صحيفة أثير:
2025-03-04@12:07:31 GMT

قانونيًا: ما موانع المسؤولية الجنائية؟

تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT

قانونيًا: ما موانع المسؤولية الجنائية؟

مسقط-أثير
إعداد: خالد بن سالم المريكي، محامِ وباحث ماجستير في القانون الجزائي بجامعة السلطان قابوس

مما لا شك فيه بأن تمام الجريمة كأصل عام يكون من بعد توافر ركنيها المادي والمعنوي، الأمر الذي يؤدي إلى قيام المسؤولية الجنائية ضد مرتكبها ومن ثم عقابه، وهذا كقاعدة عامة، لكن يدخل على تلك القاعدة ما يُسمى بموانع المسؤولية الجنائية ضد شخص مرتكب الفعل المجرم قانونًا، ويكون ذلك في حالة اختلال أحد شروط توافر المسؤولية الجنائية وهما الإدراك والإرادة والتي هي بطبيعة الحال تمثل عناصر الركن المعنوي للجريمة؛ لذا فإن عدم توافر أحد هذين الشرطين في شخص مرتكب الجريمة يؤدي إلى عدم مُساءلته جزائيًا، فموانع المسؤولية الجنائية ذات طبيعة شخصية، فهي تتصل بالفاعل ولا شأن لها بالجريمة ذاتها، مما يترتب على ذلك أنها لا تنتج أثرها إلا فيمن توافرت فيه من الجناة فاعلين كانوا أم شركاء، وبالتالي فإن الأثر المترتب على توافر موانع المسؤولية هو إسقاطها عن مرتكبها الأمر الذي بلا شك سيؤدي إلى زوال العقوبة المقررة للفعل المرتكب والمجرم قانونًا.

كما أنه ولكي يتحقق أثر مانع المسؤولية الجنائية فإنه لا بد من أن يكون متحققا وقت ارتكاب الجاني لفعله وليس وقت تحقق النتيجة الإجرامية كون توافر المانع بعد تحقق نتيجة الجريمة لا يعفي الجاني من إيقاع العقاب عليه.

وفي سبيل حديثنا حول موضوع هذا المقال عبر “أثير”، فإن معظم التشريعات العربية على وجه العموم والمشرع العُماني على وجه الخصوص أعملوا نصوص مواد خاصة تعني بعدم ترتيب أي مُساءلة جزائية لفئات معينة تم حصرها، ومنها ما نص عليها المشرع العُماني في المواد (49 ، 50 ، 51) من قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم: 7/2018م ، والتي يمكن حصرها في صغر السن والجنون أو عاهة العقل، والغيبوبة الناشئة عن سكر أو تخدير غير اختياري والضرورة الملجئة والإكراه.

وصغير السن الذي لم يتم التاسعة من عمره لا يمكن مُساءلته جزائيا، وذلك لطبيعة الوضع الذي هو فيه من عدم الوعي الفكري وعدم الإدراك للأفعال التي يقوم بها، لكن الأمر لم يُترك بلا قيود بل رتب المشرع العُماني بموجب قانون مساءلة الأحداث الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 30/2008م العديد من التدابير التي يتم إعمالها في حالة قيام صغير السن الذي لم يتم التاسعة من عمره لأي فعل مجرم قانونا وبالأخص في حالة ارتكابه جريمة من نوع الجناية أو الجنحة، الذي عدّه القانون وأطلق عليه في مثل هذه الحالة مصطلح الحدث المعرض للجنوح، وبالتالي يتم التعامل معه بأحد التدابير المنصوص عليها في المادة (15/ أ،ب) من قانون مساءلة الأحداث كأن يتم تسليمه إلى أبويه أو حدهما لرعايته، أو لمن له ولاية أو وصاية عليه، أو أحد أفراد أسرته أو أقاربه، أو أسرة بديلة تتعهد برعايته، أو يتم إيداعه في دار توجيه الأحداث أو أية جهة معتمدة لرعايته. كما نص القانون على جواز توبيخه وتحذيره لضمان عدم العودة لارتكاب الفعل المجرم قانونا مرةً أخرى.

