محمد بن حمد المسروري
ما زلنا نناقش لعبة الأمم- في نسختها الثانية- على المستوى العالمي والعربي على وجه الخصوص، ونبحث في أدوار اللاعبين الأساسيين منهم والفرعيين على المسرح الظاهر ونحاول تارة كشف ما وراء الستار إن أمكن، نعم تكالبت قوى الشر العالمي وعلى رأسها أم المكائد وأس الشر، في العالم أجمع، وحدها ربة الكذب والنفاق وأم الخبائث في كل وقت وحين، دولة بريطانيا، فإذا علمتم عن مشكلة في أي قرية وفي أي قارة في العالم لها علاقة بالأرض والقيم الإنسانية استشرت وتعقدت، ابحثوا عن الإنجليز خلف ستارها، لأنهم الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور النَّاس.
الإنجليز هم من فرقوا بين العرب والمسلمين عامة لتكون لهم بعد ذلك السطوة مع من شاركهم من المستعمرين الأروبيين، الفرنسيين والإيطاليين وقبلهم الأسبان والألمان والبلجيك والهولنديين، الاستعمار الأوروبي البغيض، أوروبا التي تنمرت على العالم أجمع. وللوطن العربي والإسلامي، على وجه الخصوص تجارب مريرة مع أم المكائد قبل وبعد الحرب العالمية الثانية، التي هكذا صُنِّفَت مع أنها أوروبية صرفة. لكن قياسًا الى اتساع رقعتها الشريرة على البلاد العربية والإسلامية لتأكيد أهداف حُددت سلفًا من قِبَلهم لتكون نتائج لها خالصة وللاعبين الأوروبين المنهزم منهم والمنتصر؛ ليكون لكل منهم نصيب مما تركه الآخرون.
وبطبيعة الحال ما كان للأوروبيين أن ينتصروا في تلكم الحرب الطاحنة بينهم لولا تدخل أحفادهم المزروعون في أمريكا شمالها وجنوبها، كذلك لما امتلكوه من أسباب القوة، خاصة المال وصناعة الأسلحة الفتاكة، تلك وسائلهم دوما، قتل البشر دون هوادة أين ما وجدوا؛ فالمبدأ عندهم "اقتل تعش وتسد".
الإنجليز وأحفادهم يحملون ذات الأفكار والأهداف، لا يختلفون في شيء إلّا في أسلوب حكم مستعمراتهم، فهم جميعًا شركاء في كل جريمة قتل وشركاء كذلك في امتصاص دماء البشر من خلال السيطرة على ثروات الأوطان ونهبها وحرمان السكان الأصليين من الاستفادة من شيء من عائد تلكم الثروات المنهوبة عنوة.
ما زالت لعبة الأمم- الحديثة- تؤدي دورها باختلاف الممثلين على مسرح الحياة إنما الأهداف ذاتها قائمة لم تتغير بتغير الممثلين، هم ذاتهم الفاعلون الأساسيون، وكذلك المستهدفين بنوايا الاستعمار المتجدد البغيض.
علينا أن ننظر إلى ما يحدث اليوم في غزة بفلسطين المحتلة من قبل شُذّاذ وشتات الأرض وأراذل الخلق الذين أحضرتهم بريطانيا من كل بقعة وصوب، لزرعهم في فلسطين العربية (المسلمة والمسيحية) بغية التخلص من فسادهم- الصهاينة من اليهود- في كل أرض وجدوا فيها لتبقى أوروبا والبلاد ما بعد المحيطات الخاضعة لسياساتهم طوعا أو قسرا مثال كندا ونيوزيلاندا، وأستراليا وغيرها من التوابع.
أهداف الإنجليز في المنطقة العربية هي ضرب الإسلام في مركزه ومركز ثقافته- اللغة والدين- وإحضار شتات من المحتقرين في أوروبا ليكونوا هم الشوكة في حلق العرب والمسلمين في أعز مكان لديهم؛ القدس الشريف، مسرى الرسول الكريم النبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ليصلوا بعد ذلك إلى مركز المسلمين مكة الكرمة، حسب مخططهم. وهذه أهداف الصليبيين بقيادة بريطانيا وفرنسا وأمريكا وسائر دول الاتحاد الأوروبي، منذ زمن بعيد. لكن من الواضح الى اللحظة أن غزة العزة والإباء عصية السقوط على كل كلاب العالم من حيث أتت.
