((عدن الغد )) خاص

قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن جماعة الحوثيين المسلحة التي تسيطر على أجزاء من اليمن استهدفت عدة سفن تجارية على متنها طواقم من المدنيين في البحر الأحمر خلال الأسابيع القليلة الماضية. تضمنت الهجمات إطلاق صواريخ أو مسيّرات على أربع سفن، واحتجاز طاقم سفينة خامسة تعسفا. هذه الهجمات تشكل استهدافا للمدنيين والأعيان المدنية، وهي إذا نُفذت عمدا أو بتهور تُعد جريمة حرب.

أعلن الحوثيون أنهم سيواصلون "تنفيذ عملياتهم العسكرية ضد العدو الإسرائيلي"، وكذلك "تنفيذ قرار منع السفن الإسرائيلية من الملاحة في البحرين الأحمر والعربي نصرة للشعب الفلسطيني المظلوم". لكن السفن الخمس ليست أعيانا عسكرية – جميعها سفن تجارية على متنها طواقم مدنية. لم يقدم الحوثيون أي دليل على ما يمكن أن يشكل أعيانا عسكرية على متن هذه السفن.

قال مايكل بَيْج، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يزعم الحوثيون أنهم ينفذون هجمات باسم الفلسطينيين، غير أنهم فعليا يعتدون على طواقم مدنيين لا صلة لهم البتة بأي هدف عسكري معروف، ويحتجزونهم تعسفا، ويعرضونهم للخطر. يتعين على الحوثيين الإفراج فورا عن الرهائن، وإنهاء هجماتهم على المدنيين الموجودين في مرمى نيران حربهم المعلَنة على إسرائيل".

في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، استولى الحوثيون، سلطة الأمر الواقع في صنعاء وفي معظم أنحاء شمال اليمن، على "غالاكسي ليدر"، ناقلة سيارات تملكها شركة بريطانية وتشغلها شركة يابانية ومسجلة في البهاما. نشر الحوثيون فيديو على الإنترنت، يُظهر قوات تابعة لهم تصعد إلى السفينة، ويتنقلون فيها، ويصوبون أسلحتهم إلى الطاقم. ثم قاد الحوثيون السفينة، والطاقم لا يزال على متنها، إلى ميناء الصليف في الحديدة، الذي يسيطرون عليه، على الساحل الغربي لليمن".

في اليوم نفسه، أعلن يحيى سريع، المتحدث باسم الحوثيين، على منصة "إكس" (X)، تويتر سابقا، أن الحوثيين سيستهدفون السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي، والسفن المملوكة لشركات إسرائيلية أو تشغّلها شركات إسرائيلية، بغض النظر عما إذا كانت السفن تحمل أهدافا عسكرية أو لا.

لم يُفرج بعد عن الطاقم المؤلف من 25 شخصا، والسفينة لا تزال راسية في المرفأ. قال هيروكازو ماتسونو، رئيس الوزراء الياباني، إن الحكومة اليابانية تعمل على تأمين الإفراج عن السفينة وطاقمها، الذي يضم مواطنين من بلغاريا، والفلبين، والمكسيك، وأوكرانيا.

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى مصادر قالت إنه من غير الواضح ما إذا كان أعضاء الطاقم محتجزين كرهائن أو تعسفا، بما أن الحوثيين لم يوضحوا سبب استمرار احتجازهم للرجال.

يحظر القانون الإنساني الدولي احتجاز الرهائن، وهو جريمة حرب بموجب "المادة 3 المشتركة لـ اتفاقيات جنيف لعام 1949". احتجاز رهائن هو احتجاز شخص مع التهديد بقتله أو جرحه، أو الاستمرار باحتجازه للضغط على طرف ثالث للقيام بأمر ما أو الامتناع عن القيام بأمر ما، كشرط للإفراج عن الرهينة أو الحفاظ على سلامتها.

أعلن محمد عبد السلام، المتحدث باسم الحوثيين، على "إكس" أن استيلاء [الحوثيين] على السفينة "مجرد بداية.. معركة البحر" التي يخوضها مقاتلوه.

