هل يعقب الحرب في السودان انتقال أم تأسيس؟
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
بروفيسور/ مكي مدني الشبلي
المدير التنفيذي – مركز مأمون بحيري - الخرطوم
يمثل توازن القوى في السودان بين الأوضاع السائدة أثناء الإحتراب المدمر بين الجيش والدعم السريع وبعد انتهائه العامل الأبرز في تحديد مسارات الفترة الانتقالية القادمة. حيث يشار إلى ثلاثة سيناريوهات نموذجية مختلفة تطرح نفسها بحيث يفرز كل منها ثلاثة أنواع مختلفة جوهرياً من بنود اختصاص الانتقال القادم.
أ. انتهاء الصراع بانتصار عسكري حاسم لجانب من جانبي الصراع المسلح (على سبيل المثال، نهاية نظام منجستو في إثيوبيا عام 1991، وانتصار التوتسي على الهوتو في رواندا عام 1994).
ب. توافق بين الجانبين بحيث يلعب المنتصر جزئياً دوراً حاسماً في نهج الانتقال (على سبيل المثال، الاتحاد السوفييتي السابق).
ج. التفاوض على تسوية بين طرفي الصراع لفشل كلا الجانبين في تحقيق سيطرة مطلقة. وفي هذه الحالة يتم التفاوض على مسارات ومآلات الفترة الانتقالية (على سبيل المثال، جنوب أفريقيا).
ونظراً لأن المفاوضات التي شهدها السودان منتصف عام 2019 قد نتج عنها طغيان جانب العسكريين بعد سقوط النظام السابق، فإن الاستياء الكامن لدى الجانب الآخر من الصراع المتمثل في قوى الحرية والتغيير قد أعاق الانتقال نحو التحول الديمقراطي. وأدت تراكمات الاحتباس السياسي الناجم عن الصراع إلى انقلاب أكتوبر2021، وفي نهاية المطاف لحرب أبريل 2023.
وفي المقابل، عندما تنصهر جوانب الصراع في شراكة حقيقية عبر حوار وطني لإنتاج مرحلة انتقالية وطيدة ومتماسكة ـ كما كان الحال في جنوب أفريقيا ـ فإن أمكانية تجاوز مرحلة الصراع بتحقيق السلام المستدام تصبح هي الأرجح. وفي هذه الحالة تمثل المرحلة الانتقالية مجرد "جسر" مصمم هيكلياً لعبور السودان من الصراع للسلام ثم التحول الديمقراطي، دون تحميل هذا الجسر أكثر من طاقته التصميمية بما يؤدي لانهياره. ولعل من أبرز قضايا الحوار الوطني خلال الفترة الانتقالية القادمة هو الاختصاصات والمهام المسندة للفترة التي تعقب انتهاء الصراع المسلح – هل هي "انتقال" نحو التحول الديمقراطي؟ أم "تأسيس" الدولة السودانية؟
وتقتضي الإجابة المستنيرة على التساؤلات المصاحبة لهذين الخيارين التأمل الحصيف في طبيعة شرعية سلطات الانتقال القادم بعد انتهاء الصدام المدمر بين الجيش والدعم السريع، الذي أحيل فيه الشعب السوداني المفجر لثورة ديسمبر إلى فريسة للمتقاتلين. ذلك أن الممارسات المتعارف عليها في أدبيات ما بعد الصراع في جميع أنحاء العالم تؤكد أن "تأسيس" الدولة خلال الانتقال لا يمكن تحقيقه إلا عبر الشرعية الثورية، التي كانت قد فقدت صلاحيتها في السودان بتجاوز عمر ثورة ديسمبر الشعبية لأربع سنوات، أو عبر قوة السلاح فاقدة الشرعية بغض النظر عن المنتصر بين الجيش والدعم السريع.
ونظراً لفقدان "الشرعية الثورية" لصلاحيتها منذ انقضاء بضعة أشهر على نجاح ثورة ديسمبر الشعبية في الإطاحة بالنظام السابق، فإن الذي يحل محلها منطقياً هو "شرعية المؤازرة الشعبية" التي تتأتى بالتوافق على "عقد اجتماعي" مستوحى من أهداف ثورة ديسمبر. ولا يحل محلها بتاتاً ما يُسمى "الشرعية التوافقية". وينطوي هذا "العقد الاجتماعي" على مجابهة تحديات الانتقال المتراكمة التي ظل يعاني منها الشعب السوداني. وذلك باجتناب واتقاء مكابدة تعقيدات الشرعية "لتأسيس السودان الجديد" التي تقود حتماً لتواصل فشل الانتقال نحو التحول الديمقراطي بتأجيج صدام مسلح أوسع نطاقاً وأفدح خسائراً. وتشمل بنود هذا العقد الاجتماعي، فيما تشمل:
• وقف الأعمال العدائية بين المتصارعين.
