جريدة الوطن:
2025-11-09@13:58:08 GMT

أصول العنصرية الأوروبية

تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT

لا غرابة على الإطلاق في الموقف الأميركي المؤيِّد للاحتلال في فلسطين وللمجازر الَّتي يرتكبها بحقِّ الفلسطينيِّين، السكَّان الأصليِّين. وليس للأمْرِ علاقة بحركة مقاومة تَعدُّها أميركا وأوروبا وبعض العرب «إرهابيَّة». المسألة ببساطة تَعودُ إلى جذور أوروبيَّة لدى النخَبِ الأميركيَّة الَّتي ترجع أصولها إلى أوروبا قَبل مغامرتهم الاستيطانيَّة في أميركا الشماليَّة.

وكما يقول المَثل «العِرق دسَّاس»، والأميركيون في أغلبهم يحملون تلك العنصريَّة الأوروبيَّة الَّتي يرجع تاريخها إلى عصور القارَّة المظلمة قَبل قرون طويلة. ولطالما أظهرت الامبراطوريَّات الأوروبيَّة القديمة، والدوَل/المُدُن فيها، تلك العنصريَّة تجاه بعضها وخاضت حروبًا على أساسها قتلت فيها من شعوبها الملايين على مرِّ التاريخ وأُعيد تشكيل دوَلها أكثر من مرَّة. ورغم حسابات المصالح والسِّياسة، خصوصًا في نهاية الحروب، إلَّا أنَّ العنصريَّة كانت دومًا حاضرة في تاريخ أوروبا القديم والحديث. أحيانًا تكُونُ ظاهرة فجَّة، وأحيانًا مستترة تحت ضغط القوانين كَيْ تحافظَ على مُجتمعات دوَلها.
يخطئ مَنْ يتصوَّرَ أنَّ العنصريَّة مرتبطة أكثر ببروز اليمين السِّياسي، وإن كان ذلك سادَ في فترات سابقة من تاريخ القارَّة الأوروبيَّة. فالعنصريَّة سِمة شاملة، وربَّما كانت عِند اليسار الأوروبي أكثر تأثيرًا لكنَّها تغلَّف بأفكار اجتماعيَّة/اقتصاديَّة تخدع النَّظر. لَمْ تكُنِ الفاشيَّة والنازيَّة وغيرها من الحركات العنصريَّة في القرن الماضي تطورًا ظهر من فراغ أو نتيجة مرحلة تدهور في الدوَل الأوروبيَّة الَّتي ظهرت فيها ـ وكانت كُلُّها بالمناسبة نتيجة فوز أحزاب اشتراكيَّة (يساريَّة) بالانتخابات. إنَّما كانت تعبيرًا عن سِمة موجودة، تختفي تحت السطح في فترات الازدهار وتظهر في فترات التراجع والضعف. لكنَّها قَدْ تظهر بأشكالٍ مختلفة في فترة الرواج والتطوُّر وربَّما بشكلٍ أقوى وإن كان «مستترًا» في شعارات برَّاقة. تلك السِّمة هي الَّتي ساعدت مجموعات الغزاة المحتلِّين، والمهجَّرين الَّذين نقلوهم فيما بعد، على استيطان «العالَم الجديد» مِثل أميركا الشماليَّة وأستراليا. ومكَّنت أحفاد العنصريَّة الأوروبيَّة من ارتكاب المجازر بحقِّ السكَّان الأصليِّين في تلك البلدان، من الهنود الحمر إلى الأبورجين، والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم. وما أن انتهى الأوروبيون الأوائل من قتل السكَّان الأصليِّين وطردهم من أرضهم وحظر مَنْ تبقى مِنْهم في «مستعمرات» موجودة حتَّى الآن، تقاتلوا معًا في «عنصريَّة بَيْنيَّة» فيما عُرفت بالحرب الأهليَّة الأميركيَّة الَّتي أنتجت الولايات المُتَّحدة الحاليَّة.
لعلَّ التشابه الكبير بَيْنَ الأوروبيِّين في احتلالهم أميركا وبَيْنَ الصهاينة الأوروبيِّين في احتلالهم فلسطين من الوضوح بما يجعل الاثنين صنوان. مِن هنا كانت بريطانيا (الامبراطوريَّة) راعية احتلال الصهاينة الأوروبيِّين لفلسطين بداية القرن الماضي. ونتذكَّر المجازر الَّتي ارتكبها هؤلاء بحقِّ الفلسطينيِّين وطردهم من أراضيهم وبيوتهم وبلداتهم وقراهم، لاجئين فيما تبقَّى من بلادهم فلسطين أو في دوَل الجوار. كُلُّ ذلك حدَث تحت الانتداب البريطاني على فلسطين. وبعد الحرب العالَميَّة الثانية ورثت أميركا التراث الأوروبي الاستعماري حَوْلَ العالَم وإن بشكلٍ مختلف. لكنَّ الأهمَّ، أنَّ الأصول العنصريَّة ممتدَّة منذ وقت نزوح هؤلاء الأوروبيِّين إلى أميركا قَبل بضعة قرون حتَّى انتقال مركز القوَّة من أوروبا إلى أميركا بعد الحرب. لذا تجد العنصريَّة الأميركيَّة، الواضحة في موقفها من الاحتلال الصهيوني والفلسطينيِّين ـ بل وربَّما من العرب أجمعين ـ أشدَّ وضوحًا من البريطانيَّة والأوروبيَّة من قَبل. فهي عنصريَّة مضاعفة: لأصولها الأوروبيَّة التقليديَّة ولتشابهها مع الاحتلال الصهيوني في الغزو الاستيطاني. ولا يختلف في ذلك يمين أو يسار أميركي، ولا حزب جمهوري ولا ديموقراطي، فكُلُّ تلك التنويعات السِّياسيَّة هي في إطار عنصري أصلًا. وهكذا تجد إدارة بايدن الديموقراطي لا تقلُّ دعمًا لـ»إسرائيل» عن إدارة ترامب الجمهوري.
من حركة التاريخ، تبرز العنصريَّة أكثر في فترات الضعف والتراجع. ولعلَّ ما تمرُّ به أوروبا الآن من تدهور على كافَّة أصعدة السِّياسة والاقتصاد هو ما يفسِّر جزئيًّا صعود الَّتيارات المتطرِّفة والمتشدِّدة وبروز العنصريَّة مجددًا. ليس فقط تجاه المهاجرين من آسيا وإفريقيا، ولا حتَّى تجاه غير الأوروبيِّين حتَّى لو كانوا من أصول قوقازية مِثلهم وإنَّما حتَّى فيما بَيْنَ الشعوب الأوروبيَّة ذاتها. وما حدث في وقت وباء كورونا من سرقة دوَل أوروبيَّة كمامات وأجهزة تنفُّس من دوَل أخرى «شقيقة»، بل وتسخير أجهزة الاستخبارات وحتَّى العصابات للاستيلاء على مواد طبيَّة من دوَل أخرى، كان بداية وضوح صعود التوجُّه العنصري الأوروبي. وإذا كانت الدوَل الأوروبيَّة حافظت على الحدِّ من عنصريَّة شعوبها بالقوانين والقواعد الَّتي تُشكِّل «النِّظام» العام لمجتمعات توصف بأنَّها «ديموقراطيَّة متقدِّمة»، فإنَّ ما يحدُث الآن ـ للأسف ـ يزيد من التوجُّهات العنصريَّة. فتشديد قوانين القمع المناقضة لحُرِّيَّة الرأي والتفكير وحقِّ المراجعة والانتقاد إنَّما تزيد من موجات العنصريَّة وتفاقم من الأصوليَّة المتشدِّدة. المثير للسخرية أنَّك تجدُ أكثر دَولتَيْنِ تغاليان في سنِّ قوانين قمع حُرِّيَّة الرأي والتفكير هما أكثر دَولتَيْنِ تدعيان الديموقراطيَّة والحُرِّيَّة وغيرها من الشعارات البرَّاقة. فالولايات المُتَّحدة وفرنسا هما أكثر بَلدَينِ الآن تشدِّد حكوماتهما القوانين لتكميم الأفواه الَّتي تحاول حتَّى التعبير عن رأيٍ منطقيٍّ ضدَّ الاحتلال الصهيوني.
صحيح أنَّ ذلك يحدُث أيضًا في بريطانيا، الَّتي طالما وُصفت بأنَّها «أعتى ديموقراطيَّة» في العالَم، لكن بريطانيا وصلَت من الضعف حدًّا جعلَها تزايد على الآخرين وتتخلَّى عن «رصانتها» القديمة الَّتي بقيَت حتَّى بعد سقوط الامبراطوريَّة. ولعلَّ أميركا وفرنسا وألمانيا وبقيَّة أوروبا أيضًا تمرُّ فعلًا بمرحلة تراجع تبرز أصولها العنصريَّة.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة الأوروبی فی فترات العال م