رغم ادعاء الحوثيين بأن السفينة إسرائيلية، إلا أنها مملوكة من شركة بريطانية وتشغّلها شركة يابانية، وكانت وجهتها الهند عندما تم الاستيلاء عليها. لم يقدم الحوثيون أي دليل على وجود أهداف عسكرية على متن السفينة. الشركة الأم للشركة البريطانية المالكة للسفينة، يملكها رجل أعمال إسرائيلي، لكن هذا لا يجعل من السفينة هدفا عسكريا مشروعا.

بحسب عدة وسائل إعلام ووزارة الدفاع الأمريكية، هجم الحوثيون في 3 ديسمبر/كانون الأول على سفينتَيْ شحن البضائع، "يونيتي إكسبلورر" و"نمبر 9"، وسفينة الحاويات "آي أو أم صوفي 2"، بالصواريخ والمسيّرات. "يونيتي إكسبلورر" و"نمبر 9" مملوكتان ومشغّلتان من قبل شركتين بريطانيتين مختلفتين، بينما "صوفي 2" مملوكة ومشغّلة من شركة يابانية. قد تكون الشركة البريطانية التي تملك "يونيتي إكسبلورر" مملوكة من رجل أعمال إسرائيلي، لكن الأمر ليس واضحا. "يونيتي إكسبلورر" مسجلة في الباهاماس، في حين "نمبر 9" و"صوفي 2" مسجلتان في بنما. السفن الثلاث جميعها سفن تجارية كانت تحمل طواقم مؤلفة من مدنيين من عدة بلدان. لم تكن أي سفينة متوجهة إلى إسرائيل.

أعلنت القيادة المركزية الأمريكية أيضا أن وسط الهجمات على السفن الثلاث، أسقطت المدمرة "يو إس إس كارني"، الراسية في البحر الأحمر، مسيّرتين – كانت إحداها تتجه إلى المدمرة " مع أن "هدفها المحدد لم يكن واضحا".

في بيان  في 3 ديسمبر/كانون الأول، زعم سريع أن الحوثيين هجموا على اثنتين من السفن: "يونيتي إكسبلورر" و"نمبر 9".

أعلن دانيال هاغاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أن "يونيتي إكسبلورر" و"نمبر 9" "لا علاقة لهما بدولة إسرائيل".

في 12 ديسمبر/كانون الأول، استهدف الحوثيون بصاروخ سفينة أخرى، "ستريندا"، تحمل العلم النرويجي. أعلن غير بلسنيس، الرئيس التنفيذي للشركة النرويجية التي تملك وتشغّل ستريندا، عدم وجود إصابات. زعم الحوثيون أن السفينة كانت تحمل النفط إلى إسرائيل. لكن بلسنيس قال إن السفينة كانت تحمل زيت النخيل إلى إيطاليا.

الأدلة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، بما فيها تصريحات الحوثيين، تشير إلى أن الحوثيين كانوا يعلمون، أو كان ينبغي أن يعلموا، أن السفن الأربع التي استهدفوها كانت سفن تجارية على متنها مدنيين، وأنها لا تشكل بأي حال من الأحوال هدفا عسكرية.

يحظر القانون الإنساني الدولي، مهما كانت الظروف، الهجوم المباشر على مدنيين. الأطراف المتحاربة ملزمة بأن تتخذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب الأذى على المدنيين. يتعين عليها القيام بكل ما يجب للتأكد من أن الأهداف هي أعيان عسكرية. الشخص الذي يرتكب انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب، مع نية جرمية – إن كان عمدا أو بتهور – قد يُحاكم على جرائم حرب. يمكن أن تقع مسؤولية جرمية على الأفراد أيضا، بسبب المساعدة في جريمة حرب، أو تسهيلها، أو التحريض عليها.

في 9 ديسمبر/كانون الأول، أعلن سريع أن الحوثيين يوسعون خططهم للهجوم على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر لتشمل "جميع السفن ... من أي جنسية" المتوجهة إلى إسرائيل، حتى يُسمح بدخول الغذاء والدواء إلى غزة.

