حوارات إسلامية في بيروت: كيف نحوّل التهديد إلى فرصة؟
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
تدور في بيروت حوارات ونقاشات معمّقة بين العديد من القيادات والشخصيات والحركات الإسلامية حول دلالات وأبعاد معركة طوفان الأقصى، والحرب الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزة، والتطورات والتداعيات لهذه الحرب في المنطقة وعلى الصعيد العربي والإسلامي والعالمي.
وتتركز تلك الحوارات والنقاشات واللقاءات على تقييم التطورات الدائرة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر إلى اليوم، وكيفية تفاعل قوى المقاومة في المنطقة مع هذه التطورات، إضافة لتقييم أداء القوى والحركات الإسلامية إزاء ما يجري، وما هي الخطة العملية المطلوبة من أجل مواكبة هذه التطورات حاليا وفي المرحلة المقبلة.
والسؤال المركزي الذي يطرح في هذه النقاشات: كيف نحوّل التهديد الذي يستهدف اليوم قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة، ولا سيما حركة حماس، إلى فرصة من أجل دعم قوى المقاومة وتوحيد القوى الإسلامية ودعم المشروع الإسلامي المقاوم من أجل تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني المدعوم أمريكيا؟
كيف نحوّل التهديد الذي يستهدف اليوم قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة، ولا سيما حركة حماس، إلى فرصة من أجل دعم قوى المقاومة وتوحيد القوى الإسلامية ودعم المشروع الإسلامي المقاوم من أجل تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني المدعوم أمريكيا؟
فما هي أبرز الخلاصات لهذه الحوارات والنقاشات؟ وكيف يمكن للقوى والحركات الإسلامية الاستفادة مما يجري من أجل استعادة زمام المبادرة؟
يمكن تلخيص أبرز ما قيل في هذه اللقاءات مع عدد من القيادات الإسلامية والمسؤولين في الحركات الإسلامية المقاومة بما يلي:
أولا: لقد شكّلت معركة طوفان الأقصى تطورا كبيرا على كل المستويات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع مع العدو الصهيوني، وهناك نتائج كبرى لهذه المعركة برزت حتى الآن وستكون لها تداعيات كبيرة في المرحلة المقبلة. وكان يمكن لهذه المعركة أن تتحوّل إلى محطة مهمة من أجل تحرير فلسطين، كل فلسطين، لو جرت الاستفادة منها من قِبل قوى المقاومة، لكن هناك أسبابا عديدة منعت ذلك وهذا يحتاج لتقييم داخلي من أجل الاستفادة منها للمرحلة المقبلة.
ثانيا: إن صمود قوى المقاومة في قطاع غزة والمعركة الدائرة من قِبل كل قوى المقاومة في المنطقة؛ تؤكد قدرة هذه القوى على مواجهة الكيان الصهيوني رغم الدعم الكبير الذي يلقاه من أمريكا والدول الغربية ورغم عدم تكافؤ موازين القوى والضغوطات الكبيرة التي تتعرض لها قوى المقاومة، وهذا يعطي الأمل بأننا دخلنا مرحلة جديدة في هذا الصراع ولن تعود الأمور إلى الوراء، وأن نتيجة هذه المعركة ستكون لصالح قوى المقاومة وستُفرض معادلات جديدة في فلسطين والمنطقة والعالم.
ثالثا: لقد أدت هذه المعركة الكبرى إلى تراجع موجات الصراع المذهبي والقومي والصراعات الإقليمية والقُطرية، واستعادت القضية الفلسطينية أولوياتها لدى الشعوب العربية والإسلامية وفي العالم، وهذا يؤكد أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى التي يمكن أن تشكّل عنوانا لمعركة التحرر والنهوض في العالم العربي والإسلامي ولتوحيد المشروع الإسلامي وإعادة بنائه على أسس جديدة، دون أن يعني ذلك عدم وجود تحديات جديدة ومحاولات متعددة لإثارة الفتنة من جديد تحت عناوين مختلفة في المرحلة المقبلة.