• الالتزام بمبادئ الحرية والسلام والعدالة لثورة ديسمبر 2018.
• تفكيك نظام الثلاثين من يونيو1989 وفقاً للقانون.
• مراجعة اتفاقية سلام جوبا.
• التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج.
• تكوين جيش سوداني واحد وموحد يشمل الدعم السريع والحركات المسلحة.
• تحقيق العدالة الانتقالية.
• عودة اللاجئين والنازحين.
• إرساء أسس الدولة المدنية الفاعلة.
• تحقيق الاندماج المجتمعي وإدارة العلاقات المجتمعية.
• توفير الوظائف للشباب.
• الإيفاء بحقوق المرأة.
• ترسيخ علاقات إقليمية ودولية ترتكز على تحقيق المكاسب المشتركة (Win-win).
• الشروع في تحقيق الانتعاش الاقتصادي.
• تهيئة البيئة الصالحة لقيام انتخابات حرة ونزيهة.
ذلك أن الممارسات الجيدة في العديد من البلدان الخارجة من الصراع قد أكدت أن ما يسمى "الشرعية التوافقية" ما هي إلا مجرد غطاء لفرض رأي سلطة الأمر الواقع، مثل ما حدث في حوار الوثبة إبان النظام السابق. وفي بعض الحالات فرضت "الشرعية التوافقية" رأي السفارات المتنفذة في تلك الدول الخارجة من الصراع.
ولا يغيب على السودانيين أن محاولة "تأسيس السودان الجديد" عبر سلاح الحركة الشعبية لتحرير السودان قد أدى لانفصال الجنوب في عام 2011، عقب فترة انتقالية دامت ست سنوات طغى عليها نظام الإنقاذ السابق. ونتج عن ذلك "ترسيخ السودان القديم"، بدلاً عن "تأسيس السودان الجديد"! وتشير الدلائل إلى تواصل خطل "التأسيس" خلال فترة الانتقال حتى بعد انفصال الجنوب عندما استخدم نفس سلاح الحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 2013 لمحاولة "تأسيس جنوب السودان الجديد" بعد عامين فقط من احتفال "تأسيس" الدولة الوليدة في عام 2011، حيث دام ذلك الصراع المسلح خمس سنوات سقط خلالها مئات الآلاف من القتلى.
إن الفترة الانتقالية بعد هذه الحرب المدمرة بين الجيش والدعم السريع لا تعدو عن كونها جسر عبور واهن نحو التحول الديمقراطي، معرض للانهيار إذا حُمّل فوق طاقته التصميمية التي لا ينبغي أن تتجاوز تنفيذ العقد الاجتماعي بين سلطة الانتقال المدنية والشعب. ويماثل تلك الحمولة الفائضة عن الحاجة أيضاً تحميل الفترة الانتقالية مشروعات "نهضوية" اشتهائية لا تقوى على تنفيذها. ونظراً لهشاشة هذه الفترة فإن المشروعات "النهضوية" خلال الانتقال تمثل "إفراطاً" بنفس القدر الذي تمثل فيه المهمات "التأسيسية" خلال الانتقال "تفريطاً".
خلاصة القول إن محاولة إغراق الفترة الانتقالية بمهام "تأسيس السودان الجديد" يمثل تمريناً نخبوياً لا يستند إلا على شرعية السلاح، فضلاً عن كونه قصير الأجل تجُبُّه حتماً السلطة المنتخبة بعد انتهاء الفترة الانتقالية. ذلك أن "التأسيس المستدام" للسودان الجديد لا يتم إلا عبر سلطة منتخبة تعقب إنجاز الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للسلام عبر فترة انتقالية رصينة ومتماسكة لا تقل مدتها عن خمس سنوات، يقودها مدنيون مستقلون ويحميها جيش واحد موحد، ويتم خلالها تنفيذ العقد الاجتماعي بين السلطة الانتقالية والشعب.