باب المندب هو مضيق بين اليمن وجيبوتي وإريتريا يصل خليج عدن بالبحر الأحمر، على حدود إسرائيل/فلسطين. المضيق مسار أساسي للشحن البحري، بحكم أنه المسار الوحيد للوصول بحرا إلى إرتيريا والأردن والسودان. الطريقة الوحيدة الأخرى للوصول إلى إسرائيل/ فلسطين ومصر من بحر العرب أو المحيط الهندي هي بالسفر عبر رأس الرجاء الصالح وهي رحلة تستغرق وقتا أطول بكثير من المرور عبر مضيق باب المندب. عدّلت سفن كثيرة مسارها بسبب هجمات الحوثيين. بحسب "الغرفة الدولية للنقل البحري "، منظمة تجارية دولية لأصحاب السفن ومشغّليها، تعتبر "الهجمات خرقا سافرا للقانون الدولي والمعايير البحرية".

أطلق الحوثيون أيضا عدة صواريخ على بلدة إيلات في جنوب إسرائيل. حتى الآن، لا دليل على إصابة أي من الصواريخ أهدافا إسرائيلية.

هجمات الحوثيين على السفن، بالإضافة إلى هجماتهم الأوسع على إسرائيل، تأتي وسط أعمال عدائية بين الجيش الإسرائيلي والجماعات الفلسطينية المسلحة. وثقت هيومن رايتس ووتش الانتهاكات الواسعة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي والجماعات الفلسطينية المسلحة خلال الأعمال العدائية.

في 9 ديسمبر/كانون الأول، أعلن تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، أن "إسرائيل ستتصرف" إذا لم يرد المجتمع الدولي على هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.

اتهمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إيران بالتورط في الهجمات. أعلن ناصر كنعاني، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أن الحوثيين، بالإضافة إلى "مجموعات المقاومة في المنطقة" لا يهاجمون إسرائيل بناء على أوامر إيرانية. وجد "فريق الخبراء المعني باليمن" التابع للأمم المتحدة، في وقت سابق، أن إيران "لم تتخذ التدابير اللازمة لمنع توريد أو بيع أو نقل، بشكل مباشر أو غير مباشر"، مختلف الصواريخ الباليستية التي يستخدمها الحوثيون لتنفيذ هجمات غير قانونية.

منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء في 2014، ارتكبوا انتهاكات واسعة  للقانون الإنساني الدولي، وأذوا مدنيين، بما في ذلك جرائم حرب محتملة، وهجمات عشوائية على مدنيين وبنى تحتية مدنية، وإخفاء مدنيين قسرا، وفرض حصار تعسفي على مدينة تعز جنوب غرب اليمن.

نفذت الحكومة اليمنية والتحالف بقيادة السعودية والإمارات أيضا هجمات غير قانونية على مدنيين، بما في ذلك جرائم حرب محتملة.

قال بَيْج: "لم يتحمل الحوثيون حتى الآن مسؤولية الأذى الذي سببوه للمدنيين في اليمن. بدل ارتكاب جرائم حرب جديدة، يتعين عليهم التركيز على تحقيق السلام الدائم في بلدهم".

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: دیسمبر کانون الأول هیومن رایتس ووتش فی البحر الأحمر المتحدث باسم أن الحوثیین إلى إسرائیل سفن تجاریة جرائم حرب على متنها

إقرأ أيضاً:

مراحل التصعيد اليمني … نموذج مثالي في إدارة المعارك

رضوان العمري

إن الاستراتيجية التي اتخذها ‎اليمن في التعامل مع العدو الصهيوني وداعميه في معركة البحار، من خلال التحكم بمسار المعركة و الإمساك بخيوطها ورسم حدودها، أثبتت فعاليتها ونجاحها ونجاعتها بصورة جعلت العالم كله في حالة من الدهشة والذهول، نظراً لفوارق القوة والإمكانات بين طرفي المعركة (اليمن من جهة والتحالف الأمريكي والغربي من جهة أخرى)، وما يثير الاندهاش أكثر أن نسبة النجاح لم تكن ضئيلة بل كانت مرتفعة لدرجة عدم استقبال ميناء أم الرشراش “إيلات” إلا قرابة سفينتين لأكثر من 8 أشهر، وبرغم أنه معروف أن الإسرائيلي يتكتم عن خسائره خلال المعارك سواءً كانت خسائر بشرية أو عسكرية أو اقتصادية، إلا أن مدة الحصار اليمني لميناء أم الرشراش “إيلات” والخسائر التي يتكبدها الميناء، جعلت إدارة الميناء تفقد صبرها وتعلن إفلاسه وتطلب الدعم من الحكومة الإسرائيلية، بل إن مدير الميناء جدعون غولبر قال في أحد تصريحاته بداية يونيو الماضي:” لا توجد حلول، لإعادة فتح الميناء، ومع ضعف دول التحالف في البحر الأحمر، نحن مستعدون أن ندفع فدية لـ”الحوثيين” مقابل العبور عبر باب المندب”.

