الحلول من الخارج والعراقيل في الداخل

خالد فضل

صحيح من ناحية نفسية قد يمتعض الإنسان عندما يكتشف عجزه عن حل مشكلة ما واجهته في حياته حتى أتاه الحل من خارجه، ولذلك نجد كثير من الناس يختمون موافقتهم على حل ما بالقول ( والله قبلت الحاجة دي عشان تدخل فلان ده ) حتى في حالات الخلاف بين الأزواج في البيت الواحد ، تغلق أبواب التفاهم بين الطرفين لحين تدخل طرف ثالث يدير المفاتيح فتشرع الأبواب.

الحياة العامة وشؤون البلد كلها هي صورة مكبرة فقط من حياة أسرة أو أفراد في المجتمع , فما هي الدولة والوطن غير مجموع الناس الذين يقطنونه ؟.

من هذه الزاوية أتصور أنّه من المناسب لنا كسودانيين أن نفكر بعقلانية أكثر،  وأن نطرح كافة الخيارات السلمية المتاحة لنعبر ببلادنا من مأزق الحروب وويلاتها، وبالتالي قد تكون الحلول المعقولة تأتي من الخارج بعد إنغلاق أبواب التفاهم الداخلي، علينا أن نتذكر دوما أنّ تاريخ بلادنا منذ بداية تشكل ملامح خريطته المكانية الحالية هو تاريخ الحلول الخارجية، وفي أجواء ظلت مواتية لهذه الحلول لجهة العجز عن إيجاد معادلة محلية أو من الداخل لمعالجة المآزق والمطبات والعراقيل الداخلية التي يتم نصبها من السودانيين أنفسهم.

لقد إرتبط تأريخ بداية ملامح الدولة الوطنية في السودان الحالي بالغزو التركي المصري في عشرينات القرن التاسع عشر، قبل ذلك التاريخ لم يعرف سكان الأراضي التي احتلتها لاحقا ما عرف بجمهورية السودان، لم يعرفوا سلطة مركزية بعاصمة واحدة، اسم تلك السلطة (حكومة السودان)، كانت هناك ممالك وسلطنات وعمد وشراتي ومشايخ يحوز كل منهم على مساحة أرض ويتسمى باسم معين، هنا سلطنة الفونج أو السلطنة الزرقاء في أواسط السودان الحالي وجنوبه الشرقي، هناك في كردفان سلطنة المسبعات، ثم في دارفور سلطنة الفور التي تتداخل مع سلطنة وداي، هناك على نهر النيل ثمّ مكوك للجعليين والشايقية والدناقلة، وفي معظم الأوقات كانت هناك نزاعات وتقاطعات بين هذه المسميات وتنازع على السيطرة والنفوذ والثروة والسلطة، أزال التدخل الخارجي هذه المسميات كلها ضربة لازب لصالح (حكومة السودان) وهذه كانت من بواكير خلق الأسطورة الراهنة عن السودان وطنّا !!.

شبّت الثورة المهدية وبالفعل وجد الإمام المهدي البنية التحتية للبلد قد تأسست، وأقصد بها وجود بلد يحمل مسمى السودان، وبه مجموعات من السكان يتقسمون على عشائر وقبائل، ويلتفون _أغلبهم_ حول مشايخ طرق دينية اسلامية اسمها الصوفية، في مناطق السودان الأوسط والشمالي والغربي والشرقي، فيما كان الجنوب وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق تسود في معظمها الروحانية الإفريقية المحلية وقليل من المسيحية، البنية التحتية للسودان ذات سمة تعددية إذن ومن أمشاج التأسيس إلى يوم الناس هذا .

فشلت الدولة المهدية بعد سيطرتها على الحكم في العاصمة السودانية وفرض نفوذها على معظم الأراضي الموروثة من الحكم الأجنبي (المصري /التركي) ولم تقدّم لشعث السودانيين الملتئم حديثا ما يقنعهم بجدوى الدولة الوطنية المستقلة الموحّدة، غلبت عليها الصبغة الدينية وفق التصور المهدوي، وسادت فيها الجهوية بتقريب أبناء الغرب دون سواهم , ومارست الديكتاتورية فلم يسمح برأي آخر أو تعددية سياسية أو فكرية، لهذا ومع العراقيل الداخلية المنصوبة أمام السودانيين كان التطلع لحلول الخارج حاضرا، وعبّر أحد شعراء منطقة البطانة عن ذلك بندائه المشهور،يا أبوي النقز يا الإنجليز ألفونا ؛ إنّه اليأس من الداخل المفضي طبيعيا للتطلع إلى الخارج وحلوله الموضوعية في معظم الأحوال !!.

