هذا المقال بقلم راتب ربيع، مؤسس ورئيس مؤسسة الأراضي المقدسة المسيحية المسكونية (HCEF)، وهي منظمة غير ربحية تدعم المجتمعات المسيحية في الأراضي المقدسة. وُلد في الأردن لأبوين فلسطينيين، ويعيش الآن في ولاية ماريلاند بالولايات المتحدة. الآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.

ستشهد مدينة بيت لحم الشهيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خروجاً عميقاً هذا العام عن أجوائها المبتهجة المعتادة.

بالنسبة للفلسطينيين، يمثل عيد الميلاد في بيت لحم نافذة على العالم. لقد كان منذ فترة طويلة مرادفًا للفرح والأمل، ومناسبة لإحياء ذكرى مكان ميلاد قصة عيد الميلاد نفسها.

تصور الشوارع النابضة بالحياة والمزينة بأضواء الاحتفالات، والهواء المليء بأنغام الجوقات وصبيان الكشافة وهم يستعرضون آلاتهم الموسيقية، بينما يتذوق المحتفلون الطعام العربي الفلسطيني التقليدي.

يقع في قلب بيت لحم، المكان الذي يُقدس باعتباره مسقط رأس يسوع، أمير السلام.

لكن هذا العام، لن يكون هناك سوى ظل شجرة عيد الميلاد المبهرة في ساحة المهد، حيث يجتمع عادة المسيحيون والمسلمون والزوار من جميع أنحاء العالم للاحتفال.

وستظل بيت لحم مظلمة ومهجورة، وهو انعكاس مؤثر للمعاناة التي يتحملها الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة.

وفي وقت سابق من الشهر الماضي، دعا البطاركة ورؤساء الكنائس في القدس رعاياهم إلى التخلي عن الاحتفالات المعتادة، مع الحفاظ على الجوانب الدينية والروحية لعيد الميلاد.

لم يكن هذا الخروج عن التقليد قرارًا سهلاً، حيث واجه قادة الكنيسة الخيار الصعب المتمثل في إلغاء الاحتفالات في الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن وإسرائيل.

وأكد المطران وليم الشوملي، النائب البطريركي العام للقدس وفلسطين في بطريركية القدس، على المزاج الكئيب وراء القرار. قال لي: "كيف يمكننا أن نحتفل بعيد الميلاد وقد قُتل وجُرح آلاف الفلسطينيين ودُمرت آلاف المنازل في غزة؟"

وأضاف: "نفس أجواء الحزن تسود على الخسائر المدنية الإسرائيلية. وقال: "لقد حان الوقت للتراحم والتضامن، وليس للاحتفالات الدنيوية المبهجة".

الحقيقة صارخة. منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تم الإبلاغ عن مقتل أكثر من 18 ألف فلسطيني نتيجة الهجمات الإسرائيلية، في حين يتحمل 42,000 آخرين آثار الإصابة.

ومن بين القتلى 70% أطفال ونساء. وتحولت آلاف المنازل إلى أنقاض، مما أدى إلى نزوح 1.7 مليون شخص يواجهون الآن الواقع القاسي للحياة بدون كهرباء ووقود ومياه عذبة وغذاء ودواء.

إن هذه الإحصائيات المدمرة ــ ومصدرها وزارة الصحة في غزة، التي تديرها حماس ــ تسلط الضوء على التكلفة الإنسانية للصراع الذي استمر منذ الاحتلال الإسرائيلي قبل 56 عاما.

إن المجتمع المسيحي الصغير في غزة ليس استثناءً من الدمار الأخير. عندما تحدثت مؤخرًا عبر الهاتف مع الأخت نبيلة صالح من راهبات الوردية في غزة، وصفت آلامها عندما أخبرتني أن 53 أسرة دمرت وأن 19 مسيحيًا فلسطينيًا قُتلوا من بين ما يقرب من 1000 مسيحي متبقين في غزة.

في حين أن فراغ عيد الميلاد هذا سيكون له صدى كمأساة للفلسطينيين، فإن عيد الميلاد في بيت لحم ليس مجرد حدث ديني. إنه يوم ذو أهمية وطنية، يعزز التعاون والوحدة بين المسيحيين والمسلمين الذين يعيشون في فلسطين، وكذلك بينهم وبين الطوائف الدينية في الخارج.

