الجزيرة:
2024-11-15@18:25:36 GMT

موازيين فرنسا المختلة ما بين قضية الحجاب ومحرقة غزة

تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT

موازيين فرنسا المختلة ما بين قضية الحجاب ومحرقة غزة

تسلم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون  جائزة اللورد جاكوبوفيتش السنوية من مؤتمر الحاخامات الأوروبيين (CER) والتي تُمنح لرؤساء دول وحكومات أوروبية يحاربون معاداة السامية ويدافعون عن حرية ممارسة الديانة اليهودية. وافق حفل تسليم الجائزة مساء 7 ديسمبر/كانون الأول، إضاءة شمعة عيد الأنوار اليهودي (الحانوكا) في قاعة الاستقبال بقصر الإليزيه تخليدا لذكرى الإسرائيليين الذين قُتلوا خلال عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم.

ومن سخريات التناقضات الفرنسية أن الاحتفال بالحانوكا في القصر الرئاسي سبق بيومين ذكرى اليوم الوطني للعلمانية الذي وافق 9 ديسمبر/كانون الأول، فيما تعالت أصوات فرنسية معارضة تندد بتناقض ماكرون، فرد عليها بأن تقديمه لفتة دينية أو المشاركة في احتفال لا يعني عدم احترام العلمانية.

وكان ماكرون قد آثار جدلا مشابها في البلاد بحضوره قداسا أقامه البابا فرانشيسكو في 23 سبتمبر/أيلول الماضي في مرسيليا، حيث اتهمه النائب عن "حزب فرنسا الأبية" باستيان لاشو  بأنه يسخر من العلمانية ويدوس على مبادئها، ويسخر من الفصل بين الدين والدولة، ومن حياد الدولة تجاه الأديان رغم أن حكومته باسم هذه المبادئ نفسها، منعت ارتداء العباءة في المدارس.

فرنسا وبذريعة العلمانية والدفاع عنها، منعت الحجاب في مدارسها منذ 2004، ولم تكتف بذلك بل عادت وحظرت لبس العباءة على الطالبات في سبتمبر/أيلول الماضي قبيل العام الدراسي الجديد، ومنعت الممارسات الدينية في الجامعات في ربيع 2021. وفي يونيو/حزيران الماضي، نشر كريستيان إستروزي عمدة مدينة نيس بيانا في منصات التواصل الاجتماعي، قال فيه إنه تلقى معلومات من مفتش أكاديمية المدينة بوجود أفعال خطيرة تمثلت في قيام عدد من التلاميذ المسلمين بالصلاة في فناء مدارس ابتدائية في المدينة خلال فترة راحتهم، فيما وصف وزير التعليم الفرنسي باب ندياي الصلاة في المدارس بـالأمر الخطير الذي لا يطاق، لأنه هجوم على العلمانية التي تحكم فرنسا، بحسب زعمه.

ماكرون الذي تسلم جائزة اللورد جاكوبوفيتش لدفاعه عن حرية ممارسة الديانة اليهودية، هو من دفع بمشروع "مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية"، والذي أقره البرلمان الفرنسي في 23 يوليو/تموز 2021 وجرى التعريف به في بداية الأمر باسم "مكافحة الإسلام الانفصالي"، وهو قانون يستهدف المسلمين بشكل خاص ويضيق عليهم، ويكاد يفرض قيودا على كافة مناحي حياتهم، وينصّ على فرض رقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها، ومراقبة تمويل المنظمات المدنية التابعة للمسلمين، كما يضع قيودا على حرية تقديم الأسر التعليم لأطفالها في المنازل.

ازدواجية المعايير في تعامل فرنسا مع قضايا الإسلام والمسلمين فاقعة وفجة، ولا يحتاج إثباتها إلى كثير جهد أو عميق بحث. ففي فرنسا -التي تجرّم معاداة السامية- يدعم رئيسها ماكرون وبعنجهية التطاول والاستهزاء على الرسول صلى الله عليه وسلم بذريعة حرية التعبير، ثم يقدم بعدها شكوى على مالك لوحة إعلانات فرنسي -يدعى ميشال فلوري- لأنه صور ماكرون في أغسطس/آب 2021 على أنه هتلر ، احتجاجاً على قيود فيروس كورونا في البلاد. فلوري سخر من ماكرون قائلا إنه دافع عن الرسوم المسيئة للرسول باعتبارها حرية تعبير، لكنه قاضاه بسبب صوره الساخرة.