شخصيًا أتساءل مع من يتساءل كذلك، حول مقاطعة البضائع الأمريكية وحدها وترك رأس الأفعى؛ بريطانيا ومنتجاتها؛ فالأولى ثم الأولى حرمان الأفعى الخبيثة من أي فائدة في البلاد العربية والإسلامية، بمحاربة منتجاتها، وفسخ العلاقة معها بكل الوسائل ومختلف المفاصل، بداية بالسياحة والتملك في أراضيهم.
لكن المهم والأولى محاربتهم بسلاحهم الثقافة، لأنهم بكل الجهد حاربوا وما برحوا يحاربون الثقافة الإسلامية، فعلينا إذا محاربتهم بذات سلاحهم، ثقافيًا وهذا أهم المهم، من خلال مقاطعة مدارسهم وجامعاتهم؛ فالأرض العربية والإسلامية اليوم في غنى عن الجامعات البريطانية والفرنسية والأمريكية والدول المرتبطة بها ومقاطعة منتجاتهم مهما كانت، وأن يكون ذلك ليس من الشعوب العربية والإسلامية وإن كان لها تأثيرها المهم ولكن نطالب الحاكم والمحكوم.
هذا المطلب واجب تحقيقه لمواجهة الصهاينة بمختلف ألوانهم وانتماءاتهم والمربي المتعهد الصليبي الذي لم يتورع عن قتل النساء والأطفال والشيوخ في كل بلاد الإسلام، إنهم لا يفرقون بين مُلزِم ومحرّم؛ إذ رأس أهدافهم القضاء على المسلمين في ثقافتهم وقتل أطفالهم رجالهم ونسائهم، أهداف معلنة وتُمارَس بكل الوسائل بصورة يومية في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها من بلاد الإسلام، وبوسائل أخرى في سائر البلاد الإسلامية، فهل من مُنبّه ومُحذِّر؟!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«لعبة الحبار»عندما يطاردنا الماضي
علي عبد الرحمن (القاهرة)
أخبار ذات صلة «وما بينهما»تجليات إبداعية للفنون الإسلامية «أبوظبي إكستريم» تنظم 14 بطولة في 5 قاراتبعد النجاح الساحق الذي حققه الجزء الأول من مسلسل «لعبة الحبار»، الذي ترك بصمته كواحد من أكثر الأعمال الدرامية تأثيراً في العصر الحديث، يعود الموسم الثاني ليغوص بنا أعمق في دهاليز النفس البشرية، ليُعمِّق من طرحه الفلسفي والنفسي حول قضايا البقاء، الأخلاق، والإنسانية، وتتحول السردية إلى مساحة أكثر قتامة وتأملاً، حيث نواجه أسئلة وجودية لا تتعلق فقط بالنجاة الجسديّة، بل بصراعات الإنسان مع ذاته ونظام العالم العبثي.
تدخل الحبكة في الجزء الثاني مرحلة جديدة من التعقيد، حيث لم تعُد الألعاب تختبر قدرة الفرد على النجاة فحسب، بل أصبحت امتحاناً أخلاقياً ونفسياً مُرهقاً؛ وتتطلب إحدى الألعاب الرئيسة في الموسم الثاني من اللاعبين، الاختيار بين إنقاذ أرواح الآخرين أو التضحية بهم لضمان بقائهم، مما يكشف عن هشاشة الأخلاق في مواجهة غريزة البقاء.
هنا تكمن العبقرية السردية للمسلسل، إذ يضع المشاهد أمام مرآة فلسفية تظهر تشابك الخير والشر داخل النفس البشرية، ونرى انعكاساً واضحاً لفكرة الفيلسوف الإنجليزي «هوبز» حول حالة الطبيعة حيث «الإنسان ذئب لأخيه الإنسان»، وفي الوقت ذاته، تطرح السردية تساؤلات عن إمكانية وجود أمل في إنقاذ الإنسان من ذاته.
تحمل الشخصيات العائدة من الجزء الأول في داخلها، صدمات التجربة السابقة، مما يضيف لطبقاتها النفسية أبعاداً جديدة، يظهر ذلك بوضوح في تفاعلهم مع الألعاب الجديدة واللاعبين الجدد، الذين يمثلون مزيجاً متنوعاً من الخلفيات الثقافية والاجتماعية. ويُظهر المسلسل في هذا الجزء كيف تؤثر الصدمات النفسية في اتخاذ القرارات، وكيف يمكن للماضي أن يطارد الفرد في أكثر اللحظات الحاسمة، هذه التركيبة تعزّز من درامية الأحداث وتضع الشخصيات في مواجهة مباشرة مع ماضيها وحاضرها.