في كل عام، يتوجه آلاف الحجاج إلى بيت لحم، ويتجمعون كمنارة للسلام والمصالحة والعمل الجماعي ويرسلون رسالة قوية إلى العالم.

ومن المؤسف أن الاحتلال الإسرائيلي أثر بشكل كبير على السياحة الدينية في الأراضي المقدسة لعقود من الزمن، وخاصة في القدس وبيت لحم. ولا تزال الفنادق الآن فارغة أو مغلقة، وتم إغلاق محلات بيع الهدايا التذكارية، وبالتالي ارتفعت معدلات البطالة.

وبعد أن تفاقمت الحرب في غزة، سيكون لقرار إلغاء احتفالات عيد الميلاد هذا العام تأثير عميق على اقتصاد بيت لحم، الذي يعتمد بنسبة 90% على السياحة. في أوقات الأزمات والشدائد، نلجأ إلى كلمات المزامير 34:18 التي تذكرنا بأن: "قَرِيبٌ هُوَ الرَّبُّ مِنْ مُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ وَيُخَلِّصُ مُنْسحقي الرُّوحِ."

هذا المزمور له صدى لدى جميع المسيحيين حيث نأمل في نهاية سريعة للمعاناة والصلاة من أجل العدالة وسط الشدائد. ومن الجدير بالذكر أن المسيحيين العرب الفلسطينيين يلعبون دورًا حاسمًا كجسور طبيعية للسلام. ولأنهم متجذرون في نفس التطلعات والثقافة والتاريخ واللغة مثل المسلمين الفلسطينيين، فإنهم يشتركون أيضًا في تاريخ الإيمان مع اليهود.

وهذا يضعهم بشكل فريد للتواصل مع المجتمعات المتنوعة والعمل كمحفزين للحوار والتفاهم بين المسلمين واليهود وعلى مستوى أوسع بدعم من نظرائهم الغربيين.

مع اقتراب موسم عيد الميلاد، فإن غياب الاحتفالات في بيت لحم هو بمثابة تذكير مؤثر بالحاجة الملحة إلى سلام دائم. يمثل عيد الميلاد هذا فرصة خاصة لتسليط الضوء على المعاناة التي يواجهها المسيحيون الفلسطينيون، والمسلمون الفلسطينيون، واليهود الإسرائيليون على حد سواء، على أمل أن يمهد التركيز والحوار المتجدد الطريق إلى المصالحة.

في محادثة هاتفية، أخبرني المطران عطاالله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس إن “إلغاء احتفالات عيد الميلاد والمعنى الروحي لعيد الميلاد هما رسالة للعالم بأن شعب غزة الذي يعاني يحتاج إلى السلام والعدالة والمساعدة الإنسانية"، وتابع: “إنها دعوة لوقف إطلاق النار الآن. صلوا معي من أجل الضحايا الأبرياء”.

في عالم تطغى فيه الانقسامات في كثير من الأحيان على الأرضية المشتركة، يظل عيد الميلاد في بيت لحم رمزا للأمل، رمزا يتجاوز الحدود والأديان والصراعات.

وبينما نجتاز هذه الأوقات الصعبة، دعونا نفكر في رسالة عيد الميلاد ونسعى جاهدين من أجل مستقبل تعج فيه شوارع بيت لحم، مرة أخرى، باحتفالات السلام والوحدة المبهجة.

الأراضي الفلسطينيةبيت لحمنشر الأربعاء، 13 ديسمبر / كانون الأول 2023تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2023 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: الأراضي الفلسطينية بيت لحم فی الأراضی هذا العام فی غزة

إقرأ أيضاً:

بعد تصريحات الحكومة بالتصدي لها..الحبس 7 سنوات عقوبة التعدي على الأراضي الزراعية

عقدت الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية ، اجتماعاً   مع علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي والمهندس شريف الشربيني وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية بمقر غرفة العمليات وإدارة الأزمات بالوزارة ، وبمشاركة  المحافظين عبر الفيديو كونفرانس وحضور كل من اللواء طارق حامد الشاذلي محافظ السويس واللواء طارق مرزوق محافظ الدقهلية من ديوان عام الوزارة وبمشاركة قيادات وزارات التنمية المحلية والإسكان والزراعة .