منذ بدء عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، انحاز الموقف الرسمي الفرنسي إلى جانب إسرائيل بشكل متطرف، متبنيا الدعاية الأميركية التي تزعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وأعلن الرئيس الفرنسي استنكاره بشدة الهجمات على إسرائيل ووصفها بالإرهابية، وعبّر ماكرون عن تضامنه الكامل مع الضحايا وعائلاتهم والمقربين منهم، مغردا بالفرنسية والإنجليزية والعبرية على منصة إكس. وحين زار إسرائيل بعد أسبوعين من طوفان الأقصى ليتضامن معها، اقترح تشكيل تحالف دولي ضد حماس، على غرار التحالف ضد "داعش" (تنظيم الدولة الإسلامية) في العراق وسوريا.

تقف فرنسا داعمة وبحزم للأقليات في منطقة الشرق الأوسط، فلقد دعت إلى اجتماع في مجلس الأمن في 27 مارس/آذار 2015 لبحث وضع الأقليات في الشرق الأوسط، وبعدها عُقد بباريس في سبتمبر/أيلول من العام نفسه مؤتمر حول الأقليات المضطهدة في الشرق الأوسط من قبل جماعات متطرفة من بينها تنظيم داعش، حضره نحو ستين دولة ومنظمات عديدة لدعم الأقليات وحمايتها.

فرنسا التي تدعم الأقليات في الشرق وتدعو لحمايتهم ولحقهم في التمثيل السياسي ويعلن رئيسها ماكرون "العلماني" مؤخرا عن مضاعفة المبالغ المالية المرصودة لمساعدة المدارس المسيحية في الشرق الأوسط، تضيّق على مسلميها وتضطدهم بشكل كبير ومبالغ فيه وتتدخل في حياتهم الخاصة وتتحكم في شؤونهم الدينية. الأقلية المسلمة في فرنسا والتي تشكل نحو 10% من السكان مهمشة، فلا تكاد تجد للمسلمين الفرنسيين من تمثيل في البرلمان، وحتى ما قبل تشريع "مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية" وغيره من القوانين التي تستهدفهم.

كان الفرنسيون من أصول عربية وإسلامية يشعرون ومن عقود بالتهميش والقمع. ففي خريف 2005 اندلعت أحداث شغب عنيفة وصدامات بين الشرطة وشباب من أصول مهاجرة، فجرتها سياسات غير معلنة من التمييز والعنصرية والتي زاد أوارها وصف وزير الداخلية وقتها نيكولا ساركوزي لهم بالرعاع والحثالة.

الشعور بالاضطهاد والمعاملة الدونية للفرنسيين من أصول مهاجرة تُشكل وبشكل مستمر احتقانا كامنا في النفوس ينتظر شرارة لينفجر، وهو ما جرى في الصيف الماضي حين قتلت الشرطة الفرنسية فتى من أصول جزائرية بذريعة رفضه التوقف لهم حين طُلب منه ذلك، الأمر الذي أشعل فتيل أعمال عنف وتخريب وصدامات عنيفة بين الشرطة وجموع غاضبة من الشباب من أصول مهاجرة، والذين يشعرون أنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثالثة.

تاريخ فرنسا الاستعماري شديد الدموية والبطش، خصوصا في الجزائر وما فعلته من قتل وتنكيل واغتصاب وحرق لمدن وقرى، حتى بلغ عدد شهداء الجزائر على يديها نحو 6 ملايين بحسب بعض التقديرات. هذا التاريخ الدموي لم يمنع من فرنسا من تصفية خلافاتها السياسية مع تركيا أوردغان من نحو عقد ونيف من خلال إقرار قانون  يجرّم من ينكر "إبادة الأرمن"، رغم أن تركيا تكرر مطالبتها بتحقيق دولي في مسألة الأرمن وتقول إن لديها وثائق تفند مزاعم الإبادة.