melshibly@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: بین الجیش والدعم السریع الفترة الانتقالیة العقد الاجتماعی من الصراع
إقرأ أيضاً:
حرب السودان.. صراع على السلطة أم مؤامرة ضد الدولة؟
إن فوكس
نجيب عبدالرحيم
najeebwm@hotmail.com
الحرب الدائرة في السودان منذ أبريل 2023 ليست مجرد صراع تقليدي بين جيش نظامي ومليشيا خارجة عن السيطرة، بل هي أقرب إلى مسرحية سيئة الإخراج تديرها وتحرك خيوطها قوى ظلامية تسعى لإعادة السودان إلى عهود الاستبداد والهيمنة الأيديولوجية. هذه الحرب لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت كنتيجة لتحركات مدروسة بدأت منذ سقوط نظام البشير عام 2019، حين أدركت الحركة الإسلامية أن أدوات القمع المباشر فشلت في احتواء الثورة السودانية، وأن استمرار الانتقال الديمقراطي يعني نهايتها الحتمية.
ما يميز هذه الحرب هو حجم الفوضى الممنهجة والانتهاكات غير المسبوقة بحق المدنيين، حيث لم تسلم منها القرى والمدن، المساجد والخلاوي، المدارس والجامعات، الوزارات والسفارات، بل وحتى السجلات الوطنية والمرافق العامة التي تعكس هوية السودان وتاريخه. لم يكن هذا التدمير عشوائيًا، بل يبدو كجزء من مخطط يهدف إلى إعادة تشكيل السودان وفق رؤية القوى التي أشعلت الحرب.
الحملة الإعلامية المصاحبة لهذه الحرب، بما تتضمنه من فيديوهات عنصرية تحريضية تُظهر الانتهاكات من كلا الطرفين، ليست مجرد توثيق للأحداث، بل هي جزء من استراتيجية منظمة تهدف إلى تكريس حالة العداء والانقسام داخل المجتمع السوداني، وتصوير البلاد على أنها غير قابلة للحكم المدني، مما يسهل إعادة إنتاج نموذج حكم عسكري–إسلاموي جديد.
منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، ظهر جليًا أن قيادات الحركة الإسلامية لم تستسلم لخسارتها السلطة بعد سقوط البشير، بل شرعت في إعادة ترتيب أوراقها داخل الجيش والأجهزة الأمنية، وسعت لاختراق الدعم السريع، لضمان أن يكون طرفا الحرب في النهاية خاضعين لتأثيرها. فبعد أن فشل انقلاب البرهان – بدعم من فلول النظام المباد – في قمع الحراك الشعبي وإنهاء مطالب الحكم المدني، أصبح إشعال الحرب هو الخيار الوحيد أمام الحركة الإسلامية لضمان استمرار نفوذها في المشهد السياسي السوداني. وبذلك، فإن الحرب الحالية ليست مجرد صراع بين الجيش والد**عم السريع، بل هي حرب صممت خصيصاً لمنع قيام دولة مدنية، وتفتيت أي مشروع وطني جامع قد يُنهي عقوداً من سيطرة الإسلاميين على السودان.
الحرب لم تسفر فقط عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين وسرقة ممتلكاتهم ومدخراتهم، بل خلقت واقعًا جديدًا تتضاءل فيه فرص استعادة الدولة الوطنية. فمع استمرار القتال، تترسخ سلطة أمراء الحرب، وتتوسع رقعة الفوضى، ويزداد تغلغل المجموعات المتطرفة والجماعات الإجرامية في المشهد. وبذلك، فإن المستفيد الأكبر من هذه الفوضى هم أولئك الذين يسعون إلى إعادة إنتاج نموذج الدولة الأمنية التي تسيطر عليها الأيديولوجيا الدينية والقمع العسكري ولذا يريدون إستمرارها . بالقمع القضائي، ولا علاقة له بالحق والحقيقة والعدالة، إن من يقف وراء ذلك يلحقون بأنفسهم العار الأخلاقي والوطني والإنساني، فهم الذين نهبوا الدولة وأفلسوا الشعب وتنازلوا عن سيادة الوطن وثرواته وأنفصل جنوب السودان عن شمالة، وفارقنا الحبيب (منقو زمبيري ) فراق الطريفي لجملو ومنقو عاش من يفصلنا وها هم يغطون جرائمهم بتلفيقات لقمع الحريات.