ومنذ الإستقلال عن الإستعمار الثنائي في الغام 1956م ، لم يعني الإستقلال لكثير من السودانيين شيئا سوى استبدال قهر بقهر وظلم بظلم , ولهذا نشأت التمردات الكثيرة في أنحاء البلاد المختلفة، وظلّت أبواب الحلول الداخلية موصدة , والعراقيل الوطنية تنصب دوما، تارة باسم الإسلام ومرة باسم الوطنية، وظلّ التطلع لحلول الخارج هو السمة البارزة، وماذا يفعل الناس عندما توصد أمامهم أبواب بيوتهم , ماذا يفعل الزوجان عندما ينغلق بينهما التفاهم، بل ماذا تعني السيادة الوطنية عندما تُداس كرامة الناس بوساطة من يفترض يتشاركون معه الوطن وسيادته وروحه , المثالية قد لا تعني شيئا لمكروب ومجروح ومهان، إنّه يرجو الحل ولو من الخارج، فالخارج لا يضج بالأعداء كما يصوره الباطش الداخلي، الخارج في معظم الأوقات السودانية العصيبة كان هو طائرات الإغاثة وبرنامج الغذاء العالمي وشريات الحياة ، كان أديس أبابا ونيفاشا وأبوجا وأسمرا والدوحة والقاهرة وفرانكفورت وسويسرا وجوبا _مؤخر_ كان الخارج هو الإيقاد والإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة واليوناميس واليوناميد واليونسفا والجي إم سي واليونسيف واليونسكو، هيلاسي لاسي وسمبويا وموسيفيني وكيباكي وخليفة بن حمد وابوسانجو وحسني مبارك والملك سلمان وآبي أحمد وسمبويا وزوليك وبايدن والرباعية والثلاثية والثنائية واليوناتمس وفولكر، الخارج يقدم المقترحات يسهل المفاوضات يجهز القاعات ويخرج الإحتفالات، ونحن هنا ننقض عهدا إثر عهد إتفاقا بعد إتفاق نتملص من الإلتزامات ومع ذلك نردح ليل صباح ب( السادة الوطنية) !!!!.

 

الوسومالحلول الخارج الداخل خالد فضل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحلول الخارج الداخل خالد فضل

إقرأ أيضاً:

الفاشر.. او على السودان السلام

حينما التقيت الرئيس الاريتري أسياس افورقي فى يناير المنصرم ضمن مجموعة من زملائي الاعلاميين السودانيين باسمرا ، لاحظت انه كان كثير التركيز على “معركة الفاشر”، مع استيعاب متقدم لطبيعة الحرب ، فهي عند افورقي نزاع اقليمي يستهدف السودان، وينبغي التعامل معه بالجدية اللازمة وليست مجرد تمرد على الجيش، افورقي كان يحذرنا برؤية الجنرال الافريقي العظيم من ان الدولة السودانية تواجه تحدي البقاء او الفناء وان التصدي لهذا الخطر يبدا من بوابة دارفور..

كان هذا الحديث قبل 3 اشهر ، وقبل ان يصل الهجوم على فاشر السلطان الى الرقم 202 امس ، فالرجل وبخبرة المعارك الكبيرة سبق الجميع وهو يؤكد ان الفاشر هي بوابة اجتياح السودان وان الحرب تبدا من هناك رغم مظاهر الفوضوية والدمار فى الخرطوم والجزيرة وسنار ومناطق اخرى.

اذكر يومها ان الرئيس الاريتري قال كلاما كثيرا لم يخرج للناس لان “المجالس امانات ” ولكنا استشعرنا جدية طرحه ورؤيته حينما هدد بان بلاده لن تقف مكتوفة الايدي اذا اقتربت الحرب من 4 ولايات حدودية وهي ( القضارف، وكسلا، والبحر الاحمر، والنيل الازرق).

فى كل يوم تتأكد رؤية افورقي مع اصرار التامر اقليمي على تمكين مليشيا الدعم السريع من الفاشر، التى مازالت صامدة بعد الهجوم ( 202) ، كل السودان وليست الشمالية ونهر النيل فقط مثلما هدد المتمرد عبدالرحيم دقلو سيكون هدفا سهلا للجنجويد وكفلائهم اذا ما قدر لهم الوصول الى الفاشر .

وازاء هذا الخطر الماثل والمستمر والمعلوم تتمدد كثير من الاسئلة ، وابرزها ما الذى يؤجل فك حصار الفاشر؟! ، ولماذا لانلمس حتى الان استراتيجية عسكرية كبيرة لانجاز هذا الامر على النحو الذى يخرج المدينة من مربع الدفاع عن اسوارها الى مرحلة كنس الجنجويد ومهاجمتهم بضراوة وانهاء خطر وجودهم المهدد للفاشر البوابة التى يسعى عبرها ال دقلو للعودة الى واجهة الاحداث من جديد.