إقرأ أيضاً:

أصول الدين بأزهر الزقازيق تحتفل بمرور 42 عامًا

نظمت كلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر فرع الزقازيق، اليوم الخميس، احتفالًا كبيرًا بمناسبة مرور اثنين وأربعين عامًا على تأسيسها، بالتزامن مع الاحتفال بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة، وذلك بحضور رسمي وشعبي واسع من قيادات جامعة الأزهر الشريف، والقيادات التنفيذية والدينية بمحافظة الشرقية.

 

أقيم الحفل في القاعة الكبرى بالكلية وسط أجواء احتفالية مفعمة بالفخر والاعتزاز، وبدأ بتلاوة مباركة من آيات الذكر الحكيم بصوت القارئ الشيخ الدكتور عبد الفتاح الطاروطي، قارئ الإذاعة والتلفزيون، الذي أضفى على الافتتاح روحًا إيمانية مميزة.

 

حضر الاحتفال الدكتور رمضان الصاوي نائب رئيس جامعة الأزهر لشؤون الوجه البحري، والدكتور حسين بدوية عميد كلية أصول الدين والدعوة بالزقازيق، واللواء الدكتور حمدي لبيب الخبير الاستراتيجي وأحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، والعميد أحمد شعبان المستشار العسكري لمحافظة الشرقية، والدكتور محمود عبد العظيم وكيل وزارة الشباب والرياضة بالشرقية، إلى جانب عدد من عمداء الكليات وأعضاء هيئة التدريس وقيادات الأزهر الشريف والشخصيات العامة.

 

كما شهد الحفل حضور الدكتورة جيهان ثروت الأمين المساعد لقطاع الوجه البحري بجامعة الأزهر، والدكتور محمد إبراهيم حامد وكيل أول وزارة الأوقاف بالشرقية، والدكتور بهاء شعيشع وكيل أول وزارة الصحة، ومحمد خضر نائب وكيل أول وزارة الكهرباء، ومحمد سمير وكيل قصر الثقافة بالشرقية، في تأكيد على التكامل بين المؤسسات الدينية والعلمية والتنفيذية في خدمة الوطن والمجتمع.

 

وفي كلمته، رحب العميد الدكتور حسين بدوية عميد الكلية بالحضور، مؤكدًا أن الاحتفال بمرور 42 عامًا على إنشاء الكلية يأتي تقديرًا لمسيرتها الحافلة في خدمة العلم والدعوة والفكر الوسطي، مشيدًا بما قدمته من علماء ودعاة حملوا رسالة الأزهر الشريف إلى أنحاء العالم، وساهموا في ترسيخ القيم الدينية والوطنية، وأوضح أن الكلية ستظل منارة للعلم والفكر، تحافظ على هوية الأمة وتنشر ثقافة الاعتدال والتسامح.

 

من جانبه، أشار الدكتور رمضان الصاوي نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري، إلى أن كلية أصول الدين والدعوة بالزقازيق تُعد من الكليات الرائدة التي رفعت راية الأزهر الشريف عالية بفضل ما تضمه من كوادر علمية متميزة، مؤكدًا أن الأزهر مستمر في أداء دوره الوطني والعلمي في مواجهة الأفكار المتطرفة، وإعداد أجيال من العلماء المستنيرين الذين يجمعون بين العلم والإيمان والوطنية.

