«ملتقى تعبير الأدبي 2».. مشاركة جماهيرية واسعة وتوصيات مؤثرة
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
دبي – إبراهيم الدسوقي
اختتمت هيئة الثقافة والفنون في دبي “دبي للثقافة”، فعاليات النسخة الثانية من ملتقى تعبير الأدبي، التي نظمتها يومي 11 و12 ديسمبر الجاري في مكتبة محمد بن راشد، بمشاركة واسعة من كبار المسؤولين والمثقفين والأدباء، بالإضافة إلى حضور وتفاعل جماهيري لافتاً. وشهد الملتقى تنظيم سلسلة من الندوات الأدبية وورش العمل التخصصية الأكاديمية وتوفير منصات تفاعلية ومعارض مميزة، ليشكل بذلك منصة لتبادل الأفكار والخبرات بين الكتّاب والمثقفين في الدولة وتسهم في نهضة وتعزيز الحراك الأدبي على المستوى الوطني.
ولفت محمد الحبسي، مدير إدارة الآداب بالإنابة في “دبي للثقافة” إلى إنَّ نجاح “ملتقى تعبير الأدبي” يعكس أهمية التفاعل والحراك الثقافي الذي تشهده دبي والإمارات، ويبرز حجم الجهود التي تبذلها “دبي للثقافة” في تنظيم مبادرات ومشاريع نوعية قادرة على النهوض بقطاع الثقافة والفنون المحلي، وتهدف إلى ضمان استدامته وتطوره. وقال: “ما حققه “ملتقى تعبير الأدبي” من حضور ومشاركة فاعلة يؤكد أهمية دوره في تهيئة بيئة إبداعية تتواءم مع طموحات وتطلعات المثقفين والأدباء وأصحاب المواهب الناشئة، ويعكس حرص الهيئة على تحفيز أبناء الحركة الثقافية وإبراز إبداعاتهم وإنتاجاتهم الأدبية المختلفة، حيث تميزت نسخة الملتقى لهذا العام في إعداد مجموعة توصيات قابلة للتنفيذ ستسهم في التغلب على العديد من التحديات وتعزز حضور الأدب الإماراتي على الساحة العالمية. وأضاف: “في ظل عصر تتغير فيه الأطر التقليدية للأدب بسرعة، أصبح من الضروري تبني هذه التغييرات والاستفادة منها في بناء المستقبل، من خلال التركيز على الابتكار ودمج التقنيات الحديثة في قطاع الثقافة والفنون، وإتاحة الفرصة أمام الكتّاب للمشاركة بآرائهم في إثراء المشهد الإبداعي المحلي، ما يساهم في تحقيق رؤية دبي الثقافية الهادفة إلى ترسيخ مكانة الإمارة مركزاً ثقافياً عالمياً، حاضنة للإبداع، وملتقى للمواهب”.
وتضمن ملتقى تعبير الأدبي أكثر من 50 متحدثاً وخبيراً من مختلف المجالات الأدبية، و16 جلسة حوارية، و11 ورشة تدريبية أكاديمية متخصصة، والتي تناولت العديد من الموضوعات من بينها الكتابة الإبداعية، والذكاء الاصطناعي في الأدب، وترميم وصناعة الورق، فيما قدمت فعاليات «المكتبة البشرية»، تجربة غنية للزوار لاستكشاف مواضيع مختلفة مثل الرسم التوثيقي وأدب الرحلات من خلال نوافذ تفاعلية، بالإضافة إلى تنظيم أمسيات شعرية مميزة ومعارض تفاعلية احتفت بالخط العربي والفنون الأدبية المتنوعة.
كما شهد الملتقى تنظيم حفل تكريم للمشاركين تقديراً لجهودهم في إثراء النقاشات الأدبية والثقافية ومشاركاتهم الفكرية المتميزة، حيث كرمت “دبي للثقافة”، الفنان القدير أسعد فضة، ومسرح دبي الوطني، ومعهد الشارقة للتراث، ومكتبة محمد بن راشد، الشريك الاستراتيجي، وجمعية الناشرين الإماراتيين- منصة توزيع، واتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، الشريك الاستراتيجي، وندوة الثقافة والعلوم، ومجلة ماجد، ومنصة الذكاء الاصطناعي، وأكاديمية الإعلام الجديد، ونادي دبي لأصحاب الهمم، وشركة الهتان للاستثمار.