وأحد الجوانب المميزة في الجزء الثاني، رمزية الألعاب التي تتجاوز مجرد التحدي الجسدي، لتصل إلى تعبيرات فلسفية عميقة، إحدى الألعاب على سبيل المثال تستند إلى أسطورة «سيزيف» حيث يُجبر اللاعبون على دفع حجر ضخم إلى أعلى التل مع علمهم بأنه سيسقط مجدداً، هذه اللعبة تجسّد فكرة العبثية التي طرحها الأديب الفرنسي من أصل جزائري «ألبير كامو»، الحاصل على نوبل، حيث يُصبح التحدي الحقيقي هو إيجاد معنى في وسط العبث. هناك أيضاً لعبة المرايا، التي تتطلب من اللاعبين مواجهة أنفسهم حرفياً، في إشارة إلى الصراع الداخلي الذي يعاني منه الإنسان في محاولة لفهم ذاته، هنا يتجاوز العمل حدود الترفيه ليصبح دراسة فلسفية عميقة للإنسانية.
وما يميز «لعبة الحبار»، قدرته على التلاعب بمشاعر المشاهدين، كما يخلق حالة مستمرة من التوتر، حيث تُصبح كل لحظة اختباراً نفسياً يضع المشاهد في موضع اللاعب، ولا تترك الأسئلة الأخلاقية المطروحة مجالاً للحياد، بل تُجبره على اتخاذ موقف، مما يجعل التجربة الترفيهية أقرب إلى رحلة نفسية عميقة.
التركيز على الرمزية
يرى الناقد الفني أحمد شعراني، أن الموسم الثاني فقد عنصر المفاجأة الذي ميّز موسمه الأول، والحبكة أصبحت مُتوقعة، والتركيز الزائد على الرمزية الفلسفية قد أضعف التوتر الدرامي، واستشهد بحلقة «لعبة المرايا»، ورغم قوتها الرمزية، فإنها افتقدت الإيقاع السريع الذي كان يميّز الموسم الأول. وتقول الناقدة جهاد هشام، إن الموسم الثاني استند بشكل مفرط إلى نجاح الموسم الأول، دون تقديم جديد حقيقي، وتحولت الشخصيات إلى أدوات لتمرير الرسائل الفلسفية، مما جعلها تفقد عمقها الإنساني، وحتى الألعاب بدت وكأنها مجرد استعراض بصري دون جوهر درامي يُذكر.
بينما أشارت الناقدة رانيا الزاهد، إلى أن الموسم الثاني نجح في تعميق الرسائل الفلسفية والاجتماعية، وتمكّنت الحبكة الدرامية من إبراز التعقيد النفسي للشخصيات، مع التركيز على التحديات الأخلاقية التي تواجهها، معتبرة على حلقة «سيزيف» تحفة فلسفية تعيد التفكير في معنى الجهد الإنساني وسط العبث.
وأوضح الناقد الفني مصطفي الكيلاني، أن الموسم الثاني ليس مجرد تكملة لمسلسل ناجح، وتأكيد على أن القصص القوية يمكنها أن تُعمق من فهمنا للعالم ولأنفسنا، وطرح العمل فكرة أن الحياة بأكملها قد تكون لعبة، وفهم القواعد ليس كافياً للنجاة، بل يجب علينا أن نتساءل عن جدوى المشاركة من الأساس، وبين الصراع النفسي والرمزية الفلسفية، يتركنا العمل أمام سؤال مفتوح: هل نملك الجرأة لترك اللعبة، أم أن اللعبة هي التي تملكنا؟.
هشاشة التوازن النفسي
ترى اختصاصية علم النفس، أميرة ألبير، أن لعبة الحبار في موسمه الثاني انعكاس دقيق لصراعات الإنسان مع ذاته ومع المجتمع، والألعاب الجديدة تمثل تجسيداً لضغوط الحياة اليومية، التي تجبر الأفراد على اتخاذ قرارات أخلاقية تحت وطأة القلق والخوف. وتُظهر هذه التحديات بوضوح، كيف يمكن للصدمات النفسية أن تُعيد تشكيل هويات الأفراد، وتكشف هشاشة التوازن النفسي في ظروف الضغط الشديد، موضحة أن هذه اللعبة تمثل تجسيداً لصراع الإنسان مع مخاوفه اللاواعية، حيث يصبح السقوط أشبه بمواجهة حقيقية مع الفشل والخوف من المجهول.