رابعا: لقد قدّم الشعب الفلسطيني في هذا الصراع أقوى صور الصمود والمقاومة رغم الحجم الكبير للتضحيات والشهداء والتدمير والاعتقالات، وسيكون لهذا تأثير كبير على الخريطة السياسية في فلسطين والمنطقة. فقد أنهت هذه المقاومة مشاريع التسوية الجزئية، وتراجعت مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكل ذلك يتطلب رؤية جديدة لمستقبل القضية الفلسطينية من قبل القوى المقاومة في المرحلة المقبلة على ضوء نتائج هذه المعركة.
كشفت هذه المعركة الواقع بكل تفاصليه وكيفية توزع القوى الإقليمية والدولية ومواقفها من القضية الفلسطينية وعلاقاتها مع الكيان الصهيوني، وأين هي نقاط القوة ونقاط الضعف، وكذلك أعادت القضية الفلسطينية إلى سلّم اهتمامات الشعوب في العالم، ووجهت ضربات كبيرة لصورة الكيان الصهيوني والسردية التي حاول ويحاول نشرها
خامسا: على الصعيد الإقليمي والدولي، كشفت هذه المعركة الواقع بكل تفاصليه وكيفية توزع القوى الإقليمية والدولية ومواقفها من القضية الفلسطينية وعلاقاتها مع الكيان الصهيوني، وأين هي نقاط القوة ونقاط الضعف، وكذلك أعادت القضية الفلسطينية إلى سلّم اهتمامات الشعوب في العالم، ووجهت ضربات كبيرة لصورة الكيان الصهيوني والسردية التي حاول ويحاول نشرها حول قوى المقاومة. وكل ذلك يتطلّب من قوى المقاومة والحركات الإسلامية تقييم هذه التطورات ونسج علاقات جديدة على الصعد الإقليمية والدولية، لتعزيز نقاط القوة ومواجهة نقاط الضعف والاستفادة من كل ذلك في مشروع مواجهة العدو الصهيوني والقوى التي تدعمه.
سادسا: لقد لعب الإعلام العسكري والحربي لدى قوى المقاومة والإعلام البديل في العالم (مواقع التواصل الاجتماعي) دورا مهما في هذه المعركة، ونجحت قوى المقاومة في مواجهة المحاولات الصهيونية والغربية لتشوية صورة المقاومة وشيطنتها، وهذا يتطلب المزيد من الاهتمام بالإعلام المقاوم وخصوصا الموّجه لشعوب العالم باللغات الأجنبية المختلفة.
سابعا: رغم أهمية التعاون والتنسيق الذي برز بين قوى المقاومة وعلى صعيد الحركات الإسلامية، فإنه لا تزال هناك بعض الإشكاليات والثغرات في عملية التعاون الميداني أو على الصُعد الإعلامية والسياسية، وهذا يتطلب المزيد من اللقاءات والتواصل بين القوى والحركات الإسلامية في المرحلة المقبلة.
نحن اليوم أمام مرحلة جديدة لمواكبة هذه المعركة الكبرى، وهناك فرصة جديدة لاستعادة زمام المبادرة، وما تحقق حتى الآن من صمود وتعاون بين قوى المقاومة، سواء داخل فلسطين أو خارجها هو نتيجة لتطور قدرات المقاومة ولتراكم الفعل المقاوم على مدار سنوات طويلة
وفي خلاصة هذه اللقاءات والحوارات، نحن اليوم أمام مرحلة جديدة لمواكبة هذه المعركة الكبرى، وهناك فرصة جديدة لاستعادة زمام المبادرة، وما تحقق حتى الآن من صمود وتعاون بين قوى المقاومة، سواء داخل فلسطين أو خارجها هو نتيجة لتطور قدرات المقاومة ولتراكم الفعل المقاوم على مدار سنوات طويلة.
