«بلاغة آية» تأملات فـي عاقبة الظالمين فـي يوم القيامة «2»
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
.. والمفعول الأول:(الله)، والمفعول الثاني:(غافلًا)، وتنكير غافلًا تعني شيوع رقابته، وكامل قيوميته، واتساع قدرته، بكلِّ ما يحدث في كونه من أيِّ ظالم كان، قولًا من الظالم، أو فعلًا؛ لأن العمل ينتظم القول، والفعل معًا، وقوله:(عمّا يعملون) يدخل فيه كلُّ شيء متصور، وغير متصور مما يقوله، أو يفعله الظالمون، فـ(ما) إما موصولة لغير العاقل، وإما مصدرية تُؤوَّل مع ما بعدها بمصدر، أيْ: أن الله ليس بغافل عن عمل الظالمين، وفي المعجم:(غفل عن الشيء): سها من قلة التحفظ، والتيقظ، أو ستره، أو تركه إهمالًا من غير نسيان، والله قد نفى عن نفسه ـ سبحانه ـ أيًّا من ذلك، فهو لا يغفل، ولا ينام، بل لا تأخذه سنة من النوم، وإنما هو يمهله، ولا ينساه، يمهله؛ لعله يؤوب، ويسارع ويتوب، فإذا أخذه لم يفلته، وجعله عبرة لغيره، وآية لمن سواه، وقصم ظهره.
وهنا عارضُ حذفٍ في المفعول به، أي:(عما يعمله الظالمون)، حُذِفَ المفعول للعلم به، ولأن السياق يدفع إليه، وأنه لا اختلافَ عند تقديره، ويعرفُه مَنْ له مُسْكَةٌ من قواعد النحو، ومعطيات اللغة، والقاعدة أنه يُحذف المفعول به حالة كونه ضميرًا كثيرًا (وذلك إذا كان ضميرًا عائدًا على الاسم الموصول،عائد الصلة)، نحو:(والله يعلم ما تسرون، وما تعلنون) (النحل ـ 19) (أي: ما تسرونه، وما تعلنونه)، ونحو: (ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) (الأعراف ـ 96)، أي بما كانوا يكسبونه، فحذف المفعول الذي هو عائد الصلة هنا كثير.
وقوله:(إنّما) هي أداة حصر، وقصر، أصلها (إنّ)، وخلت عليها(ما) الكافة، فعملتْ شيئين: أفقدتْها عملها، وأزالت اختصاصها؛ ومن ثم دخلت (إنَّ) على الجمل الفعلية، وكانت مختصة ـ قبل دخول (ما) الكافة ـ على الجمل الاسمية فقط، وكانت تعمل النصب في الاسم، والرفع في الخبر، لكنَّ الكافة (ما) أفقدتها هذين الأمرين: (العمل، والاختصاص)، والفعل المضارع: (يؤخرهم) يفيد الاستمرار، والاستدامة، و(ليومٍ) اللام بمعنى (إلى)، أي: يؤخرهم إلى يوم، و(إلى) تفيد انتهاء الغاية الزمانية، أي: ينتهي التأخير عند قيام الساعة، ودخولنا في أحداث يوم القيامة على خطورته، وصعوبة منازله، وباهظ تبعاته، وتنكيره:(ليومٍ) كناية عن خطورته، فهو رهيب، مهيب، رعيب، فيه تحصل كلُّ الأعاجيب التي منها الطفل الصغير رأسه يشيب، وأن الحديد والعظام والجبال، الله لها ينسِف، ويُفني، ويُذيب.
وقوله:(تشخصُ) كناية عن شدة الهلع، والخوف، والوجل، فكأنها تتسمَّر لا تطرف، ولا تغمض، بل تشخص أي تتوقف، وتجمد، ولا تَرِيمُ؛ من هول ما ترى، ومن رُعْب ما تشاهد، ووردتْ اللفظة بالمضارع الذي يفيد الاستمرار، ويبيِّن حالة الناس فيه، وهم مُهْطِعُونَ مَادوُّن رقابَهم إلى بعيد، متحجرةً أجفانُهم، متسمِّرَةً رموشُهم، ناظرة أعينُهُم نظرًا طويلًا من أثر الخوف، وتبعات الحِساب، ومسؤولية ما قدموا من أعمال، أفعالًا كانت، أم أقوالًا حسب ما كتبَه الملائكة الحفظةُ عليهم.
د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة – جمهورية مصر العربية
Drgamal2020@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
العكاري: الاستمرار في طباعة العملة دون رجوعها إلى المصارف يمثل خطراً حقيقياً
أكد الخبير الاقتصادي، مصباح العكاري، أن الاستمرار في طباعة العملة دون رجوعها إلى المصارف يمثل خطراً حقيقياً.
وقال العكاري، في منشور عبر «فيسبوك»: “المساهمة المجتمعية في حل المشاكل التي تمر بها الدولة هو في الحقيقة واجب وطني، ومشكلة السيولة هي نتيجة لمجموعة أحداث مرت بها البلاد منها ما أصبح من الماضي ومنها ما هو مازال مستمرا معنا إلى الآن، لقد تم طباعة العملة من الشرق والغرب في محاولة لتخفيف تلك الأزمة وارتفع حجم العملة خارج القطاع المصرفي إلى 70 مليار دينار استوجب هذا الرقم توفير غطاء نقدي تجاوز 14 مليار دولار”.
وأضاف “استمرار طباعة العملة وتوزيعها في المصارف بدون رجوع هذه الأموال إلى المصارف يمثل خطر حقيقي على القطاع المصرفي يتمثل في انخفاض الودائع تحت الطلب لدى المصارف التجارية مع ارتفاع الاحتياطي المقيد لدى البنك المركزي من العملات الأجنبية، مع توسع السوق الموازي والمتاجرة بالعملة الليبية وبيعها بفارق يصل أحيان إلى 10%”.
وتابع “من أجل الابتعاد على هذه المخاطر. يجب علينا جميعاً مواطنيين تجار ومؤسسات حكومية إلى تغيير مفهوم السيولة في السوق المحلي والنظر إلى المصلحة العليا للوطن بأن السيولة النقدية المتمثلة في الورق والعملة المعدنية لم تعد هي التي يتم بها تداول السلع والخدمات والاتجاه إلى مفهوم جديد وهو النقود الإلكترونية، والتي لها منافع كبير جدا تتمثل في زيادة الودائع تحت الطلب لدى البنوك التجارية الأمر الذي يعود مستقبلاً على زيادة القدرة الائتمانية للمصارف التجارية يؤدي أيضا إلى ارتفاع احتياطيات البنك المركزي الحرة وتقليل الاحتياطيات المقيدة المستخدمة في غطاء العملة”.
واستطرد “لقد قطع قطاعكم المصرفية شوطاً كبيرا في إدخال الميكنة الحديثة وأصبح الشمول المالي من أهداف القطاع المصرفي، بحيث يستفيد كل المواطنيين من خدمة مريحة بدون تعقيدات باستخدام الوسائل الإلكترونية في كثير منها بدون القدوم إلى أي مصرف، لقد قامت المصارف بتخفيض العمولات. سيدي المواطن إن دفعك لعمولات مصرفية للمصرف في حدود 300 دينار في السنة لا يمثل شيء في مقابل لو استمر البنك المركزي في طباعة النقود ويتم تخزينها في البيوت”.
الوسومالعكاري العملة المصارف النقود ليبيا