قانونيًا: ما موانع المسؤولية الجنائية؟
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
مسقط-أثير
إعداد: خالد بن سالم المريكي، محامِ وباحث ماجستير في القانون الجزائي بجامعة السلطان قابوس
مما لا شك فيه بأن تمام الجريمة كأصل عام يكون من بعد توافر ركنيها المادي والمعنوي، الأمر الذي يؤدي إلى قيام المسؤولية الجنائية ضد مرتكبها ومن ثم عقابه، وهذا كقاعدة عامة، لكن يدخل على تلك القاعدة ما يُسمى بموانع المسؤولية الجنائية ضد شخص مرتكب الفعل المجرم قانونًا، ويكون ذلك في حالة اختلال أحد شروط توافر المسؤولية الجنائية وهما الإدراك والإرادة والتي هي بطبيعة الحال تمثل عناصر الركن المعنوي للجريمة؛ لذا فإن عدم توافر أحد هذين الشرطين في شخص مرتكب الجريمة يؤدي إلى عدم مُساءلته جزائيًا، فموانع المسؤولية الجنائية ذات طبيعة شخصية، فهي تتصل بالفاعل ولا شأن لها بالجريمة ذاتها، مما يترتب على ذلك أنها لا تنتج أثرها إلا فيمن توافرت فيه من الجناة فاعلين كانوا أم شركاء، وبالتالي فإن الأثر المترتب على توافر موانع المسؤولية هو إسقاطها عن مرتكبها الأمر الذي بلا شك سيؤدي إلى زوال العقوبة المقررة للفعل المرتكب والمجرم قانونًا.
وفي سبيل حديثنا حول موضوع هذا المقال عبر “أثير”، فإن معظم التشريعات العربية على وجه العموم والمشرع العُماني على وجه الخصوص أعملوا نصوص مواد خاصة تعني بعدم ترتيب أي مُساءلة جزائية لفئات معينة تم حصرها، ومنها ما نص عليها المشرع العُماني في المواد (49 ، 50 ، 51) من قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم: 7/2018م ، والتي يمكن حصرها في صغر السن والجنون أو عاهة العقل، والغيبوبة الناشئة عن سكر أو تخدير غير اختياري والضرورة الملجئة والإكراه.
وصغير السن الذي لم يتم التاسعة من عمره لا يمكن مُساءلته جزائيا، وذلك لطبيعة الوضع الذي هو فيه من عدم الوعي الفكري وعدم الإدراك للأفعال التي يقوم بها، لكن الأمر لم يُترك بلا قيود بل رتب المشرع العُماني بموجب قانون مساءلة الأحداث الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 30/2008م العديد من التدابير التي يتم إعمالها في حالة قيام صغير السن الذي لم يتم التاسعة من عمره لأي فعل مجرم قانونا وبالأخص في حالة ارتكابه جريمة من نوع الجناية أو الجنحة، الذي عدّه القانون وأطلق عليه في مثل هذه الحالة مصطلح الحدث المعرض للجنوح، وبالتالي يتم التعامل معه بأحد التدابير المنصوص عليها في المادة (15/ أ،ب) من قانون مساءلة الأحداث كأن يتم تسليمه إلى أبويه أو حدهما لرعايته، أو لمن له ولاية أو وصاية عليه، أو أحد أفراد أسرته أو أقاربه، أو أسرة بديلة تتعهد برعايته، أو يتم إيداعه في دار توجيه الأحداث أو أية جهة معتمدة لرعايته. كما نص القانون على جواز توبيخه وتحذيره لضمان عدم العودة لارتكاب الفعل المجرم قانونا مرةً أخرى.
