#في_العمق د. #هاشم_غرايبه
لا شك أن صمود وبسالة المقاومة الإسلامية في غزة كان حدث القرن الأهم، الحقيقة ان ذلك يعود لعاملين أساسيين: الأول ان الدافع لانضمام المقاتل لحركة المقاومة لم يكن للحصول على وظيفة وراتب كباقي الجيوش النظامية، بل بدافع من العقيدة الإيمانية الراسخة، والثاني هو الحاضنة الشعبية الداعمة.
لم يكن ممكنا للعدو التدخل في إضعاف العامل الأول، فالإيمان يجعل العودة الى الوراء مستحيلا، لذلك انصب جهده على محاولة كشف الغطاء الشعبي عن المقاتلين، بالمبالغة في القتل والتدمير لأجل دفع الأهالي لتحميل المسؤولية فيما يصيبهم للمقاومة، لكن ذلك لم يؤثر إلا في قلة قليلة هم من قليلي الدين أصلاً، ولا تأثير لها في الرأي العام الشعبي.
السؤال: كيف تمكنت الحركة الإسلامية من بناء هذه القاعدة الشعبية العريضة والراسخة، بخلاف باقي الأنظمة العربية؟.
الإجابة نجدها ابتداء في أنها النظام السياسي الوحيد في الأمة الذي يعلن انتهاجه عقيدة مواطنيه (الإسلام)، ولا يخشى في ذلك أحدا.
لكن العامل الآخر يعود الى إخلاص الإدارة السياسية لواجبها، وغياب الفساد الذي هو سمة لازمة لباقي الأنظمة العربية الحاكمة.
الإدارة المخلصة تسلمت واقعا محبطا اقتصاديا بسبب الحصار الطويل، وواقعا اجتملعيا مفككا بسبب الإرث المريض الذي ساد القطاع بعد انسحاب قوات الاحتلال منه.
لكي نفهم ذلك الواقع سألخص المعلومات الهامة الواردة في تقرير أعده الأكاديمي النرويجي “تاج توستاد” يحلل فيه أوضاع القطاع، ونشرته “مجموعة الأزمات الدولية” قبل 15 عاما.
يبدأ التقرير بإعطاء لمحة عن الطبيعة السكانية والجغرافية للقطاع، فلكون تربته رملية صحراوية في أغلبها، فقد سكنها قديما البدو أكثر من الفلاحين الذين تركزوا في تجمعين: غزة وخانيونس، وبعد نكبة 48 جاءها 200 ألف لاجئ من جنوب يافا، ليصبح اللاجئون هم الأغلبية 75%.
حينما احتل العدو قطاع غزة عام 1967، أقلقته تلك النسبة العالية لللاجئين، كونهم يحلمون بالعودة، فلجأ الى التعامل مع السكان عبر شيوخ العشائر وكبار العائلات، من خلال اعتماد مختار لكل منطقة.
وبعد قيام سلطة أوسلو، تحسنت الظروف الاقتصادية لأبناء القطاع بتوفر الوظائف ضمن أجهزة السلطة التنفيذية والأمنية، ولتمتين سيطرتها لجأت لربط عائلات معينة بالسلطة أمنيا، كما أسست مجلسا عشائريا له 200 فرع، واستكملت نهج الاحتلال ذاته باعتماد مخاتير من بعض العائلات لضمان ولائها.
بعد الانتفاضة الثانية عام 2000 وتدمير العدو لمقار شرطة السلطة، نقلوا الأسلحة الشخصية لبيوتهم، لتصبح للعشائر قوة مسلحة، والتي أدت الى صراعات بين المخاتير وفقدان للأمن المجتمعي.
بعد نجاح الحركة الاسلامية بانتخابات عام 2006 وتسلمها الحكم، وجدت هذه الحالة من الفلتان الأمني، فكانت أول مهامها إنشاء قوة أمنية تنفيذية، شنت حملات على تجار المخدرات ولصوص السيارات والخارجين عن النظام، بالتزامن مع تنشيط دور الدعاة للحديث عن خطورة التعصب القبلي، والتنبيه للعدو الحقيقي المتمثل في الاحتلال.
