دمج أنسجة المخ البشرية المزروعة في المختبر مع الإلكترونيات
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
في قصة مقتبسة من المشاهد الافتتاحية لفيلم رعب خيال علمي، نجح العلماء في سد فجوة حرجة بين ما هو بيولوجي وما هو إلكتروني. تتناول الدراسة، التي نُشرت في Nature Electronics (ملخصة في Nature)، تفاصيل "حاسوب حيوي هجين" يجمع بين أنسجة الدماغ البشرية المزروعة في المختبر والدوائر التقليدية والذكاء الاصطناعي. وقد تعلم النظام، الذي أطلق عليه اسم Brainoware، التعرف على الأصوات بدقة تصل إلى 78%.
يجمع برنامج Brainoware بين عضويات الدماغ - مجموعات من الخلايا البشرية المشتقة من الخلايا الجذعية والتي تحولت إلى "أدمغة صغيرة" مملوءة بالخلايا العصبية - مع الدوائر الإلكترونية التقليدية. ولتحقيق ذلك، وضع الباحثون «عضويًا واحدًا على صفيحة تحتوي على آلاف الأقطاب الكهربائية لربط الدماغ بالدوائر الكهربائية». تترجم الدوائر، التي تتحدث إلى عضوي الدماغ، المعلومات التي يريدون إدخالها إلى نمط من النبضات الكهربائية.
ثم تتعلم أنسجة المخ التكنولوجيا وتتواصل معها. يكتشف جهاز استشعار في المصفوفة الإلكترونية استجابة الدماغ المصغر، والتي تقوم خوارزمية التعلم الآلي المدربة بفك شفرتها. بمعنى آخر، بمساعدة الذكاء الاصطناعي، تندمج الخلايا العصبية والإلكترونيات في آلة حيوية واحدة (أساسية للغاية في الوقت الحالي) لحل المشكلات.
وقام الباحثون بتعليم نظام الدماغ الحاسوبي كيفية التعرف على الأصوات البشرية. لقد قاموا بتدريب برنامج Brainoware على 240 تسجيلًا لثمانية أشخاص يتحدثون، "وترجمة الصوت إلى كهرباء لتوصيله إلى العضو العضوي". تفاعل الجزء العضوي بشكل مختلف مع كل صوت أثناء توليد نمط من النشاط العصبي الذي تعلم الذكاء الاصطناعي فهمه. لقد تعلم برنامج Brainoware كيفية التعرف على الأصوات بدقة تصل إلى 78 بالمائة.
فيلادلفيا، بنسلفانيا - 15 أغسطس: قام فادي جاكوب، وهو طالب دراسات عليا زائر من جامعة جونز هوبكنز، بتشريح ورم أرومي دبقي في المخ في مبنى الأبحاث السريرية بجامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا، بنسلفانيا في 15 أغسطس 2018. الورم الذي جاء مباشرة من المركز سيتم تشريح -op إلى مئات القطع الصغيرة التي سيتم استخدامها لتنمية الأعضاء السرطانية. (تصوير جيسيكا كوركونيس لصحيفة واشنطن بوست عبر غيتي إيماجز)
عضويات الدماغ البشري (واشنطن بوست عبر غيتي إيماجز)
ينظر الفريق إلى العمل على أنه دليل على المفهوم أكثر من كونه شيئًا له استخدام عملي على المدى القريب. على الرغم من أن الدراسات السابقة أظهرت أن مزارع الخلايا العصبية ثنائية الأبعاد يمكن أن تفعل أشياء مماثلة، إلا أن هذه هي أول تجربة يتم تشغيلها باستخدام كتلة مدربة ثلاثية الأبعاد من خلايا الدماغ البشرية. ويمكن أن يشير ذلك إلى مستقبل الحوسبة البيولوجية، حيث تؤدي "سرعة وكفاءة العقول البشرية" إلى إطلاق ذكاء اصطناعي فائق القوة. (ما الخطأ الذي يمكن أن يحدث؟)
ويرى آرتي أهلواليا، مهندس الطب الحيوي في جامعة بيزا الإيطالية، أن التكنولوجيا تلقي المزيد من الضوء على الدماغ البشري. نظرًا لأن العضيات الدماغية يمكنها تكرار مركز التحكم في الجهاز العصبي بطرق لا تستطيع مزارع الخلايا البسيطة القيام بها، فإن الباحث ينظر إلى Brainoware (والتطورات الإضافية التي يمكن أن تفرزها) على أنها تساعد في نمذجة ودراسة الاضطرابات العصبية مثل مرض الزهايمر. «هذا هو مكان الوعد؛ وقال أهلواليا لمجلة Nature: "نأمل أن نستخدمها في يوم من الأيام لتحل محل النماذج الحيوانية للدماغ".