كذلك الأمر بالنسبة للجاني مرتكب الفعل المجرم قانونا والمصاب بالجنون أو بعاهة عقلية، حيث إن المتعارف عليه فقها وقانونا بأن خطاب القانون يوجه للأشخاص الذين يمتلكون القدرة على فهم مضمونه، وهذا ما يبرر إيقاع العقاب عليهم في حالة المخالفة، وفي المقابل من ذلك فإن قيام المجنون أو المصاب بعاهة عقلية بارتكاب فعل مجرم قانونا فإن نص العقاب لا يسري في حقه لفقده الإدراك حينها وكون إرادته مسلوبة وقت ارتكابه الفعل المجرم، وهذا ما نص عليه المشرع العُماني في المادة (50) من قانون الجزاء (لا يسأل جزائيا من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الإدراك أو الإرادة لجنون ، أو عاهة في العقل..) ، وفي المقابل من ذلك فإن المصاب بعاهة الحمق مثلا أو السفه والتي هي بطبيعتها لا تؤدي إلى فقد الإدراك أو الاختيار ، فإن صدور الأفعال المجرمة منه لا تمنع من مُساءلته جزائيا، كون حدود المسؤولية تكون بمقدار ما احتفظ به الجاني من إدراك أو اختيار يكفي لفهم أعماله وتوجيه إرادته. كما أنه لا يكفي القول بإصابة الجاني بالجنون أو بعاهة عقلية حتى يتم إعفاؤه من المسؤولية الجنائية، إذ إن المشرع اشترط بأن يكون فاقدا للإدراك والإرادة وقت ارتكابه الفعل المجرم، وخلافه يكون مسؤولا عما أتاه من أفعال مجرمة.

كذلك تكون المسؤولية الجنائية غير منطبقة على الجاني الفاقد لإرادته أو لإدراكه بسبب تعاطيه المواد المسكرة أو المخدرة قسرا عنه أو بغير علم منه ، فقد نصت المادة (50) من قانون الجزاء السالف بيانها (لا يسأل جزائياً من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الإدراك أو الإرادة لجنون… أو غيبوبة ناشئة عن عقاقير أو مواد مخدرة أو مسكرة أياً كان نوعها ، أعطيت قسراً عنه أو تناولها بغير علم بها ، أو لأي سبب آخر يقرر العلم أنه يفقد الإدراك أو الإرادة) ، فالواضح من نص القانون بأن المسؤولية الجنائية لا تقع على الجاني الفاقد لإرادته وإدراكه بسبب تعاطيه مواد مسكرة أو مخدرة أو غير ذلك من المواد بطريقة قسرية أُرغم على أخذها ، فمثلاً في حالة إرغام أحد الأشخاص على تعاطي المواد المخدرة قسرا عنه ، أو تهديده بإيقاع الأذى عليه أو على عزيزا عنده في حالة امتناعه عن أخذ المادة المخدرة، فهُنا يكون الشخص قد تعاطى تلك المواد التي أدت إلى فقده للإدراك والإرادة في حالة تحقق ذلك فعليا، وبالتالي فإن الأفعال التي تصدر منه تؤدي إلى عدم مُساءلته جزائيًا.
ولم يغفل المشرع عن الأفعال التي تُرتكب في حالة الضرورة، فقد نص في المادة (51) من قانون الجزاء السالف بيانها على (فيما عدا جرائم القتل ، لا يعاقب من ارتكب جريمة ألجأته إليها ضرورة وقاية نفسه أو ماله أو عرضه ، أو نفس غيره أو ماله أو عرضه من خطر جسيم على وشك الوقوع ، ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ، …ويشترط… ألا يكون في مكنة مرتكب الجريمة منع الخطر بوسيلة أخرى ، وأن تكون الجريمة بالقدر الضروري لدفعه ومتناسبة معه) ، فمعنى كل ذلك أن يواجه الشخص خطرا حالا عليه دون سابق إنذار فيضطر لاتخاذ السُبل والوسائل لدفعه سواءً عن نفسه وماله أو نفس ومال الغير، كأن يتم كسر شباك أحد المنازل شب الحريق فيه لإنقاذ من بداخله، عندها يكون الفعل المرتكب من الجاني كما أورده المشرع لا عقاب عليه باستثناء الجريمة الناتج عنها إزهاق روح إنسان وذلك لخطورة هذه الجريمة وطبيعتها إلا أن المشرع أعمل لها نصا خاصاً للعقاب (م 301/2) خلافاً لنصوص العامة لجرائم القتل العمد أو الخطأ المنصوص عليهما في قانون الجزاء ، فحالة الضرورة كما عرفها البعض بأنها ظرف أو موقف يحيط بالإنسان ويجد فيه نفسه أو غيره مهددا بخطر جسيم يوشك أن يقع ولا سبيل أمامه للخلاص منه إلا بارتكاب جريمة وهي ما يطلق عليها جريمة الضرورة.

وأخيرًا، فإن قيام أي شخص بارتكاب أي فعل مجرم قانونا بطريق الإكراه الواقع عليه سواءً كان ذلك الإكراه مادياً أو معنوياً فإنه يكون في مثل هذه الحالة غير مسؤول جزائياً لانتفاء إرادته بشأن إتيانه الفعل المجرم، وذلك ما نصت عليه المادة (51) من قانون الجزاء السالف بيانها في الجزء الأخر منها (لا يعاقب من ألجئ إلى ارتكاب جريمة بسبب إكراه مادي أو معنوي …) ، فمثلا في حالة قيام أحد اللصوص بتهديد موظف الصرافة بالقتل بغية الحصول منه على الرقم السري للخزانة الموجود بها المال، فإن قيام الموظف الواقع تحت التهديد بتسليم اللص ما يُريد فإن فعله (الموظف) يكون خارج عن المسؤولية الجنائية كونه قام بالفعل رغما عن إرادته لدفع خطر حادق قد يحصل عليه وهو وفاته بعد إطلاق النار عليه من قبل اللص.

وفي ختام هذا المقال عبر “أثير” نود التوضيح بأن جميع حالات موانع المسؤولية الجنائية التي تم بيانُها أعلاه يتم إعمالها على من توافرت لديه وقت ارتكابه للفعل المجرم قانونا، وتبيان توافرها من عدمه يعود للسلطة المطلقة لمحكمة الموضوع (المحكمة الناظرة للدعوى)، بمعنى لا يؤخذ بدفع الجاني بتوافر إحدى تلك الحالات لديه وقت ارتكابه للفعل المجرم، وإنما يتم إعمال ما تتوصل إليه قناعة المحكمة بشأن ذلك.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: المسؤولیة الجنائیة فی حالة

إقرأ أيضاً:

بعد إزاحته من اتصالات المغرب.. أحيزون يصارع البقاء على رأس جامعة ألعاب القوى

زنقة 20 | الرباط

تعالت مؤخرا دعوات لاقالة عبد السلام أحيزون، رئيس الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى بعد 19 عاما على رأس الجامعة.

وتجددت الدعوات لاستقالة أو إقالة أحيزون من اتحاد ألعاب القوى، بعد إزاحته من رئاسة اتصالات المغرب، وهو المنصب الذي شغله لمدة 27 عاما.

و يعمل أحيزون حاليا على خوض حملة للفوز بولاية سادسة على رأس جامعة ألعاب القوى، ليحطم بذلك الرقم القياسي ، متجاوزا الراحل الجيلالي العوفير، الذي قاد الجامعة من 1957 إلى 1971، لمدة 14 عاما.

وعرفت ألعاب القوى المغربية شهرة واسعة في عام 2005، قبل تعيين أحيزون رئيسًا للجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى.

وفي تلك السنة، حصد المغرب ثلاث ميداليات، ميدالية ذهبية بفضل جواد غريب في الماراثون، وميداليتين فضيتين بفضل حسناء بن حاسي (800 متر) وعادل الكوش (1500 متر) على التوالي خلال مشاركته في النسخة العاشرة من بطولة العالم في هلسنكي.

و منذ عام 2006، عندما تولى أحيزون المنصب، بدأت ألعاب القوى المغربية تنحدر تدريجيا إلى الهاوية.

ولم يتمكن المغرب من الحصول على بطاقة التأهل لنسخ برلين 2009 ودايجو 2011 وموسكو 2013.

في عام 2015، فاز عبد العاطي إيكيدير بميدالية في بكين 2015. وحقق سفيان البقالي بعد ذلك ميدالية ذهبية في سباق 3000 متر موانع في نسخة لندن 2017 و البرونزية في الدوحة 2019.

وأنقذ سفيان البقالي بعد ذلك شرف ألعاب القوى المغربية في أوجين 2022، بفوزه بالميدالية الذهبية الأولى في عهد أحيزون، بفوزه بسباق 3000 متر موانع.

وفي عام 2023، عادت ألعاب القوى المغربية إلى الحياة من جديد: ميداليتان حصل عليهما في بطولة العالم في بودابست، بفضل سفيان البقالي في سباق 3000 متر موانع وفاطمة الزهراء الكردادي في سباق الماراثون للسيدات.

2024: انتهت مشاركة الرياضيين المغاربة في الألعاب الأولمبية بباريس بفشل جميع المشاركين في الحصول على اي ميدالية.

و لم يتمكن سوى البطل العالمي والأولمبي سفيان البقالي من إنقاذ شرف ألعاب القوى المغربية بعد انتكاسات عديدة.

بالإضافة إلى الأداء الضعيف لفترات طويلة، هزت فضائح المنشطات جامعة ألعاب القوى.

في مارس 2020، حذر الاتحاد الدولي لألعاب القوى المغرب من حالات المنشطات التي تورط فيها بعض العدائين المغاربة.

و تم وضع المملكة على قائمة الدول الأكثر مراقبة فيما يتعلق بالمنشطات.

وحثت وحدة نزاهة ألعاب القوى الاتحاد المغربي لألعاب القوى على مضاعفة جهوده لمكافحة تهديد المنشطات المتزايد.

وبسبب العقوبات، منع رياضيون مثل أمين لعلو (1500 متر)، وحنان أوحادو (3000 متر موانع)، وعبد الرحيم الغومري (الماراثون)، ويحيى برابح (القفز الطويل)، عن المشاركة في الألعاب الأولمبية في لندن.

مقالات مشابهة

  • لو عليك فلوس للدولة.. إجراءات تسوية المبالغ بمشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد
  • تغريم المستشكل 500 جنيه في هذه الحالة بمشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد
  • أفخاخ سياسية أم إنجاز قانوني؟ .. تحليل مستفيض لقانون الحشد الشعبي
  • أفخاخ سياسية أم إنجاز قانوني؟ .. تحليل مستفيض لقانون الحشد الشعبي- عاجل
  • رئيس دفاع الشيوخ في حواره لـ« صدى البلد»: قانون الإجراءات الجنائية دستور جديد للحقوق.. مصر قادرة على إجهاض مخطط التهجير.. والقمة العربية الطارئة كشف حساب للمجتمع الدولي
  • قانون الإجراءات الجنائية.. تعرف على حالات التلبس ومأموري الضبط القضائي
  • العنوان مش مفهوم ؟؟؟؟؟ الحبس الاحتياطي.. وطه بدائله والتعويض عنه في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد بعد إقراره في المجموع
  • حماية الشهود والتزامات الحضور.. تفاصيل جديدة يقرها مشروع قانون الإجراءات الجنائية
  • بعد إزاحته من اتصالات المغرب.. أحيزون يصارع البقاء على رأس جامعة ألعاب القوى
  • متى يكون التلبس واختصاصات مأموري الضبط القضائي بمشروع القانون الجديد