البرلمان العراقي يرجئ جلسة انتخاب رئيسه بسبب مجالس المحافظات
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
أرجأ البرلمان العراقي حتى إشعار آخر، جلسة لانتخاب رئيس جديد له كانت مقررة الأربعاء، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية، على خلفية انشغال النواب بانتخابات مجالس المحافظات المقررة في 18 ديسمبر الجاري.
وأنهت المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، منتصف نوفمبر رئاسة محمد الحلبوسي، السياسي السني البارز للبرلمان، بناء على دعوى "تزوير" تقدم بها أحد النواب.
ورشحت أسماء كثيرة في الأسابيع الأخيرة لخلافته في هذا المنصب عبر وسائل الإعلام العراقية، بيد أن الكثير من المراقبين يرون أن البرلمان المكون من 329 نائباً، لن يتفرغ لانتخاب رئيس له، إلا بعد انتخابات 18 ديسمبر.
وذكرت وكالة الأنباء العراقية، ليل الثلاثاء، أن مجلس النواب قرر "تأجيل جلسة يوم غد الأربعاء المخصصة لانتخاب رئيس مجلس النواب إلى إشعار آخر"، وذلك "نظراً لعدم تهيؤ الظروف لعقد جلسة مجلس النواب ..الأربعاء.. بسبب انشغال أعضاء مجلس النواب بانتخابات مجالس المحافظات، واعتذار كثير من الكتل عن حضور نوابها لجلسة الغد".
"ورقة بيضاء بلا تاريخ".. الاتحادية العليا تعلن أسباب إبعاد الحلبوسي كشفت المحكمة الاتحادية العليا بالعراق، الأحد، عن فحوى قرارها المتضمن إبعاد رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، عن منصبه، وكذلك النائب ليث الدليمي عن منصبه بصفته عضوا في البرلمان.وينظم العراق، الإثنين، انتخابات مجالس المحافظات في 15 محافظة. وتملك مجالس المحافظات صلاحيات واسعة في البلد الغني بالنفط، لكنه يعاني من الفساد وتردي البنى التحتية.
وتقوم المجالس بانتخاب المحافظين، ووضع ميزانيات للصحة والنقل والتعليم في محافظاتهم.
"غريب".. رئيس النواب العراقي يعلق على قرار إنهاء عضويته ذكرت وسائل إعلام رسمية أن المحكمة الاتحادية بالعراق قررت الثلاثاء، إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، وهو قرار سيكون له تبعات سياسية خطيرة تقلب المسيرة المهنية لأقوى سياسي مسلم سني في العراق رأسا على عقب.وجرى حلّ هذه المجالس إثر تظاهرات عام 2019 المناهضة للسلطة، علما أن انتخابات مجالس المحافظات قد أجريت آخر مرة عام 2013.
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً:
العراق: قانون الانتخابات بوصفة أداة سياسية!
جرت انتخابات مجلس النواب العراقي وفقا للدستور العراقي الحالي، منذ أول انتخابات عام 2005 وانتهاء بآخر انتخابات جرت عام 2021، ببدعة القانون الجديد، أو التعديل الجوهري على قانون سابق، وهذه البدعة تهدف، حقيقة، إلى خدمة مصالح الفاعلين المهيمنين على القرار السياسي في مجلس النواب لحظة تشريع ذلك القانون، ولا تهدف قطعا إلى ضمان انتخابات عادلة ونزيهة وشفافة، أو ضمان تمثيل حقيقي للجمهور!
بنهاية عام 2005 جرت أول انتخابات لمجلس النواب العراقي بموجب قانون رقم 16 لعام 2005 بموجب نظام القائمة المغلقة، وعُد العراق كله دائرة واحدة. ثم أدخلت تعديلات جوهرية على هذا القانون عام 2010، كان أبرزها إلغاء فكرة القائمة المغلقة، واعتماد الدوائر المتعددة من خلال عد كل محافظة دائرة انتخابية، وإلغاء تخصيص مقاعد لانتخابات الخارج وأن يصوت هؤلاء لمحافظاتهم الأصلية.
وكان وراء هذه التعديلات مصالح سياسية مباشرة، فقد ألغي تخصيص مقاعد انتخابات الخارج بسبب الاعتقاد أن هذه المقاعد ستذهب معظمها للسنة الذين غادر الكثير منهم العراق بعد 2003، وهو ما دفع الفاعل السياسي الشيعي لالغائها!
وجرت انتخابات عام 2014 بموجب القانون رقم 45 لسنة 2013، حيث زاد عدد مقاعد مجلس النواب بشكل اعتباطي من 325 إلى 328 استجابة لعلاقات القوة وشروطها، وتوزعت المقاعد وفق معادلة سانت ليغو بعد تعديلها بزيادة الرقم الأول الذي سيتم تقسيم الأصوات عليه من 1.4 إلى 1.6 من أجل منع الكيانات الصغيرة من الحصول على مقاعد في مجلس النواب!