 

وألقى اللواء الدكتور حمدي لبيب، الخبير الاستراتيجي وأحد أبطال حرب أكتوبر، كلمة مؤثرة تناول فيها فترة حرب الاستنزاف وأيام معركة أكتوبر المجيدة، مؤكدًا أن نصر أكتوبر كان ثمرة تخطيط دقيق وإيمان قوي بقدرة المصريين على تحقيق المستحيل. 

 

وأوضح أن الحرب مثلت نموذجًا فريدًا في الاعتماد على المهارة والتكتيك والخداع العسكري، مشيدًا بعبقرية الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي قاد المعركة بحكمة واقتدار حتى تحقق النصر العظيم.

 

كما ألقى الدكتور محمود عبد العظيم، وكيل وزارة الشباب والرياضة بالشرقية، كلمة عبّر فيها عن اعتزازه بمشاركة الأزهر الشريف في إحياء هذه المناسبة الوطنية، مشيدًا بالدور التنويري للأزهر في بناء وعي الشباب وتعزيز الانتماء الوطني، مؤكدًا أن كلية أصول الدين والدعوة تمثل نموذجًا مشرفًا في نشر قيم الوسطية والاعتدال.

 

وأوضح أن وزارة الشباب والرياضة حريصة على التعاون مع جامعة الأزهر ومؤسساتها في دعم المبادرات التي تسهم في بناء الشخصية الوطنية المستنيرة القادرة على مواجهة التحديات وصناعة المستقبل.

 

وتخلل الحفل فقرة للابتهالات والإنشاد الديني قدمها الدكتور أحمد عبده، المدرس بالكلية، بصوته العذب وأدائه المميز، نالت إعجاب الحضور وأضفت على الفعالية أجواء روحانية خاصة، كما شارك منتسبو الكلية في تقديم مجموعة من الأناشيد الوطنية والدينية التي جسدت روح الانتماء والفخر بالوطن والأزهر الشريف.

 

وفي ختام الاحتفال، تم تكريم عدد من أعضاء هيئة التدريس المتميزين وأوائل الطلاب والخريجين تقديرًا لتفوقهم العلمي وجهودهم الدعوية، وسط أجواء من الفخر والتقدير.

 

وأكد الحاضرون في ختام الفعالية أن كلية أصول الدين والدعوة بجامعة الأزهر بالزقازيق ستظل منارة للعلم والفكر، تؤدي رسالتها في خدمة الدين والوطن، مستلهمة نهج الأزهر الشريف في نشر قيم الوسطية والتسامح والسلام.

مقالات مشابهة

  • انطلاق بانوراما الفيلم الأوروبي في دورتها الثامنة عشرة 27 نوفمبر.. "سحر السينما الأوروبية بالقاهرة"
  • الاتحاد الأوروبي: الصين تؤكد استئناف تصدير رقائق نكسبيريا
  • أميركا.. إلغاء أكثر من 1700 رحلة طيران خلال 3 أيام
  • اتحاد كرة القدم الأيرلندي يقر طلباً للاتحاد الأوروبي بتعليق مشاركة “إسرائيل” بالمسابقات الأوروبية
  • محمد صلاح.. هيمنة إفريقية لا تنتهي على عرش الحسم الأوروبي
  • إنذار المسيّرات يربك مطارات أوروبا مُجدّدًا.. والاتحاد الأوروبي يشدّد قيود التأشيرات على الروس
  • شركة أنثروبيك الناشئة في الذكاء الاصطناعي تفتتح مكاتب في باريس وميونيخ ضمن توسعها الأوروبي
  • أصول الدين بأزهر الزقازيق تحتفل بمرور 42 عامًا
  • الذكاء الاصطناعي بات يتنبأ بموجات الحر الأوروبية قبل أسابيع: كيف يعمل
  • أكثر المباريات تكرارا بدوري أبطال أوروبا في القرن الـ21