بالامس نفذت المليشيا مجزرة جديدة فى الفاشر وهي تهاجم معسكر ابو شوك للنازحين وتقتل مئة نفس بريئة بينها اطفال طلاب خلاوي ونساء وعجزة، حتى طواقم المنظمات الاجنبية جميعهم حصدتهم المدافع بلا رحمة ، بينما كان بواسل الفرقة السادسة والقوات المشتركة والمستنفرين من ابناء المدينة يصدون هجوما شرسا ، فاقم من الازمة الانسانية وقدم دليلا جديدا على عظمة انسان الفاشر وهو يفدي السودان ويفشل مؤامرات الجنجويد ببسالة وفدائية سيوثقها التاريخ..

ولكن هل يكفي ان نجعلهم يموتون كل يوم على اسوار المدينة ، ونكتفي بكلمات الاشادة، والاحتفاء بقصص البطولات لتى ظل يسطرها شباب وميارم الفاشر ، ومواطنوها الشجعان..
ما يحدث في زمزم والفاشر ضد المواطنين جريمة مكتملة الأركان تؤكد ان التعويل على المجتمع الدولي ومؤسساته رهان خاسر، وان الفاشر تحتاج ونظرا لاوضاع مواطنيها اولا وـ استراتيجيتها واهميتها- فى معركة بقاء السودان ان نتعامل مع حصارها بطريقة مختلفة تقفز بها الى صدارة المشهد الحربي ، لان سقوطها لاقدر الله سيكون كارثة ووبالا على الدولة السودانية.

الاجتماع المهم الذى جمع الوزير محمد بشير ابونمو القيادي الابرز فى حركة تحرير السودان مع “اسد العمليات” الفريق اول ياسر العطا امس ، يفتح كوة الامل فى تفكير عملي وجديد يخاطب اوضاع المدينة التى يهددها التمرد ويعمل جاهدا على اجتياحها ، حتى تسهل مهمة اسقاط الدولة فى يد الجنجويد والمرتزقة وكفلائهم الاقليميين..

يعلم “اولاد دقلو” ان استمرار الشريان الاماراتي الذى يغذيهم بالمال والسلاح رهين باسقاط الفاشر، فقد ابلغتهم ابوظبي رسميا انها لن تمول التمرد او تعول عليه مالم يستلم المدينة ويتخذها منصة لاعلان حكومة الجنجويد فى دارفور واجتياح بقية مناطق السودان…

نعم فك الحصار عن مدينة الفاشر وتقديم الدعم العاجل لأهلها يجب أن يكون في صدارة أولويات المرحلة القادمة باعتباره واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا ، فمعركة اجتياح السودان بعد فشل الخطة الاولى للجنجويد تبدا من فاشر السلطان، وعلى الدولة ان تضع ترتيباتها العسكرية على هذه الفرضية، وبلا تاخير او ابطاء.

هلموا الى معركة الفاشر العظيمة ، فضياع المدينة سيعيد الجنجويد الى الواجهة، وسيجعل من انتصارات الجيش فى الخرطوم والجزيرة وسنار بلاقيمة، ونامين المدينة سيعزز النصر ويفتح على الدولة السودانية ابواب الامن والاستقرار.. علينا التفكير الان فى كسر حصار الفاشر، واثق ان جيشنا البطل والقوات المشتركة والمساندة الاخرى لن تعجزها الفاشر الصابرة الصامدة المحتسبة، والتى تنتظر القيادة الان لاتخاذ قرارات حاسمة تنهي مغامرات ال دقلو وتكسر الحصار وتؤمن الانتصار..
*هلموا الي الفاشر…*
*وكل “القوة الفاشر جوة”*
*وما النصر الا من عند الله..*
محمد عبدالقادر
محمد عبدالقادر

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • «الوطني» يتبنى 8 ملاحظات و 11 توصية حول تعزيز الإعلام الحكومي لترسيخ الهوية الوطنية
  • بعد مرور عامين على حرب السودان … كيف أثرت على حياة المدنيين ؟
  • نائب رئيس محكمة النقض: مصر نجحت في مكافحة خطاب الكراهية وحماية مفهوم الدولة الوطنية
  • 6 جهات مسئولة عن مزاولة نشاط إلحاق العمالة في الداخل أو الخارج.. وهذه عقوبة المخالفين
  • مزيان: أبواب الوزارة ستظل مفتوحة أمام المنظمة الوطنية للصحافيين الجزائريين
  • الفاشر.. او على السودان السلام
  • وزير الاستثمار: منفتحون على طرح الشركات التابعة للخدمة الوطنية في البورصة
  • نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري يتفقد محاضرات التربية الوطنية
  • خطف مواطنين من القاع الى الداخل السوري.. اليكم التفاصيل
  • ما دور الطرق الصوفية في السياسة المصرية؟ وكيف تمكنت الدولة من احتوائها؟