نِعم الله على العبد كثيرةٌ لا تُعدُّ ولا تُحصى في هذا الكون الفسيح، ومن هذه النعم نعمة (الوقت)، فهو نعمة عظيمة أكرم الله سبحانه وتعالى بها الإنسان في الدنيا، فالوقت هو كل حياتنا ورأس مالنا في هذه الحياة، والمسلم المتعلق بربه في كل لحظة من حياته هو يدرك غاية الإدراك هذه الفرصة الذهبية التي يعيشها في حياته ويكون حريصًا فطنًا مستغّلًا كل أوقاته الثمينة التي تقربه من خالقه عزوجل سبحانه وتعالى، قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون ـ 9).
وها هو الإمام ابن القيم يبين هذه الحقيقة بقوله:(وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته…. فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته).
إنّ أيام الله التي نعيشها في هذه الدنيا تمرُّ سريعًا كمرور السحاب والأعوام، تلاحق عامًا بعد عام، فقبل أشهر استقبلنا دخول عام هجري جديد وها هي تمضي من هذا العام خمسة أشهر.. وها نحن حاليًّا في شهر جمادى الأولى، فاليوم أصبح في هذا الزمان كالأسبوع، والأسبوع كالشهر، والشهر كالسنة.. يا الله ما أسرع الأيام وكل يوم نقترب من رحيلنا من الدنيا إلى رحلة القبر ومن القبر إلى يوم الحساب.. كل من حولنا يذكرنا بقيمة الوقت العظيم الذي نعيشه فشروق شمس ومغبيها من يومك لن يعود فقد رحل من عمرك وغدًا تستقبل يوم جديد وهكذا تمر أعمارنا سريعة كسرعة البرق فهل توقفنا لحظة وحاسبنا أنفسنا عمّا مضى من أعمارنا من السنوات وتقصيرنا وضياع الوقت الكثير من حياتنا فهل استيقظنا من غفلتنا وشعرنا بذلك وصحّحنا مسار حياتنا في اغتنام نعمة الوقت، وقد جاء في الأثر أنه: (ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني لا أعود إلى يوم القيامة)، وكان الحسن البصري (رحمه الله) يقول:(يا ابن آدم إنما أنت أيام إذا ذهب يوم ذهب بعضك)، وقال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه):(ما ندمت على شيء، ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي).
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين:(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (آل عمران ـ 190)، ويقول سبحانه:(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ) (الإسراء ـ 12)، ويقول تعالى في عدة آيات:(واللَّيْلِ إِذَا يَغْشى والنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)، (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ)، (وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ)، (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِيْ خُسْر).
لقد تعددت آراء وأحوال الناس في التعامل مع الوقت، فمنهم من يندم ويتحسر على مرور لحظة لم يذكر فيه الله، ويندم أهل الايمان على أغلى شيء في حياتهم من الوقت الثمين الذي مرَّ من خلاله ساعة لم يستغلها في ذكر وطاعة وتفكر في مخلوقات هذا الوجود لتكون هذه الساعة الغالية في سجل ميزان حسناته ليفوز بها في يوم الحساب، ومن قد خسر في يومه ساعة لم يهتم بها ما يعود عليه في الدنيا والآخرة على شيء إلا على ساعة مرّت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها.
إذ ليس في الوجود أغلى من الوقت، وفئة أخرى من الناس وخاصة في هذا الزمان الذي كثير من الناس لم يعطي الوقت أي أهمية في حياته مال إلى الكسل وضعفت العزائم وقلّت الهمم وكثر التفريط في استغلال الوقت واتجهت به النفس الإمارة إلى السوء، وأصحاب شيطان الأنس دعته إلى ضياع الوقت والدعة والراحة والعجز والجهل والتفريط بقيمة هذا الكنز الثمين (الوقت)، فمنهم يقضيه في مجلس مع أصدقائه في الغيبة والنميمة ونسوا ذكر الله، ومنهم من يقضيه أمام شاشات التليفزيون لمتابعة الأفلام والمسلسلات والاغاني الماجنة، ومنهم عبر الهاتف يقضي ساعات طويلة تمرُّ من حياته، فضاع وقت من عمره بدون فائدة تعود عليه في دنياه وآخرته، وتقصير في الطاعة وتكاسل في أداء العبادات في أوقاتها.