لا بل أكثر من ذلك، فإن دور فرنسا في رواندا في التاريخ الحديث كان إجراميا ودمويا بائسا، ففي شهادة له أمام لجنة شكلتها رواندا عام 2006 حول عمليات الإبادة التي تعرض لها 800 ألف شخص عام 1994، قال جاك بيهوزاغارا الذي شغل منصب سفير رواندا في باريس إن فرنسا أرسلت جنودا وأسلحة ودربت القتلة وأقامت الحواجز لتسهيل مهمتهم بإبادة التوتسي، ثم سعت لحمايتهم فيما بعد عندما كانت تقود البعثة التي أرسلتها الأمم المتحدة وأطلق عليها عملية توركواز.

الرئيس الفرنسي ماكرون الذي يعاني وبلاده من أزمات سياسية وأخلاقية وتشريعية وقانونية، وضمن سياق طويل من تجاوزاته وإساءاته المتواصلة بحق الإسلام والمسلمين، زعم في خطاب له في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أن الإسلام يعيش اليوم في أزمة في كل مكان بالعالم الإسلامي. وكنموذج من الأزمات التي تعصف في فرنسا ومثال عليها، كشفت اللجنة المستقلة حول زنا المحارم والعنف الجنسي الممارس على الأطفال في البلاد، والتي أنشئت في 2021، عن أرقام كبيرة وصادمة، مشيرة إلى تعرّض نحو 160 ألف طفل لاعتداء زنا محارم سنويا، وأن هناك نحو 5.5 ملايين ضحية بالبلاد، وأن أغلبية الضحايا من الإناث (9 من أصل عشرة)، وواحدة من أصل 4 ضحايا تعرّضت للاعتداء الجنسي وعمرها كان دون 5 سنوات. فمن الذي يعيش الأزمة، فرنسا أم الإسلام؟ وهل محاربة القيم الإسلامية من عفة وحجاب وقيم أسرية يضيف لأزمات فرنسا الأخلاقية بعدا جديدا، إضافة إلى عنصريتها واختلال موازينها، مع تاريخها الاستعمار المتوحش والدموي؟

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الشرق الأوسط فی الشرق من أصول

إقرأ أيضاً:

ما هو الدور الذي سيلعبه صهر ترامب في الشرق الأوسط؟

سرايا - ذكرت شبكة "سي ان ان" نقلا عن مصادر، أن جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، سيلعب دورا رئيسيا في جهود الإدارة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط.

وجاء في تقرير الشبكة أن "جاريد كوشنر، وفقا لدبلوماسيي ترامب وحلفائه، سيصبح حلقة وصل مهمة في استراتيجية الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط"، ومن المرجح ألا يكون كوشنر جزءا من الهيكل الرسمي للإدارة، لكن المصادر تقول إنه سيعمل كمستشار خارجي.

وبحسب "سي ان ان"، يتمتع كوشنر بعلاقات فريدة مع زعماء المنطقة، كان قد بناها خلال ولاية ترامب الأولى واستمر في الحفاظ عليها بعد خروجه من البيت الأبيض.

ونقلت الشبكة عن أحد الدبلوماسيين الذين عملوا مع صهر ترامب قوله: "لا أحد في الفريق الجديد يتمتع بنفس مستوى الثقة التي اكتسبها جاريد، ولم تأت إليه على الفور، لقد استغرق الأمر وقتا حتى كسبها".