إن الحصار اليمني الشامل الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية على ميناء “أم الرشراش” جاء كنتيجة لسلسلة من النجاحات التي حققتها القوات المسلحة اليمنية في مسرح العمليات الممتد من البحر الأبيض المتوسط شمالاً مروراً بالبحرين الأحمر والعربي وصولاً إلى المحيط الهندي جنوباً، وهذه النجاحات لم تكن لتحقق في ظل غياب الاستراتيجية التي اعتمد عليها اليمن في التعامل مع المعركة بعد عون الله.

*مراحل التصعيد القائمة على عنصر المفاجأة

قبل دخول اليمن في معركة طوفان الأقصى، كان الجميع يتساءل عن إمكانيات وقدرات القوات المسلحة اليمنية التي تؤهلها لفتح جبهة ضد الكيان الإسرائيلي إسناداً لغزة، خصوصاً بعد التصريحات والتلميحات من القيادات الثورية والسياسية بأن صنعاء ستتدخل في حالة ما إذا قدّم الأمريكان دعماً للكيان الإسرائيلي، وكانت المفاجأة في 31 أكتوبر 2023، بإعلان القوات المسلحة اليمنية تدشين المرحلة الأولى ضد الكيان الإسرائيلي بتنفيذ عملية عسكرية _بعد عمليتين غير معلنتين_ تمثلت بإطلاق صواريخ باليستية ومجنحة وطائرات مسيرة على أهداف للعدو الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وكان هذا الإعلان بمثابة صدمة للجميع، بحيث أن هذه المرحلة كشفت جزء من القدرات العسكرية للقوات المسلحة اليمنية.

ولم تقتصر المرحلة الأولى على إطلاق الصواريخ والمسيرات نحو الأراضي الفلسطيني المحتلة، بل إن القوات المسلحة اليمنية أعلنت في 19 نوفمبر 2023 عن توسيع العمليات لتشمل استهداف السفن التي تحمل علم الكيان الإسرائيلي، والسفن التي تقوم بتشغيلها شركات إسرائيلية، والسفن التي تعود ملكيتها لشركات إسرائيلية، وفي اليوم نفسه أعلنت القوات المسلحة اليمنية استيلاءها على السفينة الإسرائيلية “جلاكسي ليدر”، ومثلت هذه العملية تحول نوعي في مسار التصعيد اليمني، بحيث أنها أثبتت جرأة وجدية القوات المسلحة اليمنية وهو ماشكّل صدمةً أخرى للكيان الإسرائيلي.

ومع مرور الوقت ومع اعتقاد سلطات الكيان أن بإمكانها امتصاص عمليات هذه المرحلة من خلال التصدي للصواريخ والمسيرات المتجهة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من جهة، واستخدام التمويه والتلاعب بالمعلومات على السفن المتجهة لموانئهم أثناء عبورها في البحر الأحمر، اتجهت القوات المسلحة اليمنية لتدشين المرحلة الثانية من التصعيد.

وعندما أدرك اليمن بأن الكيان الإسرائيلي أصبح شبه قادر على استيعاب المرحلة الأولى قفز إلى الأمام وأعلن مرحلة جديدة من التصعيد، حيث أعلنت القوات المسلحة في 9 ديسمبر 2023م، عن منعِ مرورِ السُّفُنِ المتجهةِ إلى الكيانِ الصهيونيِّ من أيَّةِ جنسيةٍ كانتْ في البحر الأحمر، إذَا لم يدخلْ لقطاعٍ غزةَ حاجتُهُ من الغذاءِ والدواءٍ، وذلك في إطار توسيع الحصار على موانئ الكيان وقطع أحد الشرايين الاقتصادية للكيان.