فيا أخي الغالي.. ألم تتفكر مرور الليل والنهار من كل يوم من حياتك؟! فهناك فئة من المجتمع بذلت الغالي والنفيس في كل أوقات حياتها.. فحددت هدفًا ساميًا ومن خلاله تستطيع استغلال الوقت بمختلف الأعمال والعبادات التي يتحقق من خلالها العمل الصالح، وقد فاضت السنة النبوية بكثير من الاحاديث التي تحث على استغلال الوقت، ويروي لنا البخاري في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضى الله عنهما) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم):(نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ)، وأول ما يُسْأل عنه العبد يوم القيامة الوقت والزمن، وقال (صلى الله عليه وسلّم):(لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ..) (رواه الترمذي)، وقال (عليه الصلاة والسلام):(اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ) (رواه الحاكم).
ولقد أمر نبينا (صلى الله عليه وسلم) بالمبادرة إلى الأعمال قبل حلول العواقب، حيث قال (صلى الله عليه وسلم):(بادروا بالأعمال سبعًا، هل تنتظرون إلا غنىً مطغيًا، أو فقرًا منسيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفندًا، أو موتًا مجهّزًا، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر).
إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري
كاتب عماني
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: صلى الله علیه من حیاته
إقرأ أيضاً:
إنقاذ شخص حاول التخلص من حياته حرقا بالمرج |ماذا حدث
أقدم شخص على التخلص من حياته حرقًا وسط شارع شارع مكة بدائرة قسم شرطة المرج، وتدخل المارة وأنقذوه من الموت المحقق، وقاموا بنقله للمستشفى العام للعلاج.
إنقاذ شخص حاول التخلص من حياته حرقا بالمرج |ماذا حدثوكان أهالي شارع مكة بدائرة قسم شرطة المرج، قد تفاجئوا بشخص يسكب على جسده "بنزين" ثم أضرم النار في نفسه، مرددًا كلمات غير مفهومة، سرعان ما تدخلوا وأخمدوا النيران التي كادت تلتهم جسده، ونقلوه إلى مستشفى السلام، حيث أصيب بحروق بالوجه والكفين من الدرجة الثانية.
وتواصل الأجهزة الأمنية جمع المعلومات عن الواقعة والتحريات حول هوية المتهم والتوصل لأسرته ومناقشة شهود العيان، واستجواب المجني عليه فور تحسن حالته الصحية بتلقي العلاج.
السيطرة علي حريق داخل جراج مدرسة دولية بالسلامنجحت قوات الحماية المدنية بمديرية أمن القاهرة ، من السيطرة على حريق نشب داخل جراج مدرسة دولية، تابعة لـ قسم شرطة أول السلام بمنطقة السلام بمحافظة القاهرة، وتسبب في التهام 3 أتوبيسات مدرسية.
وتلقت الأجهزة الأمنية بمديرية امن القاهرة، إخطارا من غرفة العمليات يفيد بنشوب حريق داخل جراج مدرسة دولية بمنطقة السلام.
وعلى الفور انتقلت الأجهزة الأمنية مصحوبة بسيارات الإطفاء إلى مكان الحريق، وتم فرض كردون أمني لمنع امتداد الحريق إلى الأماكن المجاورة، وتمت محاصرة النيران والسيطرة عليها، وتبين نشوب الحريق داخل 3 أتوبيسات.
تم تحرير محضر بالواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية، وأخطرت الجهات المختصة لمباشرة التحقيقات.