ما يجري في السودان اليوم هو معركة وجودية بين قوى تريد إرساء حكم مدني ديمقراطي، وأخرى لا ترى في السودان سوى ساحة لتجاربها الفاشلة في الحكم عبر العنف والإرهاب الفكري والعسكري. لقد بات واضحًا أن الحركة الإسلامية، بعد أن أدركت استحالة العودة إلى السلطة عبر الوسائل التقليدية، لجأت إلى آخر أسلحتها: الحرب الشاملة التي تضمن لها موطئ قدم في مستقبل السودان، ولو على أنقاض الدولة نفسها. لكن رغم كل ذلك، فإن الشعب السوداني الذي أسقط أعتى الدكتاتوريات لا يزال قادرًا على إفشال هذه المخططات، شريطة أن يدرك أن المعركة ليست بين جيش ودعم سريع، بل هي بين مشروع وطن ديمقراطي، ومشروع فوضى تسعى من خلاله قوى الظلام للبقاء في المشهد إلى الأبد وتمارس إنتهاكات فظيعة بعد تحرير مدني إستبشرنا خيرا بخروج أوباش الجن**جويد الذين مارسوا كل أساليب البرابرة والمغول قتل بلا رحمة ونهب واغتصاب.
إذا اختلفت مع المؤيدين للحرب العبثية المدمرة تطالك التهم المجانية متعاون عميل وخائن ودعامي وقحاتي وهكذا مع البقية من لا يعجبه كلامك سيتهمك بما ليس فيك فالمشهد أصبح واضحا أن هذه قادة المليشيات تريد استمرار الحرب من أجل مصالحهم السياسية وعودة (مشروعهم الحضاري ) الذي لم يكتمل فوق الأشلاء والجماجم..
ظهور صفحات وهمية وجداد إلكتروني ولايفاتية ومنقبين وقونات على مواقع التواصل الإجتماعي مهمتهم التضليل والكذب والتركيز على كل من يقول لا للحرب عميل خائن دعامي قحاتي وتقدم المفترى عليها حاصة للدعا**مة والكل يعلم أن الدع**م السر**يع حاضنتهم البندقية shoot to kill
الجيش السوداني جيش الوطن ولا يوجد سوداني يتمنى هزيمته فهو صمام أمان الوطن وحامي الأرض والعرض ولكن المليشيات الإسلامية تبع النظام المباد التي تقاتل مع الجيش لم تلتزم بأوامر القادة وتقوم بقتل المواطنين العزل وشاهدنا مقطع فيديو لأفراد منهم في مدينة ودمدني عند دخول الجيش إليها مارسوا نفس سلوك الجن**جويد بل تفوقوا عليها بالوحشية الداعشية البربرية والكل شاهد المناظر المقززة التي لا تمت للإنسانية بصلة جز الرؤوس والإعدام رمياً بالرصاص بتهمة التعاون مع الدعا**مة دون محاكمة وما يقومون به رسالة إلى الثوار وكل من يطالب بالحرية والديمقراطية على قول الكمرد مناوي .. (السماء ذات البروج) . .
ضبابية النهايات والفوضى الميدانية وتشابه ألوان الكاكي والكدمول تنذر المشهد المعقد باحتمالات لا يحمد عقباها قد تفتح الباب أمام تهجير المواطنين (كلاكيت ثاني) سيشكل نقطة تحول في الحرب تؤدي إلى إجراءات ضاغطة من قادة المليشيات الإسلامية لإفشال أي مسار يقود إلى سلام وفي نفس الوقت المواطن خلاص استوى و(لاك الصبر) والجمر ولم يعد يحتمل المزيد من والمعاناة.. ولازم تقيف وحتقيف.
ما يسمى كتيبة البراء ثورة ديسمبر المجيدة ليس (تفحيط).. تعد من أعظم الثورات في تاريخ النضال سطرها الشباب (الديسمبريون) بصدور عارية بدمائهم وتضحياتهم وأسقطوا نظام الدكتاتور البشير الذي جثم على صدور السودانيين ثلاثين عاماً .. حتماً ستعود ديسمبر
يدور كلام كثير أن الطرفين متفقين بخارطة وحدود للعبتهما بميزان دقيق في حدود .. والانتصارات السريعة التي حققها الجيش في سنجة وجبل موية والدندر ومدني والمصفاة وسلاح الإشارة والوتيرة المتسارعة في إنسحابات الدع**م السر**يع. من هذه الأماكن يعزز من فرضية الاتفاق والمسموح به في اللعبة.. والشعب السوداني يعول على إسكات البندقية بمنبر جدة وتنتهي الحكاية.
الحرية للإعلامي خالد بحيري
الحرية للحكم منصور
المجد والخلود للشهداء .. والدولة مدنية وإن طال السفر .. لا للحرب وألف لا
لك الله يا وطني فغداً ستشرق شمسك