استئنافية الجديدة تحكم على “بيدوفيل الشاطئ” بعقوبة ….
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
قضت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بمدينة الجديدة، مساء الثلاثاء 12 دجنبر 2023، في ملف “بيدوفيل الجديدة”، وحكمت على المتهم بالسجن بـ 20 سنة حبسا نافذا، كما قضت بتعويض لفائدة الضحايا المطالبين بالحق المدني، بمبلغ قدره 50 ألف درهم.
وجاء نطق الحكم بعد جلسة طويلة دامت لساعات تم الاستماع فيها لرئيس الجمعية الرياضية المتهم، الذي أنكر التهم المنسوبة إليه في بدايتها، ثم يلمح بعد ذلك ل”مثليته” بعدما تم عرض شريط يوثق اعتدائه على طفل كما تم الاستماع لضحاياه، ولمرافعات دفاع الضحايا، بحضور عائلاتهم.
وتعود فصول القضية، إلى 12 غشت الماضي، عندما تم فتحت مصالح الأمن بحثا قضائي تحت إشراف النيابة العامة لتحديد الأفعال الإجرامية المنسوبة لشخص يبلغ من العمر 57 سنة، وهو رئيس جمعية رياضية بالدار البيضاء، بعد انتشار واسع لمقطع فيديو “بيدوفيل الجديدة” وهو ينتهك عرض قاصر بالشاطئ أمام أنظار الجميع.
المصدر: مملكة بريس
إقرأ أيضاً:
في عالم الأقوياء .. من يحب الضحايا؟!
على عكس ما يُتوقع من الشعر انحيازه للضحايا المهزومين والمستضعفين، عُرف عن الشاعر الألماني هانز ماغنوس إنتسنسبرغر شعرُه الذي يمقت أسلوب الضحية، وينتقد نقدًا لاذعًا طبيعتها الرخوة والمتخاذلة بدلًا من التعاطف التقليدي معها. لا تروق للشاعر عقيدة المظلومية التي يتذرَّع بها الضحايا المنتهَكون من قبل الذئاب وشتى أنواع القوى المفترسة، بل ينظر إلى عقيدتهم تلك باعتبارها عقدة استحقاق سلبية، لا يستحق أصحابها إلا الشفقة في أحسن الأحوال. يخرج الشاعر عن الصوابية الأخلاقية المعمول بها في التعامل مع الضحايا عادةً، فيتهمهم بالجبن والكسل والتخلي عن المسؤولية. في قصيدته «دفاعا عن الذئاب في مواجهة الحملان» نقرأُ هذه السطور، بترجمة سمير جريس، على سبيل الهجاء الفاضح الذي يكيله الشاعر للمهزومين الضحايا، أفرادًا كانوا أم جماعات، أولئك الذين روضوا عقليتهم على قبول دور الضحية المسكينة دون أدنى مقاومة، مكتفين بمعاتبة الذئاب وتوسلها:
«انظروا في المرآة: جبناء أنتم،
تتهربون من أعباء الحقيقة،
تنفرون من التعلم،
تلقون بمسؤولية التفكير على عاتق الذئاب،
أي حيلة تنطلي عليكم، وتقبلون...
كل عزاء رخيص، وكل ابتزاز لكم
هو أقل مما يجب».
مهما بدا متطرفًا بعض الشيء، إلا أن موقف إنتسنسبرغر النقدي الجريء من الضحايا في قصيدته يلائم حالتنا العربية الجديدة وبقوة، حيث تتفشى ثقافة الهزيمة أكثر من أي وقت مضى تمهيدًا للخروج من حقبة الهزيمة للدخول، طوعًا أو كراهية، في عصر الاستسلام المطلق، فالتنظير للاستسلام والترويج له بوصفه حلًا نهائيًّا للمأساة بات خطابًا مألوفًا ومقبولًا، وربما مُقنعًا بالنسبة لشريحة لا يستهان بها من العرب!
عفوًا، لكن المشكلة ليست في الهزيمة بحد ذاتها، فالشعوب قد تنتصر أو تُهزم في الحروب، وهذا ديدن الصراع الأزلي عبر التاريخ. المشكلة هي الاستسلام؛ أي تحويل الهزيمة العسكرية على الأرض إلى واقع سياسي، ولاحقًا ومع الوقت إلى واقع ثقافي جديد يعيد تعريف الهوية وحدود الوطن بناءً على اتفاقية استسلام يُوقعها الطرف المهزوم بانحناءٍ تحت راية الجنرال المنتصر.