وفي هذه المرحلة فقد الكيان الإسرائيلي صبره وتوازنه واستعان بالأمريكي لممارسة الضغوط السياسية والعسكرية ضد اليمن، وبعد مرور حوالي أسبوع من هذه المرحلة أعلن وزير الدفاع الأمريكي عن تشكيل تحالف ماسمي ب”حارس الازدهار” في 18 ديسمبر 2023 بغرض حماية السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وتحييد الجبهة اليمنية المساندة لغزة، وكانت الولايات المتحدة تعتقد أنه بمجرد الإعلان فإن اليمن سيتوقف عن الهجمات، وإذا لم يكن يتوقف اليمن فإن سفنها وسفن حلفائها الحربية ستقوم بمهمة مرافقة السفن الإسرائيلية وحمايتها، إلا أن التقييم الأمريكي لواقع المعركة في البحر الأحمر لم يكن دقيقاً خصوصاً مع فشل السفن الحربية من تحقيق الحماية للسفن الإسرائيلية في البحر الأحمر.

وبعد مرور قرابة 20 يوم من الإعلان عن تشكيل تحالف “حارس الازدهار” وفشل السفن الحربية للتحالف من حماية السفن الإسرائيلية، اتجهت الولايات المتحدة لاتخاذ خطوة جديدة متهورة تتمثل بالعدوان على اليمن واستهدف الطيران الأمريكي والبريطاني عدد من المواقع في عدة محافظات في محاولة لاستعادة صورة الردع بعد فشل المهمة في البحر الأحمر ومن ناحية ثانية اعتقد التحالف أنه بشن غاراته على بعض المواقع سيدمر مخازن ومنصات إطلاق الصواريخ والمسيرات التابعة للجيش اليمني، إلا أن هذه الخطوة المتهورة فشلت هي الأخرى مع مرور الوقت خصوصاً مع استمرار القوات المسلحة بتكثيف هجماتها ضد السفن المتجهة إلى موانئ الكيان بل إنها وسّعت من عملياتها لتستهدف السفن الأمريكية والبريطانية رداً على العدوان على اليمن.

وبرغم تكثيف الغارات الأمريكية البريطانية على اليمن استمرت الهجمات اليمنية في هذه المرحلة ضد السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية بشكل تصاعدي وصولاً إلى إغراق السفينة البريطانية “روبيمار” في البحر الأحمر في بداية مارس الماضي، وبعملية الإغراق هذه أكدت القوات المسلحة بأنه لا خطوط حمراء ولا قواعد اشتباك في هذه المعركة وأنها ذاهبة إلى أبعد مدى من التصعيد، كما أن هذه العملية عززت من فشل تحالف “حارس الإزدهار”، ولتعزيز فشل التحالف فإن القوات المسلحة اتجهت لاستهداف السفن الحربية نفسها التي انسحبت بعضها من مسرح العمليات وبعضها الآخر واجهت معارك ضارية لم تشهدها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب اعترافات ضباط وقادة السفن والفرقاطات الأمريكية والبريطانية.

وفي الوقت الذي لم يتمكن الأمريكي وحلفائه من ابتلاع الصدمات والضربات اليمنية، قفز اليمن للأمام مجدداً ليعلن مرحلة جديدة من التصعيد وهي المرحلة الثالثة التي تم إعلانها على لسان قائد أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي في 14 مارس 2024 ، وتمثلت هذه المرحلة بتوسيع العمليات ضد السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى موانئ الكيان الإسرائيلي لتشمل خط عبورها في المحيط الهندي، وبهذه الخطوة أكد اليمن بأن مسرح العمليات في البحرين الأحمر والعربي بات تحت السيطرة، بالإضافة إلى أن هذه الخطوة عززت من فشل تحالف “حارس الازدهار” الذي كان يعتقد أن غاراته على اليمن ستضعف القدرات العسكرية للجيش إلا أنه فوجئ بتوسيع مسرح العمليات، ليتأكد للجميع بأن اليمن هو من يتحكم بصيرورة المعركة ويحدد قواعدها ويرسم حدودها.

