خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
يقولون إنِّه من رحم المُعاناة يولد الإبداع، ومن المحن تتفتق وتأتي المنح، وإذا كانت دنيانا خلقت سهلة وميسرة، لما كان الصبر فيها وعليها أحد أبواب الجنان، وإذا كان هنالك بتر لحياة ما ومنع لعطاء آخر، فإنه حينما يأتي العوض من إله الكون وسيده وخالقه، يكون مدهشا، والصبر على مر الحاجة وما ابتلي به الإنسان من شظف العيش والفاقة والفقر والمرض ونحو ذلك، أمر يبعث على رضا الرحمن، ويأتي بالفرج بعد الشدة وتعاظم الأحوال والأهوال.
وعليه فإنَّ كثيرا من الخلق يؤمن بأنه لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة، فيأنف الضيم ويأبى الذل والهوان ويتمتع بالشيم، وإذا لم يكن عَوْنٌ من الله للفتى، فأوَّلُ ما يجني عليه اجتهادُهُ، وإن كان عونُ الله للعبدِ واصلا، تأَتَّى له من كُلِّ شيءٍ مِدادُهُ.
إن التفاؤل يهزم الانكسار، ويلوح ببريق الأمل ونور العمل في حال رغبتنا التغلب على الهزيمة والفشل والانحدار، وإذا كان اليأس شعوراً يصاب به الإنسان بعد تكرر عدة محاولات ومراحل فاشلة، وبعد التعرض لتجارب قاسية حاصلة، وعدم تحقق إنجازات مواسية.
فحينها يشعر الإنسان بخيبة آمال محبطة، وببلاء عظيم يكسر القيد ويحطم الجسد ويقتل الروح ويستأصل الأربطة، ويمكن رماح العدو والنفس والشيطان من الاستيلاء على الخطط والأفكار أن لا تكون مجتمعة ومرتبطة، ألا قاتَل اللَّهُ المنايا ورَمْيَها، أصاب حِمَامُ الموتِ أباها.
عزيزي القاريء إذا ما أردنا التبحر في سبر أغوار محيطاتها لنصطاد لآلئ همتها النفيسة، وطرق عوالمها السميكةُ، لنتوقف عند أهم مراحل حياتها وبطولاتها، وأبرز إنجازاتها وجولاتها، ومجاديف جهودها وطرق سيرها.
المضيبي مجتمعا وولاية وأرضا ومكانا، كانت منشأها ومسقط رأسها، فنشأت في ربوعها يتيمة، وترعرعت في فيافيها وظلالها قوية وعصامية حكيمة، وشبت عن الطوق وهي متسلحة بالإيمان، ومتدرعة بالنضج والفهم أزماناً، ومتوهجة بالعطاء وحب الخدمة والعمل فكسبت أثمانا.
اسمها زكية وعندئذ زكاها الحظ وصاحبها التوفيق وساندتها عناية القوي المنان، فمنذ صغرها شغفها مستقبلها حبًا، فنظرت إليه أنه آت، وأنه يحمل لها بشارات وخيرًا كثيرا ومسرات.
إن صاحبة قصتنا ومقالنا لهذا الأسبوع المرأة الطموحة المزدانة، والفتاة العصامية، والبنت القوية والأمضى سلاحًا وعزيمة وقدرة وهمة والمصانة. حملت منذ الصغر مع أشقائها ومن كان معها حصيلة جهدها بعد أن جاءت إلى الدنيا ولم ترَ والدها، إذ توفاه الله تعالى وعمرها وقتذاك شهرا.
سهرت الليالي طلبًا للعفاف والعزة والمجد، فتقاسمت معهم النفحات، ونفضت عنها العجز والكسل وغبار المثبطات وحديث المعصرات في الحارات، فأرادت أن يكون رزقها يأتيها رغدا من كدها وعرق جبينها وتعبها، فما كان إلا أن يتحقق لها ذلك.
حديثنا اليوم في هذه السانحة والسطور عن رائدة الأعمال زكية بنت حميد الفرعية، التي نجد ما صنعته وتصنعه وتنتجه من منتوجات غذائية منذ سنوات طويلة، عفها عن السؤال، وكفاها عن المذلة وسوء المآل، فكانت البنت الوفية والأخت الصفية الندية والزوجة الصالحة المخلصة البهية.
أختنا زكية الفرعية رغم أن القدر جعلها أمام صراع حياة صعب حينما فقدت عائلها وزوجها وأب عيالها مبكرا، فانبرت تغرس في أبنائها حسن الخصال، وتربيهم على العادات العمانية والتقاليد الاجتماعية والإسلامية، ليكونوا رجالا على كل حال.
فمن أجل ذلك نظرت ثم فكرت فعملت، وها هي اليوم تكسب الرهان، فصار لديها مشروع تجاري يدر لها اليسير، ويدرأ عنها التبرم ويدفع بالعسير، فانطلقت في خط الحصول على رزقها معتمدة على نفسها وما تجود به صنع أياديها وتنوع مهاراتها ومنتجاتها؛ فعملت جاهدة بعد معاناة وجهد جهيد في عام 2015 بتأسيس مشروع صغير، تم تداوله بين الأهل والمحيط المجاور.
ولما كان الطموح والإرادة أقوى بأن يتوسع مشروعها بشكل أكبر وينمو بسرعة أكثر، فإنه أتيحت لها الفرصة للمشاركة في كثير من المعارض والفعاليات داخل السلطنة، فاكتسبت الخبرة وتمكنت من دراسة السوق وقراءة الموقف والأوضاع، لتتمكن بعد ذلك من اختيار الأنواع الجيدة، والأصناف الممتازة من خيرات الأرض، ومن ثم الشروع في إنتاجها وتعليبها وتصنيعها.