ونتيجة المعركة ستكون لصالح قوى المقاومة، وقد كشفت هذه المعركة عن عجز الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي انتصار، وفي المقابل قدّمت قوى المقاومة أعظم صور الصمود والمواجهة، ومن المهم اليوم استكمال هذه المعركة وتأمين مقومات الصمود والمواجهة وزيادة كافة أشكال التنسيق والعمل الميداني على كافة الجبهات.
فمعركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة ستشكّلان محطة كبرى في مسيرة الصراع مع الكيان الصهيوني، وستكون لهما تداعيات كبرى في المرحلة الكبرى، وعلى القوى والحركات والقيادات الإسلامية أن تكون حاضرة في هذه المعركة، وأن تمتلك الرؤية المستقبلية القادرة على تحقيق الانتصار الشامل في المرحلة المقبلة.
twitter.com/kassirkassem
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة فلسطين فلسطين غزة المقاومة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة رياضة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی فلسطین والمنطقة فی المرحلة المقبلة مع الکیان الصهیونی القضیة الفلسطینیة قوى المقاومة فی هذه المعرکة فی العالم من أجل فی هذه
إقرأ أيضاً:
صمود غزة يفتك بـ “اقتصاد الكيان الصهيوني”
يمانيون../
يتعرض العدو “الإسرائيلي” لخسائر اقتصادية فادحة نتيجة عدوانه الغاشم على غزة، هذه الخسائر ليست مجرد أرقام، وإنما تمثل تجسيدا حقيقيا للأثر العميق لعمليات المقاومة. فقد بلغت تكلفة الحرب مستويات قياسية، حيث تأثرت قطاعات حيوية بشكل غير مسبوق، ما أثر بشكل كبير على الحياة اليومية لملايين الصهاينة.
تشير الخسائر البشرية التي تكبدها العدو إلى أن صمود المقاومة الفلسطينية أمام العدوان كان له دور محوري في إحباط المخططات الإسرائيلية. ومع تزايد التقارير التي تُظهر تدهور سمعة الاقتصاد الإسرائيلي، يبدو أن المقاومة -رغم التصعيد- قد تمكنت من فرض واقع جديد أثر في قدرة “إسرائيل” على السيطرة. لم تعد هذه الحقائق قابلة للتجاهل، خاصة مع التصريحات المتزايدة من خبراء ومحللين “إسرائيليين”، إذ يؤكدون أن خسائر الاقتصاد “الإسرائيلي” منذ عملية طوفان الأقصى حتى الآن قد بلغت حوالي 100 مليار دولار، وما زالت هذه الخسائر تتصاعد.
يعاني الاقتصاد الإسرائيلي أيضاً من تأثيرات الأحداث الحالية في غزة، التي تستنزف موارد “إسرائيل” عسكرياً وتكبّد خزينة الكيان مليارات “الشيكلات”. بالإضافة إلى ذلك، تستمر عمليات المقاومة الفلسطينية -المعززة بصواريخ ومسيرات الإسناد اليمني- في تحقيق نجاحات في العمق الإسرائيلي، في وقت تعاني فيه “إسرائيل” من الحظر البحري المستمر على حركة ملاحة سفنها والسفن المتعاونة معها في البحر الأحمر.
الكلفة الاقتصادية باهظة
في مقابلة أجرتها صحيفة “معاريف”، أدلى أفيغدور ليبرمان بتصريحات قوية ضد من يسمى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكداً أن الأخير “قاد إسرائيل إلى الدمار ولا يعرف إدارة أي شيء”. وفي إطار حديثه، أضاف ليبرمان أن نتنياهو يسعى فقط لضمان بقائه في السلطة لأطول فترة ممكنة، في وقت تواجه فيه “إسرائيل” التهديدات الوجودية، وتدخل في أزمة متعددة الأبعاد هي الأعمق منذ إنشائها، تجلت في القتلى والجرحى من “الجنود” والمستوطنين، بالإضافة إلى الكلفة الاقتصادية الباهظة”.