بعد المرحلة الثالثة من التصعيد كان الكل يعتقد أنها المرحلة الأخيرة خصوصاً وأن العمليات قد حققت هدفها بفرض حصار شامل على ميناء أم الرشراش “إيلات”، فماذا تبقى من أوراق يمكن لليمن تفعيلها ضد الكيان الإسرائيلي؟!
وبعد يوم من كلمة قائد أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي التي قال فيها بأن اليمن يحضر لجولة رابعة من التصعيد، أعلنت القوات المسلحة اليمنية في 3 مايو 2024 تفاصيل المرحلة وبدء تنفيذها وجاءت على قسمين ،القسم الأول يشمل “استهدافُ كافةِ السُّفُنِ المخترِقةِ لقرارِ حظرِ الملاحةِ الاسرائيليةِ والمتجهةِ إلى موانئِ فلسطينَ المحتلةِ من البحرِ الأبيضِ المتوسطِ في أيِّ منطقةٍ تطالُها القوات المسلحة”، والقسم الثاني يتمثل ب” بفرضِ عقوباتٍ شاملةٍ على جميعِ سُفُنِ الشركاتِ التي لها علاقةٌ بالإمدادِ والدخولِ للموانئِ الفلسطينيةِ المحتلةِ من أيِّ جنسيةٍ كانتْ ومنعُ جميعَ سُفُنِ هذه الشركاتِ من المرورِ في منطقةِ عملياتِ القواتِ المسلحةِ وبغضِّ النظرِ عنْ وجهتِها”.

وكانت هذه المرحلة أشد وطأة على الكيان الإسرائيلي وداعميه سواءً من ناحية كثافة الهجمات والخسائر، أو من ناحية توسيع النطاق، من خلال استهداف السفن المتجهة إلى موانئ الكيان في البحر الأبيض المتوسط.

أما المرحلة الخامسة التي تم تدشينها في 19 يوليو الماضي باستهداف يافا المحتلة “تل أبيب” بطائرة “يافا” فقد كانت بمثابة صاعقة حلّت على الكيان وقد وصفتها صحيفة كالكاليست العبرية بالقول:” إن كل براءة اختراع تمكن الرأس اليهودي من اختراعها والجيب اليهودي من شرائها اخترقتها طائرة يمنية بعملية ذكية”.

وبالنظر إلى المراحل التصعيدية الخمس نجد أنها ارتكزت على عنصر المفاجأة للأعداء وعدم التردد في توسيع حلقات التصعيد والثبات في وجه الضغوط الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية وعدم الانسياق وراء قواعد الاشتباك التي يحددها العدو، بل إن اليمن هو من حدد القواعد ويحددها، واعتماد سياسة الهجوم بدلاً عن الدفاع، ولاننسى أهم العناصر التي فعّلها اليمن في هذه المعركة، والمتمثل بالإسناد الشعبي غير المسبوق لكل المراحل والعمليات التي تقوم بها القوات المسلحة اليمنية.

وفي كل المراحل كانت القوات المسلحة تعمل على تغييرات في تكتيكاتها العسكرية في الدفاع والهجوم، وتحرص على استخدام أسلحة جديدة بين فينةً وأخرى، ومنذ بداية العمليات كان هناك تطوير مستمر للقدرات العسكرية، حيث تم الإعلان خلال هذه المرحلة عن أسلحة جديدة أهمها صاروخ “حاطم2” فرط الصوتي، ما يعني أن القوات المسلحة استفادت من هذه المعركة كثيراً في إنتاج أسلحة نوعية قادرة على فرض معادلات جديدة في أي معركة قادمة.

مقالات مشابهة

  • مستشار سابق في البنتاغون: الحوثيون قتلوا 70 من القوات الخاصة الإسرائيلية والأمريكية بكمين محكم
  • كيف قضى الحوثيون على 70 من نخبة القوات الإسرائيلية والأمريكية في دقائق؟ مسؤول أمريكي يكشف التفاصيل
  • سي إن إن: 3.5 مليار دولار من واشنطن لإسرائيل من أجل شراء أسلحة
  • إدارة بايدن تستأنف مبيعات الأسلحة إلى السعودية مع صمود هدنة اليمن
  • هيومن رايتس ووتش تنتقد حجب تركيا لإنستغرام
  • مراحل التصعيد اليمني … نموذج مثالي في إدارة المعارك
  • الحوثيون يستهدفون سفينة بقذيفة "آر بي جي" قبالة المخا باليمن
  • رايتس ووتش: أعمال الشغب ببريطانيا نتيجة للخطاب المناهض للمسلمين والمهاجرين
  • الحوثيون يعلنون عن غارات جديدة على الحديدة
  • رايتس ووتش تطالب بحماية العمالة في الخليج.. يعانون من الحر الشديد