وفي ختام فعاليات الملتقى قدم المشاركون سلسلة من التوصيات الرامية إلى دعم قطاع الثقافة والفنون المحلي، من بينها أهمية بناء جسور بين الأجيال الأدبية وتشجيع التفاعل والتواصل بين الكتّاب المخضرمين والشباب، والعمل على تطوير مبادرات لترويج الأعمال الأدبية واستخدام التكنولوجيا لتوسيع نطاق الوصول إلى الجمهور، والمساهمة في ترويج وترجمة الأدب الإماراتي إلى لغات عدة لتعزيز تأثيره وحضوره على الساحة العالمية، وتضمنت المخرجات، توصية بالعمل على دمج الأعمال الأدبية الإماراتية في المناهج التعليمية، وتنظيم مسابقات وجوائز أدبية لتحفيز الإبداع بين الكتاب الشباب، وتنظيم دورات تدريبية وورش عمل في مجالات متنوعة مثل الكتابة الإبداعية والنقد الأدبي.
وحث الملتقى على أهمية استكشاف استخدام الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه في قطاع الثقافة، إلى جانب تشجيع الأدب المسرحي والسينمائي، وأهمية تطوير العلاقات مع المؤسسات الأدبية الدولية وتمويل البحوث التي تركز على الأدب الإماراتي ودوره في المجتمع والثقافة العالمية، بالإضافة إلى تعزيز الحوار حول دور الأدب في تشكيل الهوية الثقافية والتراثية المحلية، ودعم وتطوير أصحاب المواهب الناشئة وفتح آفاق جديدة أمامهم
ويعد ملتقى التعبير الأدبي سلسلة ثرية من الندوات الأدبية والورش التخصصية الأكاديمية والمنصات التفاعلية والأمسيات الشعرية التي ينطق فيها الشعر بجواهر اللغة، تقود من خلال هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، حركة تفعيل الساحة المحلية وترفع به وتيرة الأنشطة الثقافية في إمارة دبي، كجزء من التزاماتها الهادفة إلى تعزيز مكانة دبي على الساحة الثقافية العالمية. وعبر برنامجه يكشف «ملتقى تعبير الأدبي» عن ثراء المشهد الثقافي المحلي، مشكلاً في الوقت ذاته نقطة تواصل بين الأدباء والمثقفين والإعلاميين في الإمارات، الذين يستعرضون قضايا القطاع الثقافي والأدبي وما يقدمه من فرص للنهوض بمكونات القطاع الحيوية.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الثقافة والفنون دبی للثقافة
إقرأ أيضاً:
بين البازعي والمسلم
تابعت فـي الأيام السابقة الجدل الذي أثارته مقابلات أجريت لسعد البازعي وأسامة المسلم فـي برنامج «مخيال» إذ يقول الأول: إن ما يكتبه المسلم لا يُعدّ أدبًا، وإن ذائقته تأنف هذه الكتابة، فـيما يعتبر المسلم موقف البازعي مبررًا لانفصاله عن الواقع، و«ديناصوريته» أي التقاليد التي يؤمن بها وقدمها وعدم صلاحيتها للوقت الحالي، وكان المسلم قد أشار غير مرة إلى أن «الهجوم» الذي يتعرض له نابعٌ من الحسد والغيرة.
أولًا: يصرُّ مقدم البرنامج على دفع البازعي إلى منطقة لم يقف البازعي نفسه عليها، فـيقول له: إن فـي رأيه مصادرةً لذائقة أخرى أو انحيازًا وما شابه ذلك من أوصاف، إلا أن البازعي يصرُّ على أن ذلك هو رأيه، وهو لا يمتلك الحق فـي أن يوقف الكاتب فكيف للرأي أن يوقف شيئًا ما! وما يغيب عن نظر كثير من الذين تابعوا هذا الحوار، أن ما يضمره من قدرة إنسان واحد وسلطته على مصادرة وجود إنسان آخر وما ينتجه، هي أزمة لا علاقة لها لا بالأول ولا الثاني، بل بمخيالنا عما يعنيه إبداء الرأي وحرية التعبير وبالفضاء الذي يحكمنا، وبقدرة كل صاحب موقف أن يجد له مكانًا فـيه.