في السياق، يكشف التقرير الصادر عن منظمة “لاتيت” للإغاثة الإنسانية أنه -بالإضافة إلى التحديات الأمنية والعسكرية الراهنة- هناك حرب أخرى، وهي “الحرب على الفقر، حيث تواجه “إسرائيل” اختباراً أخلاقياً يتطلب التضامن والمسؤولية المتبادلة. ويعد هذا الاختبار عاملاً حاسماً في تحديد مدى صمود المجتمع وقوته أو ضعفه عند مواجهة هذه الأزمات”.
وحسب صحيفتي “يديعوت أحرونوت” و”إسرائيل اليوم”، يوضح التقرير أن تكاليف المعيشة التي كانت مرتفعة بالفعل قبل الحرب، شهدت تفاقماً ملحوظاً بسبب الظروف الحالية، ما تسبب في ضغوط لزيادة الأسعار، وخصوصاً في قطاع المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية. وكشفت الأرقام أن متوسط الإنفاق الشهري للأسر المدعومة بلغ 10,367 شيكلاً (ما يعادل 2,870 دولاراً)، وهو أعلى بنسبة 1.7 مرة من متوسط صافي دخلها الشهري البالغ 6,092 شيكلاً (1,686 دولاراً).
ويظهر التقرير أن 78.8% من الأسر المدعومة من “حكومة” العدو تعاني من الديون، مقارنة بـ26.9% من عامة السكان، فيما عانى 65% من متلقي المساعدات من تدهور أوضاعهم الاقتصادية، بالإضافة إلى 32.1% من عامة الناس خلال العام الماضي. تقوم هذه الأرقام بتسليط الضوء على عمق الأزمة الإنسانية التي تؤثر على فئات مختلفة من الصهاينة.
كذلك، تشير النتائج إلى التأثير على الأطفال والمراهقين الذي أحدثته الحرب، حيث تأثرت الإنجازات الأكاديمية لـ44.6% من الأطفال المدعومين بشكل كبير مقارنة بـ1.14% في صفوف عموم السكان. بل ووجد أن خُمس الأفراد الذين تلقوا المساعدات أفادوا بأن أحد أطفالهم ترك المدرسة أو اضطر للانتقال إلى مدارس داخلية بسبب الضغوط المالية.
وبالنظر إلى فئة كبار السن من اللصهاينة، تظهر التقديرات أن 81.7% من هؤلاء المستفيدين يعانون من الفقر، و52.6% في فقر مدقع. كما يُعاني أكثر من ثلثهم (34.8%) من انعدام الأمن الغذائي الشديد، و60.4% من كبار السن المدعومين اضطروا للتخلي عن الأدوية أو العلاج الطبي بسبب عدم قدرتهم على تحمل التكاليف.
ويؤكد تقرير “لاتيت” أن العائلات داخل كيان العدو تعيش في حالة من الخوف المستمر من نفاد الطعام، وعدم قدرتها على تأمين وجبات متوازنة لأطفالها. ومع تصاعد التحديات، تنبأ مؤسس شركة “لاتيت” والرئيس التنفيذي للمنظمة بأن التوقعات المستقبلية ليست مطمئنة، حيث من المتوقع أن تؤدي الإجراءات الاقتصادية المخطط لها -مثل زيادة ضريبة القيمة المضافة وشروط التأمين- إلى تفاقم معاناة الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع. هذه الوقائع تكشف عن أزمة شاملة يمر بها الكيان المؤقت.
هشاشة الوضع الاقتصادي الإسرائيلي
تشير التقارير الأخيرة من “إسرائيل” إلى أن الاقتصاد يعاني من تقلبات حادة نتيجة العدوان على غزة، ما يعكس عدم جدوى هذا العدوان بدلالة تأثيره المدمر على الاستقرار الاقتصادي حيث أصبح الكيان الصهيوني مقصداً للمضاربين الذين يستغلون الظروف الصعبة لجني الأرباح. فبدلاً من الاستقرار، تتعرض الأسواق للارتباك، ما يبرز فشل “إسرائيل” في تحقيق أهدافها العسكرية. تعكس تصرفات المضاربين حقيقة يأس المستثمرين وفقدانهم الثقة في مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي.
