء دولة المؤسسات وتكاملها مع الجهات الأخرى، فعلى الصعيد السياسي تحتاج عُمان إلى تدارس المنجز السياسي الضخم الذي وضعها اليوم محل احترام وتقدير العالم حول نهجها السياسي وجهودها لتقريب وجهات النظر المتصارعة وكيفية تحويل جهودها نحو إحلال السلام وتعزيز الاستقرار إلى فلسفة ومدرسة سياسية متأصلة وممنهجة تعمل على تعزيز مقاربات وأفكار لصنع السلام في المنطقة ووضعها ضمن سياقها الفكري والمعرفي والأكاديمي الملائم، وهو جهد لن يتأتّى إلا بوجود منصة فكرية بحثية لها استقلاليتها الاعتبارية كي تتمكن من إثراء عملية صنع القرار و التوجهات الوطنية.
وأعتقد أن جهود الدولة العمانية في هذا المضمار لا تزال لم تؤت حقها في المعالجات الأكاديمية والبحثية رغم أهميتها البالغة في تاريخ المنطقة على امتداد الأزمات التي ساهمت الدبلوماسية العمانية في احتوائها. في الوقت ذاته، تتعامل عُمان مع معترك جيوسياسي إقليمي ودولي يحفل بالمتناقضات والغرائبيات في السلوك السياسي والدبلوماسي وصراعات المصالح والأجندات وتجاوزت حتى الثوابت المتعارف عليها، وتحتاج إلى فهم دقيق مرتكز على قراءة الواقع قراءة موضوعية ودقيقة.
على ضفة الاقتصاد الوطني، فإن الأمر يصبح أكثر إلحاحا لوجود هذا المركز حيث يحتاج المشهد الاقتصادي بكل مكوناته الحالية إلى «ذهنية» مختلفة تستطيع أن تفكر خارج الصندوق وتعمل على إعادة تشكيل البعد الاقتصادي الوطني، ضمن أطر معرفية متجذرة وفهم اقتصادي يضع في مضامينه الحراك العماني الضخم في الاستثمارات الراهنة في الطاقة المتجددة والنظيفة وغيرها من مبادرات للتنويع الاقتصادي والجهود للخروج من الاعتماد على النفط كمورد رئيسي للدخل الوطني. إن تدافعا كهذا يحتاج إلى إتاحة الفرصة للمفكرين والباحثين سواء من العمانيين وغيرهم لتسليط الضوء البحثي والتحليلي للتعقيدات الاقتصادية المختلفة لاسيما وأن المشتغلين بهذا القطاع ومكوناته يحتاجون إلى «وقفة» استراتيجية لتأمل المشهد من مسافة مختلفة وربما سيرون ما لا يرى الآن من ضرورات للارتقاء بالمشهد الاقتصادي في عُمان القرن الواحد والعشرين إلى مستويات «مختلفة» في ظل منافسة شرسة إقليميا وعالميا لا ترحم أحداً ولا تنتظر متباطئا ولا أحتاج أن أشير إلى استحقاقات رؤية عمان 2040.
إضافة لذلك، ما أحوجنا إلى إضاءات اقتصادية بالأرقام والشواهد حول التحولات الضخمة التي يعيشها الاقتصاد العماني ومساهمة مكوناته ومؤسساته ضمن تأطير علمي وإحصائي دقيق سواء ما يخص واقع الاستثمارات المحلية والأجنبية ومستقبل سوق العمل واتجاهات رأس المال البشري والنمو الاقتصادي وغيرها من قضايا مشابهة.
وليس ببعيد عن ذلك الاستحقاقات الاجتماعية والتحولات الكبرى التي تستهدف المجتمعات الآن من غزو فكري ومسلكيات مقلقة وتيارات مشبوهة، يراد لها أن تفرض فرضا وواقعا على الشعوب واستهداف التماسك الأسري وتفتيت المجتمعات، تحت يافطات شتى فضلا على هذه الهجمة الشرسة لوسائل التواصل الاجتماعي وتداعياتها على مفاصل الحياة والتواصل البشري وماهية هذا التواصل وأخلاقياته، وهو أمر سبق وأن تطرق إليه جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه- بكل جلاء في خطابه السامي في مجلس عمان بتاريخ 14 نوفمبر مؤكدا جلالته «إننا إذْ نَرْصُدُ التحدّياتِ التي يتعرضُ لها المجتمعُ ومدى تأثيراتها غير المقبولة في منظومته الأخلاقية والثقافية؛ لَنُؤكِّدُ على ضرورةِ التصديّ لها، ودراستها ومتابعتها، لتعزيز قدرة المجتمع على مواجهتها وترسيخ الهوية الوطنية، والقيم والمبادئِ الأصيلة».