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1260  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 15-11-2024 07:13 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
أمريكيون يحتالون على السلطات للحصول على مبلغ مادي .. ماعلاقة الدببة؟ اقتران للكواكب مع اكتمال القمر .. راصد الزلازل الهولندي يحذر بيع حجر أخضر كريم بمبلغ فلكي امرأة تضبط وقتها على ساعة رجل ميت لمدة 8 أيام! "البريد الأردني" يحذر من رسائل احتيالية... شاب يعيد 8 الاف دينار ونصف لـ مسنة فقدتهم داخل... المنتخب الأردني عن منتخب العراق: "سنرد لهم... بالفيديو .. الأمن يفض مشاجرة جماعية في دير أبي... حسان لـ النشامى: نتمنى لكم حظاً طيباً لتحقيق حلم... لبنان .. تحذير إسرائيلي جديد إلى سكان الغبيري - صورة"حزب الله" يستهدف قاعدتين ومستوطنة و17...مئات الوفيات في مدينة سودانية محاصرة .. ما المرض...هل سينسحب الاحتلال من قطاع غزة؟ صحيفة تكشفالحريري يدعو لوقف عدوان إسرائيل الهمجي على لبنان"سانا": عدوان إسرائيلي يستهدف منطقة المزة...على طول خط "ألفا" .. هذا ما يفعله...الاحتلال يتحدث عن اغتيال مسؤول بـ"الجهاد...43 ألفا و764 شهيداً في غزة منذ بداية الحرب مايا دياب تتلقّى هدية ثمينة في عيد ميلادها شاهدوا... ياسمين صبري تكثّف من تصوير مسلسلها الجديد .. لهذا... شاهدوا أحدث إطلالة لملكة جمال لبنان من المكسيك لمن قالت نجلاء بدر "علّمتني درساً لن أنساه"؟ من "هافانا" إلى "السعودية" ..... منتخبا البرازيل والأرجنتين يتعثران في تصفيات مونديال 2026 صلاح يثير قلق ليفربول مجدداً: الكل سيغادر يوماً ما مبابي يصدم لاعبي فرنسا: ريال مدريد أهم من المنتخب مدرب العراق يحمّل لاعبيه مسؤولية نتيجة التعادل طريق منتخب الأردن إلى نهائيات كأس العالم 2026 بعد التعادل مع العراق لإصابتها برهاب الموز .. وزيرة سويدية تدفع مسؤولين لإخلاء الغرف من الفاكهة عاصفة غبار شديدة تضرب وسط كاليفورنيا وتخلق مشهدًا دراميًا شاب يلاحق المشردين من فرنسا إلى هولندا .. وما يفعله بهم مروع سرقة منظمة بقيمة 1.48 مليون يورو .. هذا ما فعلته موظفة في "لوبوتان" نوع جديد من الأدوية المناعية لعلاج السرطان ليحصلوا على تعويض .. تنكروا بهيئة دب وحطموا سيارتهم الفاخرة امرأة تضبط وقتها على ساعة رجل ميت لمدة 8 أيام المريخ يحتفل بالسنة الجديدة الذكاء الاصطناعي يساعد في ترميم كنيسة الفاتيكان رأس بشري مقطوع يرعب رواد شاطئ شهير بأمريكا

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • ماكرون يلبي دعوة الأمير محمد بن سلمان
  • ماكرون يقوم بزيارة دولة للسعودية بين 2 و4 ديسمبر
  • ما هو الدور الذي سيلعبه صهر ترامب في الشرق الأوسط؟
  • بحضور «ماكرون».. تفاصيل ليلة مؤلمة في باريس وفرار الإسرائيليين خلال مبارة كرة قدم
  • «القاهرة الإخبارية»: ماكرون ومسؤولون فرنسيون يحضرون مباراة فرنسا وإسرائيل
  • مسؤول فرنسي يهاجم بعنف ماكرون وساركوزي وهولاند لحضورهم مباراة إسرائيل - فرنسا
  • ماكرون يحضر مباراة كرة القدم بين فرنسا وإسرائيل وسط مخاوف أمنية
  • نائب يساري يطالب بإلغاء المباراة بين فرنسا والاحتلال.. ماكرون أول الحاضرين (شاهد)
  • أستاذ بجامعة الأزهر: العنصرية قضية تؤرق البشرية وحاربها الإسلام بكل شدة
  • ماذا لو لم تكن قضيةُ فلسطين؟