إن التحولات الاقتصادية التي يشهدها السوق “الإسرائيلي” تؤكد أن العدوان لم يحقق أهدافه، بل ساهم بدلاً من ذلك في تعزيز صمود المقاومة وزيادة هشاشة الوضع الاقتصادي في “إسرائيل”. ومن المتوقع أن تشير التطورات المستقبلية إلى استمرار هذا الاتجاه، ما يعزز الأمل في تحقيق نتائج إيجابية تعكس ما أنجزته جهود المقاومة من انتصارات مستمرة.
تستمر الأحداث في “إسرائيل” في كشف واقع اقتصادي متزعزع، حيث أدت التطورات الجارية إلى خلق بيئة مواتية للانتهازية المالية. تظهر التغيرات السريعة في أسعار العملات -مثل الشيكل- تقلبات غير مسبوقة؛ فعلى سبيل المثال، انخفض “الشيكل” بشكل حاد إلى أكثر من 4″ شيكل” لكل دولار في بداية العدوان على غزة.
هذه التغيرات تعكس عدم استقرار الوضع الاقتصادي في الكيان ، وهو ما يخلق صورة مواتية للمستوطنين الصهاينة عن انهيار النظام المالي وضعف أجهزة الإدارة الاقتصادية للكيان. كما ازدهرت التقلبات فور بداية العدوان، ومع التوصل لاتفاق مع لبنان يظل اقتصاد العدو الإسرائيلي في حالة عدم استقرار مستمر، مع تذبذبات تفوق تلك التي شهدها اليورو في ذات الفترة.
وتشير دراسات لخبراء ومحللين متخصصين في الاقتصاد الاسرائيلي إلى أن المضاربين يستخدمون أدوات مالية متطورة ومعرفة عميقة بالسوق، ما يمنحهم ميزة تنافسية لا تتوفر للآخرين. فالعديد من الصهاينة يجدون صعوبة في فهم أسباب تراجع السوق أمام الظروف الإيجابية، وهذا يُظهر الفجوة بين الخبراء والمستثمرين غير المحترفين. كلما زاد عدم استقرار السوق، زادت فرص الربح للمضاربين، ما يعكس فشلاً في “مجتمع” المستثمرين الأوسع.
الدراسات أثبتت أن السياسات الـ”حكومية” الفاشلة في معالجة الأمور داخل الكيان وخلق انقسامات عميقة في لدى المستوطنين بأنه تتحول “إسرائيل” إلى ملعب مالي مفتوح للمضاربين، حيث تسهم الصراعات السياسية والاجتماعية، ومغالطات ما يسمى بـ”الإصلاحات القانونية المتعلقة بالعدالة”، إلى عمق ما وصل إليه حال الانقسامات في داخل الكيان وما باتت تلعب من دور بالغ الأهمية في زيادة الهوة بين الاستقرار والثقة في السوق. على سبيل المثال، شهدت “إسرائيل” احتجاجات واسعة ضد هذه الإصلاحات، ما أثر على الثقة في أجهزة إدارة الكيان المؤقت وأدى إلى انخفاض في الاستثمارات الأجنبية. بينما يستفيد المضاربون من هذه الفوضى، فإن المستوطنين العاديين يشعرون بارتباك حول كيفية تأثير الأحداث على استثماراتهم ومدخراتهم.
كما تشير التغيرات الاقتصادية غير المدروسة والتي ساهمت في تفتيت الثقة ووضعت الكيان المؤقت في موقف يمكن وصفه بكونه ملعباً للمضاربين. ذلك ما أكده “عيران هيلدسهايم” المراسل الاقتصادي لموقع “زمن إسرائيل” بالقول إن “هذا التدهور الاقتصادي يسلّط الضوء على حقيقة كارثية مفادها أن سياسات الـ”حكومة” الحالية لم تخلق انقساما وصدعا داخليا فحسب، بل غيّرت أيضا وضعها الاقتصادي من قوة تجتذب العديد من الاستثمارات، إلى ملعب مالي للمضاربين من جميع أنحاء العالم، ممن يستغلون عدم الاستقرار والاضطرابات التي تمر على “إسرائيل” لجني الأرباح” وفق مراسل المقع.