إن تدارس هذه التحديات تتطلب تكامل الجهود المعرفية وإثرائها من جانب المختصين والمؤسسات وهنا ينبغي الإشارة إلى أهمية وجود مركز للدراسات الاستراتيجية ليتحول إلى ساحة فكر واجتهاد وإبداع يقدم لعُمان رؤى وتصورات ناضجة وواقعية تستشرف المستقبل على نحو مدرك لاستحقاقات الحاضر والمستقبل الذي يطل علينا عبر بوابة الذكاء الاصطناعي بكل تداعياته التي لا نعرف عنها أكثر من رؤيتنا لقمة جبل الجليد.
على ذات السياق، فإن المركز المقترح سيرفد المختصين والمهتمين ببحوث وإصدارات وتقييمات ستشكل علامة فارقة في المنتج المعرفي الراهن وإضافة قيمة للجهود الأخرى ذات الصلة خاصة بمشاركة مفكرين وباحثين عمانيين وأجانب بحيث تطل عُمان على الآخر عبر مقاربات فكرية عميقة و تبصرات مهمة حيال التطورات والأحداث والغايات الوطنية وستكون نقلة بحثية رصينة في الجهد الوطني تتناسب وتطلعات البلاد في هذا العهد.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مرکز للدراسات الاستراتیجیة
إقرأ أيضاً:
وزير البترول: «غاز مصر» لها بصمة واضحة فى تنفيذ المحاور الاستراتيجية للوزارة
أكد وزير البترول والثروة المعدنية المهندس كريم بدوي، أن شركة غاز مصر لها بصمة واضحة ودور مهم في تنفيذ المحاور الست لاستراتيجية عمل الوزارة فى الوقت الحالي، والتى تتمثل فى توفير احتياجات المواطنين من المنتجات البترولية بأقل تكلفة، وذلك من خلال زيادة الإنتاج وتكثيف برامج الحفر والاستكشاف، واستغلال البنية التحتية والطاقات فى قطاع التكرير والبتروكيماويات وشبكات خطوط الغاز والزيت الخام والمنتجات.
وقال الوزير، إن الشركة تساهم أيضا في إحداث نقلة نوعية في قطاع الثروة المعدنية لزيادة مساهمتها فى الناتج المحلى، بالإضافة إلى إعادة هيكلة مزيج الطاقة بالتعاون والعمل التكاملى مع وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة لزيادة نسبة الطاقة المتجددة فى مزيج الطاقة المصرى لتصل إلى 42٪ بحلول عام 2030، مما يتيح استغلال الغاز الطبيعى فى صناعات القيمة المضافة والتوسع فى مشروعات توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.
جاء ذلك خلال مشاركة الوزير في أعمال الجمعية العامة لشركة غاز مصر لمناقشة واعتماد نتائج أعمال العام المالى 2024.
وتابع الوزير أن شركة غاز مصر لها أيضا دور في المحور الخاص بالسلامة والصحة المهنية والبيئة والاستدامة وترشيد الطاقة، لما لها من دور إيجابى فى جذب الاستثمارات من خلال توفير بيئة عمل آمنة للحفاظ على سلامة العاملين، والمحور السادس الذي يتمثل فى استغلال موقع مصر الاستراتيجى لزيادة التعاون الإقليمى وتعظيم الاستفادة من البنية التحتية من مصانع الإسالة وموانئ وشبكات خطوط أنابيب ومستودعات بما يعزز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة.
وأشاد بدوى بالنتائج المتميزة التي حققتها شركة غاز مصر سواء خلال عام 2024 أو الأعوام السابقة، موجهاً التحية والشكر لقيادات الشركة وجميع العاملين بالشركة فى أنحاء الجمهورية على الجهود المبذولة والنتائج الرائعة التى تحققت.
كما أشاد الوزير بالعمل التكاملى بين قيادات الشركة واعضاء مجلس إدارتها وحاملى أسهم الشركة من الأفراد والتى كانت سبباً في تحقيق هذه النتائج، لافتاً إلى أن الوزارة وشركة إيجاس، وهيئة البترول مستمرون فى تقديم كافة أوجه الدعم لشركة "غاز مصر" للتوسع فى أعمالها داخل وخارج مصر بما يحقق قيمة مضافة وعائدا للاقتصاد القومى.
من جانبه، استعرض المهندس وائل جويد رئيس الشركة، أبرز أنشطة ونتائج أعمال الشركة خلال عام 2024 والذي تزامن مع مرور 42 عامًا على تأسيس الشركة في عام 1983.
وقدم «جويد» عرضا تضمن فيلمًا تسجيليًا ملخصًا لأنشطة الشركة، حيث تم تسليط الضوء على الدور الحيوي الذي قامت به غاز مصر في مشروع توصيل الغاز الطبيعي إلى المنازل والمنشآت التجارية والصناعية، كما تناول العرض مساهمة الشركة الفعالة في مبادرة حياة كريمة إضافة إلى مشاركتها في العديد من المشروعات القومية الكبرى، وشهد العرض أيضًا إبراز التطور الملحوظ في أداء الشركة في مجال المقاولات العامة بما يشمله من أعمال مدنية متكاملة وأعمال ميكانيكية وإلكتروميكانيكية.