لنذهب إلى مثالين متقابلين من التاريخ المعاصر (مع التحفظ على الاختلافات الجوهرية والظرفية بينهما): 1. مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى إثر قيامة هيروشيما وناجازاكي، وقَّع ممثلو الإمبراطور صك استسلام اليابان المذل على سطح سفينة حربية أمريكية كانت ترسو في خليج طوكيو.2. بينما اعترفت مصر الناصرية بهزيمتها المريعة عام 1967، رفض الشعب والجيش تحويل الهزيمة إلى استسلام (تطبيع). حشدت مصر جماهيرها في شوارع القاهرة لتعيد الرجل المهزوم إلى منصبه، الرجل الذي سيرد على الهزيمة بمقولته الشهيرة: «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة». وخلال أشهر وجيزة كانت مصر قد أعادت ترميم جيشها لتبدأ حرب استنزاف شرسة مع العدو، المجهود الحربي المتراكم الذي سيقود في عهد السادات إلى ملحمة أكتوبر عام 1973.
غير أن المفارقة التاريخية التي ينبهنا إليها المؤرخ المصري خالد فهمي هي ذهاب مصر الساداتية، بعد خمس سنوات من ذلك «الانتصار النسبي» المفترض، إلى استسلامها بحجة «السلام» في كامب ديفيد عام 1978؛ أي أن مصر لم تستسلم إلا بعد خمسة عشر عامًا من الهزيمة. المفارقة المصرية بين عهدين (عمليًّا بين رجُلين) مثال كاشف على أنْ ليس كل مهزوم ضحية بالضرورة، وهو ما يعبر عنه اليوم تعبيرًا حيًّا المجتمع المقاوم في غزة وفي جنوب لبنان. فالمهزوم ليس ضحيةً ما دام يقاوم، هذه حقيقة بديهية من الواجب تكرارها مرةً تلو المرة وسط هذا المناخ من الهزيمة العامة، حتى لو بدت قولًا متنطعًا أو مجرد مكابرة رومانسية بالنسبة لجمهور من الضحايا الانهزاميين المفتونين سرًا بقوة «الذئاب». وهنا تصبح قصيدة إنتسنسبرغر مناسَبة للتوقف أمام التساؤل المحرج حول ما إذا كانت الشخصية العربية المهزومة ظلت في العمق «تستغل» موقعها ضحيةً لتبرير هزائم الماضي والحاضر؟! الإجابة عن هذا السؤال تتطلب بحثًا نفسيًّا يفسر فداحة الآثار التي تخلفها الهزيمة في الطبقات العميقة لذاكرة الشعوب وكيف يتحول الانهزام إلى سمة وسلوك.
لكن إعجاب الضحية بنفسها لكونها ضحية علامةُ استفهام كبرى، إعجاب لا ينم في رأيي إلا عن إدمانٍ «مازوخي» جماعيّ متلذذ بهذا الدور، يغذيه الاعتقاد الواهم بأن العالم يحبنا لأننا ضحايا. وهم ثقافي وسياسي يحجب عنَّا رؤية أنفسنا من الخارج بعيون الآخرين. فمن يصدق بعد اليوم، وعلى وقع استمرار الإبادة في غزة، أن الملايين حول العالم يحبوننا لكوننا ضحايا؟ هل تصدقون بأن رافعي لافتات وقف إطلاق النار في غزة يحبوننا لأننا ضحايا؟ حتى جان جينيه الذي عاش أجمل سنواته «أسيرًا عاشقًا» بين الفدائيين الفلسطينيين الملثمين بدأ يفقد افتتانه بهم بعدما تلاشت ثورتهم وتحول الثوار إلى شعراء أطلال.
الحقيقة أن العالم الذي يعبر إنتسنسبرغر بلسانه هو عالم الأقوياء الذي لا يلمس في داخله استعدادًا حقيقيًّا للتعاطف مع ضحية اختارت، عن جبنٍ أو كسل أو غباء، أن تخضع لشروط جلاديها، وأن تبادر لتقليم أظافرها كي تبدو طيبةً إلى أبعد الحدود، ومسالمة تحت رحمة القوى المفترسة:
«أعلى النسر أن يفترس الزهور؟
أو تطلبون من ابن آوى أن يسلخ نفسه؟
أعلى الذئب أن يخلع أسنانه بنفسه؟».
سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني