صحيفة أثير:
2024-10-03@18:11:03 GMT

قانونيًا: ما موانع المسؤولية الجنائية؟

تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT

قانونيًا: ما موانع المسؤولية الجنائية؟

مسقط-أثير
إعداد: خالد بن سالم المريكي، محامِ وباحث ماجستير في القانون الجزائي بجامعة السلطان قابوس

مما لا شك فيه بأن تمام الجريمة كأصل عام يكون من بعد توافر ركنيها المادي والمعنوي، الأمر الذي يؤدي إلى قيام المسؤولية الجنائية ضد مرتكبها ومن ثم عقابه، وهذا كقاعدة عامة، لكن يدخل على تلك القاعدة ما يُسمى بموانع المسؤولية الجنائية ضد شخص مرتكب الفعل المجرم قانونًا، ويكون ذلك في حالة اختلال أحد شروط توافر المسؤولية الجنائية وهما الإدراك والإرادة والتي هي بطبيعة الحال تمثل عناصر الركن المعنوي للجريمة؛ لذا فإن عدم توافر أحد هذين الشرطين في شخص مرتكب الجريمة يؤدي إلى عدم مُساءلته جزائيًا، فموانع المسؤولية الجنائية ذات طبيعة شخصية، فهي تتصل بالفاعل ولا شأن لها بالجريمة ذاتها، مما يترتب على ذلك أنها لا تنتج أثرها إلا فيمن توافرت فيه من الجناة فاعلين كانوا أم شركاء، وبالتالي فإن الأثر المترتب على توافر موانع المسؤولية هو إسقاطها عن مرتكبها الأمر الذي بلا شك سيؤدي إلى زوال العقوبة المقررة للفعل المرتكب والمجرم قانونًا.

كما أنه ولكي يتحقق أثر مانع المسؤولية الجنائية فإنه لا بد من أن يكون متحققا وقت ارتكاب الجاني لفعله وليس وقت تحقق النتيجة الإجرامية كون توافر المانع بعد تحقق نتيجة الجريمة لا يعفي الجاني من إيقاع العقاب عليه.

وفي سبيل حديثنا حول موضوع هذا المقال عبر “أثير”، فإن معظم التشريعات العربية على وجه العموم والمشرع العُماني على وجه الخصوص أعملوا نصوص مواد خاصة تعني بعدم ترتيب أي مُساءلة جزائية لفئات معينة تم حصرها، ومنها ما نص عليها المشرع العُماني في المواد (49 ، 50 ، 51) من قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم: 7/2018م ، والتي يمكن حصرها في صغر السن والجنون أو عاهة العقل، والغيبوبة الناشئة عن سكر أو تخدير غير اختياري والضرورة الملجئة والإكراه.

وصغير السن الذي لم يتم التاسعة من عمره لا يمكن مُساءلته جزائيا، وذلك لطبيعة الوضع الذي هو فيه من عدم الوعي الفكري وعدم الإدراك للأفعال التي يقوم بها، لكن الأمر لم يُترك بلا قيود بل رتب المشرع العُماني بموجب قانون مساءلة الأحداث الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 30/2008م العديد من التدابير التي يتم إعمالها في حالة قيام صغير السن الذي لم يتم التاسعة من عمره لأي فعل مجرم قانونا وبالأخص في حالة ارتكابه جريمة من نوع الجناية أو الجنحة، الذي عدّه القانون وأطلق عليه في مثل هذه الحالة مصطلح الحدث المعرض للجنوح، وبالتالي يتم التعامل معه بأحد التدابير المنصوص عليها في المادة (15/ أ،ب) من قانون مساءلة الأحداث كأن يتم تسليمه إلى أبويه أو حدهما لرعايته، أو لمن له ولاية أو وصاية عليه، أو أحد أفراد أسرته أو أقاربه، أو أسرة بديلة تتعهد برعايته، أو يتم إيداعه في دار توجيه الأحداث أو أية جهة معتمدة لرعايته. كما نص القانون على جواز توبيخه وتحذيره لضمان عدم العودة لارتكاب الفعل المجرم قانونا مرةً أخرى.

كذلك الأمر بالنسبة للجاني مرتكب الفعل المجرم قانونا والمصاب بالجنون أو بعاهة عقلية، حيث إن المتعارف عليه فقها وقانونا بأن خطاب القانون يوجه للأشخاص الذين يمتلكون القدرة على فهم مضمونه، وهذا ما يبرر إيقاع العقاب عليهم في حالة المخالفة، وفي المقابل من ذلك فإن قيام المجنون أو المصاب بعاهة عقلية بارتكاب فعل مجرم قانونا فإن نص العقاب لا يسري في حقه لفقده الإدراك حينها وكون إرادته مسلوبة وقت ارتكابه الفعل المجرم، وهذا ما نص عليه المشرع العُماني في المادة (50) من قانون الجزاء (لا يسأل جزائيا من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الإدراك أو الإرادة لجنون ، أو عاهة في العقل..) ، وفي المقابل من ذلك فإن المصاب بعاهة الحمق مثلا أو السفه والتي هي بطبيعتها لا تؤدي إلى فقد الإدراك أو الاختيار ، فإن صدور الأفعال المجرمة منه لا تمنع من مُساءلته جزائيا، كون حدود المسؤولية تكون بمقدار ما احتفظ به الجاني من إدراك أو اختيار يكفي لفهم أعماله وتوجيه إرادته. كما أنه لا يكفي القول بإصابة الجاني بالجنون أو بعاهة عقلية حتى يتم إعفاؤه من المسؤولية الجنائية، إذ إن المشرع اشترط بأن يكون فاقدا للإدراك والإرادة وقت ارتكابه الفعل المجرم، وخلافه يكون مسؤولا عما أتاه من أفعال مجرمة.

كذلك تكون المسؤولية الجنائية غير منطبقة على الجاني الفاقد لإرادته أو لإدراكه بسبب تعاطيه المواد المسكرة أو المخدرة قسرا عنه أو بغير علم منه ، فقد نصت المادة (50) من قانون الجزاء السالف بيانها (لا يسأل جزائياً من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الإدراك أو الإرادة لجنون… أو غيبوبة ناشئة عن عقاقير أو مواد مخدرة أو مسكرة أياً كان نوعها ، أعطيت قسراً عنه أو تناولها بغير علم بها ، أو لأي سبب آخر يقرر العلم أنه يفقد الإدراك أو الإرادة) ، فالواضح من نص القانون بأن المسؤولية الجنائية لا تقع على الجاني الفاقد لإرادته وإدراكه بسبب تعاطيه مواد مسكرة أو مخدرة أو غير ذلك من المواد بطريقة قسرية أُرغم على أخذها ، فمثلاً في حالة إرغام أحد الأشخاص على تعاطي المواد المخدرة قسرا عنه ، أو تهديده بإيقاع الأذى عليه أو على عزيزا عنده في حالة امتناعه عن أخذ المادة المخدرة، فهُنا يكون الشخص قد تعاطى تلك المواد التي أدت إلى فقده للإدراك والإرادة في حالة تحقق ذلك فعليا، وبالتالي فإن الأفعال التي تصدر منه تؤدي إلى عدم مُساءلته جزائيًا.
ولم يغفل المشرع عن الأفعال التي تُرتكب في حالة الضرورة، فقد نص في المادة (51) من قانون الجزاء السالف بيانها على (فيما عدا جرائم القتل ، لا يعاقب من ارتكب جريمة ألجأته إليها ضرورة وقاية نفسه أو ماله أو عرضه ، أو نفس غيره أو ماله أو عرضه من خطر جسيم على وشك الوقوع ، ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ، …ويشترط… ألا يكون في مكنة مرتكب الجريمة منع الخطر بوسيلة أخرى ، وأن تكون الجريمة بالقدر الضروري لدفعه ومتناسبة معه) ، فمعنى كل ذلك أن يواجه الشخص خطرا حالا عليه دون سابق إنذار فيضطر لاتخاذ السُبل والوسائل لدفعه سواءً عن نفسه وماله أو نفس ومال الغير، كأن يتم كسر شباك أحد المنازل شب الحريق فيه لإنقاذ من بداخله، عندها يكون الفعل المرتكب من الجاني كما أورده المشرع لا عقاب عليه باستثناء الجريمة الناتج عنها إزهاق روح إنسان وذلك لخطورة هذه الجريمة وطبيعتها إلا أن المشرع أعمل لها نصا خاصاً للعقاب (م 301/2) خلافاً لنصوص العامة لجرائم القتل العمد أو الخطأ المنصوص عليهما في قانون الجزاء ، فحالة الضرورة كما عرفها البعض بأنها ظرف أو موقف يحيط بالإنسان ويجد فيه نفسه أو غيره مهددا بخطر جسيم يوشك أن يقع ولا سبيل أمامه للخلاص منه إلا بارتكاب جريمة وهي ما يطلق عليها جريمة الضرورة.

وأخيرًا، فإن قيام أي شخص بارتكاب أي فعل مجرم قانونا بطريق الإكراه الواقع عليه سواءً كان ذلك الإكراه مادياً أو معنوياً فإنه يكون في مثل هذه الحالة غير مسؤول جزائياً لانتفاء إرادته بشأن إتيانه الفعل المجرم، وذلك ما نصت عليه المادة (51) من قانون الجزاء السالف بيانها في الجزء الأخر منها (لا يعاقب من ألجئ إلى ارتكاب جريمة بسبب إكراه مادي أو معنوي …) ، فمثلا في حالة قيام أحد اللصوص بتهديد موظف الصرافة بالقتل بغية الحصول منه على الرقم السري للخزانة الموجود بها المال، فإن قيام الموظف الواقع تحت التهديد بتسليم اللص ما يُريد فإن فعله (الموظف) يكون خارج عن المسؤولية الجنائية كونه قام بالفعل رغما عن إرادته لدفع خطر حادق قد يحصل عليه وهو وفاته بعد إطلاق النار عليه من قبل اللص.