مشيرا إلى أن المضاربين -المعروفون بقدرتهم على اتخاذ قرارات سريعة- يعتمدون على تحليل التغيرات اللحظية في السوق. على سبيل المثال، يمكن للمضاربين “شبه أسماك القرش” أن يستفيدوا من الأخبار غير المؤكدة، مثل الشائعات حول التوصل إلى اتفاقات سياسية أو عسكرية، ليشتروا الأصول قبل أن ترتفع قيمتها. وقد أظهرت البيانات أن البنوك الكبرى مثل “جيه بي مورغان” و”غولدمان ساكس” قد حققت أرباحا كبيرة من تلك التغيرات، حيث توقعت تقارير أن تحقق هذه البنوك ما يصل إلى 475 مليون دولار من عمليات التداول المتعلقة بالسندات و”الشيكل”.
وأكد أن من المتوقع أن يكسب البنك الأمريكي الرائد جيه بي مورغان 70 مليون دولار من هذه المعاملات، ما يجعله أكبر رابح بين البنوك العالمية العشرة، ويشير النمو الرقمي إلى نشاط غير عادي وإيجابي في الأصول “الإسرائيلية”، وبالتحديد في عام يتسم بنشاط تداول ضعيف نسبياً، ومن المتوقع أن يسجل بنك “غولدمان ساكس” و”سيتي غروب” أرباحاً كبيرة نتيجة لذلك.
خاتمة
تشير التطورات الاقتصادية في “إسرائيل” إلى أن العدوان على غزة لم يؤد فقط إلى نتائج عسكرية غير محمودة، بل أسفرت أيضاً عن تفكيك الأساس الاقتصادي للكيان المؤقت. إن هذه البيئة من الفوضى توفر فرصة للمستثمرين المتخصصين، بينما تترك المستوطنين العاديين في حالة من الارتباك وعدم اليقين.
تتجلى قوة المقاومة الفلسطينية في غزة كرمز للصمود والعزيمة، حيث تبرز الأحداث الأخيرة مؤشراً على أن هذا الصمود يأتي في إطار الحق الطبيعي للفلسطينيين في نيل حريتهم واستعادة أراضيهم. تشهد “إسرائيل” اليوم نتائج العدوان التي تعكس الفشل في تحقيق الأهداف العسكرية، وبينما تعاني من تصاعد الفقر وأزمات اقتصادية خانقة، تتأكد حقيقة أن المقاومة لا تزال تمثل حجر الزاوية في النضال الفلسطيني.
يشير الواقع الاقتصادي في الكيان إلى أن الصمود الذي أبدته غزة لم يكن مجرد رد فعل، بل هو جزء من مسيرة طويلة نحو التمكين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، يتوجها القدس عاصمة لها. الفشل الاقتصادي الذي تواجهه “إسرائيل” اليوم هو نتيجة مباشرة لثبات الفلسطينيين ولإرادتهم في المقاومة، ما يبرز الفجوة بين ادعاءات القوة العسكرية والواقع الملموس.
في مواجهة هذه الظروف، يبقى الأمل قائماً بأن المقاومة ستكون سنداً لتحقيق الأمن والاستقرار للشعب الفلسطيني، ويجب أن يتم تعزيز هذا الصمود عبر التضامن والتنظيم، ليتمكن الفلسطينيون من العبور نحو غد مشرق ومزدهر، حيث تستعاد الحقوق المسلوبة وتُحقق الأهداف الوطنية. إن المسيرة نحو الاستقلال وبناء الدولة المستقلة على كامل التراب الفلسطيني باتت أكثر وضوحاً، في ظل هذا الصمود المتواصل.
أنصار الله – يحيى الربيعي