ROMANCING THE GUN
رشا عوض عندي ممن عاطفتهم في المكان الصحيح إلا أن سياستهم فمرتبكة إن لم نقل بلا دفة. فرحبت رشا مؤخراً بخروج نقد مخلص لحركات دارفور المسلحة وقادتها طالب بتصحيح مسار ثورتهم المسلحة. وقالت "وش" إن التصحيح في واقع الحال يقع بوجود الحركة المرغوب تصحيحها ولا يصح في حالة حركات دارفور لأنها في حكم العدم.

فهي صنيعة أما حسن الترابي كيداً للرئيس المخلوع البشير، أو جون قرنق ليستصحبها في ثورة الهامش على المركز. فهي بالنتيجة صناعة مركز ما وإن ظنت بنفسها غير هذا. وقالت رشا إن ممارسات قادتها مثل جبريل إبراهيم ومني مناوي أكثر انحطاطاً من الكيزان أنفسهم. وحتى عبد الواحد، الذي لم يشارك في الفترة الانتقالية، خلا من نبل الثورة واستعصم بالاستبداد. فحركات دارفور عند رشا خلت من نظرية ثورية تشيلها، أو برنامج اقتصادي واجتماعي تسترشد به. فحركات السودان المسلحة بما فيها الجنوب حالات احتجاجية أو تمردات بحواضن قبلية لا ثورات مسلحة بالمعنى الدقيق. وانتهت بالنتيجة "إلى دولة فاشلة في جنوب السودان مستنسخة من دولة الكيزان. ولوردات حرب في دارفور فاسدون متحالفون مع أقبح رموز الدولة المركزية التي زعموا أنهم يحاربونها" وهم انقلابيو الجيش وفلول المؤتمر.
وهنا مربط الفرس. فقالت رشا إنها شخصيا كانت "من أشرس المدافعين عن هذه الحركات المسلحة من باب الانحياز الصادق للمهمشين" لتعترف، وقد رأت مآلات الحركات المسلحة، بأنها أخطأت في الدفاع عنها في الماضي دون أن "تتفحص بدقة مدى تأهيلها الأخلاقي والفني لنصرة قضايا المهمشين". فهي، أي رشا، ملومة بخطأ تقديراتها على إيمانها بقضية الهامش ما يزال وأبداً.
لا أعتقد بأن مثل هذا الاعتذار كاف عن خطأ دام لعقود ولم يكبد البلاد وأهلها الويلات فحسب، بل وهذه الحرب العبثية أيضاً التي هي من ثمارها المرة البليغة. وأكثر سبب رشا لهذا الانقلاب على المسلحين أنه ساءها، كما ساء جماعات معارضة الإنقاذ، من حركات دارفور أنها لم تعتزل الثورة، ولم يكن هذا المنتظر منها بعد عشرة عقود في معارضة الإنقاذ، بل جاءت للدولة ووجاهتها في ركاب العسكريين من جيش ودعم سريع. وما زاد طين خذلان الحركات لقوى الحرية والتغيير أنهم كانوا علقوا عليها أن يقع تغيير نظام لإنقاذ بسلاحها فيما عرف ب"الانتفاضة المحمية". وجرى التركيز في أدب المعارضة مع ذلك على "المحمية" في المعادلة لأن المعارضة المدنية كانت غادرت مواقعها في العمل النقابي متذرعة ببطلان مثله في دولة للإنقاذ لكادرها خبرة شراسة معروفة في "فرتقة حافله". ولما أزف يوم التغيير كان وقع بلا "محمية" سوى من أمان الله وعزيمة شباب المقاومة.
اعتذار رشا تملص لا مواجهة للنفس بصورة لوامة عن خطأ كبير فادح كهذا. ولو صدقت رشا مع نفسها وجيلها لحاكمت تكتيكاتهم خلال معارضتهم للإنقاذ بأذكى مما فعلت وبغير رحمة. وليس المطلب هنا التبكيت ولا عض أصبع الندم، بل للنفاذ إلى علل جوهرية في العمل المعارض للإنقاذ نشبت أنيابها في الحكومة الانتقالية وأوردتها، مع شدة الخصوم في الثورة المضادة، موارد الهلاك. وهذا باب للنقد الذاتي طلباً للشفافية لإصلاح حركة سياسية حداثية مدنية ديمقراطية تاريخية أمامها ليومنا خياران: أن تستنقذ نفسها من ركاكتها طوال عقود الإنقاذ وما قبلها مما اعتذرت عنه رشا، أو الانتحار. وأخشى أن تكون هذه الحركة منخرطة ليومنا في ارتكاب الخيار الأخير.
لم يغب نقد الحركات المسلحة طوال ما ناضلت الإنقاذ. وكان هناك من ظل يلح على معارضي الإنقاذ أن يأخذوا الحركات المسلحة بالشدة بعد التضامن معها. أنا مثلاً. قلت لهم للجنوب قضية لا شك في ذلك، ولكن الحركة الشعبية لتحرير السودان مجرد منظمة واحدة من بؤر النضال من أجلها. أي أنها لا تحتكرها. ولم يتفق معارضو الإنقاذ معي في ذلك وصارت الحركة الشعبية، والعقيد جون قرنق بالذات، مبلغ علمهم عن قضية الجنوب. ولم أتأخر عن بيان انتهاكات حركات دارفور المسلحة لحقوق بعض أهلها، وحقوق الحركة منهم على الحركة، وحقوق طوائف من العضوية فيها الذين خضعوا لعنف مؤكد بعد انقسامات الحركات الأميبية.
وأنشر هنا الكلمة في الإنجليزية كتبتها لدى سماعي عن زيارة السيد مني مناوي، قائد حركة تحرير السودان، جناح مني، إلى فرنسا وهولندا في إبريل ٢٠١٤. وكان قبل سفره لهما أحدثت قواته خراباً كثيراً في شمال دارفور. فكتبت احتج باسم الديمقراطيين السودانيين على البلدين الأوربيين ترحيبهما بمثله وهو من تضرر أهله بحربه أكثر من الحكومة. وذكرت في السياق احتجاجي في ١٩٨٨ على ألمانيا الاتحادية لدعوتها للعقيد جون قرنق لمخاطبة برلمانها وهو الذي لم يكلف خاطره النزول في انتخابات لبرلمان بلده في ١٩٨٦ بذرائع. وسميت ترحاب الغرب بمسلحين مثل قرنق ومناوي "الفرح بالسلاح" المغامر وعواقبه وخيمة. وأردت نشر كلمتي عن مني بالواشنطن بوست ولم أوفق.
وسيأتي نص الكلمة تالياً.


IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکات المسلحة حرکات دارفور

إقرأ أيضاً:

بعد تصدره التريند.. من هو علي كوشيب؟

علي كوشيب.. تصدر محركات البحث خلال الساعات القليلة الماضية وذلك بعد جلسات مكثفة تضمنت مرافعات من المدعي العام وممثلي الضحايا، إلى جانب دفاع علي كوشيب، بدأت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مرحلة المداولات لتحديد الحكم النهائي في قضية كوشيب.

يأتي هذا بعد سنوات من التحقيقات والاتهامات التي وجهت له بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال النزاع الدموي في دارفور.


من هو علي كوشيب؟


علي كوشيب، واسمه الحقيقي علي محمد علي عبد الرحمن، هو أحد أبرز الشخصيات المرتبطة بالصراع في إقليم دارفور بالسودان. وُلد كوشيب في سبعينيات القرن العشرين في منطقة وادي صالح بدارفور، وكان في بداية حياته قائدًا للميليشيات الجنجويد، وهي قوات شبه عسكرية اتُهمت بارتكاب العديد من الفظائع خلال النزاع في دارفور.

ارتبط اسم علي كوشيب بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حيث يُزعم أنه قاد ميليشيات الجنجويد في هجمات استهدفت القرى والمدنيين في دارفور خلال الصراع الذي اندلع في 2003. وتضمنت هذه الهجمات القتل الجماعي، الاغتصاب، التعذيب، والتهجير القسري للآلاف من السكان.

في عام 2007، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق علي كوشيب بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وعلى الرغم من ذلك، ظل هاربًا لسنوات عدة. في يونيو 2020، قام كوشيب بتسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، حيث يواجه محاكمة بتهم متعددة، من بينها ارتكاب جرائم قتل جماعي ضد المدنيين وانتهاكات لحقوق الإنسان في دارفور.

محاكمة علي كوشيب تُعد من أبرز القضايا التي تنظر فيها المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بالصراع في دارفور، حيث تسعى لتحقيق العدالة للضحايا وتقديم المسؤولين عن تلك الجرائم للمحاسبة.

مقالات مشابهة

  • هذه أهم الحركات الإنتقالية لنواب رؤساء المناطق الأمنية بولاية أمن مراكش
  • شبكة أطباء السودان: «18» قتيل حصيلة قصف الدعم السريع للفاشر اليومين الماضيين
  • دراما المرأة.. من الهامش إلى النجومية
  • محمد وداعة: ام .. المعارك
  • القائد العام للقوات المسلحة يلتقي رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي
  • السودان: حرب منسية تهدد بكارثة إنسانية ومجاعة غير مسبوقة
  • "على الهامش" يمثل المغرب في المسابقة الرسمية لمهرجان الإسكندرية
  • جدل السناريوهات المتوقعة .. لماذا يحتدم القتال في الفاشر؟
  • كيف سيكون يوم النصر الكبير عندما يكون السودان خالي من الجنجويد ؟!
  • بعد تصدره التريند.. من هو علي كوشيب؟