وجرت انتخابات عام 2018 وفق القانون نفسه، بعد إجراء تعديلات جوهرية عليه، أبرزها زيادة الرقم الأول الذي تُقسَم عليه الأصوات وفقا لمعادلة سانت ليغو لتصبح 1.7 من أجل مزيد من احتكار المقاعد النيابية من الكتل الكبرى، وتقليل فرص الكتل الصغيرة من الحصول على أي مقعد. ورفع عدد مقاعد مجلس النواب بصورة اعتباطية مرة أخرى ليكون 329 مقعدا، من أجل زيادة الحصة الشيعية في مجلس النواب (منح مقعد كوتا للكرد الفيلية الشيعة في محافظة واسط، ولم يحسب المقعد من مقاعد المحافظة كما هو الحال مع مقاعد الكوتا الأخرى!).
وجرت انتخابات عام 2021 المبكرة وفق القانون رقم 9 لعام 2020، وفيها اعتُمد، لأول مرة، على الدوائر المتعددة داخل المحافظة الواحدة، وفردية الترشيح في الدائرة الانتخابية. وكان من أبرز مظاهر هذا القانون توزيع الدوائر بطريقة اعتباطية، دون أي معيار منطقي، وفقا لمصالح الفاعلين السياسيين المهيمنين على القرار داخل مجلس النواب.
وهذا النوع من التقسيم السياسي للدوائر الانتخابية يعرف بمصطلح Greeymanderin نسبة إلى واضعه البرج غيري الذي كان حاكما لولاية ماساتشوستس الأمريكية بداية القرن التاسع عشر، والذي قام بتقسيم الدوائر الانتخابية في منطقة بوسطن بطريقة تمنع الأقلية السوداء من الفوز بأي مقعد أولا، كما تضمن فوز الحزب الذي ينتمي اليه بغالبية المقاعد!
وفي عام 2023 عُدل قانون الانتخابات مرة أخرى ودُمجت هذه المرة، اعتباطيا، انتخابات مجالس المحافظات بانتخابات مجلس النواب، وألغيت، بموجبه، فكرة توزيع المحافظات إلى دوائر متعددة، وألغي نظام الترشيح الفردي أيضا، وأعيد نظام المحافظة كدائرة واحدة، واعتماد نظام التمثيل النسبي وفقا للقوائم مرة أخرى.
وكان السبب الأساسي خلف هذا التعديل كان منع التيار الصدري من الحصول على المقاعد التي حصل عليها عام 2021 (حصل على 72 مقعدا) وإعادته إلى عدد المقاعد التي كان يحصل عليها فيما سبق (بين 32 و 45 مقعدا)!
لكن نتائج انتخابات مجالس المحافظات التي جرت عام 2023 التي جرت بموجب القانون نفسه، والتي أفرزت ظاهرة المحافظين المتمردين على الإطار التنسيقي الذين استطاعوا أن يحصدوا أصواتا منحت قوائمهم مقاعد كثيرة مكنتهم من التمرد على الإطار التنسيقي (الذي يضم القوى الشيعية الرئيسية ما عدا التيار الصدري) ثم الصراع الحاد بين العرابين الرئيسيين داخل الإطار التنسيقي مع رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني من جهة أخرى، والخشية من أن يدخل السوداني نفسه بقائمة انتخابية خاصة به يستطيع أن يحصل من خلالها على مقاعد أكثر من الأصوات التي يمكن أن يحصل عليها بمفرده، أو الخشية من أن يتحالف مع المحافظين المتمردين وضم مقاعدهم من جهة ثانية.
كل هذه الوقائع، دفعت بعرابي الإطار التنسيقي الكبار الذين يحتكرون عمليا القرار داخل مجلس النواب، إلى التفكير بقطع الطرق على هؤلاء من خلال قانون جديد يعتمد على تقسيم المحافظات مرة أخرى إلى دوائر متعددة، ويخصص 20٪ من المقاعد للأفراد الذين يحصلون على أعلى الأصوات، مع تخصيص الـ 80٪ المتبقية من المقاعد للقوائم الانتخابية بعد حذف الأصوات التي حصل عليها الفائزون الأوائل، الأمر الذي سيمنع رئيس مجلس الوزراء والمحافظين من ضمان حصول قوائمهم على مقاعد كثيرة!
تتنافس الطبقة السياسية في العراق على انتاج نظام انتخابي يديم هيمنتهم
قلنا في مقال سابق إن القانون في العراق ليس قاعدة عامة مجردة هدفها الصالح العام، كما يَفترضُ تعريفه، بل هو في ذهنية الطبقة السياسية، اتفاق سياسي تُنتجه علاقات القوة في مجلس النواب في لحظة إقراره، وهو أداة تضمن مصالح الفاعلين السياسيين الأقوى.
فبدلا من السعي إلى إنتاج نظام انتخابي عادل يحقق هدف الانتخابات الجوهري وهو تمثيل حقيقي للقوى السياسية/ الاجتماعية، وضمان العدالة والنزاهة والشفافية للجميع، تتنافس الطبقة السياسية في العراق على انتاج نظام انتخابي يديم هيمنتهم، ويمكنهم من السيطرة على مخرجات الانتخابات من خلال التزوير المنهجي والتلاعب بالنتائج.
كانت هناك عبارة أطلقها الرئيس الأسبق صدام حسين حول مفهومه للقانون، وهو أنه «سطر نكتبه وسطر نمسحه». ومن الواضح أن هذا المفهوم ما زال حاكما في العراق، فالقانون مجرد سطر يكتبه القابضون على السلطة وسطر يمسحونه متى شاؤوا، تبعا لمصالحهم ورغباتهم ونزواتهم وحتى استثماراتهم في المال العام!
القدس العربي