وفي ختام هذا المقال عبر “أثير” نود التوضيح بأن جميع حالات موانع المسؤولية الجنائية التي تم بيانُها أعلاه يتم إعمالها على من توافرت لديه وقت ارتكابه للفعل المجرم قانونا، وتبيان توافرها من عدمه يعود للسلطة المطلقة لمحكمة الموضوع (المحكمة الناظرة للدعوى)، بمعنى لا يؤخذ بدفع الجاني بتوافر إحدى تلك الحالات لديه وقت ارتكابه للفعل المجرم، وإنما يتم إعمال ما تتوصل إليه قناعة المحكمة بشأن ذلك.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: المسؤولیة الجنائیة فی حالة

إقرأ أيضاً:

عراقجي: حذرنا أمريكا وأي دولة تفتح أجوائها لاستهداف إيران ستتحمل المسؤولية

بغداد اليوم - متابعة

قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، اليوم الأربعاء (2 تشرين الأول 2024)، إن بلاده حذرت الولايات المتحدة بعد الهجوم الذي شنه الحرس الثوري الليلة الماضية على إسرائيل بعدم التدخل، مبيناً "حذرنا واشنطن بعد الهجوم من التدخل وأكدنا أننا سنتعامل بقوة مع أي تدخل لدعم الكيان الإسرائيلي".

وجدد عراقجي في تصريحات صحفية اطلعت عليها "بغداد اليوم" عقب اجتماع للحكومة الإيرانية نفيه أن تكون طهران قد أبلغت واشنطن قبل الهجوم على إسرائيل، وقال "قبل الهجوم الإيراني لم يكن هناك تنسيق مع الجهات الخارجية".

وحمل عراقجي أي دولة تفتح مجالها الجوي لإسرائيل لشن هجوم على إيران، وقال "أي دولة تفتح مجالها الجوي لاستهدافنا تتحمل المسؤولية".

وأضاف "الليلة الماضية، أرسلنا تحذيرنا صراحة إلى السفارة السويسرية لنقله إلى أمريكا، وإذا كان للكيان الصهيوني أي ردود على العملية فإن ردنا القادم سيكون أكثر شدة"، منوهاً "الهجوم على أهداف أمنية وعسكرية في الكيان الصهيوني أمس كان ناجحا للغاية".

وتابع وزير الخارجية الإيراني "أي دولة تسمح لأعدائنا باستخدام أجوائها ضدنا ستتحمل المسؤولية"، مؤكداً على أن "سياستنا هي دعم المقاومة وسنواصل تقديم دعمنا الكامل".

وأوضح الوزير الإيراني "سياستنا هي دعم حزب الله. المقاومة مدرسة حية ولا تعتمد على الأفراد".

وفي وقت سابق، ذكر وزير الدفاع الإيراني العميد عزيز نصير زاده، إن "على الأوروبيين السيطرة على الكيان الصهيوني وإلا سيواجهون الرد الإيراني"، معتبراً أن "نسبة نجاح عملية الوعد الصادق 2 تجاوزت 90%".

ولفت العميد نصير زاده في حديث للصحفيين "عملية الصادق 2  تستند إلى ميثاق الأمم المتحدة، وكانت بمثابة إجراء مضاد وكانت قانونية تمامًا"، منوهاً "لم نستهدف أهدافًا مدنية بأي شكل من الأشكال، وسنقوم بالرد في حال تم الاعتداء علينا".

وكان الحرس الثوري الإيراني أكد أن "تلك الضربة، جاءت بعد ممارسة طويلة لسياسية ضبط النفس وهي رد على اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والقيادي بالحرس الثوري عباس نيلفوروشان".


مقالات مشابهة

  • في رسالة لـالنواب.. منظمات دولية تحذر من مشروع قانون الإجراءات الجنائية المصري
  • روسيا: إسرائيل تتحمل المسؤولية عن تصعيد النزاع باغتيال حسن نصرالله
  • قانون الإجراءات الجنائية
  • الدولةيستأنس برأي مختصين في قانوني ضريبة الدخل وزراعة الأعضاء
  • عراقجي: حذرنا أمريكا وأي دولة تفتح أجوائها لاستهداف إيران ستتحمل المسؤولية
  • "النواب" يحيل 11 مشروع قانون ورسالة بشأن قانون الإجراءات الجنائية إلى اللجان النوعية المختصة (تفاصيل)
  • إعلان الأجندة التشريعية.. وجبالي: سحب مشروع قانون الإجراءات الجنائية السابق
  • إحالة مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى اللجنة البرلمانية المختصة لتعديله
  • «مستقبل وطن» يستعرض ملامح مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد
  • "مستقبل وطن" يستعرض ملامح مشروع قانون الإجراءات الجنائية