ولما أن تحقق الأمن للمواطنين الذين كانوا يعانون الأمرين من العصابات المحمية من السلطة، فقد تنفسوا الصعداء، لذلك لم تنجح محاولة شيطنة الإسلاميين وتصويرهم بالإنقلابيين، قلق العدو ومعه كل معادي الإسلام في العالم، سواء الغرب أو عملائه من الأنظمة العربية المرتعدة من مطالبات جماهيرها بالعودة للإسلام، فأنشأ هؤلاء أعتى تحالف حصار عرفه التاريخ، ساهم بالدور الأكبر فيه النظام المصري، كونه المنفذ الوحيد القطاع للخارج، بعد اغلاق العدو المطار والميناء، فأحكم التحالف محاصرة القطاع براً وبحريا وجويا، بهدف دفع المواطنين للتمرد على سلطة الإسلاميين والمطالبة بعودة السلطة لحكم القطاع.
لكن سكانه صمدوا طوال السبعة عشر عاما المنقضية، بل سعوا بقدراتهم الذاتية الى بناء قاعدة تصنيعية عسكرية واقتصادية مستقلة، هي الوحيدة في المنطقة العربية الخارجة عن طاعة أمريكا، ورفضوا الانضمام الى قافلة التطبيع المخزية، وأصروا على أن النظام الإسلامي هو خيارهم.
لذلك ظل العدو يشاغلهم كل بضع سنوات باعتداء لمحاولة تدمير ما ينجزونه أولا بأول، لكان الله هداهم لما ينجيهم من شروره، فبنوا شبكة أنفاق عميقة تحمي كل ذلك وتخفيه.
لقد شكل هجوم السابع من تشرين صدمة لأركان تحالف شياطين الإنس، إذ تبين فشل حصاره المشدد، وفشل عملائه العرب (التنسيق الأمني) في رصد قدرات المقاومة، لذلك تراكض كل قادته الى الكيان اللقيط، يشدون أزره، خوفا من سقوطه الوشيك.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: في العمق
إقرأ أيضاً:
استشهاد 27 فلسطينيا في مجزرة صهيونية جديدة بمخيم جباليا شمال القطاع
يمانيون../
استشهد ما لا يقل عن ٢٧ فلسطينيا، في مجزرة صهيونية جديدة، اليوم الخميس، بعد قصف منزل لعائلة المبحوح في مخيم جباليا شمال قطاع غزة.وبحسب المركز الفلسطيني للإعلام، أظهرت صور مروعة لطفلتين تحت الأنقاض جراء استهداف قوات العدو لمنزل عائلتهما “المبحوح” بالقرب من مدارس أبو حسين في مخيم جباليا، وسط غياب طواقم الإسعاف والدفاع المدني في شمال غزة، حيث ارتُكبت مجزرة أودت بحياة أكثر من ثلاثين شهيدًا وأسفرت عن إصابة وفقدان العشرات تحت الركام.
وأعلن الدفاع المدني بغزة عن وجود مناشدات ونداءات استغاثة بوجود شهداء وجرحى تحت أنقاض منزل لعائلة “المبحوح” في محيط مدارس أبو حسين في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة.
وندد الدفاع المدني باستمرار تعطيل العدو الصهيوني لعمل الدفاع المدني والطواقم الطبية في شمال القطاع ومنعهم من الاستجابة لنداءات المواطنين في المنازل التي يتم قصفها هناك.
وتواصل قوات العدو حرب الإبادة الجماعية على القطاع ، لليوم الـ 398 تواليًا، دمّرت خلالها قطاع غزة وأبادت عائلات بكاملها وقتلت وأصابت مئات الآلاف، وهجرت غالبية سكان القطاع من منازلهم.