تشمل التحديات التي تواجه تقنية السايبورغ الأولية الغريبة الحفاظ على الكائنات العضوية حية، خاصة عند الانتقال إلى المناطق الأكثر تعقيدًا حيث يريد العلماء في النهاية نشرها. يجب أن تنمو خلايا الدماغ في حاضنة، الأمر الذي قد يصبح أكثر صعوبة مع العضيات الأكبر حجمًا. تتضمن الخطوات التالية العمل على تعلم كيفية تكيف عضيات الدماغ مع المهام الأكثر تعقيدًا وهندستها لتحقيق قدر أكبر من الاستقرار والموثوقية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الخلایا العصبیة یمکن أن
إقرأ أيضاً:
من المومياء إلى المختبر.. دراسات الحمض النووي تكشف سر استمرارية الهوية الجينية للفراعنة عبر آلاف السنين
منذ فجر التاريخ، ومصر تقف شامخة كجسر يربط بين الماضي والحاضر المتجدد، فهي ليست مجرد قطعة أرض احتضنت واحدة من أقدم الحضارات على وجه الأرض، بل كانت وما زالت مركز ثقافي وحضاري أسهم في تشكيل ملامح الإنسانية.
ومع ما يشهده العالم اليوم من ثورة علمية في مجال الجينات وتحليل الحمض النووي، أصبحت دراسة الأصول البشرية أكثر دقة وعمقًا، بعد أن فتحت هذه التقنيات نافذة جديدة على الماضي، تسمح بتتبع المسارات الجينية للشعوب القديمة وربطها بأحفادها المعاصرين.
ومن هنا، برز الاهتمام العالمي بالدراسات الجينية التي تناولت المصريين القدماء، ليس فقط من منظور علمي بحت، بل بوصفها مدخلًا لفهم سر هذا الثبات الفريد في الهوية المصرية عبر العصور.
فنتائج التحاليل الحديثة كشفت عن تشابه جيني ملحوظ بين المصريين القدماء وأبنائهم اليوم، ما يثير تساؤلات جوهرية حول قدرة هذا الشعب على الحفاظ على ملامحه الوراثية والثقافية رغم ما مر به من غزوات، واحتلالات، وهجرات متتابعة.
كيف استطاع المصري أن يبقى مصريًا في الملامح والروح رغم تبدل الأزمنة وتعدد المؤثرات؟ سؤال يفتح الباب أمام رحلة بحث شيقة في عمق التاريخ والهوية، حيث يلتقي العلم بالتاريخ لتقديم إجابة على سر الخلود المصري.
حسين عبد البصير: المصريون المعاصرون يحملون جينات أجدادهم الفراعنة.. والهوية الوراثية لم تتغير منذ آلاف السنينقال الدكتور حسين عبد البصير تعد مصر من أكثر البيئات البشرية استقرارًا عبر العصور، وهو ما انعكس بوضوح على البنية الوراثية لسكانها، فقد كشفت الدراسات الجينية الحديثة عن استمرارية وراثية واضحة بين المصريين القدماء والمصريين المعاصرين، رغم مرور آلاف السنين وما شهدته البلاد من تحولات سياسية وهجرات متعددة.
وأوضح الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، أن دراسة مهمة نُشرت عام 2017 في مجلة Nature Communications، أجراها فريق ألماني من معهد ماكس بلانك وجامعة توبنجن، حللت الحمض النووي القديم المستخرج من مومياوات بموقع “أبو صير الملق” بمحافظة بني سويف، تعود فترتها ما بين عامي 1400 ق.م و400 ق.م، أي من الدولة الحديثة وحتى العصر البطلمي.
وأشار إلى أن نتائج الدراسة أظهرت أن المصريين القدماء كانوا أقرب وراثيًا إلى شعوب شرق البحر المتوسط والشرق الأدنى القديم (بلاد الشام والأناضول)، مع وجود مكون أفريقي محدود، وهو ما يعكس موقع مصر الجغرافي الفريد كنقطة التقاء حضارات متعددة، لا كنقطة انصهار كامل.
وأضاف عبد البصير أنه عند مقارنة تلك النتائج بجينوم المصريين الحاليين، تبين أن المصريين المعاصرين احتفظوا بنفس النمط العام للتركيب الجيني، مع ارتفاع بسيط في نسبة المكون الأفريقي التي تتراوح بين 8 و20%، موضحًا أن هذا الاختلاف يعود إلى التبادل التاريخي الطبيعي عبر وادي النيل، نتيجة التفاعل التجاري والاجتماعي مع مناطق النوبة والسودان وإفريقيا جنوب الصحراء خلال العصور التالية.
وبين أن تحليل الحمض النووي الميتوكوندري (mtDNA) أثبت أن المصريين القدماء والحديثين يشتركون في عدد كبير من السلالات الأمومية (haplogroups) مثل H وL وU وT، وهي مجموعات تعكس توازناً فريدًا بين الأصول المتوسطية والأفريقية، ما يدل على أن الهوية الوراثية المصرية كانت ولا تزال هجينة ومستقرة في آنٍ واحد.
وأكد عبد البصير أن الأبحاث الحديثة في الجامعات والمراكز العلمية المتخصصة تشير إلى أن التغيرات الجينية بين المصريين القدماء والمعاصرين طفيفة جدًا مقارنة بما حدث في شعوب أخرى عبر فترات زمنية مماثلة، ويرتبط ذلك بعوامل الاستقرار الجغرافي والزراعي في وادي النيل، حيث عاش المصريون في بيئة متصلة ومعزولة نسبيًا، الأمر الذي حافظ على استمرارية سلالاتهم.
وأوضح أن المقارنات الأنثروبولوجية بين الهياكل العظمية القديمة والمعاصرة تظهر أن الخصائص الشكلية للمصريين لم تتبدل جذريًا، إذ ظل لون البشرة البرونزي المتوسط، وبنية الوجه المستطيلة، والعينان اللوزيتان، سمات مميزة موثقة في النقوش الجدارية والتماثيل القديمة، وما زالت واضحة لدى نسبة كبيرة من سكان مصر اليوم، سواء في الدلتا أو الصعيد.
وأشار عبد البصير إلى أن الهوية الجينية للمصريين لا يمكن حصرها في تصنيف “أوروبي” أو “أفريقي” خالص، بل هي مزيج متوسطي-أفريقي-شرقي تشكل عبر آلاف السنين، وهو ما منح المصريين فرادتهم الحضارية وجعلهم حلقة وصل بين إفريقيا وآسيا وأوروبا دون أن يفقدوا مركزيتهم النيلية وجذورهم المحلية.
ولفت إلى أن موجات الغزو أو الهجرة التاريخية – من الفرس والإغريق والرومان والعرب والعثمانيين – لم تغير البنية الوراثية للسكان الأصليين بشكل كبير، نظرًا لأنها كانت محدودة العدد وذات طابع طبقي، ولم تندمج إلا جزئيًا في النسيج السكاني الواسع، ولهذا ظلت الهوية الجينية المصرية قائمة ومستقرة في معظمها، كما ظلت اللغة والعادات والتقاليد محتفظة بجوهرها الفرعوني.
وشدد عبد البصير على أن هذه النتائج تؤكد أن المصريين الحاليين هم الامتداد الطبيعي للمصريين القدماء، بيولوجيًا وثقافيًا، موضحًا أن رموز الحضارة المصرية القديمة – من الفن والدين واللغة – استمرت عبر العصور، تمامًا كما استمر الدم المصري القديم في عروق الأجيال اللاحقة، محافظًا على سماته الأساسية رغم الانفتاح والتغير.
واختتم قائلًا إن دراسة جينات المصريين ليست مجرد بحث في التاريخ الطبيعي للإنسان، بل هي نافذة على استمرارية الهوية المصرية عبر الزمن، هوية متجذرة في الأرض والنيل، تشهد على حضارة لم تنقطع يومًا، بل تجددت وأعادت صياغة نفسها في كل عصر من عصورها الطويلة.