كذلك الأمر بالنسبة للجاني مرتكب الفعل المجرم قانونا والمصاب بالجنون أو بعاهة عقلية، حيث إن المتعارف عليه فقها وقانونا بأن خطاب القانون يوجه للأشخاص الذين يمتلكون القدرة على فهم مضمونه، وهذا ما يبرر إيقاع العقاب عليهم في حالة المخالفة، وفي المقابل من ذلك فإن قيام المجنون أو المصاب بعاهة عقلية بارتكاب فعل مجرم قانونا فإن نص العقاب لا يسري في حقه لفقده الإدراك حينها وكون إرادته مسلوبة وقت ارتكابه الفعل المجرم، وهذا ما نص عليه المشرع العُماني في المادة (50) من قانون الجزاء (لا يسأل جزائيا من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الإدراك أو الإرادة لجنون ، أو عاهة في العقل..) ، وفي المقابل من ذلك فإن المصاب بعاهة الحمق مثلا أو السفه والتي هي بطبيعتها لا تؤدي إلى فقد الإدراك أو الاختيار ، فإن صدور الأفعال المجرمة منه لا تمنع من مُساءلته جزائيا، كون حدود المسؤولية تكون بمقدار ما احتفظ به الجاني من إدراك أو اختيار يكفي لفهم أعماله وتوجيه إرادته. كما أنه لا يكفي القول بإصابة الجاني بالجنون أو بعاهة عقلية حتى يتم إعفاؤه من المسؤولية الجنائية، إذ إن المشرع اشترط بأن يكون فاقدا للإدراك والإرادة وقت ارتكابه الفعل المجرم، وخلافه يكون مسؤولا عما أتاه من أفعال مجرمة.
كذلك تكون المسؤولية الجنائية غير منطبقة على الجاني الفاقد لإرادته أو لإدراكه بسبب تعاطيه المواد المسكرة أو المخدرة قسرا عنه أو بغير علم منه ، فقد نصت المادة (50) من قانون الجزاء السالف بيانها (لا يسأل جزائياً من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الإدراك أو الإرادة لجنون… أو غيبوبة ناشئة عن عقاقير أو مواد مخدرة أو مسكرة أياً كان نوعها ، أعطيت قسراً عنه أو تناولها بغير علم بها ، أو لأي سبب آخر يقرر العلم أنه يفقد الإدراك أو الإرادة) ، فالواضح من نص القانون بأن المسؤولية الجنائية لا تقع على الجاني الفاقد لإرادته وإدراكه بسبب تعاطيه مواد مسكرة أو مخدرة أو غير ذلك من المواد بطريقة قسرية أُرغم على أخذها ، فمثلاً في حالة إرغام أحد الأشخاص على تعاطي المواد المخدرة قسرا عنه ، أو تهديده بإيقاع الأذى عليه أو على عزيزا عنده في حالة امتناعه عن أخذ المادة المخدرة، فهُنا يكون الشخص قد تعاطى تلك المواد التي أدت إلى فقده للإدراك والإرادة في حالة تحقق ذلك فعليا، وبالتالي فإن الأفعال التي تصدر منه تؤدي إلى عدم مُساءلته جزائيًا.
ولم يغفل المشرع عن الأفعال التي تُرتكب في حالة الضرورة، فقد نص في المادة (51) من قانون الجزاء السالف بيانها على (فيما عدا جرائم القتل ، لا يعاقب من ارتكب جريمة ألجأته إليها ضرورة وقاية نفسه أو ماله أو عرضه ، أو نفس غيره أو ماله أو عرضه من خطر جسيم على وشك الوقوع ، ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ، …ويشترط… ألا يكون في مكنة مرتكب الجريمة منع الخطر بوسيلة أخرى ، وأن تكون الجريمة بالقدر الضروري لدفعه ومتناسبة معه) ، فمعنى كل ذلك أن يواجه الشخص خطرا حالا عليه دون سابق إنذار فيضطر لاتخاذ السُبل والوسائل لدفعه سواءً عن نفسه وماله أو نفس ومال الغير، كأن يتم كسر شباك أحد المنازل شب الحريق فيه لإنقاذ من بداخله، عندها يكون الفعل المرتكب من الجاني كما أورده المشرع لا عقاب عليه باستثناء الجريمة الناتج عنها إزهاق روح إنسان وذلك لخطورة هذه الجريمة وطبيعتها إلا أن المشرع أعمل لها نصا خاصاً للعقاب (م 301/2) خلافاً لنصوص العامة لجرائم القتل العمد أو الخطأ المنصوص عليهما في قانون الجزاء ، فحالة الضرورة كما عرفها البعض بأنها ظرف أو موقف يحيط بالإنسان ويجد فيه نفسه أو غيره مهددا بخطر جسيم يوشك أن يقع ولا سبيل أمامه للخلاص منه إلا بارتكاب جريمة وهي ما يطلق عليها جريمة الضرورة.
وأخيرًا، فإن قيام أي شخص بارتكاب أي فعل مجرم قانونا بطريق الإكراه الواقع عليه سواءً كان ذلك الإكراه مادياً أو معنوياً فإنه يكون في مثل هذه الحالة غير مسؤول جزائياً لانتفاء إرادته بشأن إتيانه الفعل المجرم، وذلك ما نصت عليه المادة (51) من قانون الجزاء السالف بيانها في الجزء الأخر منها (لا يعاقب من ألجئ إلى ارتكاب جريمة بسبب إكراه مادي أو معنوي …) ، فمثلا في حالة قيام أحد اللصوص بتهديد موظف الصرافة بالقتل بغية الحصول منه على الرقم السري للخزانة الموجود بها المال، فإن قيام الموظف الواقع تحت التهديد بتسليم اللص ما يُريد فإن فعله (الموظف) يكون خارج عن المسؤولية الجنائية كونه قام بالفعل رغما عن إرادته لدفع خطر حادق قد يحصل عليه وهو وفاته بعد إطلاق النار عليه من قبل اللص.
وفي ختام هذا المقال عبر “أثير” نود التوضيح بأن جميع حالات موانع المسؤولية الجنائية التي تم بيانُها أعلاه يتم إعمالها على من توافرت لديه وقت ارتكابه للفعل المجرم قانونا، وتبيان توافرها من عدمه يعود للسلطة المطلقة لمحكمة الموضوع (المحكمة الناظرة للدعوى)، بمعنى لا يؤخذ بدفع الجاني بتوافر إحدى تلك الحالات لديه وقت ارتكابه للفعل المجرم، وإنما يتم إعمال ما تتوصل إليه قناعة المحكمة بشأن ذلك.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: المسؤولیة الجنائیة فی حالة
إقرأ أيضاً:
مشروع قانون.. انتفاء المسؤولية الطبية عن مقدمي الخدمة في هذه الحالات
يعقد مجلس الشيوخ، جلسته العامة غدا الأحد، لمناقشة تقرير لجنة الصحة بالمجلس عن مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن تنظيم المسئولية الطبية ورعاية المريض.
فلسفة مشروع قانون المسئولية الطبية وحماية المريض، ترتكز على تحقيق التوازن بين حقوق المرضى وواجبات الأطقم الطبية، ومسئولية القائمين على إدارة المنشآت الطبية.
حالات انتفاء المسؤولية عن الطبيبوحدد مشروع القانون المزعم مناقشته غدا الأحد حالات انتفاء المسؤولية عن الطبيب، وذلك وفقا لما ورد بالمادة الثالثة من القانون.
ونصت المادة الثالثة على أنه تترتب المسئولية الطبية على كل خطأ طبي ناتج عن تقديم الخدمة الطبية سبب ضرراً لمتلقي الخدمة، كما لا يجوز الإعفاء أو التخفيف من المسئولية الطبية قبل وقوع الضرر، ويقع باطلاً كل اتفاق على ذلك.
ويكون مقدم الخدمة والمنشأة مسئولين بالتضامن عن تعويض الأضرار الناجمة عن الأخطاء الطبية.
ونصت المادة 4 على أن تنتفي المسئولية الطبية في أي من الحالات الآتية:
1ـ إذا كان الضرر الواقع على متلقي الخدمة هو أحد الآثار أو المضاعفات الطبية المعروفة في مجال الممارسة الطبية المتعارف عليها علمياً.
2ـ إذا اتبع مقدم الخدمة أسلوباً معيناً في الإجراء الطبي يتفق مع الأصول العلمية الثابتة، وإن خالف في ذلك غيره في ذات التخصص.
3ـ إذا كان الضرر قد وقع بسبب فعل متلقي الخدمة أو رفضه للعلاج أو عدم اتباعه للتعليمات الطبية الصادرة إليه من مقدم الخدمة.
أهداف مشروع القانونوأكدت لجنة الصحة في تقريرها حول مشروع القانون أنه يستهدف ضمان بيئة عمل عادلة وآمنة للعاملين في المجال الصحي، وتعزيز الثقة المتبادلة بين المرضى ومقدمي الرعاية الصحية، من خلال وضع إطار قانوني واضح يحدد الالتزامات والمسئوليات.