وأوضح «جويد» أن الشركة تولى اهتمامًا بالغًا بمجالات السلامة والصحة المهنية والبيئة انطلاقًا من حرصها على حماية العاملين والعملاء والحفاظ على المعدات والأصول بما يضمن استمرارية العمل وكفاءته، مشيرا إلى أن إجمالي ساعات العمل خلال عام 2024 بلغ حوالي 31 مليون ساعة.
واستعرض رئيس الشركة أهم الانجازات والتى شملت الانتهاء الكامل من المرحلة الأولى بمادرة حياة كريمة في خمس محافظات بنسبة تنفيذ 100% وهي (الدقهلية، الغربية، المنوفية، القليوبية، والأقصر)، وتنفيذ العديد من المشروعات البترولية والمدنية والمقاولات العامة داخل مصر، أبرزها محطات تموين الطائرات في مطارات أسيوط والعلمين الجديدة لصالح شركة النيل وإنشاء مصنع مواسير البولي إيثيلين - بالعين السخنة لصالح الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس)، ومصنع مواسير البولي إيثيلين بالعاشر من رمضان لصالح شركة إيجيفكو وعدة محطات تحلية مياه الشرب - بمحافظة أسوان.
كما استعرض أنشطة الشركة خارج مصر في دول الأردن والامارات والسعودية وسلطنة عمان، حيث نجحت الشركة في تنفيذ عدد من المشروعات الاستراتيجية ضمن خطة التوسع الإقليمي، أبرزها مشروعات توصيل الغاز للمدن الصناعية بالمملكة الأردنية الهاشمية، وتشمل منطقة القسطل الصناعية / مدينة القويرة الصناعية في العقبة / مدينة الهاشمية الصناعية بمحافظة الزرقاء ومشـروع تطوير ورفع كفاءة (10) محطات تخفيض الضغط والقياس على خط الغاز العربي.
كما شملت المشروعات صيانة المنصات البحرية بالمملكة العربية السعودية لصالح شركة عمليات الخفجي المشتركة (KJO)، وإنشاء شبكة مياه الشرب الرئيسية والوصلات المنزلية بمنطقة اللكبي بسلطنة عمان، وكذلك الانتهاء من تنفيذ مشروع تعديل خط حقن الغاز ونقل رؤوس الآبار المصاحبة له في منطقة عصب بأبو ظبي لصالح شركة أدنوك - الإمارات العربية المتحدة.
وقام المهندس وائل جويد، بعرض ملامح الخطة المستقبلية، وقال إن الشركة تسعى إلى تحقيق معدل نمو سنوي بنسبة 15% على مدار السنوات الثلاث المقبلة، وذلك بالتعاون مع شركة (ايجاس) لإعادة معدلات توصيل الغاز الطبيعي إلى مستوياتها السابقة كما تركز الشركة على تعزيز خدمات العملاء خاصة في العاصمة الإدارية الجديدة وباقي المحافظات، مع الاستمرار في التوسع في مجال المقاولات العامة داخل وخارج البلاد.
حضر اجتماع الجمعية العامة، المهندس يس محمد العضو المنتدب التنفيذي للشركة القابضة للغازات الطبيعية، والمهندس صلاح عبد الكريم الرئيس التنفيذي لهيئة البترول، والمحاسب خالد عثمان مساعد الوزير للشئون التجارية، والمهندس معتز عاطف وكيل الوزارة لمكتب الوزير والمكتب الفني والمتحدث الرسمي للوزارة، واحمد راندي رئيس الإدارة المركزية للإتصالات بالوزارة، والمحاسب اشرف قطب وكيل الوزارة للشئون المالية والاقتصادية، والمحاسبة امل طنطاوي نائب رئيس هيئة البترول للشؤون المالية والاقتصادية، والمهندس محمد خضير نائب رئيس الشركة القابضة للغازات الطبيعية للتخطيط ومشروعات توصيل الغاز، والمحاسب اشرف حبيب نائب رئيس الشركة القابضة للغازات الطبيعية للتجارة الداخلية والمشرف علي الشئون المالية والتجارة الخارجية، والمحاسبة منى ثابت وكيل الوزارة بالجهاز المركزى للمحاسبات، وعدد من قيادات الشركة وحاملى الاسهم من الافراد.
اقرأ أيضاًوزير البترول يبحث مع مدير دبلوماسية المناخ البنود التعاقدية لاستئجار وحدة التغيير العائمة
وزير البترول يلتقى وزير الشئون الاقتصادية والعمل المناخي الألماني
وزير البترول يشارك في الدورة الحادية عشرة من حوار برلين حول تحول الطاقة