ثانيًا: لطالما كانت الذائقة الأدبية محل نزاع فعلى ماذا يتم الاستناد، وما المرجعية التي تحدد أهمية نص وجمالياته دون نص آخر، وقد ناقشها العديد من الكتّاب مثل كتاب «تجربة فـي النقد» لسي أي لويس الناقد والكاتب البريطاني، وقد قدمتُ مراجعة مستقلة عنه فـي عمودي الصحفـي هذا. وكانت أبرز أفكار الكتاب هي المواقف أن النظرية الأدبية أُنتجت من مواقف ابستمولوجية مختلفة، أي من مواقع ومواقف معرفـية بعينها، وبهذا فإن شرطًا لنقد يرتبط بموقف معرفـي محدد.
وأقتبس من مقالي السابق «ركّز على التفريق بين ما يطلق عليه القارئ الأدبي والقارئ غير الأدبي، والفرق بينهما فـي حقيقة تقدير الأدب الذي يمتاز بها الأول، أما القارئ غير الأدبي فإنه عادة ما يميل لاستخدام الأدب. إذ يعد العمل الأدبي بالنسبة له مختبرا لاستخراج الحكم على سبيل المثال، أو مصدرا لعيش حلم اليقظة الأناني كما يسميه، إذ يغذي من خلال الأدب خيالات خاصة، غالبا ما تتمثل فـي حاجات الإنسان الأولى، ورغبته فـي الثراء، أو الحصول على الحب الرومانسي، وما إلى ذلك، يقول سي أي لويس «التعامل مع ما نقرأ بأنه يكون ما هو عليه فحسب لا بأنه يعني كذا وكذا. إنها ليست مجرد لوجوس (شيء قيل) ولكن بويما (شيء صُنع). أي القارئ الجيد يجب أن ينتبه للأشياء لذاتها كخطوة أولى)». ويجد أن الشرط الضروري لكل قراءة جيدة هي الانعزال التام عن ذواتنا. «... نسعى لتوسيع كياننا. نريد أن نكون أكثر من أنفسنا. يرى كل منا بطبيعته العالم كله من وجهة نظر واحدة من منظور وانتقائية خاصة به. وحتى عندما نبني خيالات نزيهة، فإنها تكون مشبعة بعلم النفس الخاص بنا ومحدودة بها.... نريد أن نرى بعيون أخرى، أن نتخيل مع تخيلات أخرى، أن نشعر بالقلوب الأخرى، وكذلك بقلوبنا». وليس هذا هو الموضوع الذي أريد أن أتناوله فـي هذه المقالة، فمسألة الذوق الأدبية ومعايير النقد ينبغي أن يُفرد لها مساحة أخرى.
أعتقد إذن أن هنالك نوعًا من التبسيط عندما نقرأ هذا الصراع من منظور التسابق على الاستحواذ على القارئ والاستيلاء على سوق النشر. الأمر ذاته عندما يبدو رفض هذه الرواية من منطلق أنها «رديئة» أو «رخيصة» نوعًا من الاستعلاء، وهنالك اتهام يزعجني على نحو خاص، وهو أن هنالك مشهدًا ثقافـيًا هشًا، لا يمكن أن ينتج إلا هذا النوع من الجدل والمنافسة.
أظن بأن مصدر هذا الانزعاج هو عدم استجواب الثقافة التي جعلت هذا الحوار موجودًا من الأساس، وتلك الأنواع من الآداب حاضرة. إنه يصرف النظر عن التحقيق فـي المنظومة ويقدم إجابة سهلة. إذن يمكن القول إن الأسئلة الجديرة بالتفكير لم ُتطرح بعد، وإننا ندور فـي حلقة من التملق للذات عندما نشعر ككتاب بأننا منفتحون حتى على وجود الأدب الرديء، متجاهلين الطريقة التي يفكر فـيها ذلك الأدب، ومساهمته فـي تعميق ما هو قبيح بطريقة ما فـي عالمنا.
لم تكن الأسماء التي طرحها سعد البازعي فـي المقابل إلا تلك الأسماء التي كرستها المنظومة أيضًا وكانت عبده خال وبدرية البشر وآخرين، وقد نفكر فـي أنه غير متابع للمشهد بالنظر إلى تقدمه فـي السن، لكن هذا يستدعي فورًا التحقيق فـي المنظومة أيضًا. وبهذا يصبح كلا الطرفـين متشابهين على نحو ما، إنهما لاعبون فـي اللحظة التاريخية هذه وما تفرضه من سياسة على كل شيء.
ما أريد قوله إنه ينبغي علينا أن نتقصى فـي هذا الجدل ما أنتجه أولًا، ثم نفكر فـي أهمية تدافع الأفكار وإثارتها فـي هذا الوقت وأهميتها للأدب ولنا.