وشهد الاجتماع متابعة تنفيذ تكليفات الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء خلال اجتماعه الأخير في شهر فبراير الجاري مع  المحافظين فيما يخص التصدي للتعديات على الأراضي الزراعية، والإجراءات المتبعة حيال إزالتها ، كما تم استعراض الموقف التنفيذي لمنظومة المتغيرات المكانية على مستوى جميع محافظات الجمهورية.

وتم الاتفاق علي مراجعة كافة البيانات وتدقيق كافة الحالات الخاصة بمنظومة المتغيرات والتعديات مع الوزارات والجهات المعنية بالدولة للتصدي بكل حزم لأي تعديات علي الأراضي الزراعية وعدم التهاون في هذا الملف في ظل الأهمية القصوى التي يوليها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية لهذا الملف، وضرورة التعامل الفوري مع أي مخالفات يتم رصدها.

كما شهد الاجتماع الاتفاق على أنه سيتم ربط كل المتغيرات المكانية في نطاق المدن الجديدة بالمنظومة الموجودة لدي مختلف محافظات الجمهورية لسرعة التنسيق والتواصل والتعامل الفوري في المهد في اي متغيرات يتم رصدها بالتعاون مع المحافظات وأجهزة المدن الجديدة  ، وسيتم حسم كافة الردود الخاصة بتلك المتغيرات المكانية والمتبقي مما تم رصده سابقاً في أسرع وقت.

كما خلال اللقاء الاتفاق علي تكليف مسئول بكل المديريات الزراعية بالمحافظات يكون معني بملف المتغيرات المكانية لسرعة التنسيق والرد ، وشدد الوزراء علي ضرورة تفعيل اللجان المشكلة في كل محافظة لمواجهة أي تعديات علي الأراضي الزراعية وفق الإجراءات والقوانين والضوابط المتبعة في هذا الشأن، بما يحافظ على الرقعة الزراعية.

ويستعرض “صدى البلد” من خلال هذا التقرير عقوبة التعدي على الأراضي الزراعية طبقا لما نص عليه قانون العقوبات.

عقوبة التعدي على الأراضى الزراعية

ونصت المادة 372 مكررًا، من قانون العقوبات ، على الآتى:

كل من تعدى على أرض زراعية أو أرض فضاء، أو مبان مملوكة للدولة أو لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة أو لوقف خيرى أو لإحدى شركات القطاع العام أو لأية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة أو في حيازة أى منها، وذلك بزراعتها أو غرسها أو إقامة إنشاءات عليها أو شغلها أو الانتفاع بها بأية صورة، يعُاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد علي خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه.

ويحكم على الجاني برد العقار المغتصب بما عليه من مبانٍ، مع إزالة ما عليه من تلك الأشياء على نفقته فضلًا عن دفع قيمة ما عاد عليه من منفعة.

فإذا وقعت الجريمة بالتحايل، أو نتيجة تقديم إقرارات أو الإدلاء ببيانات غير صحيحة مع العلم بذلك، تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على 7 سنوات، وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على مليوني جنيه.

وتضاعف العقوبة المنصوص عليها فى الفقرتين السابقتين في حالة العود.

مقالات مشابهة

  • محافظ القليوبية يوجه بمتابعة المتغيرات المكانية لرصد التعديات على الأراضي الزراعية
  • الكرملين: لن يتم التفريط في الأراضي التي قرر مواطنوها الانضمام إلى روسيا
  • إسرائيل تمنع بعثات تقضي الحقائق الدولية من دخول الأراضي المحتلة.. بيان
  • بعد تصريحات الحكومة بالتصدي لها..الحبس 7 سنوات عقوبة التعدي على الأراضي الزراعية
  • إزالة 572 حالة تعد على الأراضي الزراعية بالشرقية
  • الذاكرة العراقية على حافة النسيان!
  • أبو مازن: ندعو لإجراء انتخابات في القدس وجميع الأراضي الفلسطينية
  • إزالة 469 حالة تعد على الأراضي الزراعية في المنوفية ضمن الموجة 25
  • 3 وزراء يتابعون جهود التصدي للتعديات على الأراضي الزراعية
  • الحكومة: نتصدى بكل حزم لأي تعديات على الأراضي الزراعية