فخطوة بعد خطوة، توسعت لديها المعرفة بما يحتاجه المجتمع والسوق المحلي، فاستطاعت ولله الحمد أن تجعل مشروعها ينمو بشكل كبير، ويكون ما تقدمه للمستهلك ولزبائنها ذا جودة عالية.
فعلى مدار الأيام ظهر مشروعها للعالم الخارجي باسم وعلامة تجارية ممتازة.
ومن المأكولات والأنواع الغذائية التي صنعتها وتصنعها، التمر بعدة أشكال وبطريقة مذاقية رائعة، منه التمر بالسمن البلدي، والتمر المجفف، وكانت هذه طريقة جديدة ابتكرتها، واختراع حديث يعد الأول من نوعه وتصنيعة.
كذلك تمكنت رائدة الأعمال زكية بنت حميد الفرعية من صنع التمر بالعسل، والتمر بالطحينة والسمن العماني، وخلطة الهيل والزعفران، والقهوة العربية والعمانية بنكهات غاية في الروعة وبمذاق عال وراق.
وعن إشهار علامتها التجارية باسم زهرة الجود، فإن هذا الاسم يطلق على النخلة القوية البازغة الشامخة في عنان السماء.
هكذا هي الفرعية، حق لها أن تفخر وتفاخر بما أنجزته واجتهدت من أجله، وحريٌّ بالجهات المعنية وهيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمجتمع بأسره، مساعدتها والوقوف معها ودعمها، لتمضي قدما في الثبات والاستمرار في رفد السوق داخل السلطنة وخارجها بمنتجاتها العمانية الأصيلة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
احذروا المطب يا عرب!
د. أحمد بن علي العمري
كان العرب والمسلمون خير أمة أُخرجت للناس، ولكنهم عندما ابتعدوا عن دينهم ومبادئهم وقيمهم وشيمهم ونخوتهم، ضعفوا ووهنوا ولم تعد لهم قائمة. يقول الله تعالى: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ" (آل عمران: 85).
ولا عزة ولا كرامة إلا بالإسلام؛ فبالإسلام أعز الله العرب والمسلمين، وبدونه أصبحوا كما هم الآن. وعندما نقول الإسلام، فإننا نؤكد على الاعتدال والسلام والتسامح وقبول الآخر مهما اختلف، فلا غلو في الدين، ولا تطرف، ولا همجية، ولا تعصب، ولا نبذ، ولا إقصاء، ولا طغيان، ولا جبروت.
فلماذا نحن هكذا الآن؟ إنَّ أبواب الإسلام مفتوحة، وربنا غفور رحيم.
عندما ننظر لواقعنا المرير الآن، يتضح لنا الآتي:
لقد ماتت اتفاقيات مدريد وأوسلو روحًا وجسدًا، وماتت كامب ديفيد ووادي عربة روحًا، ولم يبقَ منها سوى الهيكل العظمي بدون أي مضمون أو محتوى. وقد هرولت بعض الدول مؤخرًا نحو التطبيع بدون أي مقابل. فهل نفعت خطط السلام؟ وهل قُبلت المبادرة العربية التي هي معروضة على الطاولة منذ عشرات السنين؟ أسمع الآن وأشاهد من يلوم المقاومة... فماذا بقي؟!
لقد استدرجتنا إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية عبر مراحل متعددة حتى أوصلتنا إلى ما نحن عليه. لقد كانوا من قبل يحلمون بحل الدولتين، ومع تحول الزمن وتقدمه، أصبح هذا مطلبًا لنا صعب المنال.
فالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وهي الدولة الموعودة، بدأت تتلاشى، والمستوطنات تقضمها من كل حدب وصوب في استنزاف متواصل دون حول ولا قوة من الدولة أو حتى من أشقائها، بل وحتى أمتها كاملة.
ويظهر لنا مؤخرًا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليصرح بأن سكان غزة يجب أن يرحلوا للدول العربية المجاورة، مؤكدًا أن هذه الدول سوف توافق وتقبل بذلك، ليلتقطها نتنياهو ويعزف على جميع أوتارها وبشتى الألحان.
ترامب ونتنياهو أنفسهم يعلمان كما يعلم الجميع أن هذا الأمر مستحيل وغير قابل للتطبيق ولا يحمل أي معنى أو مضمون أو منطق. وإن فرضنا جدلًا وافقت بعض هذه الدول -لا سمح الله ولا قدر- فهل سيُوافق الغزاويون أنفسهم؟ أمر يستحيل مناله.
ولكنهم، وقد أصبح الهدف واضحًا وجليًا، يريدون أن تنتقل الدولة برمتها إلى قطاع غزة وفي شريطها الضيق، مدعين أنَّه سيكون لهم مطار وميناء وينفصلون تمامًا. وبعد ذلك، تبني إسرائيل جدارًا عازلًا حتى لو بطول 50 أو حتى 100 متر ليصعب على الصواريخ تجاوزه. وبهذا يكون على القدس السلام إلى الأبد، ويمكن بعد ذلك -والعياذ بالله- أن يُهدم المسجد الأقصى ويُبنى بدلًا منه الهيكل اليهودي المزعوم.
وبالمقابل، قد يحصل في قطاع غزة ما لا يُحمد عقباه ولا ما كنَّا نريده أو نتمناه، وهو أن تتناحر الفصائل الفلسطينية على القطاع رغم ضيقه، وتدخل في حرب أهلية أجارهم وأجارنا الله منها.
لهذا نقول ونذكر -لعل الذكرى تنفع- حذارِ حذارِ أن تقعوا في المطب، ويكفي ما مضى من مطبات ونكسات وتعثر وتشرذم وتفتت وخلاف واختلاف.
فهل هناك آذان صاغية وعقول مدبرة؟
ولله في خلقه شؤون.
رابط مختصر